الأحد 3 أيَّار 2015
03 أيار 2015
الأحد 3 أيَّار 2015
العدد 18
أحد المخلَّع
اللَّحن الثَّالِث الإيوثينا الخامسة
* 3: أحد المخلَّع، الشَّهيدان تيموثاوس ومفرة. * 4: الشَّهيدة بيلاجيا، البارّإيلاريوس العجائبيّ. * 5: الشَّهيدة إيريني، الشَّهيد أفرام الجديد. * 6: اِنتصاف الخمسين، الصِّدِّيق أيُّوب الكثير الجهاد. * 7: علامة الصَّليب الَّتي ظَهَرَت في أورشليم. * 8: يوحنَّا اللَّاهوتيّ الإنجيليّ، أرسانيوس الكبير. *9: النّبيّ إشعياء، الشَّهيد خريستوفورس.
إنَّ التَّقويم الكنسِيّ أيقونة لا تُمَسّ
خلق الله الوقت، مثل كلّ المخلوقات القائمة، والوقت فَقَدَ الكمال الأصلِيّ بعد السُّقوط. أمّا الآن، فالوقت مع كلّ الخليقة يتطلّع ليعود إلى الكمال الأصليّ. الله يقدِّس الخليقة الَّتي تشاركه في سماويَّته، الوقت أيضًا يتقدَّس، لهذا السَّبب إنّ التّقويم الكنسيّ هو رمز هذا الوقت المقدَّس. من الواضح، أنّ هناك وقت غير مقدَّس، ليس له مكان في هذه الأيقونة التي نتكلّم عنها، وهو ما نسمّيه الوقت الكونيّ مع جميع إيقاعاته، وهو ليس بعد مؤهَّل لأن يكون أيقونة مقدَّسَة، لكنّه على استعداد لأن يتقدَّس من خلال المشاركة مع التّاريخ المقدَّس، وبالتَّالي، هناك عدم توافق بين الوقت المقدَّس وغير المقدَّس، بين الأعياد الكنسيّة والأعياد الظَّلامِيَّة. كما أنّ هناك محاولات دائمة لتدنيس وتغيير التَّقويم الكنسيّ المقدَّس من مملكة الظَّلام.
بعد أَخْذٍ وردٍّ، غير كنسيّ وساذج، على بعض الوسائل الإعلاميّة والمواقع الإلكترونيّة حول الاختلاف الحاصِل حول تعييد عيد الفصح ولومهم للكنيسة على هذا الأمر، نوضح أنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة ما فَتِئَت تحاول، ومنذ عهد المثلّث الرّحمات البطريرك ألكسندروس (طحّان)، بالعمل على التّقارب لتوحيد الأعياد الكنسيّة كافّة. المبادَرَة الكُبْرَى الَّتي قام بها المجمع الأنطاكيّ المقدّس سنة 1940 بنقل جميع الأعياد الثّابتة في الكنيسة من التّقويم اليوليانيّ (الشّرقيّ) إلى ما سمّوه، لاحقًا، التَّقويم اليوليانيّ المصحَّح (الغربي)، وذلك كمبادرة من الجانب الأرثوذكسيّ، على أن يعيِّدَ الغير الأرثوذكسيّين الفصح وفق التّقويم اليوليانيّ (الشّرقيّ). لقد ضَحَّت الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة، في اتّباعها التّقويم الغربيّ للأعياد الثّابتة، بتوقيت تعييدها مع الكنائس الأرثوذكسيّة الشّقيقة على حساب توقيت تعييدها مع غير الأرثوذكسيّين. نحن ككنيسة أرثوذكسيّة جامعة مقدَّسَة رسوليَّة ليس لدينا أيّة مشكلة في تعييدنا الأعياد الثّابتة بتواريخ مختلفة، لأنّ وحدة الإيمان هي الّتي تجمعنا. فنحن، مثلًا، في عالمنا العربيّ يعيّد الأرثوذكسيّون في الأردن وفلسطين عيد التّجلّي في التّاسع عشر من شهر آب، فيما يعيّد الأرثوذكسيّون في لبنان وسوريا العيد نفسه في السّادس من شهر آب. كذلك، نحن نصوم في وقتين مختلفين أصوام عدّة، منها صوم عيد رقاد السّيّدة يصومه الأرثوذكسيّون في لبنان وسوريا في الأوّل من شهر آب فيما يصومه الأرثوذكسيّون في الأردن وفلسطين في الرّابع عشر من شهر آب. ليس المقصود من خلال كلماتنا هذه أن نلوم آباء المجمع الأنطاكيّ المقدّس لاعتمادهم التّقويم الغربيّ سنة 1940، خاصّةً بعد مرور أكثر من سبعين سنة على اعتماد هذا التّقويم، ونعلم أنّ في عصر العلمانيّة (secularization) الجارِف، هذا، ليس من الصّعب على الكنيسة الأرثوذكسيّة العودة إلى التّقويم اليوليانيّ (الشّرقيّ) كما عملت الكنيسة البولنديّة الأرثوذكسيّة مؤخَّرًا سنة 2014، ولكن، ما نريد أن نقوله وما نطلبه ألّا يلوم أحد الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة بأنّها لم تقم بمسعى لتوحيد تاريخ عيد الفصح المقدّس وسائر الأعياد مع غير الأرثوذكسيّين على حساب الأرثوذكسيّين أنفسهم. كما أنّه لا يلم أحد الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة لأنّها لا يمكن أن تعيّد وفق التّقويم الغربيّ لأنّه يقع أحيانًا قبل الفصح اليهوديّ، كما سيحدث في السّنة المقبلة 2016، لأنّ في ذلك خَرْقٌ للحقيقة الإنجيليّة والنّصّ الإنجيليّ. ففصح غير الأرثوذكسيّين في سنة 2016 سيكون في 27 آذار. أمّا فصح اليهود فسيكون عند غروب الشّمس في 22 نيسان. أمّا الفصح المقدّس الأرثوذكسيّ فسيكون في الأوّل من شهر أيّار.
في الختام، أقول إنّ توحيد عيد الفصح لا يعني توحيد الإيمان، وعلى الشّعب المسيحيّ أن يعي أنّ هناك اختلافات جذريّة، إيمانيّة ولاهوتيّة عميقة، بين الكنيسة الأرثوذكسيّة وغير الأرثوذكسيّين. ولا يزال فينا الرّجاء والأمل على أن يقوم الطّرف الآخَر بإكمال المبادَرَة الّتي بدأناها سنة 1940 ولن نيأس.
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثَّالث
لتفرحِ السَّماويَّات، ولتبتهجِ الأرضيَّات، لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعدِﮦِ، ووطِئَ الموتَ بالموت، وصارَ بِكْرَ الأموات، وأنقذَنَا من جوفِ الجحيم، ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
قنداق الفصح باللَّحن الثَّامِن
وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إلَّا أَنَّك دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسْوَةِ حاملاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.
الرِّسَالَة
أع 9: 32-42
رتِّلُوا لإِلهِنا رتِّلُوا
يا جميعَ الأُممِ صَفِّقُوا بالأيادِي
في تلكَ الأيَّامِ، فيما كانَ بُطُرسُ يَطوفُ في جَميع الأماكِنِ، نَزَل أيضًا إلى القدِّيسينَ السَّاكِنِينَ في لُدَّة، فوَجَدَ هناكَ إنسانًا اسمهُ أَيْنِيَاسَ مُضْطَجِعًا على سريرٍ مِنذُ ثماني سِنينَ وهُوَ مُخلَّع. فقالَ لهُ بطرُسُ: يا أَينِياسَ يشفِيكَ يسوعُ المسيحُ. قُمْ وافتَرِشْ لنفسِك. فقام لِلوقت. ورآهُ جميعُ السَّاكِنين في لُدَّة وسارُونَ فَرَجَعوا إلى الرَّبّ. وكانت في يافا تِلميذَةٌ اسمُها طابِيثا الَّذي تفسيرُﮦُ ظَبْيَة. وكانت هذه مُمتَلِئةً أعمالًا صَالحةً وصَدَقَاتٍ كانت تَعْمَلُهَا. فحدَثَ في تِلكَ الأيامِ أنَّها مَرِضَتْ وماتَتْ. فَغَسَلُوهَا ووضَعُوهَا في العُلِّيَّة. وإذ كانت لُدَّةُ بقُربِ يافا، وسَمعَ التَّلاميذُ أنَّ بطرُسَ فيها، أَرسَلُوا إليهِ رَجُلَيْن يسألانِهِ أنْ لا يُبْطِئَ عن القُدُوم إليهم. فقام بطرُسُ وأتى مَعَهُمَا. فَلمَّا وَصَلَ صَعِدُوا بهِ إلى العُلِّيَّة. ووقَفَ لديِه جميعُ الأرامِلِ يَبْكِينَ ويُرِينَهُ أَقْمِصَةً وثِيابًا كانت تَصْنَعُهَا ظَبْيَةُ معَهَنَّ. فأخرَجَ بُطرُسُ الجميعَ خارِجًا، وجَثَا على رُكْبَتَيْهِ وصَلَّى. ثمَّ التَفَتَ إلى الجَسَدِ وقالَ: يا طابيثا قُومي. فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. ولـمَّا أَبْصَرَتْ بُطرُسَ جَلَسَتْ، فناوَلَهَا يَدَﮦُ وأَنْهَضَهَا. ثُمَّ دَعَا القِدِّيسيِنَ والأرامِلَ وأقامَها لَديهمِ حَيَّةً. فَشَاعَ هذا الخبرُ في يافا كلِّها. فآمَنَ كَثيرونَ بالرَّبّ.
الإنجيل
يو 5: 1-15
في ذلك الزَّمان، صَعِدَ يسوعُ إلى أورشليم. وإنَّ في أورشليمَ عندَ بابِ الغَنَمِ بِرْكَةً تُسَمَّى بالعِبْرَانِيَّة بيتَ حِسْدَا لها خمسةُ أَرْوِقَة، كان مُضْطَجِعًا فيها جمهورٌ كثيرٌ من المرضى من عُمْيَانٍ وعُرْجٍ ويابِسِي الأعضاء ينتظرون تحريكَ الماء، لأنَّ ملاكًا كان يَنْـزِلُ أَوَّلاً في البِرْكَة ويحرِّكُ الماء، والَّذي كان ينـزِلُ أوَّلاً من بَعْدِ تحريكِ الماءِ كانَ يَبْرَأُ من أَيِّ مرضٍ اعتَرَاه. وكان هناكَ إنسانٌ به مرضٌ منذ ثمانِ وثلاثين سنة. هذا إذ رآه يسوع ملقًى وعَلِمَ أنَّ له زمانًا كثيرًا قال له: أتريدُ أن تَبْرَأ؟ فأجابه المريض: يا سيِّدُ ليس لي إنسانٌ متى حُرِّكَ الماءُ يُلْقِينِي في البِرْكَة، بل بينما أكونُ آتِيًا ينـزِلُ قَبْلِي آخَر. فقال له يسوع: قُمِ احْمِلْ سريرَك وامْشِ. فَلِلْوَقْتِ بَرِئَ الرَّجُلُ وحَمَلَ سريرَﮦُ ومشى. وكان في ذلك اليوم سبتٌ. فقال اليهودُ للَّذي شُفِيَ: إنَّه سبتٌ، فلا يَحِلُّ لكَ أن تَحْمِلَ السَّرير. فأجابَهُم: إنَّ الَّذي أَبْرَأَنِي هو قالَ لِـيَ: احْمِلْ سريرَك وامشِ. فسـألوه: من هو الإنسان الَّذي قال لكَ احْمِلْ سريرَك وامشِ؟ أمّا الَّذي شُفِيَ فلم يَكُنْ يَعلَمُ مَن هو، لأنَّ يسوعَ اعْتَزَلَ إذ كان في الموضِعِ جَمْعٌ. وبعد ذلك وَجَدَﮦُ يسوع في الهيكلِ فقال له: ها قد عُوفِيتَ فلا تَعُدْ تُخْطِئ لِئَلَّا يُصِيبَكَ شرٌّ أَعْظَم. فذهبَ ذلك الإنسانُ وأخبَرَ اليهودَ أنَّ يسوعَ هو الَّذي أَبْرَأَﮦُ.
في الإنجيل
"ها قد عُوفيتَ فلا تَعُدْ تُخْطِئ لِئَلَّا يُصِيبَكَ شرٌّ أَعْظَم". لماذا بحث يسوع عن المخلّع وقال له هذا الكلام؟!. هل يا ترى كان مرضه بسبب خطيئته؟!.
إنّ في تحذير يسوع للمخلّع، من "شرّ أعظم"، إشارة إلى أنّ هذا المخلّع لم يكن مرضه مرضًا جسديًّا فحسب، بل مرضًا روحيًّا أوَّلًا.
ما هو مرض هذا المخلَّع المخفيّ يا ترى؟!...
إنّه مريض بروح تبرير الذَّات. في المرّة الأولى لمّا سأله الرّبّ يسوع "أتريدُ أن تَبْرَأ؟"، اشتكى بأنّه لا يوجد من يرميه في الماء عندما يُحرَّك. لم يجب على السؤال المطروح عليه بل تشكّى من الظّلم اللّاحق به وعدم اهتمام أحد بأمره. هل يا تُرى ظنّ بأن يسوع يريد أن يساعده، وبالتّالي أراد أن يقول له بأنّه بحاجة لمن يضعه في الماء عند تحريكه؟!. هذا ممكن أيضًا، لكن لو كان إيجابيًّا في تعاطيه لقال ليسوع: "نعم، أُريد أبرأ"، هذا أوَّلًا، ومن ثَمَّ كان يستطيع إيضاح حاجته إلى من يضعه في الماء عند تحريكه.
لمّا سُئِل ثانية، أتته المساءلة من اليهود: "إنَّه سبتٌ، فلا يَحِلُّ لكَ أن تَحْمِلَ السَّرير". فأجابهم بتبرير ذاته وإلقاء اللَّوم على الّذي شفاه.
كأنّ هذا الرّجل اعتاد، بسبب مدّة مرضه الطّويلة، على وضع أوزاره على غيره. مرضه العميق، المختبِئ وراء مرضه الجسديّ، كان إلقاء اللَّائِمَة على الغير في ما هو عليه، وبالتّالي تَطَلُّب كلّ شيء من الآخَرين. جوهريًّا، كان لديه روح التّذمُّر على الله، مثلما كانت حال الشّعب العبرانيّ الّذي تاه ثماني وثلاثين سنة في منطقة قادِش بَرْنِيع من صحراء سيناء، وهي منطقة على حدود أرض الميعاد.
قادِش بَرْنِيع تعني "مُقَدَّس"، وكانت تُدعى عين مِشْفَاط أي القضاء أو الدينونة (تك 14: 7). وقد دُعِيَت عيون الماء المجاورة لها باسم ماء مَرِيبَة قادِش (عد 27: 14 وتث 32: 51) ودعاها النّبيّ حزقيال مياه مَرِيبَة قادش (حز 47: 19 و48: 28). كما دعيت بالاختصار ماء مريبة (عد 20: 13 و14) أي ماء المُخَاصَمَة، لأنّه هناك تذمّر بنو إسرائيل من أجل الماء وجعلوا موسى يُخطئ معهم. فأمره الله أن يكلّم الصّخرة كلامًا فتُخرِج لهم ماء ليشربوا. ولكنّ موسى لم يكلّم الصّخرة كما أمره الرّبّ، بل ضربها بالعصا، كما كان قد فعل سابقًا في رفيديم، فأجرى الله له العجيبة وتفجَّر الماء من الصُّخور، ولكنّ الله قاصص موسى لأنّه لم يُطِعْ تمامًا ليعطي مجدًا للرّبّ. وكان الحكم على موسى أنّه لن يدخل أرض الميعاد. وإذا استثنينا جبل سيناء، لا نجد بقعة اشتهرت في تاريخ بني إسرائيل كما اشتهرت قادِش بَرْنِيع. فقد تمركز فيها بنو إسرائيل مدَّة 38 سنة من سني تيههم الأربعين (عد 20: 1 و16). وهي تقع عند قرب التّخم الجنوبيّ لأرض سبط يهوذا (عد 20: 1) أو الحدّ الجنوبيّ لبني إسرائيل (عد 34: 4).
هكذا، مثلما كانوا بنو العبرانيين مُتَاخِمِين أرض الميعاد، وهم تائهين متذمّرين، غير قادرين على إيجاد الطريق للوصول إلى أرض الميعاد، كان هذا المخلّع متاخِمًا لنعمة الله وقوّته الّتي يُكشف عنها في المياه، ولكنّه غير قادر على الحصول على الشّفاء لأنّه لم يكن يعرف طريق الرّبّ. "الطّريق" نفسه أتى إلى المخلّع ليُدخله أرض الميعاد، أي الإيمان بالرّبّ يسوع المخلّص. لكنّ هذا الأخير بقي على يهوديّته مشابهًا العبرانيّين الّذين ألقوا باللَّائمة على موسى أنّه أدخلهم البرّيّة حيث خافوا موت العطش والجوع، مع أنّهم عاينوا وخَبِروا قوّة الله سنين طوال. كذلك، هذا المخلّع النّفس كعبرانيين سيناء الّذين لم يدخلوا أرض الميعاد، ألقى باللّائمة على يسوع، كموسى جديد، لأنّ يسوع شفاه وجعله يحمل سريره. لم يفهم أنّ يسوع أبرأه من الشّريعة يوم شفاه لأنّه أدخله في زمن النّعمة. أمّا هو فظلّ متمسِّكًا بالناموس. لذلك، اشتكى على يسوع عند اليهود.
كلّنا علينا أن نحذر خطر الوقوع في هذا التّخلّع الرّوحي، المعبَّر عنه بروح التّذمّر وتبرير الذّات على حساب الآخَرِين، لا سيّما الله، وبروح المراءاة في طاعة الله عبر التمسُّك بالنّاموس والقوانين ونبذ روح النّعمة الإلهيّة المحرِّرة للقلب من كلّ رباط خوف من الله، والمالئة للرُّوح بالمخافة في المحبّة الإلهيّة الّتي للثالوث الأقدس.
"أتريد أن تبرَأ؟!"... آمِنْ والتَمِسْ يسوع... ماء الحياة الأبديّة الشّافية كلّ مرض خفيّ وظاهِر في النّفس والجسد...
الأبوَّة الرُّوحيَّة
يعتقد الكثيرون من المؤمنين بعدم حاجتهم للمتابعة في حياتهم الرُّوحيّة، أي في حياتهم مع الله. لذلك، كثيرون يرتادون الكنائس ويمارسون الطُّقوس ويبقون بعيدين عن روح الكنيسة، ويجهلون معنى الجهاد الرُّوحيّ في حياتهم. هؤلاء قد يكونون على بساطة أو ثقافة، لا فرق. لا بل كلّما كان الإنسان متعلِّمًا وصاحب ثقافة عالميّة ظنَّ نفسه عارِفًا، وصار أقرب للاكتفاء بذاته.
المعرفة الرُّوحيّة بُعْدٌ سرِّيّ (dimension mystique) لحياتنا، لا يَلِجُه المرء إلّا بروح الله ومن خلال التَّتَلْمُذ على العارِفِين المُخْتَبَرين. هؤلاء، بشكل عامّ، هم الَّذين اسْتَغْرَقُوا في الحبّ الإلهيّ من خلال سرّ الموت، موت إنسانهم العتيق، ومن خلال سرّ الفصح أي العبور إلى الحياة الجديدة. هم، بشكل خاصّ، الرّهابين الّذين تركوا كلّ شيء حبًّا بالخَتَنِ الإلهيّ. هذه المعرفة الخِبَرِيَّة أساسها معرفة خطايانا وتوبتنا. مَنْ لا يعرف خطاياه يبقى ميتًا إلى الأبد، أمّا من عرف خطيئته فقد استنار بالنِّعمة الإلهيّة، لكن يبقى أن يمتدَّ الإنسان إلى الحياة الجديدة بالتّوبة.
ما هي التّوبة، وكيف نتوب؟. التّوبة مشروع خلاص أبديّ، سلوك في طريق الحياة الأبديّة. "أنا هو الطّريق والحقّ والحياة" (يو 14: 6)، يقول الرّبّ. من أراد سلوك طريق التّوبة عليه أن يغيِّر ذهنه، وهذا معنى كلمة توبة في اللّغة اليونانيّة (μετάνοια). أن نتوب يعني أن يصير لنا "فكر المسيح"، أن نُفرِغ عقلنا وقلبنا من كلّ ما ليس هو من المسيح. هذه هي التّوبة في العمق. لذلك، كان التَّخلّي عن العالم وما فيه من أولويَّات التّوبة. المسيحيّون الأوائل كان رُهبانًا، بهذا المعنى، إذ تركوا كلّ شيء وتبعوا الرّبّ. المسألة تكمن في القناعة العميقة الدّاخليّة بأنَّ الحياة الجديدة لا تُقتَنى بدون موت عن العالم، أي عن عبوديّة الحياة البيولوجيّة. إن لم يُدرك المؤمن أنّه كائن بشريّ-إلهيّ يبقى في ترابيّته.
بداية التّوبة أن يُقرّ الإنسان بحاجته إلى الآخَر، إلى الله أوَّلًا وإلى من عَرَفوا الله أكثر منه ليتتلمذ عليهم في المسيح، إذ يرى فيهم أيقونات مُشْرِقَة لوجه الرّبّ. التّواضع أساس التّوبة، والتّائب يواضِع نفسه. أن تتوب يعني أن يكون المسيحُ أوَّلًا فيك وليس أناك.
الأبوّة الرُّوحيّة بحرُ حنان إلهيّ، وأحشاء ولادة جديدة بكلمة الله في الكلمة الإلهيّ بنعمة الروّح القدس (راجع، 1كورنثوس 4: 15). أن تجد أبًا روحيًّا يعني أن تُولَدَ من جديد بنعمة الله وأن تنمو بالاحتضان في الحبّ الإلهيّ، مُغْتَذِيًا من جسد ودم الرّبّ في سرّ الأب المبذول في المسيح وبه طعامًا بشريًّا-إلهيًّا بسُكنى الروّح القدس...
كلّ مؤمن يحتاج إلى تناول (communier) خبرة الكنيسة المتوارَثَة بالتَّلْمَذَة، حتّى يصير بدوره حامِلًا وناقِلًا لسرّ الحياة الجديدة بالتَّنَاضُح في النّعمة... "مَنْ آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من جوفه أنهار ماء حيّ" (يوحنّا 7: 38).
الأب الرّوحي يرافقك ويَدُلُّكَ في طريق الحياة حامِلًا ومحتملًا معك مشقّات الطّريق الكرب حتّى تعبر، على جسده المكسور لأجلك حبًّا بالمسيح، من الباب الضّيّق إلى الرّحب (راجع، متّى 7: 13 و14). الأبوَّة الرُّوحيّة عطيّة إلهيّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة حالها اليوم حال الكنز المَخفيّ. فهل من طالِب لهذا الكنز؟!...
أخبــارنـــــا
ثانويَّة سيِّدَة البلمند
تعلن ثانويَّة سيدة البلمند–قلحات - الكورة- بفرعَيْهَا الفرنسيّ والإنكليزيّ عن بدء تقديم طلبات التّسجيل للطُّلَّاب الجُدُد للعام الدِّراسِيّ 2015/2016.
لمن يرغب بالاِنتِسَاب يرجى الاِتِّصال على الأرقام التَّالية:
الفرع الفرنسيّ: 930337-06/ 930338-06
الفرع الإنكليزيّ: 931292-06/ 931293-06
ملاحظة: المواصلات مؤمَّنَة لمعظم المناطق.