الأحد 8 آذار 2015

الأحد 8 آذار 2015

08 آذار 2015
الأحد  8 آذار  2015     
العدد 10
الأحد الثَّاني من الصَّوم
اللَّحن السَّادِس   الإيوثينا السَّادِسَة
 
* 8:  (غريغوريوس بالاماس)، ثاوفيلكتوس أسقف نيقوميذيَّة. * 9: القدّيسون الأربعون المستشهِدُون في سبسطية. *10: الشَّهيد كَدْرَاتُس ورفقته. *11: صفرونيوس بطريرك أورشليم. * 12: ثاوفانس المعترف، غريغوريوس الذِّيالوغوس بابا رومية، سمعان اللَّاهوتيّ الحديث. * 13:  نقل عظام نيكيفورس بطريرك القسطنطينيَّة، المديح الثَّالث. *14:البارُّ بِنِدِكْتُس، البارُّ ألكسندروس.
 
 
النُّور  الإلهيّ
 
تكلّم القدّيس غريغوريوس بالاماس عن النُّور  الإلهيّ غير المخلوق. تعليمه كان حول القوى الإلهيّة غير المخلوقَة (énergies divines non créées)، وأيضًا حول النّعمة الإلهيّة غير المخلوقَة. قال إنّ النّعمة الإلهيّة الّتي تُقَدِّسُنا هي نور أزليّ إلهيّ. لقد مَيَّزَ القدّيس بوضوح بين الجوهر الإلهيّ غير المُدْرَك (apophatisme) والقوى الإلهيّة غير المخلوقَة (النّعمة الإلهيّة) الّتي نستطيع أن نساهم فيها بعد تطهيرنا. بهذا، يأتي الجواب على السّؤال الكبير: "كيف نعرف الله وفي الوقت نفسه لا ندركه؟!". في كلّ هذا سرّ قداسة الإنسان.
ماذا يعني مثلًا أن يتأَلَّهَ الإنسان؟. يعني أن ينزل عليه نورٌ إلهيّ يجعله متحرِّرًا من الأهواء والشَّهَوَات.
 
يقول القدّيس غريغوريوس بالاماس: "إنّ المعرفة الحقيقيّة للمسيح الإله لا تأتي من الدّراسات بل من الطّهارة والنّقاوة، أي التّحرُّر من الأهواء: "طوبى لأنقياء القلوب لأنّهم يعاينون الله" (متّى 5: 8).
 
* * * القدّيس غريغوريوس بالاماس من دُعَاة الهُدوئيَّة (Hésychasme). والهدوء أو السَّكِينَة الدّاخلية لا يبلغها الإنسان إلَّا عن طريق النُّسْكِ والفضائل، عن طريق نقاوة الجسد والنَّفْس. يُحَدِّدُ القدّيس يوحنّا السُّلَّمِيّ الهدوء بالطريقة التّالية:
"الهدوء هو صخرة جاثية على شاطئ بحر الغضب".
 
القدّيس بالاماس يُعَلِّمُ، كما ذكرنا، عن النُّور  الإلهيّ. "قد نَظَرْنَا النُّورَ الحقيقيّ، وأَخَذْنَا الرّوحَ السّماوِيّ وَوَجَدْنَا الإيمانَ الحقّ". عندما نعيّد في الأحد القادم للصَّليب المحيي، نفهم أنّه الطّريق الصّحيح إلى هذا النُّور. لأنّنا لن نبلغ هذا النّور قبل أن نتطهَّرَ من أوساخ خطايانا. في فترة الصّوم الكبير هناك نُسْكٌ جَسَدِيٌّ وروحِيٌّ، إِمْسَاكٌ (enkrateia) عن الخطيئة، في طيّاته نورٌ إلهيّ يَنْبَلِجُ واضِحًا في الفصح.
 
                                                                                                                                         + أفرام 
                                                                                                                          مطران طرابلس والكورة وتوابعهما   
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن السَّادِس
 
 
إنَّ القوَّاتِ الملائِكِيَّةَ ظَهَرُوا على قبرِكَ الموَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبرِ طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصَادَفْتَ البتولَ مانِحًا الحياة، فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.
 
طروباريَّة القدَّيس غريغوريوس بالاماس باللَّحن الثَّامِن
 
يا كوكبَ الرأيِ المُسْتَقِيم، وسَنَدَ الكنيسةِ ومعلِّمَهَا. يا جمالَ المُتَوَحِّدِينَ، ونصيرًا لا يُحارَبُ للمُتَكَلِّمِينَ باللَّاهوت، غريغوريوسَ العجائِبِيَّ، فَخْرَ تِسَالونِيكِيَة وكَارُوزَ النِّعْمَة، إِبْتَهِلْ على الدَّوامِ في خلاصِ نفوسِنا. 
 
القنداق باللَّحن الثَّامِن
 
إِنِّي أَنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أَكتُبُ لكِ راياتِ الغَلَبَة يا جُنديَّةً مُحَامِيَة، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكْرَ كَمُنْقِذَةٍ مِنَ الشَّدائِد. لكنْ، بما أَنَّ لكِ العِزَّةَ الَّتي لا تُحَارَبِ، أَعْتِقِينِي من صُنُوفِ الشَّدِائِد، حتَّى أَصْرُخَ إِليكِ: إِفرحي يا عروسًا لا عروسَ لها.
 
الرِّسَالَة
عب 1: 10-14، 2: 1-3
 
أَنْتَ يَا رَبُّ تَحْفَظُنَا وتَسْتُرُنَا في هذا الجِيلِ
خَلِّصْنِي يا رَبُّ فإِنَّ البَارَّ قَد فَنِي
 
أنتَ يا ربُّ في البَدءِ أَسَّسْتَ الأرضَ والسَّماواتُ هي صُنْعُ يديْكَ. وهي تَزُولُ وأنتَ تَبْقَى، وكُلُّها تَبْلَى كالثَّوب، وتَطْوِيهَا كالرِّدَاءِ فَتَتَغَيَّر، وأنتَ أنتَ وسِنُوكَ لنْ تَفْنَى. ولِمَنْ مِنَ الملائِكَةِ قالَ قَطُّ اجْلِسْ عن يميني حتَّى أَجْعَلَ أَعدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ. أَلَيْسُوا جميعُهُم أَرواحًا خادِمَة تُرْسَلُ للخِدمَةِ من أجلِ الَّذين سَيَرِثُون الخَلاص. فلذلك، يجبُ علينا أَنْ نُصْغِيَ إلى ما سَمِعْنَاهُ إِصْغَاءً أَشَدَّ لِئَلاَّ يَسْرَبَ مِنْ أَذْهَانِنا. فإِنَّه إِنْ كانَتِ الكلمةُ الَّتي نُطِقَ بها على ألسنةِ ملائِكةٍ قَدْ ثَبُتَتْ وكلُّ تَعَدٍّ ومَعْصِيَةٍ نالَ جَزاءً عَدْلًا، فكيفَ نُفْلِتُ نحنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خلاصًا عظيمًا كهذا، قد ابْتَدَأَ النُّطْقُ بِهِ على لسانِ الرَّبِّ، ثمَّ ثَبَّتَهُ لنا الَّذين سَمِعُوهُ؟!.
 
الإنجيل
مر 2: 1-12
 
في ذلك الزَّمان، دخلَ يسوعُ كَفَرْناحومَ وسُمِعَ أَنَّهُ في بَيتٍ، فَلِلْوَقْتِ اجْتَمَعَ كثيرونَ حتَّى إِنَّهُ لم يَعُدْ مَوْضِعٌ ولا ما حَولَ البابِ يَسَعُ. وكان يخاطِبُهُم بالكلمة، فَأَتَوْا إليْهِ بِمُخَلَّعٍ يَحمِلُهُ أَربعَة. وإِذْ لم يقْدِرُوا أَنْ يقتَرِبُوا إليهِ لِسَببِ الجَمْعِ كَشَفُوا السَّقْفَ حيث كانَ. وَبَعْدَمَا نَقَبُوهُ دَلَّوْا السَّرِيرَ الَّذي كانَ الـمُخَلَّعُ مُضْطَجِعًا عليه. فلمَّا رأى يسوعُ إيمانَهم، قالَ للمُخَلَّع يا بُنَيَّ، مغفورةٌ لكَ خطاياك. وكانَ قومٌ مِنَ الكتبةِ جالِسِينَ هُناكَ يُفَكِّرُونَ في قُلوبِهِم: ما بَالُ هذا يتكلَّمُ هكذا بالتَّجْدِيف؟!. مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ الخطايا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟!! فَلِلْوقْتِ عَلِمَ يَسوعُ برِوحِهِ أَنَّهُم يُفَكِّرُونَ هكذا في أَنْفُسِهِم، فقالَ لهُم: لِماذا تُفَكِّرُون بهذا في قلوبِكُم؟. ما الأَيْسَرُ أَنْ يُقَالَ مَغْفُورَةٌ لكَ خطاياكَ أمْ أَنْ يُقَالَ قُمْ واحْمِلْ سريرَكَ وامْشِ؟!. ولكِنْ، لِكَي تَعْلَمُوا أَنَّ ابنَ البَشَرِ لَهُ سُلْطَانٌ على الأرضِ أَنْ يَغْفِرَ الخطايا (قالَ للمُخَلَّعِ) لكَ أَقُولُ قُمْ واحْمِلْ سَريرَكَ واذْهَبْ إلى بَيْتِكَ، فقامَ للوَقتِ وحَمَلَ سَريرَهُ، وخرَج أَمامَ الجميعِ، حَتَّى دَهِشَ كُلُّهُم ومَجَّدُوا اللهَ قائِلِينَ: ما رَأَيْنَا قَطُّ مِثْلَ هذا.
 
في الإنجيل
 
تُظْهِرُ رواية شفاء المخلّع في كفرناحوم أنّ الشَّلَل الحقيقيّ ليس شلل الجسد فقط، بل شلل طاقة الحبّ في الإنسان. بالتَّالي، يَعْتَبِرُ يسوع أنّ الشَّلل الرّوحيّ، أي الخطيئة، أخطر بكثير من الشَّلل الجسديّ، أي المرض. وما الثّاني سوى نتيجة عارِضَةٍ للأوَّل. ونرى أنّ يسوع "ابن الإنسان" هو محرِّرُ الإنسان من الخطيئة ومن المرض معًا.
 
هنا يُطْرَحُ سؤالٌ عن علاقة الخطيئة بالمرض. عندما دَخَلَتِ الخطيئةُ في العالم عن طريق آدم، كثورةِ المخلوق على خالقه، كانت النّتيجة المرض والفساد والموت. وجود المرض، إذًا، في العالم يُشَكِّلُ مَظْهَرًا لحالة الخطيئة، لا بمعنى أنّ كلّ مرض عند الإنسان نتيجة خطيئةٍ شخصيَّةٍ محدَّدَة، لكن، بمعنى أنَّ المرض، بصورة عامّة، يدُلُّ على ضَعف الإنسانيّة وخضوعها للأمراض.
 
أمّا في حالة إنجيل اليوم، فنرى أنّ المرض الجسديّ كان سببًا لتطهير النَّفْسِ استعدادًا للشّفاء الرّوحيّ، وذلك من خلال الإيمان الَّذي مَدَحَهُ يسوع. والأرجح أنّ هذا الإيمان هو إيمان مُرَافِقِي المريض الأربعة، أيضًا، بسبب جِدِّهِم وابتكارِهِم، وعدم استسلامهم أمام العراقيل، وخاصّة الجَمْع النَّهِم الَّذي سَدَّ مدخل البيت فلم يعد أحد يستطيع لا الدُّخول ولا الخروج. 
 
الإنسان المؤمن حَقًّا لا يَنْثَنِي أمام حواجز تعترض طريقه، بل يُوجِدُ طُرُقَ عملٍ لكي يُحَقِّقَ هدفَهُ، لا من أجل فائدته الرّوحيّة الشّخصيّة فحسب، بل أيضًا من أجل فائدة الآخَرِين، خصوصًا عندما يكون هؤلاء الآخرون في حاجة. 
 
يتوجّه يسوع إلى المخلّع ويناديه "يا بنيّ"، مِمَّ يُظْهِرُ الصِّلَةَ العائليَّةَ الوَثِيقَةَ الَّتي تتكوَّنُ داخل الإنسانيّة الجديدة، داخل الكنيسة الَّتي يؤسِّسُها الرّبّ. يقول السَّيِّدُ للمُخَلَّع "مغفورة لك خطاياك". من المُسْتَغْرَب، لأوَّل وَهْلَة، أن يتكلّم الرّبّ يسوع عن مغفرة الخطايا للمريض جسديًّا. كما أنّ الكتبة الحاضِرِين اعتبروا كلام المَسِيَّا القاطِع للمريض عن غفران خطاياه تجديفًا، لأنّهم لا يعترفون بصفة يسوع المَسِيانِيَّة ولا بسُلْطَانِه، بل يعتقدون أنّه ينسب لنفسه، عن طريق التّجديف، خصائص وسلطة إلهيّة.
 
لكن، يسوع، بطريقة فائقة الطّبيعة، يعرف أفكارهم، ويوبّخهم على أفكارهم الشّرّيرة الّتي في داخلهم (كلمة "قلب" تدلّ على نشاط الإنسان بكلّيّته)، ويسأل: ما هو الأيسر غفران الخطايا أم الشّفاء من المرض الجسديّ. طبعًا، يعتبر النّاس شفاء الجسد أصعب، وغفران الخطايا أسهل، لأنّهم لا يستطيعون رؤية الخطيئة والتّحقّق منها. أمّا يسوع فهو ينظر إلى السّبب والنّتيجة في آنٍ واحِد. يحارِبُ العارِض المَرَضِيّ المَرْئِيّ الّذي يمكن أن يراه الجميع، ويرفع في الوقت نفسه سبب المرض كابن الإنسان الّذي له سلطان على الأرض "لغفران الخطايا". وهذه هي النّقطة الرّئيسيّة في الحادثة "أنّ لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا". وفي رواية إنجيل متَّى تَرِدُ آية أخيرة ("فلمَّا رأى الجموع تعجَّبُوا ومجَّدُوا اللهَ الَّذي أعطى النَّاس سلطانًا مثل هذا")، تسمح لنا أن نستنتج أنّ رواية الإنجيليّين، هذه، تهدف إلى إرساء سلطة الكنيسة في غفران الخطايا، هذا السُّلطان الَّذي أَخَذَتْهُ عن مؤسِّسِهَا.
 
ما يعنينا، كمؤمنين، هو أن نعمل ونبتكر طُرُقًا، تُعَبِّرُ عن محبّتنا الصَّادِقَة، لكي نقرِّبَ المرضى والضّعفاء إلى يسوع، مهما كَثُرَتِ العراقيل، وهو وحده قادِرٌ على شفائهم من أمراضهم الظَّاهِرَة، وغفران خطاياهم الخَفِيَّة عبر الكنيسة وسرّ التّوبة والإعتراف.
 
ماذا تقول الكنيسة؟
 
إنّ من يتعاطى الشَّأْنَ الإرشادِيّ مع شبيبة الكنيسة، كثيرًا ما يُواجَهُ بالسُّؤال: ماذا تقول الكنيسة في كذا؟، ما موقفها من هذه المسألة؟، ما رأيها بهذه الدَّعوة أو تلك؟... إلخ. وغالبًا، ما يكون المُضْمَرَ بالمُسَاءَلَة الكنيسةُ "الرَّسْمِيَّة"، المُتَمَثِّلَة بمطارنتها ومجمعها المقدّس. أَجَل، إنّ شباب الكنيسة يُسَائلونها كلّما وَجَدُوا أنفسهم في مواجهة أفكار جديدة، أو صرعات جديدة، من أمثال تلك الّتي يُطَالِعُنَا بها عالَمُ اليوم وتيّاراته، وما أكثرها، بل وما أخطرها!. يُسائل الشّباب كنيستهم مُنْتَظِرِينَ منها، في التّفاصيل أحيانًا، أجوبة شافِيَة تروِيهم من عطشٍ وتحرِّرُهم من قلق. وهذه المساءَلة هي، دُون شكّ، حقّهم الطّبيعيّ على كنيستهم. فإذا لم يُسائل الشّباب كنيستهم فَمَن يسائلُون؟!. وإذا لم يَلجَأُوا إليها في حيرتهم فإلى مَن يلجأُون؟!. على مَن، غير الكنيسة، يَرمُون أثقالهم ويطرحون همومهم والهواجس؟. ومِمَّن غيرها يلتمسون الرّاحة النّفسيّة والسَّلام الدّاخليّ؟. عندما يستشعر الولد خطرًا، أو يساوره خوفٌ ما، يَلُوذ تلقائيًّا بكنف أمّه أو أبيه طَلَبًا للأمان. كذلك هي حال الشّباب مع كنيستهم، يَلُوذون بها لكونهم يَرَون فيها الكنف الأبويّ الَّذي يحميهم ويمنحهم الشّعور بالأمان. لمّا علم يسوع مَن هو الّذي يُسلمه، "من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء. فقال للإثني عشر: ألعلّكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا؟. فأجابه سمعان بطرس: يا ربّ، إلى مَن نذهب؟، كلامُ الحياة الأبديّة عندك" (يوحنّا 6: 66 - 68). إنّ شباب الكنيسة يلجأون إليها لا إلى سواها، ومنها لا من سواها يلتمسون الأجوبة الشّافية، لأنّهم يريدون أن يعتقدوا أنّها حاملة الكلام الّذي للحياة الأبديّة لكونها كنيسة المسيح.
 
إنّ في مُساءلة الشّباب، هذه، لكنيستهم ما يُطَمْئِن، لأنّها تعني أنّهم يثقون بها ويعتبرونها مرجعيّتهم. بالتّالي، لا شكّ عندنا في صدقيّة هذه المُساءَلة وحقّانيّتها، ولا يُخَامِرُنا رَيْبٌ في أنّ الكنيسة "الرّسميّة" مُطالَبَة، اليوم أكثر منها في أيّ يوم مضى، بكلمةٍ نبويّة تقولها، أو موقف نبويّ تعلنه من القضايا الإنسانيّة الكُبْرَى الَّتي تُرْخِي بثقلها على الجميع، مجتمعًا مدنيًّا وكنيسة، عَنيت بها، مثالًا لا حصرًا، الإرهاب، التّكفير، العنف بصوره المختلفة، الفساد المُسْتَشْرِي على كلّ صعيد والّذي هو، في أساسه فسادٌ خُلُقِيّ، زواج المِثْلِيِّين وشرعنته في بعض الدّول، المُساكَنَة، الزّواج المدنيّ والضّجّة المُثَارَة حوله في أوساطنا في هذه الآونة...إلخ. هذه، وغيرها كثير، من القضايا الّتي تهزّ الضّمير الإنسانيّ وتُبلبله، ليس مقبولًا، بالتّالي، صمت الكنيسة عنها وعدم تَصَدّيها لها بكلمة تقولها وتكون بَلْسَمًا للضّمائر المجروحة وشهادة للتّاريخ.
 
على أنّنا، مع تسليمنا الكامل بما تَقَدَّم، نلفت النَّظَرَ إلى ما يلي: في عالم كالَّذي نحن فيه، يُطَالِعُنَا كلّ يوم رأي جديد من هنا وصرعة أو بدعة جديدة من هناك، لسنا نتصوّر أنّ على الكنيسة أن ترصد كلّ جديد لتقول فيه كلمتها. فليست هذه وظيفتها أصلًا. ليست كنيستنا كنيسة الوصفات الجاهزة والأجوبة المُعَلَّبَة، لا سيّما في القضايا الإنسانيّة ذات الصّلة بأخلاقيّات علم الحياة، مثلًا، والجنس وما إليهما (وهي القضايا الّتي تكثر فيها، عادةً، تساؤلات الشّباب). في أيّة قضيّة من هذه القضايا تتحاشى الكنيسة أن تقدّم وصفات جاهزة، لأنّها لا تقتحم حرمة المؤمن وضميره لتُمْلِي عليه حَلًّا. ماذا إذن؟!. الجواب أنّ الكنيسة تُعلِّم وتُرشِد، تُوجّه وتُوعّي، وتترك للمؤمن الرَّاشِد أن يستنبط بُرشده الحلّ الّذي يعتقد، مُخْلِصًا، أنّه يوافق وضعه. إنّ كنيستنا حريصة على ألَّا تُعاملنا كقاصرين. لكنّها، في الوقت عينه، لا تتخلّى عن مهمّتها الأساسيّة كمُوجِّهَة ومُوَعِّيَة. في هذا السّياق، للكنيسة تعليم صريح يختصّ، مثلًا، بالجسد وحرمته وكونه هيكلًا للرّوح القدس، بالحياة الإنسانيّة وكرامتها وأنّها ملك بإِرْثِهَا ولا يحقّ، تاليًا، لأيّ مخلوق العَبَث بها أو وضع حدّ لها... إلخ. وتحت هذه العناوين العريضة لا بدّ من أن تكون لها أجوبةٌ عامّةٌ، مبدئيّةٌ وعريضة، عن الأسئلة ذات الصّلة بالإجهاض، مثلًا، أو القتل الرّحيم، أو طفل الأنبوب... إلخ. إلَّا أنّها تترك لصاحب العلاقة أن يستنبط بنفسه، تحت سقف هذه الأجوبة العريضة، وبالإخلاص الكامل لتعليم كنيسته، ما يراه حّلًّا موافِقًا لمشكلته الشّخصيّة، الطاّرئة عليه في ظرف خاصّ وضمن حَيثيّات شديدة الخصوصيّة أيضًا. طبعًا، في مثل هذه الحال، تنصح الكنيسة أبناءَها- وهذا حقّها- أن يسلكوا بمقتضى الرُّشْد الّذي افترضته فيهم والثّقة الّتي مَحَضَتْهُم إيّاها، بحيث يطرحون عنهم الكسل ويعكفون على الدّرس والقراءة ليربطوا أنفسهم بخبرات الكنيسة عبر ارتباطهم بخبرات آبائها وتعالميهم. إنّ ما يهمّ الكنيسة، في آخر المطاف، أن يبقى المؤمن، في ما يستنسبه من حلول، تحت سقف استقامة الرأي ليبرهن، بالفكر والسّلوك، وفي تفاصيل حياته، أنّه ابن الكنيسة وأنّ "حياته مُسْتَتِرَة مع المسيح في الله" (كول 3: 3).
 
في هذا المسعى، قد لا يكون لك، مؤمنًا، بُدٌّ من الإستشارة. من أجل هذه وُجِدَ المرشِد أو الأب الرّوحيّ. بَيد أنّ أحدًا منهما لا ينوب عنك في إيجاد الحلّ او اتِّخاذ القرار. هو يفكّر معك لكنّه، بالتأكيد، لا يفكّر عنك. في أفضل الأحوال، هو يساعدك في تلَمُّس الطّريق إلى الحلّ الّذي تنشده، والّذي تبحث أنت عنه وتتحمّل، شخصيًّا، مسؤوليّته كاملة.
لقد بَلَغْنَا بيسوع المسيح سنّ الرشد، وباسمه نؤلّف كنيسة الرّاشِدِين.
 
 
أخبـــارنــــا
 
حلقة دراسة إنجيل يوحنّا مع راعي الأبرشيّة
 
يسرّ حركة الشّبيبة الأرثوذكسية، مركز طرابلس - فرع الميناء، دعوتكم للمشاركة في حلقة "تفسير إنجيل يوحنّا" مع سيادة المتروبوليت أفرام (كرياكوس) راعي الأبرشيّة الجزيل الإحترام، وذلك مساء الجمعة الواقع فيه 13 آذار 2015 عند السّاعة السّابعة والنّصف في بيت الحركة - الميناء.