الأحد 23 تشرين الأوّل 2016

الأحد 23 تشرين الأوّل 2016

23 تشرين الأول 2016

الأحد 23 تشرين الأوّل 2016 
العدد 43
الأحد 16 بعد العنصرة
اللَّحن الأوّل الإيوثينا السابعة
 
 
 
* 23: يعقوب الرَّسول أخو الربّ وأوّل أساقفة أورشليم، * 24: الشّهيد أريثا (الحارث) ورفقته، * 25: الشّهيد مركيانوس ومرتيريوس، تابيثا الرَّحيمة التي أقامها بطرس، * 26: العظيم في الشّهداء ديمتريوس المفيض الطيب، الزلزلة العظيمة، * 27: الشّهيد نسطر، بروكلا إمرأة بيلاطس، * 28: الشّهداء ترنتيوس ونيونيلا وأولادهما، استفانوس السابَويّ، * 29: الشّهيدة انستاسيَّا الروميَّة، البارّ أبراميوس ومريم ابنة أخيه.
 
 
عيد القدّيس الرسول يعقوب أخي الربّ 
 
يعقوب أخو الربّ وجه بارز في العصر الرسوليّ، دُعي "يعقوب البارّ" و"يعقوب أخا الربّ". أُقيم أسقفًا على أورشليم بعد صعود الربّ يسوع إلى السماء، فقاد الكنيسة مدّة ٣٠ عامًا. ثمّة اعتقاد بأنّه هو نفسه يعقوب بن حلفى أحد الرسل الإثنيّ عشر. يكتب القدّيس هيبّوليتس في مؤلّفيه الصغيرين، ولكن المهمّين جدًّا، أنّه "عندما كان يعقوب بن حلفى يبشّر في أورشليم رجمه اليهود ودفنوه في مكان قريب من الهيكل". ونحن نعلم أنّ اليهود رجموا أيضًا، حتّى الموت، يعقوب أخا الربّ، ما يقوّي الاعتقاد بأنّ أخا الربّ هو ابن حلفى. فيكون من المرجّح إذًا أنّ يعقوب هو ابن مريم أخت مريم والدة الإله (أي نسيبتها)، وزوجة كليوبا، واحدة من حاملات الطيب اللواتي أتين قبر السيّد سحر أحد القيامة. وهذا رأي القدّيس بابيّاس الرسوليّ أسقف إيرابوليس، الذي كتب عن مريم أخت مريم العذراء أنّها "مريم زوجة كليوبا أو حلفى، وكانت أمّ يعقوب الأسقف والرسول، وسمعان وتدّاوس، ويوسي". وفي الإنجيل بحسب مرقس، كما في الإنجيل بحسب متّى أيضًا، يُذكر يعقوب كأخٍ للربّ: "أوليس هذا هو النجّار، ابن مريم، أخا يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أليست أخواته هنا عندنا؟".
 
يظهر الدور المهمّ والاحترام الكبير الذي حظي به الرسول يعقوب أخو الربّ في الجماعة الأولى ممّا نقرأه في رسائل القدّيس بولس ومن سفر أعمال الرسل. يخبرنا الرسول بولس، في رسالته إلى أهل غلاطية، أنّه، عندما صعد إلى أورشليم للمرّة الأولى بعد اهتدائه، حرص على زيارة الرسول 
 
بطرس والرسول يعقوب أخي الربّ (غل ١: ١٩) الذي كان يُعتبر أحد الأعمدة بين الرسل (غل ٢: ٩). كما يطلعنا رسول الأمم على أنّ الربّ ظهر، بعد قيامته، ليعقوب (١كور ١٥: ٧). وكانت للرسول يعقوب أخي الربّ الكلمة الفصل في مجمع الرسل في أورشليم (أع ١٥: ١٩). فهو الذي ”حكم” بين الرسول بولس وبين الذين حاربوه رافضين انضمام الشعوب كلّها إلى المسيحيّة من دون حفظ الناموس الموسويّ، أي من دون التهوّد. فنصّ الرسل قرار مجمعهم حرفيًّا كما حكم يعقوب بالأمر.
 
وقد خصّص يوسيفوس المؤرّخ اليهوديّ (٣٧ -١٠٠م) مقطعًا في مؤلّفه الثاني "تاريخ اليهود" (حوالى ٩٠ م.) عن استشهاد يعقوب أخي الربّ. يخبرنا فيه أنّ “أخا يسوع، الذي يُدعى المسيح، واسمه يعقوب” قُتل بعد موت الوالي بوركيوس فستوس وقبل استلام الوالي لوسيوس ألبينوس مهمامّه، أي في العام ٦٢ م. لقد انتهز رئيس الكهنة حنّان بن حنّان غياب المراقبة الرومانيّة لكي يدعو المجمع اليهوديّ إلى الانعقاد، ويحكموا على يعقوب بتهمة “مخالفة الناموس”. فأعدموه رجمًا بعد ذلك ودفنوه في موضع استشهاده. ويقول يوسيفوس إنّ عمل حنّان هذا ظهر كجريمة قضائيّة وأثار حفيظة عدد كبير من الوجهاء المعتدلين في المدينة، والمحافظين في تمسّكهم بالناموس. فقابل هؤلاء الوالي الجديد وطلبوا منه الحكم في هذه المسألة. وبنتيجة هذا اللقاء استبدل الملك أغريبّا رئيسَ الكهنة حنّان بيشوع بن دمناوس. كما اعتبر يوسيفوس المؤرّخ أنّ حصار أورشليم وسقوطها كانا عقابًا من الله على قتل يعقوب البارّ.
 
في تاريخ الكنيسة لأفسافيوس القيصريّ، يرد مقطعٌ من عمل هيغيسيبوس المؤرّخ المسيحيّ من القرن الثاني الميلاديّ، يتحدّث فيه عن يعقوب أخي الربّ. فيه يطلعنا على أنّه دُعي دائمًا "البارّ" من أيّام الربّ يسوع، وأنّه لم يشرب الخمر في حياته ولا أيّ شراب مُسكر، ولم يحلق شعر رأسه ولم يدهنه بالزيت، وأنّه لم يكن يستحمّ البتّة… كان يسجد على ركبتيه ضارعًا إلى الله من أجل غفران خطايا الشعب، حتّى أصبح جلد ركبتيه قاسيًا كالجلد على ركبتَي الجمل.
 
تُنْسَب إلى الرسول يعقوب أخي الربّ الرسالة التي تحمل اسمه. كما تنسب إليه أقدم ليتورجيا إلهيّة، وهي تحمل اسمه أيضًا.
 
تعيّد له الكنيسة في هذا اليوم الذي هو الثالث والعشرون من شهر تشرين الأوّل، وفي السادس والعشرين من شهر كانون الأوّل، وفي الأحد الذي بعد عيد الميلاد مع داود الملك والبارّ يوسف الخطيب.
 

يبقى الرسول يعقوب أخو الربّ مثال الرسول والأسقف البارّ في كلّ زمان ومكان، وفخر الشهداء وجمالهم. فبشفاعته اللهمّ ارحمنا وخلّصنا، آمين.

 

                                             الإرشمندريت يعقوب خليل   
                                       رئيس دير سيّدة البلمند البطريركي
 

 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الأوّل
إنّ الحجر لمّا خُتم من اليهود، وجسدَك الطاهر حُفِظَ من الجند، قمتَ في اليوم الثالث أيّها المخلِّص، مانحاً العالـمَ الحياة. لذلك، قوّاتُ السماوات هتفوا إليك يا واهب الحياة: المجدُ لقيامتِك أيّها المسيح، المجدُ لملكِك، المجدُ لتدبيرِك يا محبَّ البشرِ وحدَك.
 
 
طروباريَّة القدّيس الرّسول يعقوب أخي الربّ الإله بالجسد باللَّحن الرّابع
بما أنّك تلميذٌ تقبَّلتَ الإنجيل أيّها الصدّيق، وبما أنّك شهيدُ فأنت غيرُ مردود، وبما أنّك أخٌ للإله فلك الدالَّة، وبما أنّك رئيسُ كهنةٍ فلك الشفاعة، فابتهِل إلى المسيحِ الإله أن يخلّصَ نفوسَنا.
 
 
القنداق باللحن الرّابع
يا شفيعَةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودة، لا تُعرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحة، نَحْنُ الصارخينَ إليكِ بإيمانٍ: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطِّلْبَةِ، يا والدةَ الإلهِ المُتشَفِّعَةَ دائماً بمكرِّميك.
 
 
الرِّسالَة
غل 1: 11-19
رتِّلوا لإلهنا رتِّلوا 
يا جميعَ الأُممِ صفِّقوا بالأيادي
 
يا إخوةُ، أُعْلِمُكم أنَّ الإنجيلَ الذي بشَّرتُ بهِ ليسَ بحسبِ الإنسانِ، لأنّي لم أتسلَّمْهُ من إنسانٍ بل بإعلانِ يسوعَ المسيح. فإنَّكم قد سمعتُم بسِيرتي قديماً في مِلَّةِ اليهودِ أنّي كنتُ أضطهِدُ كنيسةَ اللهِ بإفراطٍ وأُدَمِّرُها وأَزيدُ تَقَدُّمًا في ملَّةِ اليهودِ على كثيرينَ من أترابي في جِنسي بكوني أَوفرَ منهم غَيْرَةً على تَقليداتِ آبائي. فلمَّا ارتضَى اللهُ الذي أفرَزَني من جوفِ أمِّي، ودعاني بنعمتِه، أنْ يُعلِنَ ابنَهُ فيَّ لأُبشِّرَ بهِ بينَ الأُممِ، لساعتي لم أُصغِ إل لحمٍ ودمٍ، ولا صَعِدْتُ إلى أورَشليمَ إلى الرسلِ الذينَ قبلي، بلِ انطلقتُ إلى ديار العربِ، وبعدَ ذلكَ رَجَعتُ إلى دِمشق. ثمَّ إنّي، بعدَ ثلاثِ سنينَ، صَعِدتُ إلى أورَشليمَ لأزورَ بطرسَ فأقمتُ عندَهُ خمسةَ عشرَ يوماً. ولم أرَ غيرَهُ من الرسلِ سوى يعقوبَ أخي الربّ.
 
 
الإنجيل
لو 8: 27-39 (لوقا 6)
في ذلك الزمان، أتى يسوعُ إلى كورَةِ الجِرجِسييّنَ، فاستقبَلهُ رجُلٌ منَ المَدينَةِ بِه شياطينُ مُنذُ زَمانٍ طويلِ، ولم يكن يلبَسُ ثوباً ولا يأوِي إلى بَيتٍ بل إلى القبور. فلمّا رأى يسوعَ صاحَ وخرَّ وقالَ بِصوتٍ عظيم: ما لي ولكَ يا يسوعُ ابْنَ اللهِ العليّ. أطلُبُ إليكَ ألاّ تُعَذِّبَني. فَإنَّهُ أمَرَ الروحَ النَجِسَ أن يَخرُجَ منَ الإنسانِ لأنَّهُ كانَ قد اختطفَهُ مُنذُ زَمانٍ طويلٍ، وكانَ يُربَطُ بسلاسِلَ ويُحْبَسُ بِقُيودٍ فيقطعُ الرُّبُطَ وتسوقه الشياطين إلى البراري. فسألَهُ يسوعُ قائلاً: ما اسمُك؟ فقالَ: لجئُون، لأنَّ شياطينَ كثيرينَ كانوا قد دَخلوا فيهِ وطلبوا إليهِ أن لا يأمُرَهُم بالذهابِ إلى الهاوية.
 
وكانَ هُناكَ قَطيعُ خنازيرَ كثيرةٍ ترعَى في الجبلِ، فَطَلَبوا إليهِ أن يأذنَ لهم بالدخولِ فيها فأذِن لهم، فخَرَج الشياطينُ من الإنسانِ ودخَلوا في الخنازيرِ، فوَثبَ القطيعُ عَن الجُرْفِ إلى البُحَيْرةِ فاختنقَ. فلمَّا رأى الرُّعاةُ ما حَدَثَ هَرَبوا فأخبَروا في المدينةِ وفي الحقول، فخرجوا ليَرَوا ما حَدَث، وأتَوا إلى يسوعَ فوَجدوا الإنسَانَ الذي خَرَجَ مِنهُ الشياطينُ جَالِساً عندَ قدَمَي يسوعَ لابِساً صحيحَ العقل، فَخافوا. وأخبَرَهُمُ الناظِرونَ أيضاً كيْف أُبْرِئَ المجنونُ. فسألَهُ جمِيعُ جُمهورِ كُورَةِ الجرجسِيّينَ أن ينصَرِفَ عَنهم لأنَّهُ اعْتَراهم خوفٌ عَظيم. فدَخَلَ السفينةَ ورَجَعَ. فسَألَهُ الرجُلُ الذي خرَجَ مِنه الشياطينُ أن يكونَ مَعَهُ. فَصَرَفهُ يسوعُ قائلاً إرجع إلى بيتِكَ وحَدِّث بما صَنعَ اللهُ إليك. فذهَبَ وهُوَ ينادي في المدينة كُلِّها بما صَنعَ إليه يَسوع.
 
 
في الرّسالة
الطَّرح الأساسيّ في هذا المقطع من رسالة الرّسول بولس إلى كنائس غلاطية ـ التي تأسّست بقبولِها إنجيلَ الله الذي بشّرها به ـ هو أنّ هذا الإنجيل الذي بشّر به الرّسول بولس "لم يتسلّمْه أو يتعلّمه من إنسان، بل بإعلان بسوع المسيح". (غلاطية 12:1).
 
فهو، بعد أن كان مضطهِدًا للكنيسة، تقبّل المعموديّة في دمشق على يد مؤمن بالمسيح اسمه حنانيا؛ ولم يكن حنانيا من الرّسل. وقد تقبّل المعموديّة على أساس الإيمان بأنّ يسوع النّاصريّ المصلوب قد أقامه الله من بين الأموات، إذ هو "الرّبّ" الذي تراءى له ودعاه ليكون "رسولاً له بين الأمم". لذا، فإنّ جزءًا لا يتجزّأ من الإنجيل الذي يكرز به الرّسول بولس للأمم، أنّ إنجيلَ الله، إنجيلَ يسوع النّاصريّ المصلوب النّاهض من بين الأموات والذي أقامه الله ديّانًا لجميع البشر في اليوم الأخير، هذا الإنجيلَ موجّهٌ إلى الأمم الوثنيّين مثلما هو موجّه إلى اليهود. وبالتّالي، فإنّ الله يدعو الوثنيّين من خلال إنجيله، على فم رسوله، إلى أن يُلبّوا نداء الإنجيل ويصيروا، مع المؤمنين بالمسيح يسوع من اليهود، شعبَ الله الجديد، كنيسةَ الله الواحدة الأحدة.
 
هذا ما استخلصه الرّسول بولس من قراءته "الجديدة" للعهد القديم، وخاصّة لنبوّة إشعيا التي تطفح برجاء مجيء الأمم إلى أورشليم، لينضووا في عداد شعب الله، ويعبدوا الله الحيّ، قدّوسَ إسرائيل، إلهَ إبراهيم وإسحق ويعقوب.
 
هذه القراءة "الجديدة" للعهد القديم، جديدة بالنسبة لقراءة بولس له وهو بعد في اليهوديّة، والتي تشكّل ركنًا أساسيًّا من أركان "الإنجيل" ("إنجيل الله")، "لم يتسلّمها الرّسول بولس من إنسان ولم يتعلّمها من ذي بشرة، بل توصّل إليها بـ "إعلان" يسوع المسيح، الذي "فتح ذهن رسوله ليفهم الكتب"، ويتيقّن أنّه "هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أنّ المسيح يتألّم ويقوم من الأموات في اليوم الثّالث وأن يُكرزَ باسمه بالتّوبة لجميع الأمم ابتداء من أورشليم" (لو 45:24ـ47).
 
هذا هو الإنجيل الذي أعلنه يسوع المسيح إلى بولس، من خلال الكتب المقدّسة (ناموس موسى والأنبياء والمزامير)، والذي حمله بولس إلى الأمم مبشّرًا إيّاهم به، ليكونوا أبناء الله الحيّ، الذين يصرخ الرّوح الإلهيّ فيهم، مناديًا الآب: "أبّا" (أي: "بابا")، ويرفعوا له "ذبيحة التّسبيح"؛ له المجد إلى الأبد. آمين.
 
 
الكمان
هذه القصّةُ هي قِصّةُ "الكمان"، لكنِّها تُشبهُ، إلى حدٍّ بعيدٍ، قِصّةَ "الإنسان".
 
كان في إحدى المدنِ صانعٌ للآلات الموسيقيّة، يقوم بصناعةِ "الكمان″، بعنايةٍ ودقّةٍ، صمَّم كلّ قطعةٍ منه بمنتهى الإتقان، وطلاهُ بلونٍ خشبيّ جميلٍ لمّاعٍ، وأخيراً شدَّ الأوتار ودَوْزَنَها بحيث تُعطي أجملَ الأنغام؛ ولمّا انتهى من العمل، نظرَ إليه بفرَحٍ وفخرٍ، إذ رأى أنّهُ "حسَنٌ جِدّاً"، وكاملُ الأوصافِ.
 
بقيَ هذا "الكمان" عندهُ عدَّة أيّامٍ يتأمّلُ فيه، وشعرَ نحوهُ بحبٍّ شديدٍ، إذ أَحسَّه قِطعةً منهُ؛ لكن، بعد أيّامٍ، أخذهُ وعرضَهُ في متجرهِ للبيع. مرَّ أناسٌ كثيرونَ ونظروا بإعجابٍ إلى هذا "الكمان"، لكنَّ أحدَهم أُعجِبَ بهِ كثيراً فقرّر شراءه لابنهِ الصّغير، كهديّةٍ في عيدِ ميلادهِ، وكلُّه أمل أن يتعلّم ابنهُ العزفَ عليهِ. طلبَ منهُ أن يجتهدَ ويُثابرَ في تعلّمِ العزفِ، لكنَّ الابنَ كان شقيًّا ولم يُطِع أباهُ، وما استطاعَ أن يتعلّمَ الموسيقى، إذ هي بحاجةٍ إلى صبرٍ وعملٍ كثيرٍ، وصارَ يلعبُ به ويلهو ويعبثُ بأوتارهِ. لم يُقدِّر قيمتَهُ الفنّيّةَ والمادّيّة، فأساءَ استعمالهُ، وتقطّعت أوتارُهُ، فتكسّرَ وفقدَ بريقَهُ ولمعانَه، وصارَ بشِعاً مُجرَّحاً. في النهايةِ أخذهُ ورماهُ في سلّةِ المُهملات، مُظهراً جَهلَهُ وعدمَ وعيهِ قيمةَ هديّةِ أبيهِ.
 
صدفَ أن مرَّ بائع الأدواتِ القديمةِ اُلمستعملةِ، فأخذهُ طامعاً ببيعِهِ ولو بمبلغٍ بسيطٍ، فعرضَهُ مع مجموعة أدواتٍ أُخرى، في مزادٍ علنيّ للقطعِ القديمة؛ إلّا أنَّ أحداً لم يُعر هذا الكمان المسكين اهتماماً، ولم يدفَع بهِ قِرشاً واحداً.
 
لكنَّ المُصادفة شاءت أن يكون حاضراً صاحبُ الكمان، فحزنَ جدّا للمَشهد وتأثّرَ على الحالة التى آلَ إليها الكمان "صديقُه العزيز". تقدّم ببطءٍ وثبات، وأخذَ الكمانَ بين يديهِ، ودمعةٌ تسيلُ على خدّيهِ. وبعدَ أن نفضَ عنهُ الغبار، شدَّ أوتاره وأعادَ دَوْزَنتَها، وراحَ يعزفُ عليه أنغاماً سحرت الحاضرينَ وأدهشتهم؛ وفجأةً انقلبَ المشهد وتهافتَ الموجودونَ لشرائهِ بعد أن أعادَ لهُ صانعُهُ قيمتَهُ الأساسيّة ودورَهُ الأساسيَّ الذي صُنعَ لأجلهِ!
 
عندما أُهملتِ الآلة البديعة القيِّمة، تلاشت وخرِبت؛ لكنّ لمسةَ الصّانعِ الماهرِ أعادَت إليها قيمتَها. الأحداث التي تجري في حياتنا تُشوِّهنا، لكنّ اللّه جابلَنا يُعيدُ إبداعَنا وخَلقنا من جديد. هكذا نفسُ الإنسان، فهو لا يعرف قيمتها ويُهملها فتُصبِح بشعةً مُجرَّحة، لكنّ لمسَة "اللّهِ" صانِعِها، لمسةَ المحبّة تُعيد لها قيمتها وصورتها الأُولى.
 
"صورةُ الله" اللّامعةُ البهيّة تُعيدُ للإِنسانِ قيمتهُ ودورهُ في الحياة الذي خُلقَ لأجلهِ. هذا تماماً ما فعلهُ الرّبّ يسوع المسيح عندما أتى إلينا، وبِتجسّدهِ أعادَ جبلتنا السّاقطة بعد العِصيان، وأعادَ إلينا الصّورةَ التي سقَطت منذُ القديم. "لنجعَل من نفوسِنا أوتاراً يعزفُ اللّه بها أنغامَه الإلهيّة".