الأحد 22 آذار 2015

الأحد 22 آذار 2015

22 آذار 2015
 
الأحد 22 آذار 2015              
العدد 12
الأحد الرَّابع من الصَّوم
اللَّحن الثَّامِن              الإيوثينا الثَّامِنَة
 
* 22: الأحد الرَّابع من الصَّوم (يوحنَّا السُّلَّمِيّ)، الشَّهيد باسيليوس كاهن كنيسة أنقرة. * 23: الشَّهيد نيكن وتلاميذه الـ 199 المستشهدون معه، (القانون الكبير). * 24: تقدمة عيد البشارة، أرتامن أسقف سَلَفكيَة. * 25: عيد بشارة والدة الإله الفائقة القداسة. * 26: عيد جامع لرئيس الملائكة جبرائيل، استفانوس المعترف، (تُنقل خدمة القانون الكبير إلى مساء يوم الإثنين). * 27: الشَّهيدة مطرونة التّسالونيكيّة، النّبيّ حنانيا، المديح الكبير. * 28: البارّ إيلاريُّون الجديد.
 
 
العُنْصُرِيَّة من وجهةِ نظرٍ كَنَسِيَّة
 
"حياتنا مُسْتَتِرَة مع المسيح في الله" (كولوسي 3: 3)
 
المسيحُ الإلهُ أتى وتألَّم وصُلِبَ وقامَ من بين الأموات، كلّ ذلك من أجل خلاص كلّ العالم، من أجل كلّ إنسان.
 
لا مجال، إذًا، لا للقَوْمِيَّةِ ولا للمَذْهَبِيَّة... كلّ إنسان مَعْنِيّ أمام الله، إن عرف الله أو لم يعرفه، مهما كان جنسه وعرقه أو دينه. الكتاب المقدّس يؤكِّد على كرامة كلّ إنسان مخلوق على صورة الله. صحيح إنَّ اليهود كانوا معروفين بأنَّهم شعب الله المُخْتَار. إنَّما كانت هذه مرحلة تاريخيّة استخدمهم الله فيها كوسيلة لكي يأتي بالجسد، ويجعل من كلّ شعبٍ يؤمن به شعبًا خاصًّا له. لذلك، يقول الرَّسول بولس: "ليس يهوديّ ولا وثنيّ، ليس عبدٌ ولا حرٌّ، ليس ذكر وأنثى، لأنَّكم جميعًا واحدٌ في المسيح يسوع" (غلاطية 3: 28).
 
نعم أنَّ المسيح، إنْ عرفه كلّ انسان وآمن به أو لم يعرفه أو لم يؤمن به، هو مَبْذُور في قلب كلّ بَشَرٍ، وحتَّى مرسوم على كلّ وجه بشريّ:
((Essence, ou visage, divin spermatique en chaque créature humaine))
 
يقول القدِّيس دوروثاوس، في كتابه "التَّعاليم الرّوحيّة": "افترِضوا دائرةً مركزها الله، والشُّعَاعَات (rayons) هي الطُّرق المختلِفَة. كلّ إنسان من العالم المخلوق  يسير  على أحد الشُّعَاعَات نحو المركز، حيث المسيح الإله (إنْ أَدْرَكَ ذلك أو لم يُدْرِك)، يقتربُ من أخيه الإنسان السَّائِر على شعاعٍ آخَر نحو الله، المركز نفسه. وكلّما ابتعدنا عن بعضنا البعض، ابتعدنا، بالتَّالي، عن الله" (راجع: التَّعاليم الرّوحيّة، صفحة 92).
*  * *
التّصرّفات العنصريّة متأصِّلَة في واقع الخطيئة منذ البدايات البشريّة. معروف عند الجنس اليونانيّ Ellin)) القول المأثور: 
O Mi  Ellin esti Barbaros "ا لّذي هو غير هِلِّينيَ يكون بربرِيًّا ". هذه العنصريّة مزروعة في دمنا، نحن البشر الضّعفاء، لكنّ المؤمن بالمسيح ينبذها، ويحاربها بسلاح الكلمة الإنجيليّة: "أَحِبُّوا أعداءَكم بارِكُوا لاعِنِيكُم، صَلُّوا من أجل الَّذين يُسِيئُون إليكم" (متَّى 5: 44).

"ذُرِّيَّةُ آدم كلّها معنِيَّة بالخلاص، فقد تجدَّدَتْ في المسيح"، بحسب القدّيس ايريناوس. كان المسيحيُّون الأوَّلُون يرى فيهم النّاس شعب "العِرْق الثَّالِث"، على حدِّ تعبير ترتليانوس، بالمعنى الرُّوحيّ، أي "شعب جديد" يلتقي فيه العرقان البشريّان: اليهود والوثنيّون. لذلك، كلّ تَفْرِقَةٍ، مُرْتَكِزَة على العِرْق (Racisme) أو على الدِّين، مرفوضة من وجهة نظر مسيحيّة. القريب ليس هو، فقط، الإنسان الَّذي من قبيلتي أو من محيطي أو من ديني، بل هو كلّ إنسان أَلْتَقِيهِ في دَرْبِي. لذلك، علينا احترام الغرباء، والقبول بالحوار والمشاركة والتّعاون مع الإثنيَّات الأُخْرَى.
 
لقد حاوَلَتْ أوروبا أن تنبذ مثل هذه التَّفريقات، بعد الثَّورة الفرنسيّة، ذلك باعتناقها العَلْمَنَة، لكنّها سقطت في الاِنحراف إذ نبذت، في الوقت نفسه، كلّ القِيَمِ الدِّينيّة الإلهيّة. لقد أَشْرَكَ المسيح في خلاصِه جميع المنبوذين، كالسَّامِرِيِّين والوثنيِّين، أمثال المرأة الكنعانيّة، فعلينا أن نتمثّل به. للمدرسة دور بارِزٌ في العمل على امتلاكِ ضميرٍ لا عُنْصُرِيّ، ذلك عن طريق التّربية المدرسيَّة، بالتّركيز على ما هو مُشْتَرَك بين جميع النَّاس، وأنَّ الآخَر بتميُّزِه عَنَّا يمكنه أن يكون مصدر غنًى لنا.
 
                                                                                                                             +أفرام
 
                                                                                                            مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
                                                                                                                                 
 
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثَّامِن
 
إِنْحَدَرْتَ مِنَ العُلُوِّ يا مُتَحَنِّن، وَقَبِلْتَ الدَّفْنَ ذا الثَّلاثَةِ الأيَّام لِكَي تُعْتِقَنَا من الآلام. فيا حياتَنَا وقِيَامَتَنَا، يا رَبُّ المجدُ لَك.
 
طروباريَّة القدِّيس يوحنَّا السُّلَّمِيّ باللَّحن الثَّامِن
 
للبرَّيَّةِ غَيْرِ المُثْمِرَة بِمَجَارِي دُموعِكَ أَمْرَعْتَ، وبالتَّنَهُّدَاتِ الَّتي مِنَ الأَعْمَاقِ أَثْمَرْتَ بأَتْعَابِكَ إلى مِئَةِ ضِعْفٍ، فَصِرْتَ كَوْكَبًا مُتَلألِئًا بالعجائب، يا أبانا البَارَّ يُوحَنَّا، فَتَشَفَّعْ إلى المسيحِ الإله أَنْ يُخَلِّصَ نفوسَنَا.
 
القنداق باللَّحن الثَّامِن
إِنِّي أَنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أَكتُبُ لكِ راياتِ الغَلَبَة يا جُنديَّةً مُحَامِيَة، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكْرَ كَمُنْقِذَةٍ مِنَ الشَّدائِد. لكنْ، بما أَنَّ لكِ العِزَّةَ الَّتي لا تُحَارَبِ، أَعْتِقِينِي من صُنُوفِ الشَّدِائِد، حتَّى أَصْرُخَ إِليكِ: إِفرحي يا عروسًا لا عروسَ لها.
 
 
الرِّسَالَة
عب 6: 13-20
 
الرَّبُّ يُعْطِي قُوَّةً لِشَعْبِهِ     قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يا أَبْنَاءَ الله
 
يا إِخوةُ، إنَّ اللهَ لمَّا وَعَدَ إبراهيمَ، إذ لم يُمكِنْ أَنْ يُقْسِمَ بما هُوَ أعظَمُ منهُ، أَقسَمَ بنفسِهِ قائلًا: لَأُبَارِكَنَّكَ بَرَكَةً وأُكَثِّرَنَّكَ تكثيرًا. وذاكَ إذ تَأنَّى نالَ المَوْعِد. وإنَّمَا النَّاسُ يُقْسِمُونَ بما هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُمُ، وتَنْقَضِي كلُّ مُشاجَرَةٍ بينَهُم بالقَسَم للتَّثْبِيتِ. فَلِذَلكَ، لمَّا شاءَ اللهُ أنْ يَزيدَ وَرَثَةَ الموعِدِ بَيَانًا لِعَدَمِ تَحَوُّلِ عَزْمِهِ، تَوَسَّطَ بالقَسَمِ حتَّى نَحْصُلَ، بأَمْرَيْنِ لا يَتَحَوَّلانِ، ولا يُمْكِنُ أنْ يُخْلِفَ اللهُ فيهِمِا، على تعْزيَةٍ قَوِيَّةٍ، نحنُ الَّذين التَجَأْنَا إلى التَّمَسُّكِ بالرَّجاءِ الموضوعِ أمامَنا، الَّذي هو لَنَا كَمِرْسَاةٍ للنَّفْسِ أَمِينَةٍ رَاسِخَةٍ تَدْخُلُ إلى داخِلِ الحِجَاب حيثُ دَخَلَ يسوعُ كَسَابِقٍ لنا، وقَدْ صارَ على رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَق، رئيسَ كهنةٍ إلى الأبَدِ.
 
الإنجيل
مر 9: 17-31
 
في ذلكَ الزمانِ، دَنَا إلى يسوعَ إنسانٌ وسَجَدَ له قائلًا: يا مُعَلِّمُ قد أَتَيْتُكَ بابْنِي بِه روحٌ ْأبْكَم، وحيثُمَا أَخَذَهُ يَصْرَعُهُ فيُزْبِدُ ويَصْرِفُ بأسنانِه وَيَيْبَس. وقد سألتُ تلاميذَكَ أنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا. فأجابَهُ قائلًا: أيُّها الجيلُ غيرُ المؤمِن، إلى متى أكونُ عِندَكُم، حتَّى متى أَحْتَمِلُكُم؟ هَلُمَّ بهِ إليَّ. فَأَتَوْهُ بهِ. فلمَّا رآهُ للوَقْتِ صَرَعَهُ الرُّوحُ فسَقَطَ على الأرضِ يَتَمَرَّغُ ويُزْبِدُ. فسأَلَ أباهُ: منذ كَمْ مِنَ الزَّمان أَصَابَهُ هذا؟. فقالَ: مُنذُ صِباهُ، وكثيرًا ما أَلْقَاهُ في النَّار وفي المياهِ ليُهْلِكَهُ، لكنْ إنِ استَطَعْتَ شيئًا فَتَحَنَّنْ علينا وأَغِثْنَا. فقال لَهُ يسوعُ: إنْ استَطَعْتَ أنْ تُؤْمِنَ فكُلُّ شيءٍ مُسْتَطَاعٌ للمُؤْمِن. فصاحَ أبو الصّبيّ مِنْ ساعَتِه بدموعٍ وقالَ: إنّي أُؤْمِنُ يا سيِّد، فَأَغِثْ عَدَمَ إيماني. فلمَّا رأى يسوعُ أنَّ الجميعَ يَتَبَادَرُون إليهِ انْتَهَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ قائلًا لَهُ: أُّيُّها الرُّوحُ الأَبْكَمُ الأَصَمُّ، أنا آمُرُكَ أنْ اخْرُجْ مِنهُ ولا تَعُدْ تَدْخُلُ فيه، فصرَخَ وخبَطَهُ كثيرًا، وخرجَ مِنهُ، فصارَ كالمَيْت، حتَّى قالَ كثيرون إنَّه قدْ ماتَ. فأخذَ يسوعُ بيدِه وأَنْهَضَهُ فقامَ. ولمَّا دخلَ بيتًا سأَلَهُ تلاميذُه على انفرادٍ: لماذا لم نستَطِعْ نحنُ أنْ نُخْرِجَه؟ فقالَ لهم: إنَّ هذا الجِنْسَ لا يُمكِنُ أنْ يخرُجُ بشيءٍ إلَّا بالصَّلاة والصَّوم. ولمَّا خرجوا من هناك اجتازوا في الجليل ولم يُرِدْ أنْ يدرِيَ أحَدٌ، فإنَّه كان يُعَلِّمُ تلاميذَه ويقولُ لهم: إنَّ ابنَ البَشَرِ يُسَلَّمُ إلى أيدي النَّاسِ فيقتُلُونَهُ وبعدَ أنْ يُقْتَلَ يقومُ في اليوم الثَّالِث.
 
في الإنجيل
 
"إنَّ هذا الجنسَ لا يخرجُ إلَّا بالصَّلاة والصّوم". تأكيد، من جديد، على أنَّ هذا المرض الصَّعب، المستحيل، والَّذي لم يقدر التّلاميذ السَّيطرة عليه، يلزمه الايمان القويّ، أوَّلًا، ومرفَقًا، ثانيًا، بالصَّلاة والصَّوم.
 
إنّها ليست المرَّة الأُولى الَّتي يذكر فيها الرّبّ يسوع الصّلاة والصّوم. ففي مكانٍ آخَر يقول: "صُوموا وصلُّوا لئلَّا تَدخُلوا في التّجربة". ونراه هو نفسه قد صام وصلّى. صام أربعين يومًا، لم يأكل خلالها ولم يشرب. وعندما أتاه المُجَرِّب أي (الشّيطان)، لم يقدِرْ أن يغلبَه، هذا لأنّه كان صائِمًا وليس لأنّه، فقط، ابن الله.
 
إذًا، هذه الفضائل المذكورة: الإيمان والصّوم والصّلاة، هي ثلاث درجات من أصل ثلاثين درجة نصعدها لنصل فيها الى قمَّة السّلّم، حيث ينتظرنا الرّبّ يسوع فاتحًا ذراعَيْه. هذه الدَّرَجَات، أي الفضائل، الّتي ذكرها قدّيسنا اليوم (يوحنّا السّلّمِيّ)، ربما لا تكون صعودًا سريعًا، إذ يتخلَّل هذا الصّعود سقوط عدّة درجات...، وهكذا دَوَالَيْك. المهمّ، بالنّسبة للقدّيس يوحنّا السّلّميّ وليسوع، هو أنّ السّقوط لا يعني النّهاية. المهمّ أن نقوم من هذه السّقطة، وأن لا نيأس، لأنّ المؤمن لا ييأس بل يتّكل على الله، ويردِّد دائمًا: "أستطيع كلّ شيء بالّذي يقوّيني"، و"كلّ شي مُسْتَطَاع للمؤمن". هكذا أجاب الرّبّ يسوعُ والدَ الصّبيّ، وهكذا يجيب كلّ واحد منّا. فقط علينا أن نضع رجاءنا واتِّكالنا عليه، فيمسك بيدنا وينهضنا، كما أنهَضَ الصّبيّ، وكما أنهضَنَا، قبلًا، عندما قام ساحِقًا الموت بقدرته الإلهيَّة.

 
النِّعْمَةُ الَّتي تُظَلِّلُنَا
 
يجتاز المؤمنون فترة الصَّوم، والتّركيز فيها على الصِّيام، والصّلاة، والتّوبة كمَسَالِكَ ينتهِجُهَا المؤمنُ تقودُه إلى فرح القيامة. وعندما يَشْكُو المؤمنون، أحيانًا، من مُسْتَلْزَمَات ما يدعونه "الحياة المسيحيّة"، يكون عامّة الجواب جوابًا تَقَوِيًّا: "الله بِقَوِّيك!". الحقيقة هي إنّ المؤمنين بحاجة إلى أكثر من ذلك. هم بحاجة إلى أن يُدْرِكُوا لماذا وكيف يقوّيهم الله. هذا المُعْطَى الَّذي هو من صُلْبِ الإيمان في استقامة الرأي، ودافَعَ عنه القدّيس غريغوريوس بالاماس، ووصَفَهُ القدّيس يوحنّا السّلّميّ، واختبرته أمّنا البارّة مريم المصريّة، لا نتكلّم عليه كثيرًا، وأقصد "النِّعمة".
 
إذا ما استَذْكَرْنَا بشارةَ الملاك لمريم، نراه يقول لها بعد أنْ قَبِلَتِ المهمَّةَ الإلهيَّةَ الَّتي كُلِّفَت بها، "نعمة العَلِيّ تُظَلِّلُك!". ومريم هنا ليست، فقط، تلك البتول المُتَعَبِّدَة، هي صورة عن كلّ منّا. هي مثال الَّذين، بالنِّعمة، لَبِسُوا المسيحَ وصارُوا أعضاءًا في جسده. فما هي هذه "المريميّة" في السّلوك، والجديرة أن تبقى حاضِرَة في أذهاننا؟!.
 
تعلِّمُنَا الكنيسة أنّ النّعمة تنبع تلقائيًّا من الله منذ الأزل، وهي معطاة لنا بسخاء، وهي مجّانيّة، ولن يطلب منّا الله مقابلها أيّ شيء. لذلك، ليس من ضرورة للكلام على "اللِّماذا؟". محبة الله لنا هي الجواب. أمّا للإجابة على "الكيف؟"، فتحضرني صورة العصا الَّتي بواسطتها، ضرب موسى الصَّخرة، فخرج منها الماء الحيّ الَّذي روى شعب الله. وهذه العصا هي الَّتي تُعْطَى للأسقف في الجزء الأخير من سيامته، لكي يرعى شعب الله، ويَسْتَدِرَّ النِّعمةَ الإلهيّة على المؤمنين، لكيّ تُثْمِرَ مواهبهم الخاصّة. فما هي أهمّيّة هذه الصورة؟. 
تكمن الأهمّيّة الأولى، لصورة العصا، بأنَّ العصا تساعد على السَّيْرِ إلى الأمام في طريقك. أكنت تنوي صعود جبل أو نزول واد، أنت تمسك هذه العصا وتسعى في طريقك. تستعمل العصا أحيانًا، ولا تفكّر متى. من دون أن تدري، تجد نفسك تتَّكِلُ عليها، تَأْمَنُ لها. أمامك صعوبة في الاِرتقاء، أو في تجنُّب الاِنزلاق، تلجَأُ إليها، لأنَّك تعلم أنّها هنا. وهذه هي حال المؤمن مع النِّعمة. يعرف أنَّ الطَّريق صعب، لكنّه يعرف، أيضًا، أنَّ المخلِّص وضع في مُتَنَاوَلِهِ العصا الَّتي تساعده في الطَّريق الوَعِرَة. المهمّ ّهو أن لا تشكَّ بأنَّ النِّعمة هي هنا ولك، وهي ستكون سندك على الطَّريق. تَكْمُنُ الأهمِّيَّة الثّانية، لصورة العصا، في أنَّك تتَّكِلُ عليها لتنهض متى سَقَطتَ. أجل، ربَّما سَقَطتَ على الطّريق، حتّى ولو كانت العصا في يدك. هذا ممكن بسبب صعوبة الطّريق الّتي عليك أن تسلكها في ارتقائك إلى ملء قامة المسيح. لكن، العصا تساعدك لتقوم. تتَّكِئُ عليها لتسير من جديد، بسبب وَعْيِكَ أنَّ متانَةَ العصا أَفْعَل من وُعُورَة الطَّريق، وأنَّ للطَّريق نهاية، لكن ليس للنِّعمة الموهوبة لك سَقْفًا.
 
تَكْمُنُ الأهمّيّة الثّالثة، في هذه الصورة، بأنّ تفعيل دور النِّعمة هو رهن إرادتنا. كما أنّ العصا تُعْطِي لِقِوَانَا الجسديّة القدرة على تخطّي الصّعوبات، متى أردنا استعمالها، كذلك النّعمة تعطي لكياننا القدرة على سلوك الطّريق الصّعبة المؤدّيّة إلى الاِلتصاق بالله. المطلوب ليس أن ندرك، بالذّهن، مقاصد الله، بل أن نؤمن كمريم بأنّ لا شيء مستحيل لمن يستعين بالنّعمة المُعْطَاة له مَجَّانًا. 
 
فقط وَعْينا للنّعمة "الّتي تظلِّلُنا" يَنْقُلُ تَقَوِيَّاتِنا، صلاةً وصومًا، من أرضيّتها إلى سماويّتها. هذه هي النّعمة الّتي بها ننقل الجبال، والرّبّ صادِق بقوله لنا ذلك. يتطلّب هذا الوعي تربية لأنفسنا من نوع جديد، تربية تقول لنا إنّنا أقوياء وإنّنا بالنّعمة نلغي ضَعَفَاتِنا. هذا هو الجواب على "الكيف". ولذلك، علينا أن ننظر للقيامة وليس إلى ضعف أرجلنا، لأنّه في كلّ الأحوال لن نصل إلى القيامة إلّا بسبب قوّة النّور الّذي يخرج من القبر، أي النّعمة الّتي تفجَّرَت فأصبحَ بها العالم جديدًا.
 
إنْ لمْ نَعِ أنّنا في زمان النّعمة الّتي سُكِبَتْ علينا في جرن المعموديّة، والّتي نُجَدِّدُها كلّ ما اقْتَتْنَا من الجسد الإلهيّ، فباطلة هي أعمالنا. أمّا إذا ترسَّخْنَا في هذا الوَعِي، آنذاك لا نسأل كيف ننقل الجبال، بل ننقلها، ولا نسأل كيف نتخطّى ضعفاتنا، بل نتخطّاها، ولا نسأل كيف ننهض من بين الأموات لأنَّ قيامتنا حصلت، والعريس معنا، والحزن وراءنا. التّواضع سبيلنا لإدراك عظمة هبة هذه النِّعمة. ألا أعطانا الله أن نلج نهاية هذا الصّوم، وقلبنا مفعم بهذه النّعمة، وعقلنا مستنير بها.
 
أخبارنا
سلسلة برامج إذاعية عبر أثير إذاعة السّلام
 
سلسلة برامج إذاعيَّة، عبر أثير إذاعة السّلام، الّتي تبثّ على الموجة FM 95.1، أو عبر تنزيل تطبيق     al Salam fm على الهاتف المحمول. تقدّم هذه البرامج فرقة القدّيس أفرام السّريانيّ، التّابعة للمركز الرّعائيّ للتّراث الآبائيّ الأرثوذكسيّ في مطرانيّة طرابلس والكورة وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس. 
 
البرنامج هو كالتّالي:
 
الثّلاثاء والخميس: رحلة الصّوم الكبير؛
الأربعاء: أسئلة معاصرة حول الصوم؛
الجمعة: تفسير خدمة المديح؛
تأتيكم هذه البرامج في الأوقات التّالية:
الثَّامنة صباحًا، الرّابعة بعد الظّهر، والتّاسعة مساءً.
 
صوم مبارك