الأحد 29 كانون الأول 2013

الأحد 29 كانون الأول 2013

29 كانون الأول 2013
 
الأحد  29 كانون الأول  2013  
العدد 52
الأحد بعد ميلاد المسيح
اللَّحن الثاني   الإيوثينا الخامسة
 
*29: الأطفال الـ /14/ ألفاً الذين قتلهم هيرودوس، البار مركلّس. *30: الشهيدة في البارات أنيسية، يوسف خطيب مريم * 31: وداع عيد الميلاد، البارة ميلاني التي من رومية.*1: ختانة ربنا يسوع المسيح، باسيليوس الكبير، غريغوريوس النزينزي والد القديس غريغوريوس اللاهوتي * 2:  تقدمة عيد الظهور، سلبسترس بابا رومية، البار سارافيم ساروفسكي. * 3: النبي ملاخيا، الشهيد غورديوس. * 4:
بارامون الظهور، تذكار جامع للسبعين رسولاً، البار ثاوكتيستُس. *
 
 
"وُلد لكم اليوم مخلّص"
 
لمـّا أعلن الملاك للرعاة أنّ المسيح قد وُلد، قال لهم "إنّي أبشرّكم". والفعل مشتقّ من لفظة "إنجيل". هو أعلن لهم إنجيلاً قال عنه إنّه "فرح عظيم". فالفرح سيترافق مع عمل المخلّص الذي وُلد. إنّها بهجة الخلاص الذي حلّ اليوم.
 
وفي أحداث الإنجيل نرصد كيف أنّ هذا الفرح يستعلن ويكبر مع الإيمان بالربّ يسوع الإله المتجسّد. ثمّ نقرأ في نهاية السرد الإنجيليّ أنّ "الفرح العظيم"، الذي بشّر به الملاك عند ميلاد المخلّص، قد اكتمل وملأ قلوب التلاميذ (أنظر لو52:24) الذين شهدوا عمل المسيح الخلاصيّ يتحقّق ويكتمل (راجع الآيات 44:24-48). من رأى قيامة المصلوب من أجلنا، ومن آمن بإنجيل صليبه وقيامته، يُدرك ما هو هذا "الفرح العظيم" الذي بشّر به الملاك عند ميلاد "الطفل الموضوع في المذود".
 
لقد فهمت الكنيسة العلاقة بين ميلاد المخلّص وآلامه وقيامته، فنُظمت تسابيح العيد لمن وُلد ليجدّد إنساننا العتيق، ليقلب الفساد الذي تسبّبت به الخطيئة، ويضع حياةً حيث ساد الموت، ونورًا حيث أفسدت الظلمة. ورُسمت الإيقونات التي تماهي بين المغارة والقبر، وبين الأقمطة والأكفان. وُلد من سيعلّمنا المحبّةَ التي لا يَحُدُّ عطاءَها الموت، ونهجَ الصليب الذي إذا سار فيه الإنسان يُعطي مجدًا لله في العلى ويَسُرُّه، 
 
فيكون سلام الله عليه. وُلدَ الّذي هَدانا إلى سبيل الصّليب، نحمله بفرحٍ إلهيّ لكي نخلص به من الغضب. 
 
وبما أنّ الخلاص يتلازم مع عمل المخلّص منذ ميلاده، ولأنّ صَلبَ الإنسانِ ذاتَهُ، بِدَورِه، من أجل المخلّص ومن أجل الإخوة، هو هدف الخلاص الذي صَنَعَهُ المسيحُ الرّبّ، لذا، فَمِنَ الصَّعبِ أن نَجدَ تعليمًا في العهد الجديد عن موت المسيح وقيامته من أجلنا لا يتبعه بشكلٍ أو بآخر تعليمٌ عن صَلبِ ذَواتِنا معه، ومن أجله، عن الخطيئة. هكذا، ومن اللحظة الأولى، تَرافَقَ ميلادُ المخلّصِ المسيحِ الرَّبِّ المصلوبِ والقائم، مع آلام أطفالٍ، ماتوا من أجله، وإن لم يفهموا ذلك. 
 
حَصَدَهُم سيفُ الحاسد الذي كان هدفه أن يقتل المسيح. ظَلَمَهُم جسديًّا، لكنَّ دِماءَهُمُ الْتَحَمَتْ بِدِماءِ المخلّص، فنالوا بَواكيرَ الفرح العظيم.  
 
 هيرودسُ المجرمُ يَقتلُ اليومَ الصِّغارَ والكبار، الرّجالَ والنّساء، وهَدَفُه الدّائمُ أن يَقتلَ المسيح. تُسفَكُ اليومَ دِماءٌ زكيّةٌ بَريئةٌ كَبَراءةِ الأطفال، وراحيلُ تَبكي اليومَ في دمشقَ وحمصَ وحماة وحلب ... من أجل المخلّص يموت الأبرياء، ومعه يُصلَبون. ولكن، في غمرةِ حُزنِهم يُشرقُ فرحٌ عظيم، لأنّ المخلّص وُلِدَ لنا في بيت لحم.
 
راحيل الباكية هي التي تعيّد اليوم عيد الميلاد الأبهى.
 
 
طروبارية القيامة باللحن الثاني
 
عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتِك، وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى، صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويين: أيُّها المسيحُ الإله معطي الحياةِ، المجدُ لك. 
 
طروبارية عيد الميلاد باللحن الرابع
 
ميلادُكَ أيّها المسيحُ إلهنُا قد أطلعَ نورَ المعرفةِ في العالم، لأنَّ الساجدين للكواكب به تعلَّموا من الكوكب السجودَ لك يا شمسَ العدل، وأن يعرفوا أنّك من مشارقِ العلوِّ أتَيت، يا ربُّ، المجدُ لك.
 
طروبارية القديس يوسف باللحن الثاني
 
يا يوسف بَشِّرْ داودَ جَدَّ الإله بالعجائبِ الباهرة، لأنّكَ رأيتَ بَتُولًا حامِلًا، فمع الرعاة مجَّدتَ، ومع المجوس سجدتَ، وبالملاكِ أُوحِيَ إليك، فابتهِلْ إلى المسيح الإله أن يُخلِّصَ نفوسَنا.
 
 
قنداق الميلاد باللحن الثالث
 
اليومَ البتول تلدُ الفائقَ الجوهر، والأرضُ تقرِّبُ المغارة لِمَن هو غيرُ مقترَبٍ إليه. الملائكة مع الرعاة يمجِّدون، والمجوس مع الكوكب في الطريق يسيرون. لأنّه قد وُلِدَ من أجلنا صبيٌّ جديدٌ، الإلهُ الذي قبلَ الدهور.
 
 
الرِّسَالَة
غلا 1: 11-19
 
رتِّلوا لإلهنا رتِّلوايا جميعَ الأممِ صَفِّقوا بالأيادي
 
يا إخوةُ، أُعْلِمُكم أنَّ الإنجيل الذي بشَّرتُ بهِ ليسَ بحسبِ الإنسانِ، لأني لم أتسلَّمْهُ أو أتعلَّمْه من إنسان،ٍ بل بإعلانِ يسوعَ المسيح. فإنَّكم قد سمعتُم بِسيِرتي قديماً في مِلَّةِ اليهودِ أنّي كنتُ اضطَهِدُ كنيسةَ اللهِ بإفراطٍ وأُدَمِّرُها، وأَزيدُ تقدُّمًا في ملَّةِ اليهودِ على كثيرينَ من أترابي في جِنسي، بِكَوني أَوفَرَ منهم غَيرةً على تَقليداتِ آبائي. فلمّا ارتضَى اللهُ الذي أَفرَزَني مِن جَوفِ أُمّي ودَعاني بنعمتِه، أنْ يُعلِنَ ابنَهُ فِيَّ لِأُبَشِّرَ بهِ بينَ الأُمَم، لِساعتي لم أُصْغِ إلى لَحمٍ وَدَم،ٍ ولا صَعِدْتُ إلى أورشليمَ إلى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلي، بَلِ انطَلَقتُ إلى ديارِ العرب، وبعدَ ذلكَ رَجَعتُ إلى دِمشق. ثُمَّ إنّي بَعدَ ثلاثِ سِنينَ صَعِدتُ إلى أورشليمَ لأزورَ بطرس، فَأَقَمْتُ عندَهُ خمسةَ عَشَرَ يومًا، وَلم أرَ غيرَهُ مِنَ الرُّسُلِ سِوى يعقوبَ أخي الربّ.
 
 
الإنجيل
متى 2: 13-23
 
لمّا انصرفَ المجوس، إذا بملاكِ الربّ ظهر ليوسفَ في الحُلم قائلاً: قُمْ  فخُذِ الصبيَّ وأمَّهُ واهرُبْ إلى مصرَ، وكُنْ هناك حتّى أقولَ لك، فإنَّ هيرودسَ مُزمِعٌ أنْ يطلبَ الصبيَّ ليُهلِكَهُ. فقام وأخذ الصّبيَّ وَأُمَّهُ لَيلًا، وانصرفَ إلى مصر، وكان هُناك إلى وفاة هيرودس، لِيَتِمَّ المَقُولُ مِنَ الرّبِّ بالنبيّ القائل: مِن مِصرَ دَعَوتُ ابني. حينئذٍ، لمَّا رأى هيرودسُ أنَّ المجوسَ سَخِرُوا بهِ غَضَب جدًّا، وأَرسلَ فقَتَلَ كُلَّ صِبيانِ بيت لحم وجميعِ تُخُومِها، من ابنِ سنتَينِ فما دُونَ، على حَسَبِ الزّمانِ الّذي تَحقَّقَهُ مِنَ المجوس. حينئذٍ تمَّ ما قالهُ أرمياءُ النبيُّ القائل: صوتٌ سُمع في الرامةِ، نوحٌ وبكاءٌ وعويلٌ كثيرٌ. راحيلُ تبكي على أولادها، وقد أبتْ أنْ تتعزَّى لأنَّهم ليسوا بموجودين. فلمَّا مات هيرودس، إذا بملاكِ الربِّ ظهر ليوسفَ في الحُلمِ في مصر قائلاً: قُمْ فخُذِ الصبيَّ وأمَّهُ واذهبْ إلى أرض إسرائيل، فقد مات طالِبُو نَفْسِ الصبيّ. فقام وأخذ الصبيَّ وأمَّهُ، وجاءَ إلى أرض إسرائيل. ولمَّا سمع أنَّ أرْشيلاوس قد مَلك على اليهوديةِ مكانَ هيرودسَ أبيه، خاف أنْ يذهبَ إلى هناك، وأُوحيَ إليهِ في الحلم، فانصرف إلى نواحي الجليل، وأتى وسكن في مدينة تُدعىَ ناصرة، لِيَتِمَّ المَقُولُ بالأنبياءِ إنَّهُ يُدعَى ناصِرِيًّا.
 
ميلاد ومحبّة متواضعة
 
يوم وُلد المسيح "في مغارةٍ"، حقّق الصّورة الأجلى للإنسانيّةِ المتساميةِ بِبُلُوغِها التّواضعَ الحقيقيّ. وقد فَضَحَ بِتنازُلِهِ كُلَّ زَيفٍ للبشرِ كامن في الاستعلاء المبدِّد للمحبّة. ولمّا كانت الكبرياءُ علّةَ سُقوطِ الإنسانِ وانفصالِه عن محبّةِ الآب، ارتضى ابنُ الله الوحيد، المستريحُ على الشاروبيمِ وربُّ المجد، أن يتّخذَ صورةَ الطّفلِ الفقيرِ المُضْجَعِ في مذودٍ للبهائم.
 
ابن الله الذي يملأ السموات والأرض مجدًا جاء وديعًا "لا يخاصم ولا يصيح... قصبةً مرضوضةً لا يقصف وفتيلةً مُدَخِّنَةً لا يطفئ" (متى 12: 20).
 
ولقد تجاسر الشيطانُ الّذي خَدعَ آدمَ بالكبرياء أن يَختبر مدى تَمَسُّكِ المسيح بتخفّيه هذا، فأشار عليه: "إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزًا...": وحاول العدوّ أن يستفزّ السيّد الذي أعطى الحياةَ للموتى ووهبَ البصر للعميان، فأضاف وهو "يريه جميع ممالك العالم ومجدها في لحظةٍ من الزّمان... لك أُعطي هذا السّلطان كلّه... لأنّه إليّ دُفِعَ وأنا أُعطيه لِمَن أُريد، فإنْ سجدتَ لي يكون لك الجميع" (متى 4: 1–11؛ مو 4: 1–13). لكنّ السيد سمح له أن يتمادى ولم يكترث بالتجربة. فصُعق الشيطانُ وارتعد.
 
أدرك أنّ المواجهة ستكون أصعب بكثيرٍ ممّا كان يظنّ، لأنّ ابن الله الوحيد لم يعتبر نفسه سوى ابنٍ للإنسان. وقد بقي هذا التّواضع سمةً بل نهجًا للقدّيسين في جهاداتهم..
 
حينَ كان القدّيس أنطونيوس الكبير يصلّي إلى الله ليحميَه من تجارب الشياطين، كان يقول: "يا ربّ نجّني من هؤلاء الذين يظنّون أنّني شيءٌ وأنا لست بشيءٍ. أنا لا أستحقّ حتّى أن يحاربُوني". وكانت صلاتُه تحرقهم.
 
أيّوب الصّديق لم يجدّف على الإله عندما جلس على المزبلة، لأنّه حسب نفسه في المقام الذي يليق بخطاياه (أيوب 2: 10).
 
 وفي تقليدنا أنّ رجلًا بسيطًا حضر إلى راهبٍ شيخٍ وبادره شاكيًا: يا أبتِ، لم يعد في أيّامنا من يؤمن! المسيح يعلّم في الإنجيل أنّ إيمانًا بمقدار حبّة الخردل ينقل الجبال. لم يعد لدينا إيمانٌ أو فضيلةٌ! فأجاب الشيخ أنّه هو شخصيًّا يعرف رجال صلاةٍ إذا ما رفعوا أيديهم للتّضرّع ينقلون الجبال. وفيما هو باسطٌ ذراعيه ليصوّر وضعيّة الابتهال التي لرجال الصّلاة، لاحظ أنّ الجبل تحت قدميه بدأ ينزاح. فخفض يديه على الفور وأخفى فضيلته.
 
كذلك يُروى في أدبنا الرُّهبانيّ أنّ متوحّدًا بارًّا اضطرّ يومًا إلى النّزول إلى العاصمة، ففضّل الوفود بعد الغروب لئلا يثير فضول الناس بِهَيئَتِهِ النُّسكِيّةِ إن أتى في وَضَحِ النّهار. وفيما كان يسير ليلًا في ظلمةٍ حالكةٍ بعيدًا عن الأنظار، أرسل الله ملاكَين مُنيرَين رافَقاه في الطّريق ولفتا أنظارَ أهلِ المدينة بِبَهاءِ سَطيعِهما، لأنّه "لا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت" (متى 5: 15؛ مر 4: 21).
 
المسيحيّ الأصيلُ يَهرب من المديح والإكرام ويختار لنفسه أمورًا صغيرةً ولكنّها نافعةٌ ومثمرة، متيقّنًا مِنْ أنّ الله أمينٌ يرى ما في الخفية، وَيُنمي ثمر الزّرع.
 
ويبقى عزاؤنا في الميلاد محبّة عميقة في نفوس إخوةٍ لنا مجاهدين في الكنيسة. إخوة أدركوا أنّ سيادة الله غير سيادة البشر وجعلوا مواهب العليّ سبيلاً للعطاء الخَفِر. هؤلاء يصيرون بالنّعمة الإلهيّة نجومًا أزليّةَ الضّياءِ تُنيرُ نفوسَنا حين تكتنفُها الظُّلمات، وترشد خُطانا إلى سرّ المغارة. وإذ نُلْقي عنّا كلَّ فِكرٍ مُتَعالٍ، يُسَرُّ المسيحُ بذبيحتِنا (مز 50: 17)، لأنّه يَجدُ في قلوبنا، "حينئذٍ"، موضعًا يولد فيه.
 
نورًا أتَيتُ إلى العالم
 
يقول القديس أفرام السريانيّ في مزاميره الرّوحيّةِ حول تجسُّدِ الابن:"إنّ الّذي يَجحَدُ وِلادةَ مريمَ لله لَن يَرى مجدَ أُلُوهِيَّتِه، والّذي يَجْحَدُ الْتِحافَهُ بِجَسَدٍ بِدُونِ خطيئة، لَن يَنالَ الخلاصَ وَلا الحَياةَ الّتي مُنِحَتْ بِفَضْلِ جَسَدِه" . 
 
المسيحُ أتى لكي يَدعوَنا بنين لا عبيدًا، لأنّ قبل تجسُّدِ الكلمةِ كُنّا كأَطفالٍ خاضِعِينَ للسُّبوتِ والشُّهورِ وأَوامرِ النّاموس. ولمّا جاء أوانُ التّدبيرِ بالجسد، لمّا امتلأتِ الطّبيعةُ الإنسانيّةُ مِن كُلِّ شَرّ، أَخَذَ يُعوِزُها الشِّفاءُ مِن أمراضها (خطاياها)، وصارَتْ بحاجةٍ إلى تطبيب. المسيح أتى لا لأنّنا أبرار، بل لكي يَشفيَ طبيعتَنا الواهِنةَ الخاضعةَ لسُلطةِ الأهواءِ والموت.
 
كيف نعكس فرح الميلاد الإلهيّ على أيّامنا هذه؟ 
 
في الميلادِ يُولَدُ الكائنُ الّذي يَصيرُ إلى ما لَم يَكُنْ فيه أَصلاً، لأنّه، وهو الله، قد صار إنساناً من دون أن يتحوّل عن أُلُوهَتِه. في ميلادِ الرّبِّ غُلبَ نِظامُ الطّبيعة، لأنّ الّذي كان قبلَ الدّهورِ مِنَ الآب، يُولَدُ بِخِلافِ الطّبيعةِ مِن أُمٍّ عذراءَ لم تعرفْ رَجُلاً، لأنّ الحَبَلَ بِه كان بواسطة الرّوح القدس.
 
بميلاد المسيح تبدّد الظلامُ واستبان نوراً، كما عَبَّرَ الرَّبُّ بِقَولِه: "نُورًا أتيتُ إلى العالَم". هل نُدرك  ذلك اليوم نحن العائشين في ظلمة هذه الأيام وغباوتِها؟ نحن المنقسمينَ على ذواتِنا؟ هل نُدرك أن المسيح أتى لكي يُنير دروب حياتنا المظلمة؟ المسيح أتى لكي يُعيدَنا إلى الحياةِ الأبديّةِ الّتي خُلقنا لها أصلًا.
 
المسيحُ أتى لكي يُنيرَ دُرُوبَ حياتِنا الّتي أظلمَتْ. انظُروا المجوسَ كيف أَرشدَهُمُ الرّبُّ إلى طريقِ الخلاص، تاركين شَعوَذاتِهم، واتّبعوا النجمَ لكي يسجدوا للإلهِ المثلَّثِ الأقانيمِ في بيت لحم. لِتَكُنْ حياتُنا تسبحةً دائمةً للرّبّ الممجَّدِ في الأعالي، ساهرين كالرُّعاة على قطيعهم. لا نَكُنْ كَهِيرُودُسَ عاشِقِينَ لِلسُّلطةِ وَلِرائحةِ الموت!
 
نحن اليوم بحاجةٍ إلى صرخةٍ من أعماق النفس- صرخةَ استغاثةٍ، ولنقُلْ: "امدُدْ يَدَكَ التي اختبرها قديماً المصريّون المحارِبون، والعبرانيّون المحارَبون منهم، ولا تُهمِلْنا فيبتلعَنا الموتُ المتعطِّشُ إلينا والشيطانُ المُبغِض لنا، بل اقترِبْ مِنّا وأشفِقْ على نفوسِنا كما أشفقتَ على فتيانك الذين مجّدوك في بابل بغير فتور، وطُرحوا من أجلك في الأتّون، ومنه صرخوا إليك هاتفين: أسرع يا رؤوفُ وبادِرْ لمعونتِنا بما أنك رحيم، لأنّكَ قادرٌ على ما تشاء" (البيت من صلاة السحر لأحد الأجداد).
 
يا أيّها المسيحيّ! هل تحوّلَ ميلادُ المخلّصِ اليومَ إلى عيدٍ عالميٍّ نستعدّ له بِمُبهرَجاتٍ عالميّةٍ من أغانٍ صاخبة وزينةٍ فانية ومآكلَ وافرة؟ أيّها المسيحيّ! اصحُ اليومَ وَاشْدُدْ حَقْوَيكَ، وانتَعِلْ حذاءَ الاستعدادِ لإنجيل السلام. كيف تتزيّنُ والكنيسةُ مُحارَبَةٌ مِن الدّاخل ومن أعداء الإيمان؟ كيف ترقص فرحاً والشيطان ينفثُ فينا كلَّ شهوةٍ وكُلَّ هوًى وكلَّ فُجور؟
 
 المسيح وُلد لكي يُجدِّدَ فينا في كُلِّ مرّةٍ نعيّدُ لميلادِه إنسانَنا الذي شاخَ مِن جَرّاءِ خَطاياه. هو يدعونا إلى أن نتجدّد في كُلِّ مرّةٍ وكُلِّ يوم. المسيح وُلد من عذراء لم تعرف فساداً، وهو يدعونا أن نتشبّهَ بِالّتي وُلدَ منها، فنكون ذوي نفوسٍ عُذريّة، مُضرِمِينَ في ذواتنا نار العشقِ لَهُ وحدَه، لأنّه هو المحبوب الذي لا ينافسه آخَر.
 
صرختنا اليوم ليست ضدّ الظلم الحاصل، بل ضدّ ذواتنا، وضدّ كلَّ تقاعسٍ وخيبةٍ قد نمرّ فيها كُلَّ يوم. لا نخافَنَّ من العثرات، لأنّها لا بدّ  حاصلة، لكن خافوا مِمَّن يُضعِفُ ذواتِنا ويَحُطّ مِن شأن إيماننا.
 
 
أخبـــارنــــا
 
نشرة الكرمة في عامها العشرين
 
لمناسبة عيد الميلاد المجيد وحلول العام الجديد، تتقدّمُ أسرةُ نشرةِ "الكرمة" من المؤمنين الكرام بالمعايدة، سائلةً الرّبَّ يسوعَ المولودَ في مغارةٍ لأجلِ خلاصِنا، أن يغمرَنا بِنُورِهِ القُدّوسِ لِيُضِيءَ قلوبَنا بنعمتِه ومحبّتِه للبشر، فنهتديَ جميعُنا إليهِ متجسِّدًا في قُلُوبِنا ونُفُوسِنا وأجسادِنا، كما اهتدى إليهِ المجوسُ وسَجَدُوا له.
 
ونطلبُ مِن الرّعايا كافّةً تجديدَ اشتراكِها في نشرةِ الكرمةِ للعام 2014، مع تسديدِ ما تبقّى عليها من السّنة الفائتة، مع تحديدِ  عددِ النّسخِ الأسبوعيّةِ الّتي يُريدون، وذلك عبرَ الاتّصالِ بِدارِ المطرانيّةِ قبلَ الظّهر.