الأحد 4 حزيران 2017
04 حزيران 2017
الأحد 4 حزيران 2017
العدد 23
أحد العنصرة المقدَّس
* 4: مطروفانس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة، مريم ومرتا أختا لعازر، صلاة السجدة، * 5: إثنين الرُّوح القُدُس، الشّهيد دوروثاوس أسقف صور، * 6: إيلاريون الجديد رئيس دير الدلماتن، الشّهيد غلاسيوس، * 7: الشّهيد ثاودوتُس أسقف أنقرة، الشّهيد باييسيوس (كفالونيَّة)، * 8: نقل عظام ثاوذورس قائد الجيش، الشّهيدة كاليوبي، * 9: كيرلّلس رئيس أساقفة الإسكندريّة، * 10: وداع العنصرة، الشّهيدان ألكسندروس وأنطونينا.
الرّوح القدس
الإنسان جسد وعقل وروح (أو قلب). أعطى الله الإنسان عقلاً (الدماغ cerveau) لكي يتدبّر أمور حياته، ومنحه روحاً أو قلباً (nous) لكي، عن طريقه، يتّصل بالله. الحياة الروحيّة (أو الروحانيّة) هي العيش بموجب روح الله ووصاياه لا بموجب روح العالم. لقد قال الله "لا تحبّوا العالم ولا الأشياء التي في العالم... لأنّ كلّ ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العين وتعظّم المعيشة... والعالم يمضي وشهوته، وأمّا الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" (1 يوحنّا 2: 15-17). لكن، من جهة أخرى، يقول: "هكذا أحبّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة" (يوحنّا 3: 16).
* * *
الحياة الروحيّة هي الحياة الداخليّة مع المسيح حيث يلتقي الإنسان مع الله. يقول الرّسول بولس: "حياتنا (الحقيقيّة) مستترة مع المسيح في الله" (كو3/3). الروح القدس هو الذي يُدخل المسيح فينا.
روح الله يعمل في الإنسان عن طريق القوى الإلهيّة غير المخلوقة Uncreated divine energies.
هذه القوى مشبعة بمحبّة الله للبشر و، في الوقت نفسه، تطلقنا إلى تذوّق سابق للحياة الأبديّة عن طريق الصلاة، تذوّق سابق للملكوت. فيها تتحقّق المواعيد الإلهيّة، السعادة الحقيقيّة والفرح. "ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ" (مز 34/8). كلّ عمل روحيّ يجعلنا نعيش ثمار الرّوح القدس: السّلام، المحبّة، طول الأناة، الفرح، اللطف... كلّ عمل روحيّ يجعلنا نعاين القيامة بأعين قلبنا: "إذ قد رأينا قيامة المسيح فلنسجد للربّ القدّوس...". نشهد لغلبة الربّ على الخطيئة، على الشرّ وعلى الموت.
* * *
"الإنسان الطبيعيّ الأرضيّ لا يقبل ما لروح الله لأنّ عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه.... وأمّا الإنسان الروحيّ فيحكم في كلّ شيء ولا شيء يحكم فيه" (1كور 2: 14-15).
المعرفة تأتي عن طريق الرّوح القدس كما هو مكتوب: "لم ترَه عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للّذين يحبّونه. فأعلنه الله لنا نحن بروحه لأنّ الرّوح يفحص كلّ شيء حتّى أعماق الله" (1 كور 2: 9-12). الرّوح يثمر فينا المحبّة (رو 5: 5) وكلّ الفضائل (غلا 5: 22) لأنّكم، إن عشتم حسب الجسد، فستموتون، ولكن، إن كنتم بالروح، فستحيون. (رو 8: 13).
هكذا يكتسب الإنسان الروحيّ إضافة إلى البشريّ، يكتسب نمطاً حياتيّاً جديداً يميل أكثر فأكثر إلى النّور والتوعية، إلى الحريّة في المسيح، وإلى الحياة الأبديّة.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروباريَّة العَنْصَرَة باللَّحن الثَّامِن
مُبَارَكٌ أَنْتَ أَيُّهَا المَسِيحُ إِلَهُنَا، يَا مَنْ أَظْهَرْتَ الصَّيَّادِينَ غَزِيرِيِ الحِكْمَة إِذْ سَكَبْتَ عَلَيْهِمِ الرُّوحَ القُدُس، وَبِهِمِ اصْطَدْتَ المَسْكُونَة، يَا مُحِبَّ البَشَرِ، المَجْدُ لَك.
قنداق العَنْصَرَة باللَّحن الثَّامِن
عندما نزَل العليُّ مبلبِلاً الألسنَة كان للأُممِ مقسِّمًا. ولمَّا وزَّع الألسنةَ الناريّة دعا الكُلَّ إلى اتِّحادٍ واحد. لذلك، باتّفاقِ الأصوات، نمجِّدُ الروحَ الكلّيَّ قدسُه.
الرِّسالَة
أع 2: 1-11
إلى كلِّ الأرضِ خرجَ صوتُهم
السَّمواتُ تُذيعُ مَجْدَ الله
لمَّا حلَّ يومُ الخمسين، كانَ الرسلُ كُلُّهم معًا في مكان واحد. فحدثَ بغتةً صوتٌ من السماءِ كصوتِ ريحٍ شديدةٍ تَعصِفُ، ومَلأَ كلَّ البيتِ الذي كانوا جالسين فيهِ. وظهرت لهم ألسنةٌ منقسِمةٌ كأنَّها من نار، فاستقرَّتْ على كلِّ واحدٍ منهم، فامتلأوا كلُّهم من الروح القدس، وطفِقوا يتكلَّمون بلغاتٍ أخرى، كما أعطاهُم الروحُ أن ينطِقوا. وكانَ في أورشليمَ رجالٌ يهودٌ أتقياءُ من كلِّ أمَّةٍ تحتَ السماءِ. فلمّا صار هذا الصوتُ اجتمعَ الجُمهْورُ فتحيَّروا لأنَّ كلَّ واحدٍ كان يَسمعُهم ينطِقون بلغتِه. فدُهِشوا جميعُهُم وتعجَّبوا قائلين بعضُهم لبعضٍ: أليس هؤلاءِ المتكلِّمونَ كلُّهُم جليليّين؟ فكيفَ نسمَعُ كلٌّ منَّا لغتَه التي وُلد فيها؛ نحن الفَرتيّينَ والمادِيّينَ والعَيلاميّينَ، وسكّانَ ما بين النهرين واليهوديةِ وكبادوكيةَ وبنطسَ وآسيةَ وفريجيةَ وبمفيليةَ ومصرَ ونواحي ليبيةَ عند القيروان، والرومانيِّين المستوطنين، واليهودَ والدخلاءَ والكريتيِّن والعرب، نسمعهم ينطقون بألسنتِنا بعظائمِ الله!
الإنجيل
يو 7: 37-52، 12:8
في اليوم الآخِرِ العظيم من العيد، كان يسوعُ واقفاً فصاح قائلاً: إن عطِش أحد فليأتِ إليَّ ويشربْ. من آمن بي، فكما قال الكتاب: ستجري من بطنه أنهارُ ماء حيّ. (إنّما قال هذا عن الروحِ الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه، إذ لم يكن الروحُ القدسُ قد أعطيَ بعدُ، لأنّ يسوعَ لم يكن بعدُ قد مُجِّد). فكثيرون من الجمع لمّا سمعوا كلامه قالوا: هذا بالحقيقة هو النبيّ. وقال آخَرون: هذا هو المسيح، وآخَرون قالوا: ألعلَّ المسيحَ من الجليل يأتي؟! ألم يَقُلِ الكتابُ إنَّه، من نسلِ داودَ، من بيتَ لحمَ القريةِ حيثُ كانَ داودُ، يأتي المسيح؟ فحَدَثَ شِقاقٌ بينَ الجمعِ من أجلِهِ. وكانَ قومٌ منهم يُريدونَ أن يُمسكوهُ، ولكِن لم يُلقِ أحدٌ عليه يداً. فجاءَ الخُدَّامُ إلى رؤساءِ الكهنَةِ والفَرِّيسيّينَ، فقالَ هؤلاءِ لهُم: لِمَ لم تأتوا بهِ؟ فأجابَ الخُدَّامُ: لم يتكلَّمْ قطُّ إنسانٌ هكذا مثلَ هذا الإنسان. فأجابَهُمُ الفَرِّيسيّون: ألعلَّكم أنتم أيضاً قد ضلَلتُم! هل أحدٌ مِنَ الرؤساءِ أو مِنَ الفرِّيسيينَ آمَنَ بِهِ؟ أمَّا هؤلاءِ الجمعُ الذينَ لا يعرِفونَ الناموسَ فَهُم ملعونون. فقالَ لهم نِيقودِيموسُ الذي كانَ قد جاءَ إليه ليلاً وهُوَ واحدٌ منهم: ألعلَّ ناموسَنا يَدينُ إنساناً إن لم يسمَعْ مِنهُ أوّلاً ويَعلَمْ ما فَعَلَ؟ أجابوا وقالوا لهُ: ألعلَّكَ أنتَ أيضاً من الجليل؟ إبحثْ وانظرْ، إنَّهُ لم يَقُم نبيٌّ منَ الجليل. ثُمَّ كَلَّمهم أيضاً يسوعُ قائلاً: أنا هوَ نورُ العالَم، من يتبَعْني لا يمشِ في الظلامِ، بل يَكونُ لهُ نورُ الحياة.
في الرّسالة
يورد النصّ عبارة "وطفقوا يتكلّمون بلغات أخرى كما أعطاهم الرّوح أن ينطقوا". بَدء هذه (العبارة) يوحي، للوهلة الأولى، بأنّ كلّ رسول صار -بفاعليّة الروح- يتكلّم كلّ اللغات! ولكنّ السؤال هنا: هل كان الرسول، إذن، يتكلّم ويعظ باللّغة العبريّة أوّلاً، ثمّ العربيــّة، ثمّ… مثلاً؟! مسار النصّ يوحي بأنّ الرّسول كان يعظ وعلى الفور كان الجميع يفهمون كلامه كلٌّ بلغته الخاصّة!
هناك تفسير آبائيّ يعتمد على القسم الثاني من الآية، أي على "كما أعطاهم الرّوح أن ينطقوا". عندما حلّ الروح القدس وامتلأ التلاميذ روحاً تكلّموا، بالطبع، بلغتهم التي روحنها الروح وتفاهم الجميع معهم وفهموا عليهم. إنّها حالة –ربّما ولو بتعبير تفسيريّ- ترجمة روحيّة مباشرة.
يتكلّم القدّيسون لغة واحدة رغم تغاير الألسنة واللغات. نظرة سريعة إلى تقليدنا المسيحيّ الشريف الطويل تكشف لنا تماماً كيف تكلّم القدّيسون كلاماً واحداً وكلٌّ بلغته الخاصّة. هناك روايات عديدة في تقليدنا يتلاقى فيها قدّيسون مع "أجانب" عن لغتهم التي يعرفونها، ويتحادثون! تماماً كما جرى في العنصرة. هذه الحالة الروحيّة هي حالة استثنائيّة تفترض أن نمتلئ من الروح القدس. وهذا ما تمّ يوم العنصرة ويمكن أن يتمّ أيَّ يوم في "ملء الروح".
لذلك، في تقليدنا وفي ترانيم عيد العنصرة، هناك مقارنة واضحة بين حدث "بابل" وحدث "العلِّيّة"، بين "تبلبل الألسنة واللغات" في بابل وبين "أن يفهم كلّ منّا بلغته الخاصّة". عندما تزايدت شرور البشر على الأرض وطرد الناس الروح وتمسّكوا إنّما… بالجسد، عندها، يروي الكتاب، شاء الله أن يختلف الناس بلغاتهم -ألسنتهم- ويتفرّقوا إلى شعوب وأمم لا تتفاهم الواحدة منها مع الأخرى. في بابل تمّ التمزّق البشريّ، في العنصرة "الاتّحاد". عالمنا اليوم مشدود من الطرفين، بين التمزّق وعدم التفاهم وبين الوحدة والتآخي.
لماذا تتعدّد الألسنة وينقطع التفاهم؟ الظاهرة التي تتجلّى في تعدّد اللغات؟ هناك أناس لهم المفاهيم ذاتها ولكن، بسبب من لغاتهم المتعدّدة مثلاً، لا يستطيعون أن يتفاهموا. وهناك أناس لغتهم واحدة لكن مفاهيمهم متغايرة، وهؤلاء أيضاً لا يتفاهمون. ما تمّ في العنصرة، هو أنّ الامتلاء من الروح غلب تعدّد اللغات، أنّ الوحدة بالروح حقّقت التفاهم رغم تغاير اللغات.
تتعدّد الألسنة ويتعطّل التفاهم بالأساس بسبب من تغاير الغايات بين البشر واختلافها. عندما تكون أهداف البشر متضاربة أو متغايرة أو غير متشابهة عندها لا تفيد حتّى اللغة الواحدة، ولا سائر اللغات أيضاً.
أسباب التمزّق البشريّ وانقطاع التواصل عديدة وأهمّها، أوّلاً، الإيديولوجيّات المختلفة والمتنوّعة، والتي تظهر في السياسة والدين وجذور الحضارات الإنسانيّة. فينْعت تيّارٌ الآخرَ بـ“الضلال” ويُنصّب تيّار ذاته كـ"الهادي". وتتصارع التيّارات وتتسابق في اقتناص الأسماء الرنّانة، ونراها، في النهاية، تفرّق الناس وتصنّفهم، وللأسف أحياناً تمزّق. كأنّ أتباع هذا الدين أو ذلك الحزب هم لنظيرهم أعداءٌ أو منافسون!
وحين تتضارب المصالح، بعد تعدّد الإيديولوجيّات، فإنّ اللغة الحقيقيّة المبطّنة وراء سطور كلّ اللغات هي لغة المكر والرياء. وكيف سيتّحد الناس ولا تجمعهم المحبّة، ولو وحّدت فيما بينهم مسائل كاللغات أو سواها من المعطيات المشتركة بينهم؟ وهنا يمكننا أن نلاحظ فكر الإعلام والدعاية، التي صارت قادرة في أيامنا، وهي أيّام أوجها، على أن تقيم الباطل وتهدم الحقّ. ولغة الدعاية لا توحّد يوماً بين كلّ الناس بل تُخضع طرفاً لآخر وتُؤَلّب الأوّل على الثاني، دون أن تكون الحقيقة دائماً هي المعيار، بل السلطة فيها للقويّ والقادر.
"الروح يقود إلى اتّحاد واحد" تقول ترانيم العيد. نحن، في عالمنا اليوم، أحوج إلى عنصرة منّا إلى دعايات أو أيدولوجيّات.. نحن بحاجة لشهادة الكنيسة الحيّة التي ليست هي مجرّد كلمات وإنّما فعل عنصرة دائمة في التاريخ. على الكنيسة أن تجعل العنصرة دائمة. أي أن يكون الناس ممتلئين من الروح القدس فلا تفصل بينهم ألوان اللغات ما دام ما في القلب واحد، وهو المحبّة والسّلام والفرح وكلّ ثمار الروح.
لن نكون واحداً إلّا إذا "امتلأنا من الروح القدس". المكان الذي سيلتقي فيه الناس ويتكلّمون فيه بلغة واحدة هو "حيّز القداسة" والقلب الطاهر الذي يقبل "ندى الروح المتنسّم ناراً".
العنصرة هي كمال التدبير الإلهيّ. لقد تجسّد يسوع ومات وقام ليؤسّس كنيسته التي هي مكان إرسال الروح القدس. غاية الكنيسة هي تأهيل النفوس لانسكاب الروح، روح الحقّ. الكنيسة برج محبّة نبنيه بدل برج بابل.
روح المصالح وأرواح الإيديولوجيّات لطالما مزّقت البشر. وروح الحقّ، الروح القدس، “يجمع الكلّ إلى اتّحاد واحد”!
أحد العنصرة
ها الوعد قد تمّ!!...
ها الحياة الّتي منذ الأزل، الّتي أُعطيت للإنسان منذ بدء الأزمنة وحتّى التجسّد، تحقّق نجازها اليوم بحلول الرّوح القدس المعزّي على التلاميذ وفي كيان كلّ إنسان شَقَّ جلده وكيانه العتيق، نازعًا عنه ومنه الأقمصة الجلديّة الّتي غلّفته آجالاً طويلة، ليلبس الكلمة النازلة عليه من السَّموات، وعد حبٍّ مطلق لا نهاية له... روح الحق الّذي سيبقى مع الإنسان إلى المجيء الثّاني!!.
ها الوعد يتجسّد روحًا، ليصير حقيقة وفعلاً إلهيّين يغلّفان الكون بكلّ ما فيه ومن فيه، لينبثق الوجود من نفحة الإله بالرّوح القدس، الّذي هو نور وحياة وحقّ، الإله من الإله، المُرسَل من الإبن بالآب، ليحيا الإنسان بالسّلام والحبّ والنّور الّذي لا يغرب، بالحق والرّوح المعزّي الّذي سيبقى معنا إلى الأبد!!...
أكلّ من يولد على الأرض، يولد معمّدًا وممتلئًا بالرّوح القدس ليسكن فيه؟!.
كلّ من في الكون، نذرٌ للإله!!!.
لكنّ السّقوط أبطل عمل الكلمة الوصيّة من ضمير الإنسان، فصارت الولادات تراكمات عِشْقٍ جسديّ، دون خفقة الرّوح القدس المحيي، الّذي يقدّس وينمي وينير الكيان بالمعمودية المقدّسة ليلبس الإنسان ”ثوب العافية“ الّذي من الآب والآتي بالإبن في الرّوح القدس، ليُحيي كلّ الّذين عاشوا ويعيشون سلالة خصب الأنبياء والآباء والمرسلين خلاصًا للكون!!!.
الكون يخلص بالإله وبالإنسان المعمّد على ٱسم الآب والاِبن والرّوح القدس، الإنسان المُقيم في جسد السّقوط ولكن الغارف من روح الرّبّ يومًا بعد يومٍ لِيَخْلُصَ، إن غلَّب هو فيه مرتضيًا أن يسكنه روح الرّب القدّوس وحده!!..
والرّبّ قال لتلاميذه: "إنّ كلّ ما تطلبون من الآب باسمي يُعطيكموه. إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي. أطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً" (يوحنّا 23:16-24). والطلب هذا ينبع من إحساس الإنسان بسقوطه وبغربته عن كلِّ مخلوق في هذا العالم وضعفه في وحدته ورفضه الموت ليصرخ: "هلمَّ يا إلهي واسكن فيَّ..!!
كامل الأجيال يحقّق اليوم وجوده على الأرض، في كلّ أطراف المسكونة، بالابن الرّبّ الإله المتجسّد في الكون، الباثّ وصاياه للتلاميذ وكلّ الّذين أطلقهم ليبشّروا بالآب أبًا، وبالإبن إبنًا، وبالرّوح القدس المُحيي المساوي للآب وللابن في الألوهة روحًا محييًا... ثالوثًا مثلَّثَ الأقانيم بوحدانيّة لا تنفصم، الثابث الضياء في الكون الّذي أبدعه الإله الآب منذ بداءة الإجيال...
اليوم نعيّد للرّوح القدس الإله السّاكن فينا!!...
اليوم نعيّد للمُرسَل الّذي لا بداءة له، الّذي هو مع الآب والابن كائنًا منذ الأزل، و الباقي إلى الأبد، العامل بلا هوادة في الكون، مبشّرًا الأُمم كُلَّها من حيث هو روح الحقّ المُرسَل من الآب بالاِبن، للحلول في الكون إلهًا مساويًا للآب والابن، حاملاً كلمة الحياة، روح الحياة، الّذي يَجْدُلُ كلَّ صباحٍ حِبال المعرفة الإِلهيّة نوراً، حاملاً كلمة حقّ الإنجيل إلى الإنسان، لينزِعَ عنه طحلب السّقوط الملتصق فيه والثّابت على جلده، ليَلده، إن آمن بالآب والاِبن وبه، طفلاً إلهيًّا سماويًّا جديدًا، لا عتمة فيه ولا ظلمة ولا موت.!!.
اليوم نعيّد للمعزّي روح الحقّ الرّافع عنّا آلامنا وخطايانا وقلقنا وسقوطنا ليُبرِئنا منها كلّها إن نحن آمنّا به بدءًا!!. فنحيا العمر في المراوحة والسقوط والقيام حتّى نلهج بوجع التسليم: "سيّدي إلى من نذهب؟! كلام الحياة الأبديّة عندك"!!. وإذ نحن نخاطب الإبن الّذي تجسّد بيننا ليحمل خطايانا ويسمّرها على الصّليب وينزل إلى الجحيم مزيلاً سقطتنا بالنّار الإلهيّة، نار حبّه وموته عنّا، ومحوّلاً الحياة إلى أكاليل لا تذبل، متوّجًا بها قلوبنا وكياننا الرّوحيّ المحمول في هذه الآنية الخزفيّة، في هذا الجسد الوَهِنْ، ومعيقًا إيّانا عن الاِتّحاد الكلّيّ بالختن، بالحبيب، بالإِله الّذي نَفَخَ روحه القدّوس فينا يوم جَبَلَنا من طينٍ وترابِ الأرض الّتي خلقها. وإذا وعينا وقَبِلْنا أن نُسَمَّر على صليب خلاص إلهنا الّذي ٱنصلب عليه لأجلنا، نبقى طيلة حياتنا في حالة دهشٍ وحبٍّ للجميع، فتتدفّق المياه المعزّية، دموعًا عن خطايانا وجهالات الشعب، لا من عيوننا فقط، بل من الكيان كلّه فنُعَمَّد تاليًا بالنّور الإلهيّ.
الكون كلّه اليوم ينفتح أمام وهج النار والنور الإلهيّين ليبطل عتمات الشكّ التي زرعها الشرّير فيه... فيعلن جهاراً أنّنا نحن كلّنا اليوم صرنا بالنعمة في وحدة مع الآب بتجسّد الاِبن والاِمتلاء من الرّوح القدس...
اليوم العنصرة تشُقُّ خوائيّتنا الموروثة فينا منذ سقوطنا لتتحقّق القولة الإلهيّة:
"في ذلك اليوم تطلبون باسمي ولستُ أقول لكم إنّي أنا أسأل الآب من أجلكم. فإنّ الآب هو يحبّكم لأنّكم أحببتموني وآمنتم أنّي من الله خرجتُ" (يو 26:16).
"أنا هو نور العالم. من يتبعْني لا يمشِ في الظلام بل يكون له نور الحياة" (يو 12:8).
"إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب، من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ" (يو 37:7-38).
فتعالَوا يا جميع الّذين عرفوا وأحسّوا، فآمنوا بإنّهم هم أولاد الله وأبناء العليّ يُدعون، لنَسْمَعَ ونرى ونلمُس فنحيا أُويقات عمرنا على هذه الأرض، فاتحين كياناتنا لنستقبل الرّوح المعزّي، روح الحق، فنحيا به مع الآب بمسرّة الاِبن، آمين.