الأحد 7 كانون الأوّل 2014
07 كانون الأول 2014
الأحد 7 كانون الأوّل 2014
العدد 49
الأحد 26 بعد العنصرة
اللَّحن الأوَّل الإيوثينا الرَّابِعَة
*7: أمبروسيوس أسقف ميلان، عمّون أسقف نيتريا. *8: البارّ بتابيوس المصريّ. * 9: حبل القدّيسة حنّة جدَّة الإله، تذكار التَّجديدات، حنّة أمّ صموئيل النَّبيّ *10: مينا الرّخيم الصّوت وإرموجانُس وإفغرافُس الشّهداء. * 11: البارّ دانيال العاموديّ، لوقا العاموديّ، الشَّهيد برسابا. *12: اسبيريدون العجائبيّ أسقف تريميثوس. *13: الشّهداء الخمسة إفستراتيوس ورفقته، الشّهيدة لوكيَّا البتول.
الحياة الجديدة
ها نحن في زمن التّحضير لميلاد السّيّد. نستعدّ لحضور الإله فيما بيننا، لا بل فينا. هو زمن فرح وشوق لتجدُّد الحياة بالإله المتجسِّد. هو يأتينا، لنأتي به إلى أبيه. روحه هو يأخذنا إلى الآب بالابن. روح الإله المتجسِّد يخلقنا جُدّدًا في مسيح الرّبّ. تتجدَّد فينا الحياة الأبديّة بالإله، وفقط بالإله. لا جدَّة في الوجود خارج الإله اللامتغيِّر واللامتحوِّل.
* * *
سرّ الحياة الجديدة هو سرّ تَكَشُّف حقيقة الإله للخليقة في ابنه المتجسِّد. البشر يعيشون لما هو ملموس، ولو تظاهروا بعكس ذلك، ما لم يعرفوا غير الملموس وغير المنظور في ذاته. "من رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9). سر التجسُّد هو سرّ استعلان الله، سرّ معاينة غير المنظور، سرّ إدراك غير المُدْرَك، سرّ لمس غير الملموس، في ابن الله المتجسّد.
"اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1 يو 1: 1 – 3).
* * *
من دخل في شركة الحياة الإلهيّة الّتي للثّالوث القدُّوس، يكون قد ولج سرّ التّجدُّد الأبديّ. في هذا العالم يمرّ التّجدُّد بالموت حُكْمًا. بالموت عن الأنا أوَّلًا. ما معنى أن يموت الأنا؟!. موت الأنا هو موت كلّ رغبة في الاستهلاك، وتحوّل كلّ طاقة الإنسان إلى الخروج من ذاته، إلى ما هو خارجه، ليصير ما هو في الخارج المسكن للأنا. يصير الأنت هو الأنا. الأنت بالمُطلَق هو الله. لذلك، قال الرّبّ يسوع إنّ أولى الوصايا هي حُبُّ الله من كلّ القلب والنّفس والفكر والقوّة (أنظر مر 12: 30 ومت 22: 37 ولو 10: 27). في محبّة الله، المتمثّلة بالطّاعة له في كلمته، يتعلّم الإنسان الحبّ، وبغير هذا لا يتعلّم إلّا الأنانيّة. متى أدرك الإنسان أنّ حياته ليست من ذاته بل من آخَر، هو الله، حينئذ يستطيع أن ينمو في الحياة لأنّه سيطلبها، إذ إنّ سرّ الإنسان هو الشّوق إلى الحياة الخالدة. حتّى لمّا يسقط البشر في اليأس القاتِل يكونون يطلبون الحياة الأبديّة، إذ يكتشفون عدميّة هذه الحياة، أي الحياة بعيدًا عن الله. فقط من عرف الله أدرك عظم عطيّة الوجود.
* * *
"أُطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ" (مت 6: 33). أطلبوا أوّلًا أن تتعلّموا محبّة الله وأن تعرفوا الله المحبّة (أنظر 1يو: 4: 8 و16).
* * *
هذا هو ملكوت الله أن تصيروا مسكنًا للإله "المحبّة"، الّذي كشف لنا عن "سرّه" المكتوم منذ الدّهور (أنظر أف 3: 9 وكو 1: 26) في ابنه المتجسِّد. كلّ جِدَّة في حياتنا تأتي من تمثُّلِنَا بالرّبّ يسوع في كلّ نيّة وفكر وقول وعمل. نحن ضعفاء، لكن الرّبّ أمين أن يهبنا قوّته في نعمته، إذا تواضعنا وطلبناه من عمق كلّ كياننا...
* * *
طروباريَّة القيامة باللَّحن الأوَّل
إنَّ الحجرَ لمَّا خُتِمَ من اليهود، وجسدَكَ الطَّاهِرَ حُفِظَ من الجُنْد، قُمْتَ في اليومِ الثَّالِثِ أَيُّهَا المُخَلِّصُ مانِحًا العالمَ الحياة. لذلك، قُوَّاتُ السَّمَاواتِ هَتَفُوا إليكَ يا واهِبَ الحياة: المجدُ لقيامَتِكَ أيُّها المسيح، المجدُ لمُلْكِكَ، المجدُ لتَدْبيرِكَ يا مُحِبَّ البشرِ وحدَك.
قنداق تقدمة الميلاد باللَّحن الثَّالِث
اليومَ العذراء تأتي إلى المغارَة لتَلِدَ الكلمَة الَّذي قَبْلَ الدُّهور ولادَةً لا تُفَسَّر ولا يُنْطَقُ بها. فافرَحِي أيَّتُها المسكونةُ إذا سَمِعْتِ، ومَجِّدِي مع الملائكةِ والرُّعاة الَّذي سيظهَرُ بمشيئتِهِ طفلًا جديدًا، الإلهَ الَّذي قبل الدّهور.
الرِّسَالَة
أف 5: 8-19
لِتَكُنْ يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ عَلَيْنَا
اِبْتَهِجُوا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بالرَّبّ
يا إخوةُ اسلُكُوا كأولادٍ للنُّور (فإنَّ ثَمَرَ الرُّوحِ هو في كلِّ صَلاحٍ وبِرٍ وحَقٍّ)، مُخْتَبِرينَ ما هو مَرْضِيٌّ لدى الرَّبّ، ولا تشتَرِكُوا في أعمالِ الظُّلْمَةِ الغيرِ المُثْمِرَةِ بل بالأحرى وَبِّخُوا عليها، فإنَّ الأفعالَ الَّتي يفعلونها سِرًّا يقبُحُ ذِكْرُهَا أيضًا، لكنَّ كلَّ ما يُوبَّخُ عليهِ يُعلَنُ بالنُّور، فإنَّ كلَّ ما يُعلَنُ هو نورٌ. لذلكَ يقولُ: استَيْقِظْ أيُّهَا النَّائِمُ وقُمْ من بين الأمواتِ فَيُضِيءَ لكَ المسيح. فانظُرُوا، إذَنْ، أنْ تسلُكُوا بحَذَرٍ لا كجُهَلاءَ بل كَحُكماءَ مُفْتَدِينَ الوقتَ فإنَّ الأيَّامَ شِرِّيرَةٌ. فلذلك، لا تكونوا أغبِياءَ بل افهَمُوا ما هي مشيئَةُ الرَّبِّ. ولا تسكَرُوا بالخَمْرِ الَّتي فيها الدَّعارَة بل امْتَلِئُوا بالرُّوحِ مُكَلِّمِينَ بعضُكُم بعضًا بمزاميرَ وتسابيحَ وأغانيَّ روحيَّةٍ، مُرَنِّمِين ومُرَتِّلِينَ في قلوبِكُم للرَّبّ.
الإنجيل
لو 13: 10-17 (لوقا 10)
في ذلك الزَّمان، كانَ يسوعُ يُعَلِّمُ في أَحَدِ المجامِعِ يومَ السَّبت، وإذا بإمرأةٍ بها رُوحُ مَرَضٍ منذ ثمانِي عَشْرَةَ سنةً، وكانَتْ مُنْحَنِيَةً لا تستطيعُ أنْ تنتصبَ البَتَّة. فلمَّا رآها يسوعُ دعاها وقال لها: إنَّكِ مُطْلَقَةٌ من مرضِك. ووضعَ يدَيْهِ عليها، وفي الحال استقامَتْ ومجَّدَتِ الله. فأجابَ رئيسُ المجمعِ وهو مُغْتَاظٌ لإِبْراءِ يسوعَ في السَّبتِ وقالَ للجميع: هي سِتَّةُ أيَّامُ ينبغي العملُ فيها. ففيها تأتُونَ وتَسْتَشْفُونَ لا في يوم السَّبتِ. فأجابَ الرَّبُّ وقالَ: يا مُرَائي، أَلَيْسَ كلُّ واحدٍ منكم يَحُلُّ ثورَهُ أو حمارَهُ في السَّبتِ مِنَ المِذْوَدِ وينطلِقُ بهِ فَيَسْقِيه؟، وهذه ابنَةُ إبراهيمَ الَّتي رَبَطَهَا الشَّيْطَانُ منذُ ثمانِي عَشْرَةَ سنةً، أَمَا كانَ ينبغِي أَنْ تُطْلَقَ مِن هذا الرِّباط يومَ السَّبت؟!. ولمّا قالَ هذا خَزِيَ كلُّ مَن كان يُقاوِمُهُ، وفَرِحَ الجَمْعُ بجميعِ الأمورِ المَجِيدَةِ الَّتي كانَتْ تَصْدُرُ مِنْهُ.
حول الرِّسَالَة
بعد أن يصف الرّسول ثمر الرّوح في الآيات السّابقة، يأمر بِأَلَّا يشترك المؤمن في أعمال الظّلمة، أي الأعمال الّتي ليست من الرّوح. فهي لا ثمر لها، مظاهرها كاذِبَة، تَعِدْ الإنسان باللَّذَّة ولكنّها لا تقدِّم له إلّا التّعب. تُغرِيه بالسّعادة بينما هي تُخَبِّئ له التّعاسة تحت نقابها. لذا، هي مُخَادِعَة وغير مُثْمِرَة. من ثَمَّ يضيف بوجوب توبيخ الأعمال الكاذِبَة. التّوبيخ هو للأعمال وليس للبشر، ويجب أن يجري بطريقة صحيحة. فليس للمسيحيّ أن يعمل واعِظًا في المجتمع، يتوقّف عند كلّ عمل خاطئ ويبكّته ويوبّخ عليه بل أن يعرضه للنّور، وذلك بأن يسلك في النّور، لأنّ الضّلال ينكشف عن طريق إظهار الحقّ. السّلوك في النّور يفضح السّلوك في الخطأ دون قول أي كلمة. لهذا يقول الرّبّ: "أنتم نور العالم". فالكلام لا يحمل النّور من دون قائله. هذا ينطبق على كلّ البشر. المعلّم الّذي لا يُظْهِرُ النّور بأعماله لا تصل كلماته إلى آذان سامِعِيه. وهذا ينطبق أيضًا داخل الكنيسة، فالواعظ لا يوصِل نور المسيح ولا يكون كلامه مؤثِّرًا إن لم يكن ذلك مقرونًا بسلوكه كابن للمسيح وحامِل له. من جهة أخرى ومهمّة، يقول الرّسول إنّ الأعمال القبيحة ذِكْرُهَا أيضًا قبيح. فغالبًا ما يقوم النّاس بالأعمال القبيحة سِرًّا، لذا لا يصحّ ذكرها أمام الجميع، إذ إنّ الكثيرين يخجلون من الكلام فيها. هذا التّعليم مفقود في مجتمعنا، وفي أيّامنا. أكثر مَن يفتقده هو المؤسَّسات الإعلاميّة والأفراد الّذين يصدّقونها وينقلون عنها. فمِنْ أجل تحقيق سَبَقٍ إعلامِيٍّ، أو بحجّة الشّفافية، تتحوّل هذه المؤسّسات إلى منابر للفضائح لا تُقِيمُ وزنًا للأذى الَّذي تسبّبه في كشف أعمال الظّلمة الّتي يقوم بها بعض الأفراد. إنَّ الكشفَ عن الأخطاء الفرديّة يعثّر الإخوة الضّعفاء، ويسهّل الخطأ على مَن منهم في تجربة، ويصعّب التّوبة على الأخ الّذي وقع. لهذا، فالتّوبيخ، بالمعنى الحرفيّ، يجب أن يكون سرًّا أوّلًا. وعندما لا ينفع يُعلَن عنه، لكن بمحبّة وتمييز واهتمام. أمّا إذا كان الخطأ علنيًّا، فمسؤوليّة كشفه تقع على عاتق المسؤول، وهو يقرّر، بتمييز، كيف ومتى، حتّى يتربّى الجميع.
"فكلّ ما يُوَبَّخُ عَلَيهِ يُعلَنُ بِالنّورِ"، ليس بمعنى الفضيحة، بل بمعنى أن يكون سلوك المؤمن في الحالات المماثِلَة سلوكًا مستنيرًا في المجتمع، أو توبيخًا وتعليمًا في الكنيسة. "فكُلَّ ما يُعلَنُ هُوَ نُور"، أي أنّ الإنسان الّذي في داخله ميل نحو أعمال الظّلمة، متى سُلِّط النّور عليها، يخجل من نفسه ويتوب فيتحوّل نفسُه نورًا. ومن ثَمَّ يدعو الرّسول إلى السّلوك بالتّدقيق كحكماء. المسيح هو النّور، وهو الحكمة في الوقت عينه، واتّباع وصاياه هو منتهى الحكمة، والحكيم لا يسمح بالخطايا الصّغيرة، حتّى لا يعتاد عليها ويبيح لنفسه، مع الوقت، بأكبر منها. لهذا، افتداء الوقت معناه استثماره في السّلوك في النّور لا في الباطل والأمور الفارغة. فالأيّام الشّرّيرة تعني أنّ العالم مملوء شرًّا يخدع الإنسان، فينجذب للزّمنيّات ويتعلّق بها وكأنّه لن يموت أبدًا، إلى أن تُطْلَبَ نفسُه فجأة. لهذا، يدعونا الرّسول إلى انتهاز فرصة الوقت وعدم تضييعه لحساب العالم الشِّرِّير، بل تحويله وقتًا للسّماويّات حتّى تبدأ حياتنا الأبديّة من الآن.
الميلاد والتّجدّد
نقترب من عيد ميلاد المسيح. السّرّ العظيم الّذي هو مُغْلَقٌ على العقل، ويتلمّسه القلب المؤمن المنسحق بحبّ الله. سرّ أنّ الله صار جسدًا، ينطرح، من جديد، أمامنا في العيد. كلّ سنة تعود الذِّكرى. كلّ سنة، نمارس الطّقوس والعادات نفسها. نرتّل تراتيل مألوفة. تُعَدُّ الموائد المعهودَة. أسابيع قبل العيد يشغلنا التّحضير له: نَصْب شجرة العيد وتزيينها، شراء الهدايا للصّغار والكبار، تحضير الإحتفالات، والنّشاطات في الرّعايا. العيد عجقة!. الكنيسة معجوقة. البيوت معجوقة. بابا نويل سيّد المشهد.
على كلّ ما يعتري بلادنا من بؤس، وما حولنا من تهجير وتشريد، رغم أنف المآسي، العيد يُعَيَّد. فرح العيد أقوى من أحزان العالم. لا ننسى الأحزان. بعض كبارنا يعتذر عن تقبّل التّهاني بالعيد، نظرًا للظروف الرّاهِنَة. وبعد العيد كما قبله: تعب، زيادة في الوزن بسبب الإفراط في التّنعّم بالطيِّبات، فراغ بعد العجقة. وكم من امرئ يتمنّى لو أنّ العيد ما زال موضوع الإحتفال!.
العيد، عيد الميلاد، وسواه من الأعياد، صار روتينًا، طَقْسًا يختلط فيه المادّيّ والرّوحيّ، الأرضيّ والسّماويّ. والإنسان يحبّ التّعوّد، يحبّ الإستقرار. التّغيير متعب. التّجديد يتطلّب جهدًا. ومن يضمن ألَّا يكون الآتي أسوأ من الحاضِر. فلماذا المغامرة؟!...
العيد، بتكرّره، سنة بعد سنة، بطقوسه الدّينيّة والاجتماعيّة والاستهلاكيّة، مدعاة للسَّأَم عند الكثيرين. ما مِنْ سنة تمرّ من دون أن ينتحرَ بعض النّاس في أوروبا في فترة العيد. يشعرون بتعاستهم، مُضَاعَفَة، حين يكون العالم حولهم في هرج ومرج. لا يتحمّلون ضغط العيد، فيضعون حَدًّا لحياتهم. والعيد، في الحقيقة، متعب ومملّ، إذا لم يقترن بالفرح الدّاخِلِيّ، والتَّجدُّد الَّذي يجعل من الرّوتينيّ محطّة للنّموّ.
كيف يكون هذا، والحال كما هي؟!. كيف نفرح، والقلق، والفقر، والخوف يحفّ بنا من مختلف الجوانب؟!. مراثي إرمياء تقصر عن وصف ما يعيشه مجتمعنا وكنيستنا. أين أنهار بابل، ليجلس شعبنا بإزائها ويبكي غربته في أرضه وكنيسته؟!...
سرّ عيد الميلاد أنّ الله، على كلّ ما عند النّاس من شرّ، غامَرَ فيهم. لم يتركهم على ما كانوا عليه، لم يتغافَل عنهم، بل أخذهم على محمل الجدّ ("قبضَهم جَدّ"، بكلّ ما فيهم من وسخ). لم يقم بعمليّة تنظيف خارجيّة لهم. لم يحفظ بينه وبينهم مسافة بسبب القرف من نتانتهم وتشوّه صورتهم. ما فعله الله، ولأجل تذكّر هذا الفعل نعيّد عيد الميلاد، هو أنّه أتى بنفسه إليهم. دخل إلى قعر طبيعتهم المتّسِخَة، شاركهم فيها، وجدّدَها، مطهِّرًا إيّاها من الأوساخ. التَّجدُّد، بعيد الميلاد، تجدُّد داخِلِيّ. تجدّد صادِق بالعمق، يأخذ الواقِع الّذي نحن فيه بجدّيّة، ينخرط فيه ليجدّده. الفترة الّتي تفصلنا عن العيد مناسَبَة يمكن استغلالها لنبدأ عمليّة التّجدد هذه. وكلّما عاد العيد، أتى لنا بفرصة لنفعل ذلك.
أخبــارنــا
أيقونات عجائبيّة من الجبل المقدَّس: دير فاتوبيذي
العذراء المعزّية (Paramythia)
في السّنة 807 م.، اقتربت عصابة لصوص من الجبل المقدَّس (آثوس) تنوي الدّخول إلى دير الفاتوبيذي، عندما يفتح أبوابه في الصّباح، من أجل نهب ثرواته الكثيرة والفتك برهبانه. في الغد، ذهب كلّ من الإخوة إلى قلّايته للإستراحة بعد صلاة السَّحَر، وبَقِيَ رئيس الدَّيرِ في الكنيسة. فسمع وهو يصلِّي صوتًا يقول له: "لا تفتحوا اليوم أبواب الدّير، بل اصعدوا إلى السُّور واطرُدُوا اللُّصوص". فاضطربَ وذهبَ إلى مصدر الصّوت، إلى أن اقترب من الأيقونة الّتـي كانت على الحـائط الخارجيّ للكنيسة. فأمعن النّظر فيها .فَبَدَتْ له منها أعجوبة مدهشة، ألا وهي أنّه رأى رسم والدة الإله ورسم طفلها على يدها وكأنّهما حيّان. فبسط الطّفل الإلهيّ يده على فم أمّه وأدارَ وجهه إليها وقال لها: "لا يا أمّي لا تقولي لهم هذا بل دعيهم يُعاقَبُون". لكنَّ والدة الإله أعادَتْ قولها للرّئيس مرَّتَيْن وهي مجتهدة في إمساكِ يدِ ابنِها وربّها، وفي تحويل وجهها عنه إلى الجهة اليمنى. تخشّع الرّئيس، ونادى الرّهبان، وقصّ عليهم ما حدث له مُعِيدًا ما قالت والدة الإله، وما قال لها ابنها الرّبّ يسوع بسبب كسلهم وتوانيهم في الحياة الرّهبانيّة. ولاحظ الإخوة أنّ رسم العذراء ورسم ابنها الإلهيَ وهيئة الأيقونة، بشكل عامّ، قد تغيَّرَت وصارت غير ما كانت عليه. فعظَّمُوا والدة الإله لحمايتها لهم، والرّبّ يسوع المسيح الّذي رحمهم من أجل شفاعتها، وتعاهدوا على السّلوكِ حسنًا بجدٍّ ونشاط في حياتهم الرّهبانيّة. ثم صعدوا إلى السّور فدفعوا هجوم عصابة اللّصوص.
ما زالت هذه الأيقونة موجودة إلى اليوم، وتُصنَع العجائب بواسطتها، في دير الفاتوبيبذي في الجبل المقدّس آثوس.
العذراء الشافية من السّرطان أو "ملكة الكلّ" (Pandanassa)
في يوم من الأيّام أتى شاب إلى كنيسة دير الفاتوبيذي لتكريم أيقونة والدة الإله. وإذ اقترب منها، أخذ وجه العذراء القدّيسة، فجأة، باللّمعان، وقوّة غير منظورة طرحته أرضًا. فلمّا عاد إلى نفسه، إعترفَ أنَّه كان يحيا بعيدًا عن الله، وبأنّه يتعاطى الشّعوذة. وإثر التّدخّل العجائبيّ لوالدة الإله، غيَّر الشّاب مسلك حياته وغَدَا مسيحيّاً تقيًّا.
هذه الإيقونة مُجِّدت، أيضًا، من خلال عدَّة أشفية لمرض السّرطان، المنتشر بكثرة في أيّامنا هذه. لهذا كُتب مديح لهذه الأيقونة سنة 1996 م.، ودُوِّنَت أشفية كثيرة من خلال تلاوة هذا المديح بتواتر. نسخة من هذه الأيقونة رُسِمَت بدمج الألوان مع الماء المقدّس، وبُعثت إلى روسيا حيث جرت بها عدَّة أشفية.