الأحد 10 حزيران 2012

الأحد 10 حزيران 2012

10 حزيران 2012

 

الأحد 10 حزيران 2012    
العدد 24
أحد جميع القدّيسين
اللحن االثامن     الايوثينا الأولى
 
* 10: الشهيدان ألكسندروس وأنطونيا *11: الرسولان برثلماوس ال /12/ وبرنابا أحد ال /70/، أيقونة بواجب الاستئهال، بدء صوم الرسل.. 12: البار أنوفريوس المصري، بطرس الآثوسي. * 13: الشهيدة أكيلينا. *14: النبي أليشع، مثوديوس رئيس أساقفة القسطنطينية. *15:  النبي عاموص، البار إيرونيمس. * 16:تيخن أسقف أماثوس 
القداسة
 
قال الفيلسوف ديكارت (Descartes): "أنا أفكِّر إذاً أنا موجود" (Je pense donc je suis). في المسيحيَّة نقول: " أنا أُحِبُّ إذاً أنا موجود" (j’aime donc je suis)، هذا يُعطي معنًى لحياتي. أمّا بالنسبة لهدف الحياة في الكنيسة الأرثوذكسية فهو القداسة.
 
يقول الرَّبُّ يسوع في إنجيل يوحنا: "جئتُ لكي تكون لهم حياة ولكي تكون لهم أفضل" (يوحنا 10: 10). ويقول القدّيس سيرافيم ساروف: "هدف الحياة هو اقتناء الروح القدس". في يوم العنصرة نزل الروح القدس على التلاميذ بشكل ألسنة ناريَّة. هو نفسه ينزل علينا ويستقرّ فينا في سرّ المعموديّة. الروح القدس هو الذي يجعلنا نشترك في حياة الله، في قداسة الله القدّوس وحده.
ينادي الله شعبَه منذ القديم: "كونوا قدّيسين لأنِّي أنا قدُّوس" (أخبار 11: 45)، وأيضًا، في العهد الجديد: "كونوا أنتم أيضًا قدّيسين في تصرّفكم كلّه" (1 بطرس 1: 15-16). هذه القداسة تحقَّقَت بملئها في يسوع المسيح قدوس الله وحده.
*    *    *
كلُّ إنسان مدعوٌّ لكي يشارِكَ قداسةَ اللهِ بالنعمة الإلهيَّة. المشارَكَة تحصل، منذ اليوم، في القداس الإلهي الذي هو مملكة الآب والابن والروح القدس، وهي تذوُّقٌ مُسْبَق للملكوت السماوي "الآن وهنا"
 
*    *    *    القدّيس هو المفروز، المخصَّص لله. لذا، في سرّ المعموديّة يُقَصُّ من شعر المعمود علامةً على تكريسه لله. الحياة الإلهيَّة دخلَت فيَّ، في جسدي، في كياني كلّه. أصبحتُ واحداً مع كلّ القدِّيسين، عضواً كامِلاً في الكنيسة، في جسد المسيح. هذه كانت غايةُ تجسُّدِ ابن الله وآلامِه وموتِه وقيامتِه وصعودِه إلى السماء وإرسالِه الروح القدس
 
لكن كيف نتقدّس؟
بذورُ النِّعمةِ فينا، منذ المعموديّة، هي طاقةٌ كامِنَةٌ إلهيَّة، (Énergie divine en potentiel)،
فكيف تتحوّل إلى طاقة فاعلة (Énergie cinétique) في حياتنا؟ 
علينا، وبملء حرّيتنا، أن نتقبَّلها، أن نتبع طريقَ المسيح، مثالَه، أن نكون مأخوذين بمحبّته، متطلّعين إليه، متشبِّهين به، تابعين وصاياه. هذه كانت مسيرةُ القدّيسين الذين انفصلوا عن "روح العالم"، روح هذه الدنيا، وليس بالضرورة عن العالم. هذا هو المعنى الحقيقيّ للتوبة (Métanie- repentir) أي تغيير طريقة تفكيرنا، طريقة حياتنا، وليس فقط الندم على خطايانا
طريق القداسة أيّها الإخوة الأحبّاء تكون: 
1- بنَبْذِ روحِ العالم، أي الخطيئة التي أصبحت "موضة" في أيّامنا. نحن غير ملزَمين أن نتقبَّلَ كلّ ما يأتينا من وسائل الإعلام ومن الدعايات الفارِغة
 
2- هناك أماكن، أشخاص، عادات لا تتَّفِقُ مع معتقداتِنا، يقول الرسول بولس: "إنَّ المعاشَرات الرديئة تُفسِدُ الأخلاق الجيّدة" (1 كور 15: 33)
3- أن نتعلّم كيف نستخدم إيجابيّاً التكنولوجيا الحديثة
4- إحذروا من الفلتان الجنسيّ باحترام الشخص (personne) لا بإخضاع العلاقات للشهوة
 
أخيراً وليس آخِراً، القداسة غير الأخلاقيّات. المسيحيَّة ليست مجرَّدَ دين، وصايا وشرائع، هي نارُ محبّةٍ آكِلَة للرَّبّ وللآخَرين، تشتعِلُ في قلوبنا. هي تخطِّي النُّظُم الاجتماعيَّة دون إلغائها، هي السماء على الأرض
 
                       + أفرام
             مطرن طرابلس والكورة وتوابعهما
طروبارية القيامة     باللحن الثامن
 
إنحدَرْتَ من العلوّ يا متحنِّن، وقبلْتَ الدفنَ ذا الثلاثةِ الأيّام لكي تُعتقَنا من الآلام. فيا حياتَنا وقيامَتَنا، يا ربّ، المجد لك
طروباريّة أحد جميع القدّيسين         باللحن الرابع
 
أيها المسيح الإله، إنّ كنيستك إذ قد تزيّنت بدماءِ شهدائك الذين في كل العالم، كأنها ببرفيرةٍ وأرجوان. فهي بهم تهتف إليك صارخة: أرسل رأفتك لشعبك، وامنح السلام لكنيستك، ولنفوسنا الرحمة العظمى.
قنداق أحد جميع القدّيسين    باللحن الرابع
 
أيُّها الربُّ البارئُ كلَّ الخليقةِ ومُبدِعُها، لكَ تقرِّبُ المسكونةُ كبواكيرِ الطبيعة الشهداءَ اللابسِي اللاهوت. فبتوسُّلاتِهم احفظ كنيستكَ بسلامةٍ تامَّة، لأجلِ والدةِ الإله، أيُّها الجزيل الرحمة
الرسالة
عب 11: 33-40، 12: 1-2
 
عجيبٌ هو الله في قديسيه
في المجامع بارِكوا الله
 
يا إخوةُ، إنَّ القدِيسينَ أجمَعين بالإيمانِ قهَروا الممالِكَ وعمِلُوا البرَّ ونالُوا المواعِدَ وسدُّوا أفواهَ الأُسود وأطفأُوا حِدَّةَ النارِ ونجَوا من حدِّ السيف وتَقوَّوا من ضُعف، وصاروا أشِدَّاءَ في الحرب وكسَروا مُعسكراتِ الأجانب. وأخَذَت نساءٌ أمواتَهنَّ بالقِيامة. وعُذِّبَ آخرونَ بتوتيرِ الأعضاءِ والضربِ، ولم يقبَلوا بالنجاةِ ليحصُلُوا على قيامةٍ أفضل. وآخرونَ ذاقوا الهُزءَ والجَلدَ والقُيودَ أيضاً والسِجن. ورُجِموا ونُشروا وامتُحِنوا وماتوا بِحدّ السيف. وسَاحوا في جلودِ غنم ومَعْزٍ وهُمْ مُعوَزون مُضايَقَون مجَهودون، ولم يكنِ العالمُ مستحِقاً لهم. فكانوا تائِهينَ في البراري والجبالِ والمغاور وكهوفِ الأرض. فهؤلاء كلُّهم، مشهوداً لهم بالإيمانِ، لم ينالوا الموعِد. لأنَّ الله سبَقَ فنظَرَ لنا شيئاً أفضَل، أنْ لا يكملوا بدونِنا. فنحن أيضاً، إذا يُحدِقُ بنا مثلُ هذه السحابَةِ من الشهودِ، فلْنُلْقِ عنَّا كلَّ ثِقلٍ والخطيئةَ المحيطةَ بسهولةٍ بنا. ولْنسابِقْ بالصبرِ في الجِهاد الذي أمامنا، ناظِرِين إلى رئيسِ الإيمانِ ومكمّلهِ يسوع.
الإنجيل
متى 10: 32-33 و37 و19: 27-30(متى 1)
 
قال الربُّ لتلاميذِه: كلُّ مَنْ يعترفُ بي قدَّامَ الناسِ أعترفُ أنا بهِ قدَّامَ أبي الذي في السماوات. ومَن ينكرُني قدَّام الناس أنكرُهُ أنا قدَّامَ أبي الذي في السماوات. مَن أحبَّ أباً أو أماً أكثرَ مني فلا يستحقُّني. ومن أحبّ ابناً أو بنتاً أكثر مني فلا يستحقني. ومَن لا يأخذْ  صليبهُ ويتبعْني فلا يستحقَّني. فأجابَ بطرسُ وقال لهُ: هوذا نحنُ قد تركنا كلَّ شيءٍ وتبعناك فماذا يكونُ لنا؟ فقال لهم يسوع: الحقَّ أقولُ لكم، إنَّكم أنتمُ الذين تبعتموني في جيل التجديد، متى جلس ابنُ البشر على كرسيّ مجدِهِ، تجلِسون أنتم أيضاً على اثَنْي عَشَرَ كرسيًّا تَدينونَ أسباط إسرائيلَ الإثني عَشَرَ. وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخواتٍ أو أباً أو أمّاً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي يأخُذُ مِئَة ضِعْفٍ ويرثُ الحياة الأبدية. وكثيرون أوَّلون يكونون آخِرين وآخِرون يكونون أوَّلين
حول الرسالة
 
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم معلّقاً على المقطع الذي قرأناه من الرسالة إلى العبرانيين: "عجائب الإيمان اثنتان: من جهة ينتج إنجازات كبيرة ومن جهة أخرى ينشئ عذابات كبيرة لا يقدَّر حجمها". من هنا أنّ المؤمن لا يكتفي بالإنجازات بل يتوقّع أيضاً العذابات. وتحمّل العذاب بحد ذاته هو إنجاز كبير. ذَكَرَ الرسول بولس في المقطع الذي قرأناه العديد من القديسين الذين نعرفهم كما أورد صفات تنطبق على كثيرين ممن لا نعرف. هؤلاء جميعاً تقدّسوا لأنّهم قبلوا بالعذابات من أجل الإيمان واحتملوها ولم يكتفوا بقشور ولا تطلعوا إلى تحقيق الإنجازات. تسمير العينين على الإنجازات يزرع الخوف في الإنسان فيفقد القدرة على احتمال المشقات، لأنه يرى فيها ابتعاداً عمّا اعتبره هدفاً وإنجازاً. القديسون سعيهم هو إلى لقاء المسيح، لذا رأوا في الشهادة اقتراباً من هدفهم. فأين نحن اليوم من هذا؟ نسمع في العالم كله أخباراً عن اضطهاد المسيحيين، وخسارتهم "حقوقهم"، وتعرّضهم للضغوط، فبمَ نفكّر، جماعياً أو فردياً؟ نجرَّب كلّ يوم بأخبار ومشاهد ودعوات ودعايات وأفكار واحتياجات، إذا ما استجبنا لها تبعدنا عن الله. فعلى أيّ أساس نتعاطى معها؟
القراءة من الرسالة اليوم هي لكل مَن يسمع هذه الأخبار أو يحيا هذه التحدّيات. لكن، القديسون الذين عدّدهم الرسول بولس تغلّبوا على هذه التجارب، ومع هذا ليس لهم أن يكملوا من دوننا. ما معنى هذا الكلام؟ هؤلاء القديسون ينتظروننا حتّى يتكللوا. إنّهم ينتظروننا حتّى يقول لهم الربّ: "انظروا ما أزهرت أتعابكم فهؤلاء الذين كنتم لي شهوداً لديهم، قد تعلّموا منكم فصبروا كما صبرتم، واحتملوا مثلما احتملتم، لهذا سوف أكلّلهم كما كلّلتكم، فيكون فرحي بكم كاملاً ويكون فرحكم ببعضكم البعض كاملاً، لأنكم أحببتم بعضكم كما أنا أحببتكم"
 
هذه هي علاقتنا بالقديسين. إنهم هذه السحابة من الشهود الذين نتمثّل بهم حتى "نطرح كل ثقل والخطيئة المحيطة بنا بسهولة". هذا هو معنى شفاعة القديسين، أن نتمثّل بهم لنغلب الخطيئة. ليس القديسون محجّة لطلباتنا وحسْب، نرسمهم على حسب احتياجاتنا، ونخصص كل واحد منهم بموهبة، فهذا للمرض وذاك للثروة والآخر لراحة البال... القديسون هم المثال الذي نتبعه، الشمعة التي تسير أمامنا، الدليل المجرَّب الذي اختبر كل ما نختبره ونجح فيه. الشفاعة هي وجود هؤلاء القديسين محيطين بنا كالسحابة "لنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا"، على ما يرِد في القراءة من رسالة اليوم. علاقتنا بالقديسين هي في هذا التمثّل بهم والسير على طريقهم، لأنه طريق مجرَّب ومكفول أنّه يوصِل إلى الله
غسل الأرجل طريقنا إلى القيامة
 
عندما تتكلّم طقوسنا على فرح الآلام والصليب، فهي تعني ما تقول. والصليب هو هذه القمّة التي تعبّر في الوقت نفسه عن موت الخطيئة وعن قيامة الإنسان الجديد. لذلك فلا عجب في أن ننهي الأسبوع العظيم بخدمتين ملؤهما الفرح أي رتبة "جنّاز المسيح" وخدمة "سبت النور". يسترعي انتباه من يتأمّل بطقوس هذا الأسبوع العظيم التوقف عند المحطتين الوحيدتين في الكتاب العزيز الذي يتمّ فيهما الكلام على غسل أرجل: غسل مريم لأرجل المسيح بالطيب، وغسل المخلّص لأرجل التلاميذ قبل التسليم
*   *   *   *   *
يتساءل المرء لماذا قال الرب إن مريم ستُذْكر حيثما كُرِز بهذا الإنجيل مِن جَرّاء ما فعلت؟ كان يسوع مدركًا أن جسده لن يحتاج للتطييب لأن البلى لن يتمكّن منه، فقال "إنما فعلت ذلك لدفني". لكن يستوقف المصلّي كيف كاتبة قطعة "المرأة الخاطئة"، التي نرتل في سحر الأربعاء العظيم، قد قرأت هذه الحادثة، واستبقى التقليد الليتورجي هذه القطعة لتأمّل المؤمنين. 
تذكر الرواية الكتابيّة أن حوّاء خافت من الرب في الفردوس لمّا سمعت وطء قدمَيْه فاختبأت وتستّرت لأنها اكتشفت عريها. وعت حوّاء أنها أخطأت عندما انساقت لكبريائها وأرادت أن تصبح كالآلهة بالاستغناء عن الله. فأصبح حضور الله في الفردوس موضوع قلق عندها، ووعي لمعطوبيتها اللحميّة. فتغرّب جسدها عنها وأرادت أن تختفي وراء سِتْر لم تكن بحاجة إليه من قبل. حوّل الكبرياء حوّاء، والجنس البشريّ من بعدها، من وضع الإلفة إلى وضع العداوة تجاه الله والذات
تسترجع هذه القطعة الليتورجيّة هذه الحادثة الكتابيّة بعمقها. مطلع القطعة يذكر أن "المرأة الخاطئة... لما شعرت بلاهوتك..."، أي أن المرأة لم تتحرّك في عملها هذا بسبب عاديّ، بل لأنها أدركت في لحظة ما أن هذا الحضور هو حضور إلهي. لكن، وبعكس حوّاء، لم تهرب، ولم تخف، ولم تستر. بل على العكس قبلت أن تنسحق أمام الحضرة الإلهية غير آبهة لما يمكن أن يقوله الآخرون، لأن تواضعها هذا، هو الموقف الذي يقابل كبرياء حوّاء الأولى.
وكما أن صوت قدمَي الرب في الفردوس أجزع حوّاء كان لا بدّ للمرأة في أن تصالح هاتين القدمين فأفاضت عليهما الطيب ونشّفتهما بشعرها، أي جعلت كل أنوثتها، مصدر كبريائها، عند قدمَي السيّد معلنة بذلك كيف يمكن للحبّ الإلهي الذي شعرت به أن يساعدها، من خلال التواضع، على رفض خطيئة حوّاء.
تواضع مقابل الكبرياء، انسحاق مقابل التستّر، إلفة مقابل الخوف. هذا ما أراد المقطع الإنجيلي أن يسلّط الضوء عليه، وما أراد الرب يسوع أن يبقى في ذاكرة المؤمنين لمدى الدهور، وما سكبته الأم الكاتبة في هذه الأسطر القليلة.
*   *   *   *   *
أما المقطع الثاني فهو غسل المسيح لأرجل التلاميذ. لا تستوقفنا عامّةً هذه الحادثة رغم أهميتها ورغم أهميّة التعليم المباشر الناتج عنها والذي عبّر عنه السيّد قائلاً :"من أراد أن يكون فيكم أولاً، فليكن للكل خادمًا". أجل، يركز الطقس الشرقي في يوم الخميس العظيم على اللص الشكور، وتوبته وعلى العشاء السرّي الذي هو في أساس سرّ الشكر.
لكن، هنا أيضًا، لا بدّ من أن نرى البُعْد الآخر لهذه الواقعة ألا وهو عمليّة تواضع الكلمة المتجسّد. الشخص الذي يقوم بهذا العمل ليس أوّلاً فقط، وليس معلّمًا فقط. إنه بالنسبة لنا المؤمنين (أكثر مما كان يعيه الرسل في حينه) الله نفسه الذي ينسحق أمام الإنسان كي يعي هذا الأخير ضخامة الخطيئة التي ارتكبها في الفردوس عندما أراد أن يستغني عن الله: هذه خطيئة ليس بحقّ الله فحسب بل بحقّ الإنسان نفسه أيضًا. كان لا بد لآدم الجديد أن يقدّم المثل لما سيكون عليه "العهد الجديد" أي عهد المحبة، والتواضع، والتمثّل بالله
لا بدّ لنا أيضًا من التأمّل بمَوْضعة هذه الحادثة في الرواية الإنجيليّة: أي قبل التسليم، والصلب، فالقيامة، أي قبل إتمام عمليّة الفداء. رأى الرب بحكمته اللامتناهية أن لا يفارق التلاميذ إلا وقد عبّر أمامهم عن أساس سلوكيتهم في العالم حتى لا يكونوا دنيويي السلوك. فكان غسل الأرجل إعلان البدء بنسق جديد من التعامل، نسق يختلف جذريًا عن ما سلك عليه الإنسان في الفردوس وأدّى إلى سقوطه
 
*   *   *   *   *
 
لذلك وضع هاتين الحادثتين مباشرة قبل استذكار الآلام والصلب والقيامة في الطقوس هو تذكير للمؤمنين بمفاعيل القيامة وتأكيد على ما يجعل القيامة حيّة فينا. نحن نشارك الرب بقيامته ونجعلها ظاهرة للعيان في العالم، متى استوعبنا بالفعل وليس بالكلام أن طريق الجلجلة تبدأ بغسل الأرجل، وبالاعتراف بالمحبة كعنوان للألوهة المتَرْجَمة حياة، وبأن القيامة حاصلة لا محال متى قبلنا مثل المرأة الخاطئة أن نكون دومًا عند أرجل الرب والأخوة في عملية انسحاق مستمرّة، فنستحقّ الفرح الذي لا يُنْزع منا