الأحد 10 كانون الثاني 2016

الأحد 10 كانون الثاني 2016

10 كانون الثاني 2016
 
الأحد 10 كانون الثاني 2016 
العدد 2
الأحد بعد الظهور
اللحن السابع الإيوثينا العاشرة
  
* 10: غريغوريوس أسقف نيصص، دومتيانوس أسقف مليطة، * 11: البارّ ثاودوسيوس رئيس الأديرة، البارّ فيتاليوس،* 12: الشهيدتان تتياني وآفستاسيّا، فيلوثاوس الأنطاكيّ، * 13: الشهيدان أرميلس واستراتونيكس، مكسيموس (كفسُوكاليفيا).* 14: وداع عيد الظهور، الآباء المقتولون في سيناء وريثو، * 15: البارَّان بولس الثيبيّ ويوحنَّا الكوخيّ. * 16: السجود لسلسلة بطرس المكرّمة، الشهيد دمسكينوس.   
 
التواصل الاجتماعيّ
مصطلح بات، بمفهومه المتداول، يشير إلى ما هو مرتبط بالمـَكنَنَة: أجهزة الكمبيوتر، وشبكة الإنترنت، وتطبيقات الهواتف الذكيّة ... التي تخوّل صاحبها، وبسرعة برقٍ، تحميل وبعث كلّ ما هو مرئيّ ومكتوب ومَسموع من صور ونصوص وموسيقى وحتّى أفلامٍ قصيرة. هذه كلّها يتداولها، وباللّغة التي يريد، مع شخصٍ أو مجموعة أشخاص، في الوطن أو في المهجر، فيختصر تواصله الرَقميّ المسافة، ويقتصد الوقت بسرعته ويكون هو جالساً في دفء بيته ومع عائلته.
 
نعم، الغربة صارت أرحم، والعالم بات بمتناول الجميع، والمسافات اختفت بفضل التكنولوجيا؛ ولكن معها تغيّرت عادات التواصل ونوعيّته. فالذي ينفتح من خلال جهازه على العالم يكون حينها منغلقًا على ذاته، مسلوب العقل والانتباه عمّا يدور حوله، فيصير، بعالمه الخاصّ، متّصلاً وعن واقعه منفصلاً. هو حاضرٌ غائب. كيف كانت أعيادنا وعاداتنا؟ أين نحن من التواصل الاجتماعيّ؟ ما هي العبرة التي أعطانا إيّاها السيّد بتجسّده؟
 
مُخلّصنا افتقَدنا. عمّانوئيل، الله معنا، أتى من السماء وحلّ بَيننا آخذاً طبيعتنا البشريّة. فالسيّد الذي _x0007_عمِل وعلّم أرادنا أن نكون على مثاله؛ فزيارته التي حملَت لإِبراهيم بُشرى الموعِد، يقابلها افتقاد مريم لنسيبتها أليصابات، الذي كان خير دليل على المحبّة والتواضع والخدمة. وأمّا دخوله إلى بيت زكّا فكان خلاص نفسٍ له ولأهل بيته، تماماً كما كان لقاء بطرس بكورنيليوس في روما (أعمال 10). وغيرها من المرّات التي كان فيها اللقاء يؤدّي إلى تواصل، والتواصل إلى بشارة، والبشارة إلى خلاص.
 
المجوس رأوا النجم فخرجوا من قصورهم وسافروا أشهرًا لينظروا هذا الحدث الكونيّ، والرعاة شاهدوا النور فتركوا مواشيهم وأتوا ليسجدوا لحَمل الله، وأمّا الملائكة فبشّروا المسكونة بالمجد السماويّ والسلام الأرضيّ والفرح الحقيقيّ. السامريّة سمِعت كلام المسيح فتركت جرّتها وذهبت لتُخبّر بالذي هو أعظم من الأنبياء، والرسل شهدوا لما شاهدت عيونهم وسمعت آذانهم.
 
يبقى لنا أن نفهم أنّ كمّيّة الرسائل والكلمات لا تُغني عن نوعيّتها. فالمطلوب أوّلاً هو الافتقاد، مخاطبة الروح للروح من خلال اللقاء، شخصيّاً كان هذا اللقاء أم من خلال وسيلة تواصل اجتماعيّ.
طروباريّة القيامة باللحن السابع 
حطمت بصليبك الموتَ وفتحتَ للّصّ الفردوس، وحوَّلتَ نوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرتَ رسلكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيح الإله، مانحاً العالمَ الرحمةَ العظمى.
 
طروباريّة الظهور باللحن الأوّل
باعتمادك يا ربُّ في نهرِ الأردنّ ظهرتِ السجدةُ للثالوث، لأنَّ صوتَ الآبِ تقدَّمَ لكَ بالشهادة، مسميّاً إيّاكَ ابناً محبوباً، والروح بهيئة حمامة يؤيّدُ حقيقةَ الكلمة. فيا مَن ظهرتَ وأنرتَ العالم، أيّها المسيح الإله المجد لك.
 
قنداق الظهور باللحن الرابع
قد ظَهَرت هذا اليومَ للدُّنيا يا رَبّ. وَرَسَمْتَ نُورَكَ علينا نحنُ المُنشدِين: لقد أتيتَ وظهرتَ، أيّها النّورُ الذي لا يُدنى مِنهُ.
 
الرِّسَالة
أف 4: 7-13
لِتَكُن يا ربُّ رحمَتُكَ عَلَينا
ابتهِجوا أيُّها الصدّيقونَ بالربّ
يا إخوة، لكلِّ واحدٍ منّا أُعطيَتِ النعمةُ على مقدارِ موهبةِ المسيح. فلذلك يقول: لمّا صعد إلى العُلى سبى سبيًا وأعطى الناسَ عطايا. فكونُهُ صعِد هل هو إلاّ أنّه نزَل أوّلاً إلى أسافل الأرض؟ فذاك الذي نزَل هو الذي صعِد أيضًا فوق السماوات كُلِّها ليملأَ كلَّ شيء. وهو قد أعطى أن يكونَ البعضُ رُسُلاً والبعضُ أنبياءَ والبعضُ مبشِّرين والبعضُ رُعاةً ومعلِّمين، لأجلِ تكميل القدّيسين ولعَمَلِ الخدمة وبُنيان جسدِ المسيح. إلى أن ننتهيَ جميعُنا إلى وَحدةِ الإيمانِ ومعرفة إبنِ الله، إلى إنسانٍ كاملٍ، إلى مقدار قامةِ مِلءِ المسيح.
 
الإنجيل
متّى 4: 12-17
في ذلك الزمان، لمّا سمع يسوعُ أنّ يوحنّا قد أُسلمَ انصرف إلى الجليل، وترك الناصرة، وجاء فسكن في كفرناحومَ التي على شاطئ البحر في تُخومِ زبولونَ ونفتاليم، ليتمَّ ما قيل بإشعياءَ النبيِّ القائل: أرضُ زبولونَ وأرضُ نفتاليم، طريقُ البحرِ، عِبرُ الأردنّ، جليلُ الأمم. الشعبُ الجالسُ في الظلمةِ أبَصر نوراً عظيماً، والجالسون في بقعةِ الموتِ وظلالِه أَشرقَ عليهم نور. ومنذئذ ابتدأ يسوعُ يكرِزُ ويقول: تُوبوا فقد اقترب ملكوتُ السَّموات.
   
في الإنجيل 
توبوا لأنّه قد اقترب ملكوت السموات 
أوّل عظة قالها السيّد للشعب، من بعد معموديّته، كانت “توبوا لأنّه قد اقترب ملكوت السموات” (متّى 17:4)، فهو يدعوهم إلى التّوبة لأنّها أمر أساسيّ في حياتنا. يقول إشعياء النبي: “الشعب السالك في الظلمة قد أبصر نوراً عظيماً”، فهل من ارتباط بين التوبة والنور؟ طبعاً، ﻷنّ النور الحقيقي هو الذي يأتي من المسيح الذي لا نعرفه من دون توبة.
 
فالتوبة، كما يحدّدها الآباء القدّيسون، هي “تغيير الذهن أو العقل”. التوبة ليست الندامة وحسب بل هي تغيير الذهن وطريقة التفكير، التوقّف عن التفكير بالخطيئة والبدء بالتفكير بالأمور الصالحة. فهكذا يكون تحويل الذهن عن التفكير بالشرّ للتفكير بالأعمال الصالحة، هذا هو الشكل الحقيقيّ للتوبة. إذاً، التوبة ليست حالة نفسيّة أو عصبيّة، ليست أن يتوتّر اﻹنسان ويصرخ "قد تُبتُ، قد تُبتُ"، بل هي بناء الذات، أي أن يعود الانسان لذاته ويبنيها بناءً صالحاً، لا أن يبكي ويُعوِل أو أن يعاتب نفسه. هي تغيير الذهن لإصلاح الحياة، لإصلاح الذات والتحوّل إلى إنسان جديد.
 
التائب هو الذي لا ينظر إلى الوراء بل إلى فوق، إلى الله المحبِّ البشر. التوبة هي عودة إلى النور، هي عبور من الظلمة إلى النور. إذا كان اﻹنسان غارقاً في الظلمة سيحتاج إلى نور كي يفضح نفسه ويكشفها فيراها على حقيقتها، يرى أهواءها، ويرى خطاياها. لكن على أيّ نور نتكلم؟ على نور المسيح، الذي أخذه الجميع يوم المعمودية، لكن أما يزال مشتعلاً فينا؟ أما زال ينير الظلمة التي دخلنا فيها بسبب خطايانا؟ كلّ إنسان معمَّدٍ لديه نورُ المسيح وخصوصاً مَن يشترك بجسد المسيح ودمه، أمّا الذي لا يشترك بهما فلا يغذّي هذا النور بل يدعه ينطفئ. الإنسان التائب هو الذي يهيّئ نفسه لاتّقاد النور في داخله.
 
أن يتوب اﻹنسان مغيّراً ذهنه عن الخطيئة، مصلحاً ذاته، موجّهاً عقله نحو السماء، نحو الله، هو هدف التوبة. عندها يكتشف أنّه ابن لله، ابن للنور، والمسيحُ يدعوه ليكون ابناً للنور. لن يشتعل النور الحقيقيّ، الذي بداخله من يوم المعموديّة، بدون التوبة. فيمكن أن يكون هذا النور، عند أيّ مسيحيّ، خامداً ولكنّه سيكون متّقداً عند التائب فيقدّسه. نور الربّ هو الذي يطهرّ.
 
ما علاقة النور بالتوبة؟ كي نتوب يجب أن يدخل فينا النور، وما دمنا معتمِدين فنحن نملك هذا النور. لكن ما نتائج التوبة؟ من نتائج التوبة أن يسكن فينا نور المسيح، وينضح منّا هذا النور. هذه هي علاقة النور بالتوبة، علاقة متبادلة، أي إن تاب اﻹنسان سيحصل على النور الحقيقيّ، ومن جهة أخرى، بدون النور لن تُكشف خطاياه ولن يستطيع أن يتوب توبة حقيقيّة مغيّراً ذهنه ومصلحاً ذاته، مطهّراً إيّاها، ناظراً لفوق إلى العلى إلى الملكوت السماويّ.
 
الإنسان التائب هو الإنسان الذي يمتلك حياة جديدة ملؤها السلام والمحبّة والتواضع، وبالنهاية يكون الملء من روح الله. هذا هو هدف الإنسان المسيحيّ الحقيقيّ الذي يسعى لملكوت السموات. التوبة ليست عملاً مُوَقَّتاً بل هي عملٌ مستمرٌّ حتّى نهاية العمر. أي لا يمكننا القول إنّنا تبنا اليوم فقد خلصنا، طبعاً لا، ومن ناحية أخرى، إن لم نكن تائبين العمرَ كلَّه فلن نخلص، ولن نحصل على النور الحقيقيّ ولا على ملكوت السموات. يدعونا المسيح إلى أن نكون من أهل التوبة لأنّنا سنخلص بها، “توبوا فقد اقترب ملكوت السموات”، أي لا تنُوحوا، لا تبكُوا، بل غيّروا أنفسكم وطريقة تفكيركم وحياتكم: المعتاد على عدم الصوم فليصُم، والمعتاد على الكفر فليكفَّ عنه، والمعتاد على الكذب فليتمسّك بالصدق. عندها تكون التوبة قد بدأت، ويتّسع القلب لسُكنى المسيح، ويصير مُفيضاً للنور فيتمّ الخلاص.
 
كنيسة المسيح الواحدة 
"وبكنيسة واحدة مقدّسة جامعة رسوليّة" (من دستور الإيمان)
هذا إيماننا. لن أستفيض في شرحه. ليس المهمّ أن نفهم ونشرح ونعلّم، بل أن نسلم قيادنا للرّبّ ليلملمنا نحن المبعثرين، الّذين بعثرتنا أهواؤنا وأصنامنا، ويجعل منّا كنيسته الواحدة المقدّسة الجامعة الرّسوليّة.
 
"ليكونوا واحدًا" (يوحنّا17: 11)، هكذا قال الرّبّ يسوع في توجّهه إلى الآب. والوحدة الّتي يريدها المسيح ونسعى إليها نحن أبناءَه في هذه الدّيار إنّما هي وحدة محبّة فيّاضة دفوق، على مثال الثّالوث الأقدس، لخدمة المنطقة كلّها والشّعب القاطن فيها بكامله دونما تمييز أو مفاضلة.
 
وفي المسار إلى هذه الوحدة لا بدّ من وَعيِ أنّ المسيح هو صانعها وليس البشر، فلا بدَّ إذًا من أن نُسلِم إليه ذواتنا إسلامًا كلّيًّا. وعلى الكنائس في هذه الأرض أن تعدّ لهذه الوحدة:
 
بالصّلاة الدّائبة الّتي لا تفتر ليلهج كلّ لسان باسم الرّبّ،
بحمل مؤمنيها دائمًا إلى التّوبة، والتّوبة عمليّة مستمرّة،
 
بالعودة إلى كلمة الله وكتابات الآباء لأنْ منها كلّها ينبع تعليمنا فنستغني هكذا عن الزّغل الّذي أفسد وفرّق، بتبنّي قضيّة المعذّبين في الأرض والعمل المجتمعيّ القائم على محاربة الجور وزحزحة أركانه الموطّدة.
 
ولكنّ هذا السّبيل لا يمكن أن نسلكه ما لم نبتعد عن الاِنفعالات الجدليّة والاِتّهامات والدّعاوى الّتي تكيلها هذه الكنيسة ضدّ تلك، ونضع قِبلتَنا مجدَ الرّبّ في هذه الدّيار، ومجده وحده دون سواه. ويتمجّد الله بنا لـمّا نتحوّل إلى خدّام نغسل أرجل النّاس جميعًا ونحبّهم جماعات وأفرادًا.
 
بالصّلاة والتّوبة ومعرفة الحقّ والخدمة، بهذا التقديس نحن مساهمون في إقامة كنيسة يسوع المسيح الواحدة في ديار العرب.