الأحد 23 حزيران 2013

الأحد 23 حزيران 2013

23 حزيران 2013

 

الأحد 23 حزيران  2013
العدد 25
أحد العنصرة المقدَّس
 
 
* 23: الشَّهيدة أغريبينا ورفقتها، صلاة السَّجدة. * * 24: إثنين الرُّوح القدس، مولد يوحنَّا المعمدان، تذكار لزخريَّا وأليصابات
*25: الشهيدة فبرونيَّة، الشُّهداء أورنديوس وإخوته السِّتَّة. *26: البارّ داوود التِّسالونيكي* 27: البارّ شمشمون مضيف الغرباء، يونَّا امرأة خوزي. *28: نقل عظام كيرس ويوحنا العادمَا الفضّة. *29:  وداع العنصرة، بطرس وبولس هامتا الرُّسل. 
المِثْلِيَّة الجِنْسِيَّة (Homosexuality)
 
هذا الموضوع دقيقٌ وهامٌّ، دقيقٌ لأنَّه ما زال يُعْتَبَرُ في المجتمع -بشكل عامٍّ- شَوَاذًا، وكثيرًا ما يُمَارَسُ في الخَفَاءِ، وهو هامٌّ لأنَّه ينتشِرُ أكثر فأكثر في مجتمعِنا.
ما هي النَّظرة المسيحيَّة لمثل هذا الموضوع، وبالأخصّ لمثل هؤلاء الأشخاص الَّذين يمارسونه أو على الأقلّ يَمِيلُون إليه؟
ليس لنا المجال هنا أن نستعرِضَ الموضوعَ بإسهاب، لذا نكتفي بالتَّوجيهات العامَّة الأساسيَّة. 
لا شكَّ أنَّ البيئة السُّلوكِيَّة تلعَبَ دورًا هامًّا في خَلْقِ وتَزْكِيَةِ مثل هذا الميل الجِنْسِيّ.
في العهد القديم لدينا إقصاءٌ لمثل هذه الممارسة، راجِع قصَّة لوط (تكوين 19: 4-8) وكذلك (سفر اللاويين 18: 22 و20: 13). أمّا المرجع المهمّ في العهد الجديد فهو لدى الرَّسول بولس حيث يُشَدِّدُ على أنَّ مثل هؤلاء (المثليين) لا يَرِثُونَ ملكوت السَّماوات، راجع (رومية 1: 24 16-27) و(1كورنثوس 6: 9).
نتعلَّم من هذين المرجَعَيْنِ أنَّ أسباب هذه الممارسة (الـشاذَّة بحسب إيماننا) تعود أساسًا إلى أهواء الإنسان وشهواته الجسديَّة.
*    *    *
الخُطُوات العِلاجِيَّة ترتَكِزُ على الإرشاد وعلم النَّفس إلى جانب النَّاحية الرُّوحيَّة السُّلوكيَّة. لا بدَّ لنا أن نذكِّر المراهق أنَّ اللهَ خلقَنَا على صورته ومثاله، خلقنا ذكرًا وأُنْثَى (متَّى 19: 4-6). وأنَّ الممارسة المِثليَّة تُخَالِفُ الـمَسَارَ الطَّبيعيَّ للحياة الزَّوجيَّة الَّتي أرادها الله للإنسان.
أمَّا النَّاحية السُّلوكيَّة كعلاجٍ فهي تستندُ إلى عدم التَّكرار في الممارسة، وإلى تَذَكُّرِ كلِّ ما يثيرُ القلقَ والنُّفورَ من هذه الممارسة وصولاً إلى إيقافها كُلِّيًّا، وذلك بالتَّعاون مع الطَّبيب النَّفسيّ وإعطاء بعض الأدوية (إن احتاج الأمر لذلك). كما لا بُدَّ من جلساتٍ إرشادِيَّة لتدريبِ هؤلاء الأشخاص كي يَسْلُكُوا طُرُقاً مناسِبَة تُحَوِّلُ الممارسة الشَّاذَّة إلى ممارسة سَوِيَّة، وهذا يَتَطَلَّبُ تعاونًا وثيقًا ومستمِرًّا بين المرشِدِ الرُّوحيِّ والطَّبيب النَّفسيّ.
*    *    *
هذه التَّوْعِيَة يَصْعُبُ الوصول إليها عند الإنسان البالِغ والَّذي تَأَصَّلَتْ فيه هذه الممارسة المِثليَّة للجنس، لكنَّها ممكِنَة وغير مستحيلة، هنا الموضوع يتطلَّبُ صبرًا طويلًا ومحبَّةً كبيرةً دون الإستسلام لتبرير السُّلوك على أساس مفاهيم وِرَاثِيَّة أو بيولوجِيَّة. قناعتنا أنَّ الإنسان الـمُتَسَلِّحَ بإيمانه المسيحيِّ وبصلاتِه ومطالعتِه لكلمة الله، يستطيعُ أن يضبطَ نفسَه وأهواءَه على الأقلّ، وأكثر من ذلك يستطيعُ بإرادته وبمعونة الله ، أن يستفيقَ من كَبْوَتِهِ ويعودَ إلى الممارسة الصَّحيحة، ولو عانى في البداية من الألم وغصب النَّفس. 
إِنْ وَعَى الشَّخصُ أنَّه استسلَمَ وقتًا ما لشهوات الجسد، وحَزِنَ حُزْنًا عميقًا لوضعِه، ليس بسبب نَبْذِ المجتمعِ له وحسب، إِنَّمَا لأسبابٍ داخِلِيَّة إيمانِيَّة وأَخلاقِيَّة ومحبَّةً بالرَّبِّ، عندها يحمِلُ صليبَهُ ويَعْبُرُ بنعمةِ الله إلى ميناءِ الخلاص.
 
            + أفرام
                   مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروباريَّة العَنْصَرَة  باللَّحن الثَّامِن
 
مُبَارَكٌ أَنْتَ أَيُّهَا المسيحُ إِلهُنَا، يا مَنْ أَظْهَرْتَ الصَّيَّادِينَ غَزِيرِي الحِكْمَة إِذْ سَكَبْتَ عَلَيهِمِ الرُّوحَ القُدُس، وبِهِمِ ٱصْطَدْتَ الـمَسْكُونَة، يا مُحِبَّ البَشَرِ، المجدُ لك.
قنداق العَنْصَرَة   باللَّحن الثَّامِن
 
عندما نَزَلَ العَلِيُّ مُبَلْبِلًا الأَلْسِنَة كانَ للأُمَمِ مُقَسِّمًا. ولمَّا وَزَّعَ الألسِنَةَ النَّارِيَّة دَعَا الكُلَّ إلى اتِّحَادٍ واحِد. لذلك، باتِّفَاقِ الأَصوات، نُمَجِّدُ الرُّوحَ الكُلِّيَّ قُدْسُهُ.
الرِّسالَة
أع 2: 1-11
إِلى كُلِّ الأَرْضِ خَرَجَ صَوْتُهُم
السَّمَاواتُ تُذِيعُ مَجْدَ الله
 
لمَّا حَلَّ يومُ الخمسِينَ، كانَ الرُّسُلُ كُلُّهم معًا في مكانٍ واحِد. فَحَدَثَ بَغْتَةً صوتٌ من السَّماءِ كصوتِ ريحٍ شديدةٍ تَعصِفُ، ومَلأَ كلَّ البيتِ الَّذي كانُوا جالِسِينَ فيهِ، وظَهَرَتْ لهم أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كأنَّها من نار، فٱسْتَقَرَّتْ على كُلِّ واحِدٍ منهم، فامْتَلأُوا كلُّهم من الرُّوح القُدُس، وطَفِقُوا يَتَكَلَّمُون بلغاتٍ أُخرى، كما أعطاهُم الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا. وكانَ في أُورَشَلِيمَ رجالٌ يهودٌ أتقياءُ من كلِّ أُمَّةٍ تحتَ السَّماءِ. فلمَّا صارَ هذا الصَّوْتُ اجْتَمَعَ الجُمْهْورُ فتحيَّرُوا لأنَّ كلَّ واحِدٍ كانَ يَسْمَعُهُم يَنْطِقون بِلُغَتِه. فدُهِشُوا جميعُهُم وتَعَجَّبُوا قائِلِينَ بعضُهُم لبعضٍ: أليسَ هؤلاءِ المتكلِّمُونَ كلُّهُم جَلِيلِيِّين؟ فكيفَ نَسْمَعُ كلٌّ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتي وُلِدَ فيها، نحن الفرتيِّينَ والمادِيِّينَ والعيلامِيِّينَ، وسُكَّانَ ما بين النَّهرَيْن واليهوديَّة وكبادوكِيَةَ وبُنْطُسَ وآسِيَةَ وفرِيجِيَّةَ وبَمْفِيلِيَة ومِصْرَ ونواحي ليبِيَةَ عند القَيْرَوَان، والرُّومانِيِّين الـمُسْتَوْطِنِينَ، واليهودَ والدُّخَلاءَ والكْرِيتيِّين والعرب، نسمَعُهُم يَنْطِقُونَ بأَلْسِنَتِنَا بعظَائِمِ الله!.
الإنجيل
يو 7: 37-52
 
في اليومِ الآخِرِ العظيمِ من العيد، كانَ يسوعُ واقِفًا فصاحَ قائلاً: إِنْ عَطِشَ أحدٌ فَلْيَأْتِ إِلَيَّ ويشرَب. من آمَنَ بي، فكما قالَ الكتاب ستَجْرِي من بطنِهِ أنهارُ ماءٍ حَيٍّ. (إِنَّمَا قالَ هذا عن الرُّوحِ الَّذي كانَ المؤمنونَ به مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ إِذْ لم يَكُنِ الرُّوحُ القُدُسُ قد أُعْطِيَ بعدُ، لأنَّ يسوعَ لم يَكُنْ بعدُ قد مُجِّدَ). فكثيرونَ من الجمعِ لمَّا سمعُوا كلامَه قالُوا: هذا بالحقيقةِ هو النَّبِيُّ. وقال آخَرُون: هذا هو المسيح، وآخَرُون قالوا: أَلَعَلَّ المسيحَ من الجليل يأتي! أَلَمْ يَقُلِ الكتابُ إنَّه من نسلِ داودَ، من بيتَ لحمَ القريةِ حيثُ كانَ داودُ، يأتي المسيح؟ فحَدَثَ شِقَاقٌ بينَ الجمعِ من أَجْلِهِ. وكانَ قومٌ منهم يُريدُونَ أن يُمْسِكُوهُ، ولكِنْ لم يُلْقِ أَحَدٌ عليه يدًا. فجاءَ الخُدَّامُ إلى رؤساءِ الكهنَةِ والفَرِّيسِيِّينَ، فقالَ لهُم: لِمَ لم تأتوا بهِ؟ فأجابَ الخُدَّامُ: لم يتكلَّمْ قطُّ إنسانٌ هكذا مثلَ هذا الإنسان. فأجابَهُمُ الفَرِّيسِيُّون: أَلَعَلَّكُم أنتم أيضًا قد ضَلَلْتُم! هل أحدٌ مِنَ الرُّؤساءِ أو مِنَ الفَرِّيسيِّينَ آمَنَ بِهِ؟ أمَّا هؤلاء الجمعُ الَّذينَ لا يعرِفُونَ النَّاموسَ فَهُم ملعُونُون. فقالَ لهم نِيقودِيمُس الَّذي كانَ قد جاءَ إليه ليلاً وهُوَ واحِدٌ منهم: أَلَعَلَّ نامُوسَنَا يَدِينُ إنسانًا إن لم يسمَعْ مِنهُ أوَّلاً ويَعلَمْ ما فَعَلَ! أجابوا وقالوا لهُ: أَلَعَلَّكَ أنتَ أيضًا من الجليل! إِبْحَثْ وٱنْظُرْ، إنَّهُ لم يَقُمْ نبيٌّ منَ الجليل. ثُمَّ كَلَّمَهُم أيضًا يسوعُ قائلاً: أنا هوَ نورُ العالَم، من يَتْبَعْنِي لا يمشي في الظَّلامِ، بل يَكُونُ لهُ نورُ الحياة.
في الإنجيل
 
"ولـمَّا حَضَرَ يومُ الخمسين". يقصد لوقا بِيَومِ الخمسين ذلك العيدَ الزِّراعِيَّ الَّذي كان اليَهُودُ يحتفِلُونَ به، أي عيد الحصاد. في الوقتِ الَّذي يتهيَّأُ النَّاسُ فيه لإلقاءِ الـمِنْجَل لكي يجمَعُوا الثِّمَار، يُلقِي الله مِنْجَلَ الكلمةِ الإلهيَّة، مِنْجَلَ الرُّوحِ القُدُس. وهذا ما أشارَ إليه الرَّبُّ عندما قالَ لتلاميذِه يومًا: "إرفعوا عيونَكُم وٱنْظُرُوا إلى الحقول، إنَّها قد ٱبْيَضَّتْ للحَصَاد" (يو 35:4)، وأيضًا: "إنَّ الحَصَادَ كثيرٌ ولكنَّ الفَعَلَةَ قَلِيلُون" (لو 1:10).
"كما مِن هُبُوبِ ريحٍ عاصِفَة"... "كأنَّها مِن نار". لا الرِّيحُ رِيحٌ، ولا النَّارُ نار. الرُّوحُ القُدُسُ ليسَ شيئًا مِن هذا العالَم، ليس شيئًا مادِّيًّا. لكنَّه يتَّخِذُ الهيئة المادِّيَّةَ المناسِبَة لِلحَدَث المناسِب. فهُنَا حيثُ يجبُ على الجمعِ الغفيرِ أن يُعايِنَ مجدَ الرَّبّ، ويعودَ ويَهتَدِي، يظهر مجده بهذه الطَّريقة الإستعراضِيَّة الهائِلَة. وفي نهر الأُرْدُنّ عندما كان ينبغي ليوحنَّا المعمدانِ أن يتعرَّفَ إلى الرُّوحِ القُدُس، جاءَ هذا الأَخِيرُ بشكلِ حمامةٍ وٱسْتَقَرَّ على رأسِ المسيح.
"وٱسْتَقَرَّ على كلِّ واحِدٍ منهم". كلمة "استَقَرَّ" تشيرُ هنا إلى البقاء بشكلٍ دائِم.
وَثَمَّةَ ملاحظةٌ هامَّةٌ، ألا وهي أنَّهم كانوا مجتمعينَ بِنَفْسٍ واحِدَةٍ في الصَّلاة، ولذلك ٱمْتَلأُوا جميعًا من الرُّوحِ القُدُس. وهذا ما يُعَلِّمُنَا أَنَّه عندما تكونُ المحبَّةُ سائِدَةً، يَظْهَرُ الرُّوحُ القُدُس. وعندما بدأوا يتكلَّمُون بالألسنة، تكلَّمُوا "كما أعطاهُمُ الرُّوحُ القُدُس" وليسَ مِن عندِهم. راحُوا يُرشِدُونَ النَّاسَ بِسُلْطانٍ مُعطًى مِن الله.
ولا تَفُتْنَا ملاحَظَةُ النَّارِ الَّتي نَزَلَتْ بشكلِ "ألسنةٍ مُنْقَسِمَة"، وهذا يعني أَنَّها جاءَت مِن جَذْرٍ واحِدٍ ثُمَّ تَقَسَّمَتْ. الرُّوحُ القُدُسُ أَرْسَلَهَا، وفَصَّلَهَا على التَّلاميذِ ليَأْخُذَ كُلُّ واحدٍ منهم نصيبَهُ منها. هُم كانوا مُنْتَظِرِينَ، والرَّبُّ لم يُخَيِّبِ ٱنْتِظَارَهُم وشَوقَهُم. هُم كانوا قد تطَهَّروا وجاهَدُوا، وأَخْلَصُوا في مَحَبَّتِهِم، والرَّبُّ لم يَبْخُلْ عليهم بالرُّوحِ القُدُس.
كُلٌّ مِنْهُم تَقَبَّلَ لِسَانًا، إلَّا أنَّه تقبَّلَ، بهذا اللِّسان، يَنبوعَ الرُّوحِ القُدُسِ بكاملِه. فالنَّارُ، مهما أَشْعَلْتَ منها مصابيح، لا يَنقُصُ لهيبُهَا.
من هذا اليوم فصاعِدًا، لم يَعُدْ شيءٌ يَقِفُ في طريقِ التَّلاميذ. أَصْبَحَ كلُّ شيءٍ في عيونِهِم كالغُبَار الَّذي تُذَرِّيهِ الرِّيح.
الكنيسةُ والعالَم: 
تَجَاهُلٌ أم تَوَاصُلٌ
 
في نهاية فترة الأربعين يومًا، الَّتي تَلِي الفصح المجيد، نعيشُ في الكنيسة حَدَثَيْنِ على شيءٍ كبيرٍ من التَّرابُط اللَّاهوتِيِّ والحياتِيِّ، أَلَا وهما الصُّعود الإلهيّ والعَنْصَرَة. نحنُ نشدِّدُ في تعليمِنَا على هذَيْنِ الحَدَثَيْن بشكلٍ مُمَيَّز، فالأوَّل هو آخِر إعلانات التَّجَسُّد إذ صَعِدَ يسوع إلى السَّماوات بالجسد، بهذا الجسد الـمُتَألِّه الَّذي سَنَلبَسُه جميعًا في اليوم الأخير، والثَّاني هو بدء فِعْلِ الرُّوح القُدُس بواسطة الكنيسة في العالم. يدخل هذان الحدثان في سياق القصد الإلهيّ الَّذي يريدُ لكلٍّ مِنَّا أن يستعيدَ حلاوةَ الحضورِ الفِرْدَوسِيّ، والَّذي يريد للكنيسة أن ترعى هذه المسيرة الشَّخصيَّة من خلال حياة الجماعةِ المُلْهَمَة، والمُلْهِمَة. ترابط هذين الحدَثَيْن قائِمٌ على تكامُلِ البُعْدَيْن العامودِيّ والأُفُقِيّ الَّذي يحياه كلّ مؤمنٍ وهو ينمو في المسيح.
لكن، يبقى هذا الكلام منقوصًا إذا لم ننظُرْ إليه من حيث أنَّ الإنسانَ المؤمِنَ، والجماعةَ المؤمِنَة لا يعيشون في فراغ، ولا يختَصِرُون محبَّةَ الله للخليقة. فأيّ ٱكْتِفَاء إِنْغِلاقِيّ لا يربُطُ الإنسانَ والكنيسةَ بالعالم، يكون بمثابَةِ تَجَاهُلٍ لما أرادَهُ اللهُ من الكنيسة كجَسَدِ المسيح. الصُّعود والعَنْصَرَة وَجْهَان مُتَمِّمَان للعملِيَّة الخَلاصِيَّة، الَّتي لا تتوقَّف عند مداها الفَرْدِيّ. هذان الحَدَثَان يجعلان من مهمَّة الكنيسة والمؤمنين إشراك العالم في الإرتِفَاع إلى الله على حَسَبِ قول كاتب الرُّؤيا. ألا يقول الكاهن بعد المناولة، في نهاية خدمة سِرِّ الشُّكْر: "اِرْتَفِعْ اللهُمَّ على السَّماوات وعلى كلِّ الأرض يبقى مجدُك"؟ أَوَلَسْنَا نحن المسؤولين عن إبقاء هذا المجد فاعِلاً بعد الصُّعود، وبِفِعْلِ العَنْصَرَة؟ وكيف يكون ذلك؟ ما هي "سياسة" تعاملنا مع العالم المدعوّ إلى الخلاص: تواصُلٌ أم تجاهُلٌ؟
للإجابة على هذا السُّؤال لا بُدَّ من توضيح أمرَيْن: الأمر الأوّل هو أن ليس للعالم موقِف عدائِيّ مع الله. العالم خليقة الله ونتاج محبَّته. إن جَرَّحَتِ الخطيئة بالسُّقوط تناغُمَ الخليقة، فهذا لا يعني أنَّ العالم ليس مَدْعُوًّا بكامِلِهِ إلى الاستفادَة من الخلاص الَّذي جاء ليداوي آثارَ الخطيئة. الأمر الثَّاني هو أنَّ المواقِفَ الفوقِيَّة الَّتي تقودُ إلى تجاهُلِ العالم لا تَنْبُعُ من المحبَّة. ففعل المحبَّة على حَدِّ قولِ الرَّسول بولس "يقبل كلّ شيء". المواقف التَّرَفُّعِيَّة إن دلَّت على شيء، فعلى أنَّ هذا الـمَنْحَى لا ينسجِمُ مع التَّوَجُّه الإلهِيّ الَّذي نحن تسلَّمْنَاه، بل يُبْعِدُنا عن الله، ولا يفيدُ العالم.
لذلك، عمليًّا، نحن المسيحيُّون غير مخيَّرِين في تعامُلِنا مع العالم: علينا أن نتواصَلَ معه على أساسِ المحبَّة، والتَّواضُع، والخدمة. لأنَّ التَّواصُل لا يكون بالمواقِفِ الوعظِيَّة، ولا بالنَّمَطِيَّة، ولا بالانغلاق. أنت في تواصُلٍ مع الآخَر عندما تَدْخُلُ معه في حوارِ حياة. وهذا يعني:
١ - أن نضعَ أنفسَنَا بخدمة العالم أوَّلاً، وأن تكون هذه الخدمة كما أرادها الرَّبّ يسوع في مَثَلَيِّ الدَّينونة، والسَّامِرِيّ الشَّفُوق. فخدمتنا للعالم هي خدمة من دون حساب، وهي خدمة للجميع على حدٍّ سواء.
٢ - أن نسعى لنفهم ما يجري في العالم من حيث تطوّره الحضارِيّ، ومستَلْزَمَات الشَّهادة فيه، بعيدًا عن الأحكام الـمُطْلَقَة والـمُبْرَمَة. لا يمكننا أن ندخلَ في حوارٍ تواصُلِيٍّ إذا لم نتواضَع لنستوعِبَ كيف يُفَكِّرُ غيرنا. هذا لا يعني أنَّنا نبارِكَ كلَّ ما يجري في العالم. لكن علينا أن نتمتَّع بروحِ التَّمييز حتَّى نستطيع أن نرفض أوجُه الدَّهْرَنَة، الَّتي تشوِّهُ العالم، والَّتي هي من آثار الخطيئة، وأن نقبل بتطوُّرٍ إجتماعِيٍّ ومُجْتَمَعِيٍّ يمكن أن يكونَ ملائِمًا في عمقِهِ لروحِ الإنجيل.
٣ - أن نصيغَ خطابًا جديدًا، تمامًا كخطاب السَّيِّد للتَّلاميذ، أو كخطاب الرَّسول بولس لغير اليهود، أو كخطاب كبار المبشِّرين أينما حَلُّوا. لا يمكنُنَا أن نبقى على خطابٍ تَرْدَادِيٍّ لا تَصِلُ عباراته إلى أذهان مَنْ نخاطب. خطابنا الدَّاخِلِيّ في الجماعة، ليس بالضَّرورة الخطاب المناسِب الَّذي نتواصَلُ فيه مع العالم. نادِرًا ما قُمْنَا بهذا الجهد لأنَّنَا حَصَرْنَا أنفسنا في بيئتنا الكنسيَّة.
نحن مدعوون، أكثر من أيِّ يوم مضى، أن نخرُجَ من عُزْلَتِنَا لأنَّ العالم بحاجة إلى الرَّجاء الَّذي يأتي به الصُّعود الإلهيّ من جهة، وحضور الـمُعَزِّي بيننا من جهة أخرى. ألا أعطانا الله أن نحيا هذه الأعياد بكلّ أبعادها، ناقِلِين الليتورجيا الَّتي تُقَدِّسُنا في هذه المواسم، إلى عالمٍ هو أيضًا يتوقُ إلى تقديسٍ نحملُه إليه بمحبَّتِنَا.