الأحد 6 آذار 2016
06 آذار 2016
الأحد 6 آذار 2016
العدد 10
أحد مرفع اللحم
اللحن السابع الإيوثينا السابعة
* 6: الإثنان والأربعون شهيداً الذين في عموريَّة، البارّ أركاديوس، * 7: الشهداء أفرام ورفقته أساقفة شرصونة، بولس البسيط، * 8: ثاوفيلكتس أسقف نيقوميذيَّة، * 9: القدّيسون الأربعون المستشهَدون في سبسطية،* 10: الشهيد كدراتُس ورفقته، * 11: صفرونيوس بطريرك أورشليم، تذكار جامع للآباء الأبرار، ثاوفانس المعترف، * 12: غريغوريوس الذيالوغوس بابا رومية، سمعان اللاهوتيّ الحديث.
غضب الله على العصاة
يلاحظُ في أيّامنا ميل إلى التشديد على صفة الرحمة الإلهيّة والرأفة والمحبّة للبشر التي يشهد عليها الكتاب المقدّس في كلّ أسفاره. ولكن، من ناحية أخرى، وبالارتكاز على هذه الصفات الإلهيّة المذكورة، تكثر الاجتهادات اللاهوتيّة التي تخفّف من واقعيّة الدينونة الأخيرة، ما ينشئ توتّرًا في الخطاب اللاهوتيّ يظهر عند تفسير المقاطع الكتابيّة التي تتناول موضوع دينونة الله العادلة.
لا شكّ بأنّه كان يطيب للمؤمن اليهوديّ الاعتقاد بأنّه يتمتّع بامتيازات تجنّبه دينونة الله، أو، على الأقلّ، لا تجعله على قدم المساواة مع الأمميّين عند المثول أمام الله الديّان. ولعلّنا نرصد القناعة الخاطئة هذه عند جميع الجماعات المؤمنة على شتّى أنواعها. مما يبرّر التساؤل عن صحّة القناعة بوجود امتيازات لفئة معيّنة، أو أعذارٍ، تضمن لها الخلاص الأكيد من دينونة الله. فهل للمسيحيّين من امتيازات تستثنيهم من كلّ التهديدات الكتابيّة بدينونة لله عادلة ستستعلن في يوم الغضب؟ ماذا نعلّم الشعب اليوم؟ ألاّ يخافوا ممّا يقرأونه عن النار الأبديّة والظلمة، والبكاء وصريف الأسنان، أو سواها من الصور البشريّة التي تصف الغضب والسُّخط والشدّة والضّيق التي تنزل على كلّ إنسان يفعل الشرّ؟ أم أن يعتبروا أنفسهم معنيّين أيضًا بهذه المقاطع، إن كانوا يطاوعون الإثم، لا الحقّ؟...
تتطلّب منّا الإجابة عن هذه الأسئلة أن نعود إلى إعلان الربّ يسوع المسيح وتعليم رسله عن موضوع الدينونة الأخيرة وشموليّتها حسب ما كُتب في أسفار العهد الجديد.
ونجد في إنجيل الدينونة الذي نقرأه اليوم إجابة وافية. ففي تعليمه عن ملكوت السموات، يُحذّر ربّنا كلّ إنسان خاطئ لم يصهر فكره بمشيئته وتعليمه، ظانًّا أنّه لن يدان على إهماله وعدم طاعته وصاياه، وأوّلها وصيّة المحبّة. ويؤكّد المخلّص المحبّ البشر، في هذا المقطع وفي سواه، أنّ كلّ خطيئة ستنال جزاءها إنْ لم يستدرك الإنسانُ الأمر بالتوبة، طالما يفسح له صلاح الله ورحمته وطول أناته مجالاً لكي يتوب. ويتّضح جليًّا أنّ كلام المعلّم في تعليمه عن الدينونة الرهيبة لا ينحصر بفئة من الناس دون سواها. فإنّه ما من استثناء عندما يتعلّق الأمر بحقيقة دينونة الله، التي لا محاباة للوجوه فيها. والدليل على ذلك هو توجيهه التوبيخ لمن يعرفونه ويخاطبونه قائلين: “يا ربّ”. ونجد، في عظة ربّنا وإلهنا على الجبل، كلامًا أوضح بهذا الصدد، حيث يقول السيّد:
"لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ، بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!"
لذلك، يُخطئ من يعتقد أنّ المسيحيّين غير معنيّين بما يعلّمه العهد الجديد عن الدينونة الإلهيّة، لأنّه، بموقفه هذا، يتقمّص شخصيّة اليهوديّ المطمئنّ إلى امتيازاتٍ شرّعها لنفسه. إنّه يتبنّى قناعات وهميّة، والإنجيل منها براء. لقد دُوّنت البشارة الحسنة من أجل بنيان المؤمنين الذين يقرأونها، وهي تخاطبهم قبل غيرهم من الناس. وتتكرّر التصريحات الكتابيّة ذاتُها عن الدينونة هنا وثمّة في أسفار العهد الجديد. وكلّ هذا يمدّنا بالثقة في صحّة التسليم الذي علّمته الكنيسة عبر الأجيال، والنابع من كلام الربّ.
ومن أجل اليقظة في إتمام مشيئة الله، ومن أجل الجهاد الروحيّ في محبّة الإخوة “التي لا تصنع شرًّا للقريب” (رو ١٣: ١٠)، والصادرة عن الإيمان بالمسيح يسوع ربّنا، رتّبت الكنيسة في هذا الأحد تذكار الدينونة الأخيرة.
الأرشمندريت يعقوب
رئيس دير سيّدة البلمند البطريركيّ
طروباريّة القيامة باللحن السابع
حطمتَ بصليبك الموتَ وفتحتَ للّص الفردوس، وحوَّلتَ نوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرتَ رسلكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيح الإله، مانحاً العالم الرحمة العظمى.
قنداق أحد مرفع اللحم باللحن الأوّل
إذا أتيتَ يا اللهُ على الأرضِ بمجدٍ، فترتعدُ منكَ البرايا بأسرها، ونهرُ النارِ يجري أمامَ المِنبر، والكتبُ تُفتَحُ والأفكار تشَهَّر. فنجِّني من النار التي لا تُطفأ، وأهِّلني للوقوف عن يمينِك، أيُّها الدَّيانُ العادِل.
الرِّسالة
1 كو 8: 8-13، 9: 1-2
قُوَّتي وتَسْبِحَتي الربُّ
أدباً ادَّبَني الربُّ، وإلى المَوْتِ لَمْ يُسلّمني
يا أخوة، إنّ الطعامَ لا يقرِّبُنا إلى الله، فإنّنا إن أكلنا لا نزيدُ، وإن لم نأكل لا ننقُص. ولكنِ انظروا أن لا يكونَ سلطانُكم هذا مَعثرةً للضعفاء. لأنّه، إن رآك أحدٌ يا من له العِلمُ، مُتَّكِئاً في بيتِ الأوثان، أفلا يتقوّى ضميرُه، وهو ضعيفٌ، على أكلِ ذبائح الأوثان، فيهلكُ بسببِ عِلْمك الأخُ الضعيفُ الذي مات المسيحُ لأجلِه. وهكذا، إذ تخطِئون إلى الإخوةِ وتجرحون ضمائرَهم وهي ضعيفة، إنّما تُخطئِون إلى المسيح. فلذلك، إن كان الطعامُ يُشَكِّكُ أخي فلا آكلُ لحمًا إلى الأبد لئلاّ أُشكِّكَ أخي. ألستُ أنا رسولا؟ ألستُ أنا حُراً؟ أما رأيتُ يسوعَ المسيحَ ربَّنا. ألستم أنتم عملي في الربّ. وإن لم أكن رسولاً إلى الآخرين فإنّي رسولٌ إليكم، لأنّ خاتَمَ رسالتي هو أنتم في الربّ.
الإنجيل
متّى 25: 31-46
قال الربُّ: متى جاءَ ابنُ البشر في مجده وجميعُ الملائكةِ القدّيسين معه، فحينئذٍ يجلس على عرش مجدِه، وتُجمَعُ إليه كلُّ الأمم، فيميِّزُ بعضَهم من بعضٍ كما يميِّزُ الراعي الخرافَ من الجِداء، ويقيمُ الخرافَ عن يمينه والجِداءَ عن يسارِه. حينئذٍ يقول الملكُ للّذين عن يمينه: تعالوا يا مبارَكي أبي، رِثوا المُلكَ المُعَدَّ لكم منذ إنشاء العالم، لأنّي جُعتُ فأطعمتموني، وعطِشتُ فسقيتموني، وكنتُ غريباً فآوَيتموني، وعريانا فكسَوتموني، ومريضاً فعُدتموني، ومحبوساً فأتيتم إليَّ. يُجيبه الصدّيقون قائلين: يا ربُّ، متى رأيناك جائعاً فأطعَمناك أو عطشانَ فسقيناك؟ ومتى رأيناكَ غريباً فآوَيناك، أو عُريانا فكسَوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيُجيبُ الملكُ ويقولُ لهم: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنَّكم فعلتم ذلك بأحدِ إخوتي هؤلاء الصِّغار فبي فعلتُموه. حينئذٍ يقولُ أيضاً للّذين عن يسارِه، إذهبوا عنّي يا ملاعين إلى النار الأبدَّية المُعدَّةِ لإبليسَ وملائكتِه، لأني جُعتُ فلم تطعِموني، وعطِشتُ فلم تسقُوني، وكنتُ غريباً فلم تُؤووني وعُرياناً فلم تكسوُني، ومريضاً ومحبوساً فلم تزوروني. حينئذٍ يُجيبونَه هم أيضاً قائلين: يا ربُّ متى رأيناكَ جائعاً أوغريباً أو عُرياناً أو مَريضاً أو مَحبوساً ولم نخدُمْك؟ حينئذٍ يُجيبُهم قائلاً: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنَّكم لم تفعلوا ذلك بأحدِ هؤلاء الصِّغار فبي لم تفعلوه. فيذهبُ هؤلاءِ إلى العَذابِ الأبديّ، والصِّدّيقونَ إلى الحياةِ الأبديّة.
في الرّسالة
"الأخُ الضعيف" أو "الأخ الصّغير" موضوع التّلاوتَين اليوم. في التلاوةِ الإنجيليّةِ هُوَ مقياسُ الدّينونة؛ وفي الرّسالة هُوَ مَرجِعٌ يجب أن نحسب له حسابًا قبل أن نتّخذ قراراتٍ وقبلَ أن نتصرّف. وَيُحَدِّدُ بولسُ الرَّسولُ أنَّنا، إذا أخطأنا إلى هذا الأخ، نكونُ قد أخطأنا إلى المسيحِ نفسِه.
تُرى، ما الّذي يجعلُني أُخطِئُ إلى أخي؟ هِيَ رُوحُ الكبرياءِ والتَّعالي، الّتي تجعَلُني أعتَدُّ بِكَوني أفُوقُهُ عِلْمًا وَمَعرِفَةً، أو بِكَوني أفضلَ منه في أَمرٍ من الأمور. هذه الرُّوحُ الفَوقِيّةُ تَقُودُني إلى احتقارِ الأخ وَحَذْفِهِ مِن لائحةِ اهتماماتي، أو، على الأقلّ، إلى وضعِه في أسفلِ سُلَّمِ اعتباراتي.
مُشكلةُ مسيحيِّي كورنثوس، المُعتَدِّينَ بالمعرفةِ منهم، أنّهم كانوا يشتركون في موائدِ الوَثَنِيِّين، غيرَ عابئِينَ بالمعثرة الّتي كانوا يُسَبِّبُونَها لإخوَتِهِمْ الضُّعفاء. وهُنا يَبرُزُ السّؤال: هل يقتصر ضَرَرُهُم على إخوتِهم وحسب، أم أنّهم، مِن حيثُ لا يَدرُونَ ولا يحسبون حسابًا، يُعرِّضُونَ أنفُسَهُم للاِنزلاق في التّجربة؟!! وإذا تأمَّلْنا في هذا الأمر، خرجنا باستنتاجٍ مَفادُهُ أنّ احتقارَنا للإخوةِ يُوقِعُنا في خطيئةٍ مُزدوجة: الإساءة إليهم، والإساءة إلى نفوسِنا.
ينصحنا الرّسول بولس بأن نعتمدَ المحبّةَ نَهجًا، لا العِلم: "العِلْمُ يَنْفُخُ ولكنَّ المَحَبَّةَ تَبْني" (1كور1:8). العِلْمُ المَحْضُ لا يَبني، وقد يُؤدّي إلى دمار، لا سيّما إذا عرّضَ صاحبَهُ إلى الاِستهتارِ بالتّقاليدِ المسيحيّة، ومُسايَرةِ ما هُوَ وَثَنِيّ.
ويذكِّرُنا الرّسولُ بأنّ المسيحَ ماتَ من أجلِ أولئكَ الإخوةِ الّذينَ نسيءُ إليهم ونَجرحُ ضمائرَهم. فإذا كان المسيحُ قد تنازَلَ وبذلَ نفسَهُ من أجلِهِم، أَفَلا أَتَنازَلُ أنا؟ لذا يقول: "إنْ كان الطَّعامُ يُشَكِّكُ أَخي فلا آكُلُ لَحماً إلى الأبد": لِكَي أَرْبَحَ إِنساناً واحداً للمسيح، أنا مُستعدٌّ أن أَصومَ العُمْرَ كُلَّه.
ولا نُخطِئُ إذا أخَذْنا هذا النَّوعَ مِن الصَّوم، حرمانَ النّفْسِ في سبيلِ الآخَرِين، أسلوبَ حياة. هذا أسلوبٌ رُوحِيٌّ نافعٌ وفعّال. فإذا كانَ أحدُ الإخوةِ يُعاني مشكلةً ما، أو يَمُرُّ بوقتٍ عصيب، صَلِّ لأجلِه، واقرِن صلاتَكَ بِحِرمانِ نفْسِكَ، لفترةٍ معيّنة، من شيءٍ تُحِبُّه. بهذه الطّريقةِ تُقَدِّمُ لَهُ خدمةً كبيرة، وتكونُ صلاتُكَ فَعّالةً وتُؤتِي الثّمرَ المَرجُوّ.
وفي الختام، نتعلَّمُ اليومَ أن نجمعَ إلى العِلْمِ التّواضُعَ والمحبّةَ ورِعايةَ الآخَر.
روح الخدمة
إنّ روح الخدمة هو وزنة من عدّة وزنات ومواهب يُنعم الله بها على أشخاصٍ معيّنين من أجل المحتاجين إليها. هذه الموهبة معروفة حتّى في الكنيسة الأولى وبين المسيحيّين الأوائل إذ، عندما كثُرت الحاجة في الكنيسة لِخدمة الأرامل، حدث تذمّر من اليونانيّين على العبرانيّين بأنّ أراملهم كُنَّ يُهمَلْنَ في الخدمة اليوميّة، ففرز الرّسل سبعة أشخاصٍ لخدمة الموائد، لكي يتسنّى لهم التّفرّغ للصّلاة والوعظ والتّعليم.
كذلك كانت رسالة المسيح في حياته على الأرض مخصّصة، ليس فقط لنشر الكلمة، بل لمساعدة المحتاجين وشفاء المرضى. هناك عدة أمثلة عن عدّة شفاءات حصلت ودُوّنت. كلّ هذه الأعمال لم تكُن سوى دليل على محبّة يسوع المسيح الإله المتأنّس للإنسان لكي يُعيد إليه، ليس فقط الصّحّتين الرّوحيّة والنّفسيّة، بل وأيضًا الصّحّة الجسديّة. كما أنّ هناك ذكراً لبعض القدّيسين الّذين اكتسبوا هذه الخدمة ومارسوها في القرون الأولى بعد المسيح كالماقتي الفضّة.
وليس عمل بعض الممرّضين والمساعِدات الاجتماعيّة (Assistante Sociale) والأطبّاء سوى تحقيق لهذه الخدمة في مجتمعنا الحاضر.
قد قال يسوع إنّ الكتب المقدّسة تتلخّص بأنّه يجب على الإنسان أن يحبّ الله من كلّ قلبه وعقله وروحه وأن يحبّ أخاه الإنسان كنفسه. وروح الخدمة ليست سوى تعبير عن هذا الحبّ الكبير، أللّهمّ إذا كان من أجل تمجيد الله.
وما هي أجرة هذه الخدمة؟ فإنّ الكتاب المقدّس واضح إذ يقول المسيح في إنجيله إنّه أنعم على مبارَكيه بالحياة الأبدية ونعيم الملكوت فدعا كلّ الّذين عملوا الصّالحات من إطعام الجياع، إرواء العطشى، إيواء الغرباء، كِساءِ العريان، زيارة المرضى والمسجونين والإحسان إلى المحتاجين، إلى الجلوس عن الميامن لكي يرثوا المُلك المُعدّ لهم منذ تأسيس العالم.
ولستُ أقول إنّه يجب على الإنسان أن يقوم بهذه الأعمال من أجل الأجرة المُعدّة له، بل من أجل أن يتمثّل بالمسيح وبمحبّته للقريب كتعبير عن حبّه لله؛ إذ إنَّ هدف الإنسان الأوّل هو اقتناء النّعمة الإلهيّة والتّألُّه، أي أن يصبح الإنسان مثل الله الّذي هو المحبّة القصوى والمطلقة.