الأحد 25 كانون الثاني 2015

الأحد 25 كانون الثاني 2015

25 كانون الثاني 2015
الأحد  25 كانون الثاني  2015     
العدد 4
الأحد 15 من لوقا (زكّا)
اللَّحن السّادس   الإيوثينا التّاسعة
 
* 25: تذكار غريغوريوس الثاولوغوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة.* 26: البارّ كسنيوفوندُس وزوجته ماريّا وولدَيه أركاديوس ويوحنّا. * 27: نقل جسد يوحنّا الذّهبيّ الفم، القدّيسة ماركيانيس. * 28: البارّ أفرام السّريانيّ، البارّ بلاديوس. * 29: نقل بقايا الشّهيد في الكهنة إغناطيوس. * 29: الأقمار الثلاثة وأمّهاتهم. * 30: كيرُس ويوحنّا العادمَي الفضّة، الشّهيدة أثناسيّا وبناتها.
 
 
الرّعاية
مقاربة شفاء النّفوس
 
يقول القدّيس غريغوريوس اللاهوتي عمل الراعي تدريب الناس (مرافقتهم أو تربيتهم Pédagogie ) وإرشاد نفوسهم إلى الخلاص".
 
النفس بالمعنى الكتابيّ هي الإنسان كلّه. الخلاص هو من الخطيئة والموت. يقول أيضًا القدّيس أنطونيوس الكبير "الآباء القدماء كانوا يذهبون إلى البريّة وعندما يصبحون أصحّاء (كاملين) يمسون أطبّاء، فيعودوا لكي يجعلوا الآخرين بدورهم أصحّاء كاملين" لذلك قيل:"أيّها الطبيب أشفِ نفسك أوّلا" (لوقا 4: 23).
 
كذلك القدّيس يوحنا كرونشتادت الروسيّ، كان  يصف الطبيب الحكيم بقوله: "هو الطبيب الروحيّ الذي يكشف له المريض (النفسيّ) عن كلّ جراحاته بلا خجل... بثقة وامتنان".
 
سقراط نفسه كان يُدعى "طبيباً للنفس".
 
إنّ اللغة الطبيّة في استخدامها في الأدب الكنسيّ تقودك إلى مرتبة أعمق، هذا في اللاهوت الرعائيّ والشفاء الكامل.
 
الرعاية تأخذ بعين الاعتبار القواعد التراثيّة الآبائيّة القديمة، كما تعتبر أيضًا وتحترم تلك الحديثة والمعاصرة، ذلك من أجل المصالحة والشفاء. لاحظوا قول الإنجيل:
 
"كلّ كاتب متعلّم في ملكوت السموات يشبه رجلاً ربّ بيت يُخرج مِنْ كَنْزهِ ما هُوَ جديدٌ وما هُوَ عَتيق" (متى 13: 52)           
 
والرسول بولس يقول أيضًا: "الله الذي صالحنا
 
لنفسه بيسوع المسيح... أعطانا نحن أيضًا (اليوم)
 
خدمة المصالحة" (2 كورنثوس 5: 18)
 
أخيراً وليس آخِراً، تعطى في الرعاية أهمّيّةٌ للإرشاد الروحيّ. الأب الروحيّ  يتذكّر أنّ الربّ يسوع (مع تعاليمه) قد أتى لينقذنا من الخطيئة والموت. هنا تدخل أهمّيّة التوبة (التغيّر الكامل والتحوّل إلى الله) والاعتراف. في البداية الأب الروحيّ يُعطي نفسه بالكليّة أمام تلميذه، في جوّ  من المحبّة الخالصة، وشيئاً فشيئاً يكشف له عيوبه وأخطاءه. إنْ كان المعترف يستغلّ بساطة الأب ومحبّته ويتصرّف بوقاحة ومراوغة، عندها ينسحب الأب بعد أن أراح ضميره بمبادرته الطيّبة.
 
لا شكّ في أنّ المحاولات عديدة في الإرشاد، في التعليم والعمل. لكن في النهاية النعمة الإلهيّة هي وحدها تمنح الشفاء التامّ.
 
 
 
                                       + أفرام
 
                     مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
 
طروباريّة القيامة باللحن الثّامن 
 
إنحدَرْتَ من العلوِّ يا متحنِّن، وقبلْتَ الدفنَ ذا الثلاثةِ الأيّام لكي تُعتقنا من الآلام. فيا حياتنا وقيامَتنا، يا ربّ المجد لك.
 
طروباريّة غريغوريوس الثاولوغُس باللحن الأوّل
 
انّ المزمار الرعائي لتكلمكَ في اللاهوت، قد قهر أبواق الخطباء وغلبها. وبما أنك التمستَ أعماق الروح قد أُضيف اليكَ حسن النطق، أيها الأب غريغوريوس. فتشفّع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا.
 
قنداق عيد دخول السيّد باللحن الأوّل
 
يا مَن بمولدِكَ أيّها المسيحُ الإلهُ للمستودع البتوليِّ قدَّستَ، وليَدَيْ سمعان كما لاقَ باركْتَ، ولنا الآن أدركْتَ وخلَّصْتَ، إحفظ رعيتَّكَ بسلامٍ في الحروب، وأيِّدِ المؤمنين الذين أحبَبْتَهم، بما أنّك وحدَكَ محبُّ للبشر.
 
 
الرِّسَالَة
عب 7: 26-28، 8: 1-2
فمي يتكلَّم بالحكمة وقلبي يهذُّ بالفهم                   اسمعوا هذا يا جميع الأمم
 
 
يا إخوةُ، إنَّا يُلائِمنا رئيسُ كهنةٍ مثلُ هذا، بارٌّ بلا شرٍّ ولا دنَسٍ، مُتنزهٌ عنِ الخطأةِ، قد صارَ أعلى منَ السماوات، لا حاجةَ لهُ أن يُقرِّبَ كلَّ يومٍ مثلَ رؤساءِ الكهنةِ ذبائحَ عن خطاياهُ أوّلاً ثمَّ عن خطايا الشعب. لأنَّهُ قضى هذا مرَّةً واحدةً حينَ قرَّبَ نفسَهُ. فإنَّ الناموسَ يُقيمُ أناساً بِهمِ الضعفُ رؤَساءَ كهنةٍ. أمَّا كلِمةُ القسمِ التي بعدَ الناموس فتُقيمُ الابنَ مُكَمَّلاً إلى الأبد. ورأسُ الكلام هو أنَّ لنا رئيسَ كهنةٍ مثلَ هذا قد جلسَ عن يمينِ عرشِ الجلالِ في السماوات، وهُوَ خادِمُ الأقداسِ والمسكنِ الحقيقيّ الذي نَصبَهُ الربُّ لا إنسانٌ.
 
الإنجيل
لو 19: 1-10
 
في ذلك الزمان، فيما يسوع مجتازٌ في أريحا، إذا برجل اسمُه زكّا كان رئيساً على العشّارين، وكان غنيّاً، وكان يلتمس أن يرى يسوعَ مَن هو، فلم يكن يستطيع من الجمع لأنّه كان قصير القامة. فتقدّم مُسرِعًا وصعد إلى جُمَّيزةٍ لِيَنظُره، لأنّ يسوعَ كان مزمعًا أن يجتاز بها. فلما انتهى يسوع إلى الموضع رفع طَرْفَهُ فرآه، فقال له: يا زكّا أَسْرِعِ انزِلْ، فاليومَ ينبغي لي أن أمكث في بيتك. فأسرع ونزَلَ وقَبِلَهُ فَرِحاً. فلمّا رأى الجميع ذلك تذمّروا قائلين إنّه دخل ليحُلَّ عند رجل خاطئ. فوقف زكّا وقال ليسوع: هاءنذا يا ربُّ أُعطي المساكين نصف أموالي، وإنْ كنتُ قد غَبَنْتُ أحداً في شيء أَرُدُّ أربعة أضعاف. فقال له يسوع: اليوم قد حصل الخلاص لهذا البيت، لأنّه هو أيضاً ابنُ إبراهيم، لأنّ ابن البشر إنّما أتى لِيَطلُبَ وَيُخَلِّصَ ما قد هلك.
 
في الإنجيل
 
هذا المقطع الانجيليّ في السنة الطقسية يذكِّرُنا دومًا بقرب بداية الصوم الكبير المقدّس. الانجيل اليوم يبدو قصّةً طريفة لإنسان قصير القامة "استحلى" أن يرى شكل الرّبّ يسوع المشهور ولم يستطع بسبب كثرة الجموع! ولكنّ سيرة زكّا هي قصة حياة الإنسان بالمسيح عبر التاريخ. زكّا، إنسان فضوليّ، شهوانيّ، ومشهود له بخطاياه، يخصّصه الربّ يسوع بلقاء وجهًا لوجه، وذلك قبل يوم الدينونة الرهيب. وهذا اللقاء كان علاجيًّا شفائيًّا، أوصل زكّا إلى اليوم الأخير ليقف مع الأبرار والصدّيقين. هذه هي إرادة الربّ، أن يخلّص الجميع فيُقبِلُوا إلى معرفة الحقّ (1 تيم 2: 4)! "لأن ابن البشر إنّما أتى ليطلب ويخلّص ما قد هلك" (لوقا 19: 10)
 
طُلب مرّةً من القدّيس يوحنّا الاسكندريّ (المعروف بيوحنّا الرحيم) أن يصف الإيمان المسيحيّ، فقال: "إنّه رحمة لامتناهية". قصّة زكّا قصّةُ رحمة الله التي لا تُحدّ، ومحبّتِه للبشر التي لا تُقاس. إنها أيقونةٌ تُظهر تجسّدَ الربِّ لخلاص الإنسان، وعملَه لِرَفعِهِ إلى السماء. هكذا نقول في القدّاس: "لكنّكَ لِمَحبَّتِكَ للبشر التي لا تقاس ولا تُقدَّر، قد صرتَ إنساناً بلا استحالة ولا تغيُّر... وما برحت تصنع كلّ شيء حتى أصعدتنا الى السماء". الله أتى ليخّلص الخطأة الذين أنا أوّلُهم. اختار زكّا، كما اختارني، وكما اختارك أنت اليوم. عندما يشفى الانسان من مرضه وأهوائه وخطاياه، يتّحد بالرّبّ. فإمّا أن أكون في موقع الدّيّان والمحاسب للناس والناقد لتصرّفاتهم وحياتهم، كما فعل "الجميع" مع يسوع وزكا (لوقا 19 :7)، أو أن أُقيمَ في التواضع وأنظر الى نفسي لأزيل القشّةَ من عيني أوّلًا، بمساعدة الرّبّ ونعمته والنظر إليه. كان زكّا يعرف جيّدًا مرضه. وما كان مرض زكّا المعروف؟ حبّ المال أو الجشع، الطمع وعدم الاكتفاء بما يعطى إليّ! هل أنا أعرف مرضي؟
 
زكّا يصعد على شجرة الجّميزة. والشجرة رمزٌ لافتٌ في التاريخ، فهي تُستعمل في معظم الأديان. إنّها صورة الحياة، والقوّة، والمأوى، والمأكل، والعالم الطبيعيّ، وأمور أخرى. في المسيحية لدينا شجرة الحياة في جنّة عدن، وشجرة الصليب الحاملة الحياة. يسوع هو شجرة الحياة للعالم، وهو يظلّل الجميع بدفء نوره الكَونيّ وأوراق نعمته المخلّصة. يسوع هو شجرة الخلاص، وبنعمته نَخلُص.
 
زكّا يصعد على شجرة الجمّيزة، ويرى هناك الربَّ يسوع آتيًا، ثمّ يناديه الرّبُّ فينزل ليلاقيه. هذه هي الحياة الروحيّة: نصعد على شجرة الصليب، أي على شجرة المحبّة، وإخلاء أو نكران الذات، والتضحية من أجل الآخر، والتواضع الحقّ، والسعي الدؤوب نحو الربّ، وفي صعودنا هذا ننال نعمة، سلامًا، بهجة داخليّة، ونكتنز رجاءً، ثم ننزل لننشر الرّجاء. إنّه صعود كصعود التلاميذ على جبل ثابور ونزولهم منه. عيوننا، أو بصرنا، يختلف تمامًا، مثلًا قبل قراءة الانجيل في القدّاس الإلهيّ نطلب أن يفتح الرّبُّ أعيُنَنا: "أيّها السّيّد المحبُّ البشر، أشرق قلوبَنا بنور معرفة لاهوتك الذي لا يضمحلّ، وافتح حدقتَي ذهنِنا لفهمِ تعاليم إنجيلك". أمّا بعد المناولة الإلهيّة، فنرتّل بفرح الرؤية ونقول: "لقد نظرنا النورَ الحقيقيّ، وأخذنا الروحَ السماويّ، ووجدنا الايمانَ الحقّ".صعودنا ونزولنا يعطينا معاينة جديدة، ودعوة نحو رؤية الأمور من منظار جديد لحياة أفضل. في هذا الصعود والنزول، نرى أنّ شيئًا مات فينا، وشيئًا جديدًا نبت، تغيّر، تبدّل، شيئًا هامًّا في حياتنا لا ندركه كاملًا في حينه.
 
زكّا لم يرَ يسوعَ وَجهًا لِوَجْهٍ فَحَسْبُ! بَلِ اتَّحَدَ معَهُ هُوَ الإله الحيّ. وهذه هي الحياة الأبديّة. لذا، تضع الكنيسة هذا المقطع الانجيليّ اليوم، لتقول لنا إنّ الصوم ليس فقط تهيئة لعيد الفصح المجيد، لكنّه صعودٌ لرؤية الرّبِّ ونزولٌ للاتّحاد به فنصبح نحن مع الربّ دائمًا. لأنّ زكا، بعد نزوله من الشجرة، أصبح يرى يسوع لا مِن خلالِ أغصان الشجرة، بل على طريق بلدته، وفي بيته، وعند هؤلاء الذين ردّ لهم مالهم وفي كلّ مكان. لأنّ عيونه رأت الربّ، فدخل قلبه. هيا بنا اليوم لنماثل زكا!
 
الشّهادة والمعرفة
 
يوم الجمعة القادم في الثلاثين من الشّهر الجاري نعيّد لأقمار الكنيسة الثلاثة: باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي ويوحنّا الذّهبيّ الفم. وقد سُمُّوا هكذا لأنّهم أناروا المسكونة بالتّعاليم وكانوا شهودًا للمسيح يسوع. لا ننسى أنّ من مستلزمات الشّهادة أن يكون الإنسان عارفًا، ليس فقط المعرفة الإلهيّة، ولكن أن يعرف هذا العالم حقّ المعرفة، أن لا يكون منه ولكن ألّا يكون غريبًا عنه. تعرفون كلمة الرّبّ يسوع: "أنتم في العالم ولكنّكم لستم من العالم"، أنتم فيه وتعرفون محيطكم.
 
            كان الأقمار الثلاثة عارفين. طلبوا العلم وحصّلوا منه الشّيء الكثير الكثير. لم يكونوا على هامش علوم عصرهم. الشّاهد للمسيح عارف وليس بجاهل، ليس غريبًا عن العصر. عبّ الأقمار الثلاثة، موضوع حديثنا، من ثقافة عصرهم، درسوا، ولذا يُتّخذون شفعاء للطّلّاب.
 
            فباسيليوس الكبير عبّ من علوم العالم الّتي ميّزت الفكر اليونانيّ في عصره. درس في قيصريّة كبادوكيّة ثمّ تركها وذهب إلى القسطنطينيّة، ومنها إلى أثينا في سبيل العلم. وقضى هناك أعزَّ سنوات التّحصيل برفقة غريغوريوس اللّاهوتيّ الّذي ربطَتْهُ بباسيليوس الكبير صداقةٌ حميمة. يخبرنا القدّيس غريغوريوس أنّهما، هو وباسيليوس، أقبلا بحماسةٍ بالغةٍ على العلم ولم يعرفا إلّا طريقين: طريق الجامعة ليستمعا هناك الدّروس والمحاضرات الفلسفيّة، وطريق الكنيسة للوقوف على الإلهيّات. أخذا علوم العالم من الجامعة، ثمّ كانا يذهبان إلى الكنيسة ليأخذا العلم الإلهيّ.
 
            عرف باسيليوس أفلاطون وأرسطو وقرأ المناظرِين والخطباءَ الإغريق. درسهم كلّهم وتأثّر أسلوبه بهم، وهذا ظاهر في كتاباته ووعظه. لذا تمكّن باسيليوس من محاورة الوثنيّين بسهولة، لأنّه أتقن أساليب المنطق، وعرف عيوبَهم.
 
            واعتبر غريغوريوس النزينزي أنّ التّثقيف والبحث والشّعر واللّغة والفنّ أمور هامّة، وهي ضروريّة في  الحياة، شرط أن نعرف الفصل بين إفرازات الوثنيّة السّامّة والقيم الخلقيّة والفنّيّة؛ لأنّ كلّ قيمة خلقيّة فنّيّة جماليّة ربطها غريغوريوس بالمسيح يسوع. وقد عبّر عن هذا بقوله: "لأنّه حقّ أن تقود العلمَ في هذا العالم الحكمةُ المثلى، حكمةُ الرّوح القدس، الآتيةُ من فوق، من السّماء والنّابعةُ من عند الله".
 
ويوحنّا الذّهبيّ الفم تلقّى، وهو طالب، العلومَ على أمهر الأساتذة وعلى الأخصّ ليبانيوس، معلّم الخطابة الشّهير. ويُروى أنّ ليبانيوس قد سُئلَ قبل موته مَن يريد أن يخلفه، فأجاب: "يوحنّا لو لم يكن المسيحيّون قد خطفوه منّي". فيوحنّا كان تلميذًا نجيبًا أتقن الخطابة وحصّل إلى جانبها الفلسفة وعلوم الطّبيعة والطّبّ وقواعد النّحو واختار مسلكًا لحياته بعد هذا التّحصيل. استعدّ كما استعدّ باسيليوس وغريغوريوس، فنرنّم لهم: "لقد دنوتم أيّها الحكماء من رياض الكتب كمثل النّحل، فاجتنيتم حسنًا الأزهار الفاضلة، ووضعتم لجميع المؤمنين شَهْدَ تعاليمِكم وليمةً لهم". كلّ مفهوم العيد تتضمّنه خدمة العيد. إنّ الخدم اللّيتورجيّة أغنى مرجعٍ لنا في اللّاهوت والتّعليم. ولكنّنا، ويا للأسف الشديد، نهجرُ هذه الخدم.
 
            عرف آباؤنا علوم العالم وعلوم الله. استفادوا وخاطبوا النّاس بِلُغَةٍ يفهمونها، بِلُغَةٍ فيها من الجمال وأساليب الكلام والمنطق، حتّى قدّموا للنّاس شَهْدًا وعسلًا. سخّر الأقمار الثّلاثة العلوم الدّنيويّة لنشر العلم الإلهيّ. فماذا يعني لنا هذا التّسخير؟
 
            هذا يعني أن يحيط الشّاهد للمسيح بعلوم العصر، هو متعلّم، منفتح على كلّ جديد، لا يخاف علمًا ولا يرفض آخر إذ أنّه متلمّس آثار الحكمة في كلّ نشاط عقليّ. يسخّر علوم الدّنيا لنشر العلم الإلهيّ، كما صنع الأقمار الثّلاثة. لذا يتمكّن الشّاهد من هذه العلوم، لأنّ الإنسان لا يستطيع أن يسخّر إلّا ما يتمكّن منه. فنحن مدعوُّون إلى مضاعفة جهودنا التّحصيليّة في شتّى الميادين، كما فعل آباؤنا الأقمار الثلاثة. من أجل تطبيقِ وصيّة السّيّد: "ستكونون لي شهودًا..." لا بدّ من الاِنكباب الجِدّيّ على التّحصيل تمجيدًا للإله المتجسّد.