الأحد 25 ايّار 2014
25 أيار 2014
الأحد 25 ايّار 2014
العدد 21
أحد الأعمى
اللحن الخامس الإيوثينا الثامنة
*25: وجود هامة السَّابق ثالثًا. *26: الرَّسول كَرْبُس أحد السَّبعين، يعقوب بن حلفى.* 27: الشَّهيد في الكهنة إلاّذيوس، يوحنَّا الرُّوسي.
* 28: وداع الفصح، إفتيشيوس أسقف مالطية، أندراوس المتباله. *29: خميس الصعود الإلهي، الشَّهيدة ثاودوسيَّا، ألكسندروس رئيس أساقفة الاسكندريَّة. * 30: البارّ إسحاقيوس رئيس دير الدلماتن، البارّة إيبوموني. *31: الشَّهيد هرميوس.
أعمى البصر وأعمى البصيرة
وَسَأَلَهُ: «أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ؟» أَجَابَ: «مَنْ هُوَ يَاسَيِّدُ حَتىَّ أُؤمِنَ بِهِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الَّذِي قَدْ رَأَيْتَهُ، وَالَّذِي يُكَلِّمُكَ، هُوَ نَفْسُهُ!» فَقَالَ: «أَنَا أُؤمِنُ يَاسَيِّدُ!» وَسَجَدَ لَهُ.
يقول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم :"ما الضرر من عمى هذا الأعمى حين قاده إلى معرفة يسوع؟ وفي المُقابل ما الفائدة من بَصَرِ أهله، حِينَ لَم يُؤهِّلْهم البصرُ الجسديُّ لِمعرفته؟ ذاك وهوَ في مُعاناتِه نال الحياة، وهؤلاء وَهُم في صحَّتِهم فقدوا الحياة". يعالج إنجيل أحد الأعمى إشكاليّةَ المرض، أو الشرور الطبيعيّة، الّتي يَظنّها الكثيرون عقاب الله للإنسان عمّا اقترفَهُ من خطايا. جواب المسيح في الإنجيل واضح "لاَ هُوَ أَخْطَأَ وَلاَ وَالِدَاهُ، وَلكِنْ حَتَّى تَظْهَرَ فِيهِ أَعْمَالُ الله".
أمَّا السؤال الذي قد نتساءله جميعنا فهو الآتي: وما ذنبه إذاً في أن يولد أعمى؟ هل أعمال الله ومجده يفترض العمى؟ الجواب بالطبع لا، ولكنَّ الله يبتكر شتّى الطُّرُقِ حتّى يؤهِّلَ الإنسان إلى لقائه. في حالة الأعمى هنا، رأى الله بعمقِ حكمتِه أنّ عمى البصر سيقود هذا الإنسان إلى شفاء عينَيْ قلبِه وبصيرتِه، و أن يتأهّلَ بالتالي لمعرفة يسوع.
سمع الأعمى كلمات يسوع، أنّه نور العالم، وآمن به، وكيف برز إيمانه؟ عندما سمح له أن يضع الطّينَ في عينَيه، وارتضى بعد ذلك أن يغتسل في بركة سلوام، فـ"عَادَ بَصِيراً " كما يخبرنا الإنجيلي. رِبحُ الأعمى جاء مضاعفاً، فقد شُفِيَتْ بصيرتُه الداخليّة، واستعادَ نعمةَ البصر الجسديّ، وبرز ذلك عندما جاء جوابُه عن سؤال المسيح «أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ؟»،«أَنَا أُومِنُ يَاسَيِّد!» وَسَجَدَ لَهُ. يرى البشرُ الشرَّ والظلم في كُلِّ ما هو مؤلمُ ومُتعِبٌ بالنسبة إلى الحواسّ، و لهذا فالعمى هو شرّ وظلم، ويرَون الخيرَ والصلاحَ في كُلِّ ما هو مُريحٌ ومُمتِع. في حين يحدِّدُ اللهُ الشرَّ في كُلِّ ما يُبعِدُنا عن الملكوت ويَذْخَرُ لنا عذاباً أبديّاً، وأمّا الخير فهو الشركة والمُلك معه في الملكوت. عندما يحيا البشر الخير في إطار منظومة المتعة والراحة، يَحيَون في تربةٍ خصبةٍ لِكُلِّ أنواع ودرجات الفساد والاِنحلال الخُلُقِيّ ويتمرّغون فيه. يرتأي الله آنذاك، بعمق حكمته، أن يُلحق بالبشر ما يسمّونه شرًّا كالمرض وغيره... إلخ، وذلك عندما يرى أنّ الخاطئ يهلك بجهالة في خطيئته، ويُصِرُّ بوقاحة عليها. يستخدم الله هذه الشرور كَعَملٍ جِراحيٍّ يستأصل به الشرورَ الحقيقيّة. فعلى سبيل المثال، مَن يَهْتُكُ صِحّتَهُ الجسديّةَ بأعمال الفسق من دون أن يرتدع، يسمح الله بأن يَـمرض جسديّاً كي لا تبقى صِحّتُه بعدُ مَدْعاةً لخطيئته. فهو من جهة يُبعده عنها لِما تَذْخَرُ مِن عذابٍ أبديّ، وَمِنْ جهةٍ ثانيةٍ يَحُثُّهُ بطريقة ما، على أن يستشعر خطيئته، ويدفعُه إلى التوبة عنها. في هذه الحالة يصير المرض صحّةً، لأنّه يَقودُنا إلى التوبة، والصحّةُ مَرَضاً لكونها مدعاةً وعُذرًا للخطيئة. إذ من خلال المرض يشفي الله النفس المريضة.
وتارةً أخرى، يسمح الله بالشرور الطبيعيّة كي يمحّص من جهةٍ إيمان محبيّه مُبرزاً فضائلَهم كنماذج تعليميّة نقتدي بها، مُدَّخِراً لهم من جهة أخرى أفراحاً وغبطةً أبديّةً مضاعفة في الحياة الأخرى، وذلك على غرار ما حصل مع أيّوب الصدّيق.
يسعى الله من خلال هذا النهج إلى شفاء بصائر البشر وتُصحيح معاييرهم تجاه الخير الحقيقيّ والشرّ الحقيقيّ. فالخير الحقيقيُّ ليس سوى الله، والشرُّ الحقيقيُّ ليس سوى البُعدِ عنه وعن ملكوته، له المجد إلى أبد الدهور آمين.
طروباريَّة القيامة لِلَّحن الخامس
لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة الـمُساوي للآبِ والرُّوح في الأزليَّة وعدمِ الاِبتداء، المولودِ من العذراء لخلاصِنا، لأنَّه سُرَّ بالجسد أن يَعْلُوَ على الصَّليبِ ويحتَمِلَ الموت، ويُنْهِضَ الموتى بقيامتِهِ المجيدة.
قنداق الفصح باللحن الثامن
ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبرٍ يا من لا يموت، إلاّ أنّكَ درستَ قوّةَ الجحيم، وقمتَ غالباً أيّها المسيحُ الإله. وللنسوةِ حاملاتِ الطيبِ قُلتَ: افرحنَ، ووهبتَ رُسُلكَ السلام، يا مانحَ الواقِعين القِيام.
الرِّسالة (2 كو 4: 6-15)
يفرح الصدّيق بالرب استمع يا الله لصوتي
يا إخوة، إنَّ الله الذي أمرَ ان يُشرقَ من ظُلمةٍ نُورٌ هو الذي أشرَقَ في قلوبنا لإنارةِ معرفَةِ مجدِ اللهِ في وجهِ يسوعَ المسيح. ولنا هذا الكنزُ في آنيةٍ خَزَفيَّةٍ، ليكونَ فضلُ القوةِ لله لا منَّا، مُتضايقينَ في كُلِ شيء ولكن غيرَ مُنحصرين، ومُتحيَّرينَ ولكن غير يائسين، ومُضطهَدين ولكن غيرَ مَخذولين، ومَطروحين ولكن غيرَ هالِكين، حامِلين في الجسد كُلَّ حينٍ إماتةَ الرب يسوع، لتظهرَ حياةُ يسوعَ أيضًا في أجسادنا. لأنَّا نحنُ الأحياءَ نُسلَّمُ دائماً إلى الموتِ من أجل يسوعَ، لتظهرَ حياةُ المسيحِ أيضًا في أجسادِنا المائِتة. فالموتُ إذَنْ يُجرى فينا والحياةُ فيكم. فإذ فينا روحُ الإيمان بعيِنهِ على حَسَبِ ما كُتبَ إنّي آمنتُ ولذلك تكلَّمتُ، فنحنُ أيضًا نؤمِنُ ولذلك نتكلَّم، عالمين أنَّ الذي أقام الربَّ يسوعَ سيُقيمُنا نحن أيضًا بيسوعَ فننتصِبَ مَعَكم، لأنَّ كلَّ شيءٍ هو من أجلِكم. لكي تتكاثَرَ النعمةُ بشُكر الأكثرين، فتزدادَ لمجدِ الله.
الإنجيل
يو 9: 1-38
في ذلك الزَّمان، فيما يسوعُ مُجْتَازٌ رأى إنسانًا أَعْمَى منذ مَوْلِدِه، فسألَهُ تلاميذُه قائِلِين: يا رَبُّ، مَن أَخْطَأَ أهذا أَمْ أبواهُ حتَّى وُلِدَ أعمَى؟ أجاب يسوعُ: لا هذا أخطأَ ولا أبواه، لكن لتظهَرَ أعمالُ اللهِ فيه. ينبغي لي أنْ أعملَ أعمالَ الَّذي أرسلَنِي ما دامَ نهارٌ، يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دُمْتُ في العالَمِ فأنا نورُ العالَم. قالَ هذا وتَفَلَ على الأرض، وصنع من تَفْلَتِهِ طِينًا، وطَلَى بالطِّين عَيْنَيِ الأعمى، وقال له: ٱذْهَبْ وٱغْتَسِلْ في بِرْكَةِ سِلْوَام (الَّذي تفسيرُهُ الـمُرْسَلُ)، فمضى وٱغْتَسَلَ وعَادَ بَصِيرًا. فٱلجيرانُ والَّذينَ كانوا يَرَوْنَهُ من قَبْلُ أنَّه أعمى قالوا: أليسَ هذا هو الَّذي كان يجلِسُ ويَسْتَعْطِي؟ فقالَ بعضُهُم: هذا هو، وآخَرونَ قالوا: إنَّه يُشْبِهُهُ. وأمَّا هو فكان يقول: إِنِّي أنا هو. فقالوا له: كيف ٱنْفَتَحَتْ عيناك؟ أجاب ذلك وقال: إنسانٌ يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيَّ، وقال لي ٱذْهَبْ إلى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وٱغْتَسِلْ، فمضيتُ وٱغْتَسَلْتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أعلم. فأتَوا به، أي بالَّذي كان قبلاً أعمى، إلى الفَرِّيسيِّين. وكان حين صنعَ يسوعُ الطِّينَ وفتح عينَيْهِ يومُ سبت. فسأَلَهُ الفَرِّيسيُّون أيضًا كيف أَبْصَرَ، فقال لهم: جعلَ على عينَـيَّ طينًا ثمَّ ٱغتسَلْتُ فأنا الآن أُبْصِر. فقال قومٌ من الفَرِّيسيِّين: هذا الإنسانُ ليس من الله لأنَّه لا يحفَظُ السَّبت. آخَرون قالوا: كيف يقدِرُ إنسانٌ خاطِئٌ أن يعملَ مثلَ هذه الآيات؟ فوقعَ بينهم شِقَاقٌ. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنتَ عنه من حيثُ إِنَّه فتحَ عينَيْكَ؟ فقال: إِنَّه نبيٌّ. ولم يصدِّقِ اليهودُ عنه أنَّه كان أعمَى فأبصَرَ حتَّى دَعَوْا أَبَوَيِ الَّذي أبصرَ وسأَلُوهُما قائِلِينَ: أهذا هو ٱبنُكُمَا الَّذي تقولان إنَّه وُلِدَ أَعْمَى، فكيف أبصرَ الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلمُ أنَّ هذا وَلَدُنا وأنَّه وُلِدَ أعمى، وأمَّا كيف أبصرَ الآن فلا نَعْلَمُ، أو مَنْ فتحَ عينَيْه فنحن لا نعلَمُ، هو كامِلُ السِّنِّ فٱسْأَلُوهُ، فهو يتكلَّمُ عن نفسه. قالَ أبواه هذا لأنَّهُمَا كانا يخافان من ٱليهود، لأنَّ اليهودَ كانوا قد تعاهَدُوا أنَّهُ إِنِ ٱعتَرَفَ أحَدٌ بأنَّهُ المسيحُ يُخرَجُ من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامِلُ السِّنِّ فٱسألوه. فدعَوا ثانِيَةً الإنسانَ الَّذي كان أعمَى وقالوا له: أَعْطِ مجدًا لله، فإنَّنا نعلَمُ أنَّ هذا الإنسانَ خاطِئ. فأجابَ ذلك وقال: أَخَاطِئٌ هو لا أعلم، إنَّما أعلم شيئًا واحِدًا، أَنِّي كنتُ أعمى والآن أنا أُبْصِر. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينَيك؟ أجابهم: قد أَخْبَرْتُكُم فلم تسمَعُوا، فماذا تريدون أن تسمَعُوا أيضًا؟ أَلَعَلَّكُم أنتم أيضًا تريدونَ أن تصيروا له تلاميذَ؟ فَشَتَمُوهُ وقالوا له: أنتَ تلميذُ ذاك، وأمَّا نحن فإِنَّنا تلاميذُ موسى، ونحن نعلم أنَّ اللهَ قد كلَّمَ موسى. فأمَّا هذا فلا نعلم مِن أين هو. أجابَ الرَّجلُ وقال لهم: إنَّ في هذا عَجَبًا أَنَّكُم ما تعلَمُونَ من أين هو وقد فتح عينَيَّ، ونحن نعلمُ أنَّ اللهَ لا يسمَعُ للخَطَأَة، ولكنْ إذا أَحَدٌ ٱتَّقَى اللهَ وعَمِلَ مشيئَتَهُ فَلَهُ يستجيب. منذ الدَّهرِ لم يُسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا فتحَ عَينَيْ مَولُودٍ أعمى. فلو لم يَكُنْ هذا من الله لم يَقْدِرْ أن يفعلَ شيئًا. أجابوه وقالوا له: إِنَّكَ في الخطايا قد وُلِدْتَ بجُملَتِكَ، أَفَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا؟ فأَخْرَجُوهُ خارِجًا. وسَمِعَ يسوعُ أَنَّهُم أَخْرَجُوهُ خارِجًا، فَوَجَدَهُ وقال له: أَتُؤْمِنُ أَنْتَ بابْنِ الله؟ فأجابَ ذاك وقالَ: فَمَنْ هو يا سَيِّدُ لأُؤْمِنَ به؟ فقال له يسوعَ: قد رَأَيْتَهُ، والَّذي يتكلَّمُ معكَ هوَ هُو. فقال: قد آمَنْتُ يا رَبُّ وسَجَدَ له.
في الإنجيل
بعدَ انذِهالِنا مِن عَظَمَةِ قيامة المسيح، تُذهِلُنا أعجوبَةُ اليوم، لأنّها تُذكّرنا بأنَّ الربَّ يسوعَ هُوَ وحدَهُ الإلهُ الحقّ، لأنّه هو وحده يستطيع أن يعطي البصرَ لِمَن وُلِدَ أعمى. صُنعُ يسوعَ لِلطّينِ يُذَكِّرُنا بِجَبْلِ اللهِ تُرابًا عندَ خَلْقِهِ الإنسانَ الأوّل. إنّهُ الخالِقُ ذاتُهُ، صنع الإنسانَ من التُّراب، وَأعطى البصر لهذا الإنسان. ولكنّ الغريب أنّ الفرّيسيّين لَم يُصَدِّقوا، رُغْمَ التّأكيداتِ العديدةِ مِنَ الأعمى وَمِن والِدَيه، وَمِن سائرِ معارفِه، أنّه كان أعمى فعلاً منذ ولادته، وأنّ يسوع هو الذي أعطاه البصر. لماذا؟ لأنّهم "أَحَبُّوا الظلّمةَ أكثرَ مِنَ النّورِ لأنَّ أعمالَهُم كانت شرّيرة". لذلك، المشكلة الكبرى هي في نفوسهم هم. الظلمة الكبرى هي عندهم هم. هم صاروا العميان الحقيقيّين، لا الّذي كانَ أعمى. لأنّ ذاكَ لم تُفتَحْ عيناهُ الجسديَّتانِ فقط، بل عَينا بَصيرَتِهِ أيضًا، لأنَّهُ آمَنَ بالرَّبِّ يَسُوع. لأجل هذا يُضيف الربّ يسوع: "لدينونةٍ أتيتُ إلى العالم، لكي يُبصِر الذين لا يبصِرون، ويَعمى الذين يبُصرون". كم مِن المسيحيّينَ اليومَ يُبصرون أمور هذا العالم، لكنّهم مُصابُونَ بالعمى الرُّوحيّ؟!
صحيحٌ أنّ العمى الجسديّ مُرْبِكٌ وقاهر، إلّا أنّه مؤقَّتٌ وعابِر، أمّا العمى الرّوحيُّ فيُفقِدُ صاحبَهُ الحياة الأبديّة، ويُبقيهِ في الظّلمة البرانيّة حيث البكاء وصريفُ الأسنان. الربّ يسوع أتى إلى عالمنا، لا من أجل أن يعطي البصر لِعُميانِ الجَسد، بل لعميان الرّوح، أي البعيدِينَ عن الإيمان. واليوم يوجّه كلامه إلى كلّ واحد منَّا: أتريد أن تؤمن لتكونَ لك الحياة؟ أم تريد أن تبقى في الظلمة حيث لا حياة، بل موت أبديّ؟
الرّبّ يسوع يريدنا جميعاً أن نَخلُص ونُقبِل إلى معرفة الحقّ، فنكون من المؤمنين العامِلين مشيئتَه كُلَّ حين، لكي نحصل على حياته الأبديّة، له المجد إلى أبد الدهور، آمين.
رأيٌ في العقل ومَقامهِ في الكنيسة
تَرِدُ في ما نُنشِدُهُ لوالدةِ الإلهِ عِباراتٌ كَ: "أسرارُكِ كلُّها يا والدةَ الإله تفوقُ كلَّ عقل وتَسمُو على كلّ مجد.."، و: "إفرحي أيّتها الملكة فخرُ العذارى والأُمّهات، لأنّ كلّ عقل ينذهل مِن فَهمِ حال ولادتك"... مِمّا يَدُلُّ على أنّ المسائل الإيمانيّة عندنا تتخطّى العقلَ ومناهجَه وأدواتِه، بمعنى أنّ الحاكميّة الأخيرة فيها ليست للعقل. وإلاَّ، فبماذا نُفسّر، أو كيف نفهم، أنّ بتولاً تَلِدُ بلا زرعِ رجلٍ؟ وَأيُّ عقلٍ يستطيع أن يُقارِبَ عقيدة (سرَّ) الثّالوث؟ أو أن يَفهمَ إقامة لعازر ذي الأربعة الأيّام من القبر، وسائر المعجزات التي اجترحها السيّد وبعض رُسله؟ كلُّ هذا لِنقولَ إنّ تعليم الكنيسة نفسها ليس نتاج العقل المحض، بِقَدْر ما هو نتاج الإيمان، "الّذي به نفهم أنّ العالَمِين أُتقنت بكلمة الله، حتّى لم يتكوّن ما يُرى ممّا هو ظاهر" (عب 11/3).
مع ذلك، ولَئِن تَخَطَّتِ المسائل الإيمانيّة العقل، إلاّ أنّها لا تُلغيه ولا تُعطّله. لا بُدَّ من الاِعتراف بمحدوديّة العقل، ولكن لا يجوزُ تعطيلُهُ في أيِّ حالٍ منَ الأحوال، لأنّ في هذا جحوداً بنعمة الله وإنكاراً لِعَطيّةٍ عظيمةٍ من عطاياه. فَمَنْ يُعطِّلُ عقلَه مَثَلُهُ كَمَثَلِ العبد الذي طمر الوزنة.
في حياة الكنيسة نفسها وتعليمها- مع أنّها ليست نتاج العقل، كما أسلَفنا- لا بدّ لنا من العقل. لا بدّ لنا منه لنميّز بين ما يَحِلّ لنا وما لا يحِلّ، بين ما يوافقنا وما لا يوافق، عملاً بوصيّة الرسول: "امتحنوا كلّ شيء. تَمَسَّكُوا بالحَسَن" (1 تسا 5/21). لا بُدّ لنا منه لنميّز، في التعليم بين ما هو من استقامة الرأي وما ليس منها، فلا تقتنصَنا الهرطقات. إنّ عقل بولس، المُشبَع من فلسفات عصره وتقليدات آبائه (اليهود)، هو الذي مَكَّنه من إفحام الفرّيسيّين وتحذير تلاميذه من أن يَسلبَهُم أحدٌ بالفلسفة: "إيّاكم وأن يسلبَكم أحدٌ بالفسلفة، بذلك الغرور الباطل حسَب تقليد الناس وأركان العالم وليس حسب المسيح" (كول 2/8). حتّى في بعض الممارسات المصنَّفةِ تقوِيّةً، لا بدّ لنا من العقل ليرشدنا إلى ما هو سليمٌ منها، فلا نقع في انحرافات إيمانيّة قد تنطوي عليها وتقودنا إليها- بكثير من حُسنِ النيّة أحياناً- هذه الممارسة أو تلك، والأمثلة هنا عديدة. ونحن، عندما ندرس، نصلّي إلى الله من أجل "أن يُرسل لنا روح الحكمة والفهم، لينير عقولنا في الوقوف على وصاياه الإلهيّة...". ولا ننسى أنّ الصِّيغ والتحديدات العقَديّة لَزِمَها العقلُ حتّى أبصرتِ النّور. أخيراً لا آخراً، وفوق هذه كلّها، بل وقبلها كلّها، لا يفوتُنا أنّ ربّنا نفسه، له المجد، لم يَزدَرِ توما لمّا شكّ- والشّكّ حركةٌ من حركات العقل- لكنّه احترم عقله، وبكثير من التّأنيّ قاده إلى الإيمان على النحو الذي نعرف.
فماذا لو تَعطّل العقل؟ ما العاقبة؟ العاقبة انحرافات لا حدّ لها ولو مُمَوَّهةً بطلاءٍ من الإيمان والتقوى. العاقبة تَطَرّف وتَعَنُّت لا تُحمَدُ لُهما عُقبى. العاقبة غوغاء وانفعال وغرائز مُتفلّتة لا ضابِطَ لها. العاقبة تصرّفات وتصريحاتٌ وشعاراتٌ غريبة كُلّيّاً عن فكر المسيح. العاقبة تمرّدٌ وعصيان غريبان عن روح الجماعة وعن روح الطاعة الإنجيليّة. العاقبة تَحَزُّبٌ على غرارِ ما في العالم، وانقسامٌ على غرار ما في العالم، وتالياً ضَربٌ لوحدة الكنيسة وتنكُّرٌ لوصيّة بولس إذ قال مُحذِّراً من مَغَبّةِ التحزّب: "ألعلَّ المسيحَ قد تَجَزَّأ...؟ (1 كور 1/13).
فِيمَ يكمن الحلّ؟ يكمن الحلّ في عقل ينبغي رفضُه قطعاً وفي آخرَ ينبغي التّمسُّك به قطعاً. أمّا الذي ينبغي رفضه فهو العقل المستَكبر، المكتفي بنفسه، الذي يَعُدّ ذاته مرجعاً لذاته. وأمّا الذي ينبغي التّمسُّك به فعقلٌ واعٍ، حاضِر، وَقّاد، لا يُهَمّش ذاته، ولكن، بآنٍ معًا، متواضع، يُدرك انّ الحاكميَّةُ النهائيّة ليست دوماً له، عارِفٌ محدوديّته ومُنكسِرٌ أمام لا محدوديّة خالقه، مُسَبِّحٌ، مُبارِكُ ومُتَأَهّبٌ، على الدّوام، لِتَقَبُّل إشراقات النعمة الإلهيّة عليه.
بهذا العقل تتألّق الكنيسة ويفرح قلب الله. هذا هو العقل الذي يَحفظنا في استقامة الرّأي واستقامة التَّمجيد.
أخبـــارنــــا
وداع الفصح في رأسمسقا:
تقيم رعيّة القدّيسة بربارة- رأسمسقا قدّاسًا مسائيًّا بمناسبةِ وداعِ الفصحِ المجيد، تخدمُه جوقةُ الأبرشيّة، وذلك يوم الثلاثاء في 27/5/2014. تبدأ الخدمة في تمام السّاعة السّادسة والنصف مساءً.