الأحد 24 آذار 2013
24 آذار 2013
الأحد 24 آذار 2013
العدد 12
الأحد الأوّل من الصَّوم
اللَّحن الأوّل الإيوثينا التاسعة
*24: (أحد الأرثوذكسيّة)، تقدمة عيد البشارة، أرتامن أسقف سَلَفكية. *25: عيد بشارة والدة الإله الفائقة القداسة. * 26: عيد جامع لرئيس الملائكة جبرائيل، استفانوس المعترف. * 27: الشَّهيدة مطرونة التسالونيكيَّة، النبي حنانيا. *28:البار إيلاريُّون الجديد. *29: مرقس أسقف أريثوسيون، كيرلّلس الشمَّاس واللَّذين معه، المديح الثاني. *30: البار يوحنَّا السُّلَّميّ، النبيّ يوئيل، آفڤولي والدة القديس بندلايمون.
الأَلَمُ والمَرَضُ
الألمُ نوعان، جسديٌّ ونفسيٌّ. وهناك رابِطٌ قويٌّ بين الإثنين. في اللغة اليونانيَّة يُقالُ له "pathos"، ومعناه الهوى أو الوجَع. هذا ما يظهر في الترتيلة الشَّائِعَة: "منذ شبابي آلامٌ كثيرةٌ تحارِبُني، لكن أنتَ يا مُخَلِّصي أُعْضُدْنِي وخَلِّصْنِي".
على كلِّ حالٍ، يبقى الألمُ صعباً، جسديّاً كان أم نفسيّاً. لذا، السَّعي والواجِب يكونان، دائماً، في أنَّه علينا أَنْ نُخَفِّفَ من آلامِ الآخَرِين.
الحقيقةُ الثانية، هي أَنَّ اللهَ لا يُريدُ الألمَ للبشَرِ، وقد سَعَى هو نفسُه ليشفِيَ مرضَى متألِّـمِينَ كثيرين. مِثالاً على ذلك، تعليمُ الرَّبِّ في مَثَلِ السَّامري الشَّفُوق الَّذي صَبَّ زيتاً وخمراً على جراحِ مَنْ وقعَ في أيدي اللصوص.
* * *
مِنْ فوائِدِ الألمِ والمرضِ أَنَّنَا نشعرُ بضعفِنَا ونتواضَعُ طالِبينَ معونةَ الله. طبعاً، الآلام سيفٌ ذو حدَّيْنِ، فهي إمَّا أَنْ تقودَ إلى الفائِدَة: الصَّبر، التواضع...، وإمَّا أَنْ تقودَ إلى اليَأْسِ وحتَّى الكُفْر. عَظَمَةُ الإنسانِ المسيحيِّ تقومُ، ليس في أَنَّه يفتِّشُ عن بَلْسَمٍ فائِقِ الطَّبيعَة للتَّخَلُّصِ من المرضِ، إنَّمَا تَكْمُنُ عظمتُهُ في أَنَّهُ يعيشُ الألمَ بطريقةٍ فائِقَةِ الطَّبيعة. يقول الفيلسوف المسيحي Nicolas Berdiaev: "الألمُ خبرةٌ روحيَّةٌ يُنْظَرُ إليهِ تحت قانونِ النِّعمة لا تحت ما هو مسموحٌ وما هو ممنوع".
ربّما عن هذه الطريق نتذكَّرُ خطايانا، نعترفُ بها، نتوبُ عنها ونتذكَّرُ الموت.
الإنسانُ أثناءَ ضعفهِ يختبِرُ قوَّةَ الله: "حينما أكونُ ضعيفًا فحينئذٍ أكونُ قويًّا" (2 كور 12: 10). يقول القدّيس اسحق السرياني:
"الرَّبُّ قريبٌ من القلبِ المتالِّمِ الَّذي يطلبُهُ في المُصيبَة".
* * *
فيما يختصُّ بمرافَقَةِ المريضِ المتألِّمِ، لا تُفيدُهُ كثرةُ الكلامِ الوَعْظِيّ. يُفيدُهُ الحضورُ والسَّماعُ أَوَّلاً، ترافقُهُما كلمات بسيطة معزِّيَة مع صلاة. الأَلَمُ يمكنُ أَنْ يصبحَ لقاءً مع المسيح.
لا ننسى الآلامَ الطوعيَّةَ الَّتي كانت للمسيح وكيف علينا أن نتشبَّه بها. يذكرُ النَّبيُّ أشعيا في معرِضِ حديثِه عن العبدِ المتأَلِّـم: "بجراحِهِ شُفِينَا" (أشعيا 53: 5). كما يذكرُ في مكان آخَر الجملةَ المعروفَة:
"مثلَ خروفٍ سيقَ إلى الذَّبْحِ، وكَحَمَلٍ بريءٍ من العَيْبِ أمامَ الَّذي يجُزُّهُ هكذا لا يفتَحُ فاه. بتواضُعِه ارتفَعَت حكومتُهُ، أمَّا جيلُه فمَنْ يصفُهُ. لأَنَّ حكومَتَهُ قد ارتفَعَتْ عن الأرض" (أشعيا 53: 7-8)
الدَّواءُ النَّاجِعُ للأَلَـمِ هو أَنْ نَقْرَعَ على الصَّدرِ ونصرخَ: "يا يسوع!، يا ابنَ اللهِ ارحمني".
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروبارية القيامة
باللحن الأوَّل
إِنَّ الحجرَ لـمَّا خُتِمَ من اليهود، وجسدَكَ الطَّاهِر حُفِظَ من الـجُـــنـد، قُمْتَ في اليومِ الثَّالِثِ أَيُّها المخلِّص، مانحاً العالمَ الحياة. لذلك، قوَّاتُ السَّماواتِ هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة: المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح، المجدُ لـمُلكِكَ، المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحِبَّ البشرِ وحدَك.
طروباريَّةُ أَحَدِ الأرثوذكسيَّة باللَّحن الثَّاني
لصورتِكَ الطَّاهِرةِ نسجدُ أَيُّها الصَّالح، طالِبينَ غُفرانَ الخطايا أَيُّها المسيحُ إِلـهُنا. لأَنَّكَ سُرِرْتَ أَنْ ترتَفِعَ بالجسدِ على الصَّليبِ طَوعًا لتُنجَّيَ الَّذينَ خَلَقْتَ مِنْ عُبوديَّةِ العَدُوِّ. فلذلك، نهتِفُ إليكَ بشُكرٍ: لقد ملأتَ الكُلَّ فَرَحًا يا مُخلِّصَنا، إذ أتيتَ لِتُخَلِّصَ العالم.
قنداقُ تَقْدِمَةِ عيد البِشَارَة
باللَّحن الرَّابِع
اليوم مقدمة الفرح لكل العالم، فلنسبق ونعيّد بسرور، فها إن جبرائيل يوافي آتياً بالبشائر للبتول، ويهتف نحوها بخوفٍ واستغراب قائلاً: افرحي ايتها الممتلئة نعمةً، الرب معكِ.
الرسالة
عب 11: 24-26، 32-40
مُبارَكٌ أنتَ يا رَبُّ إلهَ آبائِنا
لأَنَّكَ عَدْلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بِنَا
يا إخوةُ، بالإيمانِ موسى لـمَّا كَبُرَ أَبَى أَنْ يُدعَى ابنًا لإبنةِ فرِعَون، مُختَاراً الشَّقاءَ مع شعبِ اللهِ على التَّمَتُّعِ الوقتِيِّ بالخطيئة، ومُعتَبِراً عارَ المسيحِ غِنًى أعظمَ من كنوزِ مِصرَ، لأَنَّهَ نظرَ إلى الثَّواب. وماذا أقولُ أيضاً؟ إِنَّه يَضيقُ بِيَ الوقتُ إنْ أَخْبَرْتُ عن جِدعَونَ وباراقَ وشَمشونَ ويَفتاحَ وداودَ وصموئِيلَ والأنبياء، الَّذين بالإيمانِ قَهَروا الممالِكَ وعَمِلوا البِرَّ ونالوا المواعِدَ، وسَدُّوا أَفواهَ الأُسُودِ، وأَطْفَأُوا حِدَّةَ النَّارِ، ونَجَوْا مِنْ حَدِّ السَّيف، وتَقَوَّوْا من ضُعْفٍ، وصارُوا أَشِدَّاءَ في الحروبِ، وكَسَرُوا مُعْسْكَراتِ الأجانِب. وأَخَذَتْ نِساءٌ أمواتَهُنَّ بالقيامة. وعُذِّبَ آخَرُون بتوتيرِ الأَعضاءِ والضَّرب. ولم يَقْبَلُوا بالنَّجاةِ ليَحْصَلُوا على قيامةٍ أَفْضَل. وآخَرُون ذاقُوا الـهُزْءَ والجَلْدَ والقيودَ أَيضًا والسِّجن. ورُجِمُوا ونُشِرُوا وامتُحِنُوا، وماتُوا بِحَدِّ السَّيف. وساحُوا في جُلودِ غَنَمٍ ومَعِزٍ، وهم مُعْوَزُونَ مُضايَقُونَ مَجهُودُونَ (ولم يَكُنِ العالمُ مُسْتَحِقًّا لهم). وكانوا تائِهِينَ في البراري والجبالِ والمغاوِرِ وكهوفِ الأرض. فهؤلاءِ كُلُّهُم مَشْهُودًا لهم بالإِيمانِ لم يَنَالُوا الموعِد، لأَنَّ اللهَ سَبَقَ فَنَظَرَ لنا شيئًا أَفْضَلَ، أَنْ لا يُكْمَلُوا بدونِنا.
الإنجيل
يو 1: 44-52
في ذلكَ الزَّمان، أَرادَ يسوعُ الخروجَ إلى الجليل، فوجَدَ فيلبُّسَ فقالَ له: "اتبَعْنِي". وكانَ فيلِبُّسُ من بيتَ صيدا من مدينةِ أَنْدَرَاوُسَ وبُطْرُس. فوجَدَ فيلِبُّسُ نَثَنَائِيلَ فقالَ له: "إِنَّ الَّذي كتبَ عنه موسى في النَّاموسِ والأَنبياءِ قد وَجَدْنَاهُ، وهوَ يسوعُ بنُ يوسُفَ الَّذي مِنَ النَّاصِرَة". فقالَ له نَثَنَائِيلُ: أَمِنَ النَّاصِرةِ يمكنُ أَنْ يكونَ شيءٌ صالِح! فقالَ له فيلِبُّسُ: "تعالَ وانظُر". فرأَى يسوعُ نَثَنَائِيلَ مُقْبِلاً إِليه، فقالَ عنه: "هُوَذا إِسرائيليٌّ حقًّا لا غِشَّ فيه" فقالَ له نثنائيلُ: "مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟ أَجابَ يسوعُ وقالَ له: "قَبْلَ أَنْ يَدْعُوَكَ فيلِبُّسُ وأَنْتَ تحتَ التِّينَةِ رَأَيْتُكَ". أَجابَ نثنائيلُ وقالَ له: "يا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ابنُ اللهِ، أَنْتَ مَلِكُ إِسرائيل". أَجابَ يسوعُ وقالَ له: "لأَنِّي قُلْتُ لكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تحتَ التِّينَةِ آمَنْت. إِنَّكَ سَتُعايِنُ أَعْظَمَ من هذا". وقالَ له: "الحقَّ الحقَّ أَقُولُ لكم، إِنَّكُم مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّماءَ مفتُوحَة، وملائِكَةَ اللهِ يَصْعَدُونَ ويَنْـزِلُونَ على ابْنِ البَشَر.
في الرسالة
"أَنْ لا يُكْمَلُوا بدونِنَا". في الأحدِ الأوَّلِ من الصَّوْم الَّذي يُدْعَى أَحَدُ الإِيقُونَةِ أَوِ الأُرثوذكسيَّة يتحقَّقُ بالفعل مفهومُ الإيمان وتسطيرُه بين الجماعة التي آمَنَتْ بالرَّبِّ يسوعَ مُخَلِّصًا، والتَفَّتْ حوله مُحدثة كنيسةً بأعضائِها وبرأسِها المسيح.
فالإيمانُ بحسب هذه الرِّسالة ليس خُطُوات البَشَرِ الـمُتَعَثِّرَة نحو الله، إِنَّما موقف الإعتماد والإتِّكال الواثِق بكلمة الله على مدى الحياة. ثقة وهبة من الله للَّذين يطلبونه بإلحاح.
فموسى وداود وصموئيل... وكلّ مَنْ ذُكِرَ في العهد القديم من أسماء، اعتبرَهُم الكاتِب نموذَجاً للإيمان بالله والبقاء في الأمانة له. وهو يلفتُنا إلى أنَّ النَّظْرَة للعهد القديم على أنَّه، بالأكثر، مجرَّد تحضير وتهيئة لمجيء المسيح ونبؤات عنه، هي بالحقيقة، بالإضافة إلى ما سبق، إنعِكاسُ الجديد على القديم، إنعكاسُ عمل المسيح الخلاصيّ على إيمان آباء العهد القديم. هذه الحالة هي عملُ الله الَّذي لا زمن له ولا مسافة، هي حالة واحدة من السَّعي نحو الله.
هم ينتظروننا ونحن نجري مزدحمين حول الميدان، نازعين عنَّا كلّ ما يُعيقنا لكي نعدوا في السِّباق بكلِّ قوَّتنا لننال الجعالة (أنظر: 1كو 9: 24)، طارِحين عنَّا الألم والتَّعب وتصبُّب العرق... كتأديب لخيرنا. فالله أَعَدَّ لنا أفضل من هذه الوقتيَّات، حضَّر لنا شيئاً أفضل في السَّماويَّات. هم الَّذين، حين لم يكن الإله قد صار بشراً بعد، قد آمَنُوا بما سيأَتي، ونحن الَّذين رأَيْنَا وسَمِعْنَا وقَبِلْنَا سنفرحُ بما سيأَتي. أُعْطِيَ لهم الوعدُ ونحنُ عَرَفْنَا الموعِد، حتَّى يفرَحَ الزَّارِعُ والحاصِدُ معًا (كورنثوس).
كلّ هؤلاء السَّابقين الأَبرار: إبراهيم والأنبياء...بولس والرُّسل والقدِّيسين... ينتظرونَنَا نحن لكي يتمَّ، في زمن المجيء، موعِدُ التَّتويجِ الواحِد: "هذا ما يفعله الأَبُ الحنونُ بأبنائِه الَّذين رضَيَ عنهم" (الذهبي الفم). فالجسدُ الكامِلُ يحتاجُ إلى أعضائِهِ كلِّها حتَّى يكونَ جسداً صحيحاً كامِلاً. وكما يقول ثيودوسيوس القورشي: "كان جهادُهُم كبيراً ومتعدِّداً، إلاَّ أَنَّهم لم يُتَوَّجُوا بعد. إِنَّ إِلهَ الجميعِ ينتظِرُ جهادَ الآخِرين، لكي يجازِيَ الغالِبين معاً".
الضَّــابِـــطُ الكــــلّ
صِفَةٌ من صفاتِ الله. وَصِفَاتُ اللهِ تُشَكِّلُ حَيِّزاً هامًّا من مَضْمونِ كشْفِه. صِفاتٌ نَسْتَشِفُّها من أَفعالِ اللهِ تُجاهَ خليقتِه. وشكَّلَتْ أَفعالُهُ، خاصَّةً بعد التَّجَسُّد، سُلوكًا إِلهيًّا جَسَّدَه الابنُ الـمُتَأَنِّسُ في حياتِه بينَ البشرِ. وقد صيغَتْ أَفعالُهُ هذه بيدِ أَنبياءِ اللهِ ولسانِهِم وكُتَّابِ الكتابِ المقدَّسِ بالوَحْيِ الإلهيِّ.
وسُكِبَ مَضمونُ هذه الصِّفات بكلماتٍ مخلوقةٍ، تالياً محدودةِ المضمون، مُستَقَاةٍ من لغةِ الإنسانِ العاكِسَةِ مضمونَ حضارَتِه وفكرِهِ وتصوُّراتِه. لِذَا تَعَرَّضَتِ الحياةُ الدِّينيَّةُ عِنْدَ الإنسانِ، دَوْماً، إِلى خَطَرِ إِلْبَاسِ اللهِ خُلُقًا بَشَرِيًّا في حين أَنَّ هَدَفَهَا إِلْبَاسُ البَشَرِ خُلُقاً إِلهيًّا. فَصَرَخَ اللهُ على لسانِ إشعياءَ: "لأَنَّ أَفكارِي ليستْ أَفكارَكُم ولا طرقُكُم طُرُقي يقولُ الرَّبُّ. لأَنَّه كما عَلَتِ السَّماواتُ عن الأرضِ، هكذا عَلَتْ طُرُقِي عن طُرُقِكُم وأَفكارِي عن أَفكارِكُم" (إش 55: 8-9). شَكَلَّتْ هذه الصَّرْخَةُ الإِلهيَّةُ قاعِدَةً أَسَاسًا لِـمُجْمَلِ الصِّياغاتِ اللاَّهوتيَّة والنِّتاجِ اللاَّهوتيِّ في الكنيسة الأرثوذكسيَّة. فاللاَّهوتُ التَّنْزيهيُّ ليس إِلاَّ حِصْنًا صَانَ لاهوتِيُّو الكنيسةِ وراءَه صِفاتَ الله وأفعالَهُ من إِسقاطاتِ البشرِ، المخلوقَةِ والمحدودة والـمُشَوَّهَةِ، على اللهِ اللاَّمخلوقِ واللاَّمحدودِ والـمُشْرِقِ ببهائِه وجمالِهِ.
لِمَا كانَ هذا الهَمُّ عند اللاَّهوتييِّن؟ لأَنَّ لانكِشافِ صفاتِ اللهِ وحياتِه لنا غايةً مَعْرفِيَّةً، موضوعُها اللهُ ومُقْتَنُوها هُم البشرُ. ولمعرفةِ البشر بالله غايةٌ تَقْديسِيَّة، لِيَهَبَ "الحياةَ الأَبديَّةَ لجميعِ الَّذين وَهَبْتُهُم له (أي للمسيح). والحياةُ الأَبديَّة هي أَنْ يعرِفوكَ أَنتَ الإلهَ الحقَّ وَحْدَك ويعرِفوا الَّذي أَرسلْتَهُ، يسوعَ المسيح" (يو 17: 2-3). أيُّ خَلَلٍ يُصيبُ هذه المعرفةَ يُصيبُ حياتَهم وتالياً تَقْديسَهُم.
من أَكثرِ صفاتِ الله عُرْضَةً لإسقاطاتٍ بشريَّة هي صفةُ "الضَّابِطِ الكلّ"، كوْنَ مضمونِها قوَّةَ الله. وتُشَكِّلُ مسألةُ القوَّةِ عندَ الإنسانِ أَزْمَةً وُجوديَّة كيانيَّةً. هو يَتواجَهُ دوماً مع ضُعفاتِه ويَرَى، من خلالِها، إطلالاتِ مَوْتٍ يُلوِّحُ له عن بُعْد. لذا، وبرغم التَّيَقُّن من ضُعْفِ البشر، يَتَهَرَّبُ الإنسان من الإقرار بهذا الأمر فيْلجَأُ إلى قوَّةٍ وهميَّةٍ يستمِدُّها من مالٍ أو من سُلْطةٍ على الآخَرين ومن تَحَكُّمه بمصائِرِهم. وتَنعْكِسُ أَزمتُهُ هذه على فَهْمِهِ لِقُوَّة الله فيتصوَّرُهُا على شاكِلَةِ القُوَّةِ الَّتي يَسْعى إليها تَعْويضًا عن ضعفِه. فنَراه إِلهاً لا يَفْلِتُ أَحدٌ من سَطْوتِه، يتَحَكّمُ بالجميعِ ويُحرِّكُهُم، وبخاصةٍ مَنْ يراهُم (بحسب التَّصَوُّر البشريّ) أشراراً وأعداءً له.
بعضُ الـمُسَلَّمَاتِ الَّتي يجب أَنْ نَتَزَوّدَ بها لِنَصُونَ أَنفُسَنَا من مُنْزلَقاتِ إِسقاطاتِنا البشريَّة على اللهِ الضابط الكلّ هي:
1- صِفَةُ الضَّابطِ الكلّ، كباقي صفاتِه، هي صفحةٌ من صفحاتِ سِفْرِ محبَّةِ الله للبشر. كلُّ صفاتِ الله تَسْقُطُ وتتحوَّلُ إلى أوثانٍ عندما نخلَعُ عنها المحبَّةُ الباذِلَةَ الَّتي لا تَطْلُبُ لذاتِها شيئًا. تَجَسَّدتْ هذه المحبَّةُ، في العهد الجديد، بالإلهِ المصلوبِ بالجسدِ حُبًّا بنا. قوَّةُ اللهِ تأتي من هذه المحبّةِ، "الكلامُ على الصَّليب... هو قُوَّةُ الله" (1كور 1، 18).
2- هذه الصِّفَةُ الإلهيَّةُ لا تُلْغِي حرِّيَّةَ الإنسانِ وخياراته. قوّةُ اللهِ لا تأتي من سَحْقِ حُريَّةِ الإنسان، وبالأخصِّ الشِّرِّير، وَجَعْلِه دُمْيَةً يُحرِّكُها لصالح الأبرارِ وتأديبِهم. فِكْرٌ كهذا هو تعويضٌ عن شعورٍ إنهزاميٍّ إستقالَ صاحبُه من جهادِه الذَّاتيِّ والجماعيِّ لِتَخَطِّي إخفاقاتِه بمؤازَرَةِ النِّعمةِ الإلهيَّة. كيَفَ لنا أنْ نفهَمَ أنَّ اللهَ يضبُطُ الشَّيطانُ ليِسَتَخْدِمَه لتأديبِ الأشرارِ والأخيارِ؟! أَلا يعني هذا أَنَّ حرِّيّة الشَّيطان قد أُلْغَيَتْ وأَنَّ اللهَ هو مُسَيِّرُهُ لإرتكابِ أفْعالِه الشِّرِّيرة؟ أَلا يَعْني هذا أَنَّ اللهَ هو سببُ الشُّرور؟! كيف لنا أن نَفْهَمَ أنَّ هيرودسَ كان مضبوطاً بيدِ الله عند قَتْلِه أَطفاَل بيتَ لحم؟!
3- هذه الصِّفَةُ الإلهيَّةُ هي امتدادٌ لِصفَةِ الخَلْقِ عِنْدَهُ. كلُّ ما في الكونِ هو صُنْعُ يَدَيْهِ.
"كلُّ ما شاءَ الرَّبُّ صَنَعَه في السَّماوات والأرضِ، في البحار وجميعِ اللُّجَج" (مز 134: 6). "لَبِسَ الرَّبُّ القُوَّةَ وتمَنْطَقَ بها لأَنَّهُ ثَبَّتَ المسكونَةَ فَلَنْ تَتَزَعْزَعْ" (مز 92: 1). صِفةُ الخَلْقِ عِنْدهُ وَجْهٌ مِنْ وجوه محبَّته. هو الضَّابِطُ الكُلَّ لأنَّه هو السَّائِسُ لكلِّ الخليقة وحافِظهُا، ومن دونِه ما كان شيءٌ. "به كان كلُّ شيءٍ وَبدونِه ما كانَ شيءٌ مما كان" (يو 1: 2). هو الضَّابِطُ القَويُّ لأنَّه مُعْطي الحياة وليْسَ لأنَّه ضابِطٌ لحرِّيَّةِ الإنسان. منْ غيرِ المقبولِ أَنْ نَضَعَ ضابطيَّة اللهِ مقابِلَ حرِّيَّةِ الإنسان. فَشَّرُّ الإنسانِ الناجِمُ من سوءِ استعمالِ حرِّيَّتهِ، مَهْما عَظُمَ، لا يُعِيقُ قوَّةَ اللهِ وتدبيرَهُ الخلاصي. بلى! يُعيقُهُ لحين. لكنَّ الموتَ سيُبيدُه وَشَرَّهُ.
4- هو الضَّابِطُ الكلَّ لأنَّه انتصرَ مرَّةً ونهائِيًّا على الشَّيطانِ وشرِّهِ. هذا لا يعني أنَّ الشيطانَ قد أُبيدَ أو كُبِّلَ، بل أنَّه قد سُحِقَ وهُزِمَ من قِبَل الإله-الإنسان، آدمَ الجديدَ يسوعَ المسيح. ليس لهُ أَيُّ سُلطانٍ عليه لأنَّه غَلَبَهُ بالمحبَّةِ على الصَّليب. لكنَّ الشَّيطانَ ما زال طليقاً حُرًّا. فإنْ كانَ قد ضُبِطَ نهائِيًّا بِيَدِ اللهِ فَلِمَا دَعانا الله، على لسانِ بولسَ الرَّسول، للجهاد ضِدَّه: "تسلَّحوا بسلاحِ الله لِتستَطيعوا مقاومةَ مَكايد إبليسَ فَلسْنا نكافِحُ أعداءً من لحمٍ ودم" (أف 6: 12). إِنتصارُ المسيحِ على الشَّيطانِ هو فِعلٌ ديناميٌّ مُسْتَمِرٌّ حتَّى نهاية الأزمِنَة. إنَّه مسؤوليَّةٌ أَلقاها الرَّبُّ على كلِّ مُؤمنٍ ليكونَ مسيحاً مصلوباً مُنتَصِراً على الشَّرِّ ويُعيدَ حدَثَ غَلَبَةِ المسيح في:
1. حياته الشَّخصيَّة وجهادِه في الرُّوح القدس ضدَّ أَهوائِه وخطاياه.
2-حياةِ مُجتَمَعِه، ليُسيطِر حُكْمُ الله في الأرض وتُصبِحَ كلُّ الأممِ مَرتَعاً لِعَدْلِ الله وَسَلامِه.
"قُمْ يا الله واحكُمْ في الأرضِ، لأنَّكَ تَرِثُ جميعَ الأُمَم".
"أُحكُمُوا لِليتيمِ وللفقيرِ، أَنْصِفُوا البائِسَ والمسكينَ، أَنْقِذُوا البائِسَ وخلِّصُوا الفقيرَ من يدِ الشِّرِّير" (مز81)
أخبـــارنــــا
سلسلة أحاديث روحيَّة في الأبرشية
المحاضر عنوان المحاضرة التاريخ المكان السَّاعة
الأسقف غطَّاس (هزيم) الأرثوذكسيّة 24 آذار كنيسة القديسين سرجيوس وباخوس
كوسبا 5.30 مساءً
الأسقف غطَّاس (هزيم) البشارة 28 آذار كنيسة السيدة
بترومين 5.00 مساءً
الأسقف غطَّاس (هزيم) مريم العذراء كقدوة للأم المسيحية 26 آذار كنيسة قزما ودميانوس
بطرام 6.00 مساءً
الأب أثناسيوس (شهوان) دور الكنيسة في حماية الشَّباب 28 آذار كنيسة تجلِّي الرَّبّ
شكا 5.30 مساءً
الخورية ماري مالك العائلة المسيحيَّة 29 آذار كنيسة القدِّيس جاورجيوس
بشمزين 6.00 مساءً