استجابة وعدم استجابة
استجابة وعدم استجابة[1]
 
        سأل أحدهم شيخًا مختبِرًا: لماذا لا يسمع الله لصلاتي؟ فأجاب الشيخ: هناك قاعدة ثابتة تقول لكي يسمعك الله عليك أن تسمع أنت أيضًا له، أي أن تطيعه، وإلّا كيف ترجو أن يسمعك؟ سل نفسك من غير مراوغة: هل تطيع الله حقًّا؟ إن كنت تطيعه، سيستجيبك من دون شكّ. معظمنا لا نطيع الله، ولذلك صار الشقاء عنوان حياتنا، شقاء يضنينا ويكدّر لنا يوميّاتنا. أتعلم، يا بنيّ، إنّ عدم طاعتنا للكنيسة والشريعة الإلهيّة والإنجيل المقدّس يتساوى مع عدم إيماننا وازدرائنا بأقوال الله والسخرية منه، مع العلم بأنّه الشخص الوحيد الذي لا يُهزَأ به والكائن الوحيد الذي لا يُسخَر منه.2-(1).jpg

        الربّ طويل الأناة، ينتظر ويتمهّل ويصبر، ولكن عندما لا ننفكّ من ارتكاب الخطايا، مصلّبين رقابنا وعاصين وصاياه، فما هي النتيجة الحتميّة، يا ترى، التي تنتظرنا؟ طبعًا من البديهيّ القول إنّها النار التي لا بدّ من أن تحرقنا وإلى الأبد إن لم نتب. وبالحقيقة، ماذا يجد الله فينا من الصلاح لكي يستمع لنا؟ ورغم ذلك يؤمّن لنا ضروريّاتنا؛ أو ماذا يجد فينا من صلاح لكي يحرّرنا من شقائنا ويشفي أمراضنا المستعصية؟ ومع ذلك لا يفتر من افتقادنا؛ وماذا يجد فينا من صلاح لكي يقينا الأخطار المحيقة بنا، أو من الجفاف الذي ييبّس مزروعاتنا؟ ومع ذلك يوفّر لنا الوسائل اللّازمة لحمايتنا؛ وماذا يجد الربّ في أعماق كلّ فرد منّا، أو في عائلاتنا أو في المجتمع أو في الكنيسة ذاتها؟ لا أحد، يا ولدي، يسير سيرًا مستقيمًا، ولا أحد يطبّق بدقّة ما ورد في الإنجيل المقدّس من كلمات إلهيّة تفتح لنا الطريق إلى الملكوت العلويّ. الكلّ يسير في الطريق المعاكس، الكلّ يتبنّى كلّ ما يعصى الله ويضادّ شريعته، الكلّ يزدري تعاليم الكنيسة وقوانينها. ولذلك كثرت جراحاتنا الجسديّة والروحيّة، وبات الجوع والمرض والوباء والجفاف وغيرها وحتّى الموت نصيبنا، ثمّ نتساءل متعجّبين لماذا لا يسمعنا الله، ولماذا تحلّ بنا هذه الضربات والكوارث؟ لقد اعتلّت عيوننا، فعادت لا تبصر انحرافاتنا. لقد انسقمت نفوسنا، فعادت لا تدرك الصحّ من الخطأ!!

        شباب اليوم نصف عراة، لا يريدون أن يسمعوا شيئًا عن المسيح أو عن الكنيسة، لماذا؟ لأنّهما، بعرفهم، يشكّلان حاجزًا منيعًا إزاء حياتهم المادّيّة اللّاهية، وتوبيخًا مباشرًا لميولهم الجسدانيّة المنحرفة. وحتّى الأطفال لديهم شيء من الخوف، أو على الأقلّ الحذر، حيال الله، لماذا؟ لأسباب عدّة سوف أسوق لك بعضها:
 ** إمّا بسبب جهل الوالدين وانعدام علاقتهم الحيّة مع الله.
** أو لاستخفافهم بكلّ ما يمتّ إلى الدين بصلة، رافضين كلّ تعليم أو إرشاد يبني نفوس أطفالهم.
** وإمّا بسبب الجوّ المدرسيّ البعيد عن الإيمان.
لهذا، فعندما يكبر هؤلاء الأطفال يكبر معهم هذا الخوف فيبتعدون، تلقائيًّا، عن الطريق الروحيّ وعن الكنيسة بشكل عامّ، ويعتقدون بأنّه الطريق السويّ والمستقيم الذي يسير فيه عامّة الناس!!

وأمّا الرجال، فيدّعون المسيحيّة ويتعصّبون لها، فيما لا تسمع منهم سوى كلمات التجديف على الله وعلى تدبيره في كلّ ما يصادفهم، يتلفّظون بعبارات غير لائقة أصبحت لغة العصر المتداولة؛ تصرّفاتهم غير محتشمة صارت أساسًا لحياتهم يعيّرون كلّ من لا يجاريهم بها، وكأنّها غدت الأسلوب الطبيعيّ الواجب اتّباعه. يفضّلون رغد الحياة الجسدانيّة وصخب العالم وجمع الأموال، فتبدو لهم، عندئذ، الكنيسة أمرًا غير ضروريّ، بل جافًّا وغير مستحبّ، ثقيلًا على أرواحهم وقيدًا لحرّيّاتهم. وعلى هذا فهم يؤثرون صيد الأسماك أو الطيور، ويميلون إلى الاستجمام والرحلات على الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد لتأدية كلمة شكر لله على أنعم به عليهم في الأسبوع المنصرم، وطلب بركته للأسبوع القادم.

ثمّ، ماذا نقول عن الأمّهات المهملات لبيوتهنّ وتربية أطفالهنّ، جانحات نحو اللهو، يتّخذن من الحجج والتبريرات التي لا عدد لها غطاء لكسلهنّ وهذرهنّ وانحرافهنّ، حتّى الزنى بات في عرف بعضهنّ أمرًا مشرّعًا عاديًّا!! ولن نغفل عن ذكر الشيوخ ذوي اللّحى الطويلة، الذين يقضون أوقاتهم في المقاهي والقمار غير مبالين بمصيرهم الأبديّ، لا يفطنون إلى أين ستفضي بهم هذه اللّامبالاة؟ وإن وجّهت لهم تنبيهًا يفيد خلاصهم، يهزّون الرأس ساخرين مستهزئين!!

        وعلى هذا، فقد فقد هؤلاء جميعًا الختم المسيحيّ الذي خُتموا به يوم المعموديّة. لقد اختفى خوف الله من النفوس، فتحوّلت قاسية صلبة خفت فيها الحسّ بوجود الله كأب حاضن لا ينفكّ يخاطبهم: "عودوا إليّ .لا تقلقوا ولا تهتمّوا أنا هنا، أنا معكم كلّ الأيّام وإلى منتهى الدهر. فقط أنتظر رجوعكم". لا يتركهم الربّ يتامى منه، إنّما يسهر عليهم ويوفّر لهم السبل المختلفة لخلاصهم ولو لم يعوها ولم يدركوها.

        أين النقاوة؟ أين البتوليّة؟ أين التعقّل والحكمة والحشمة؟ أين الإمساك وضبط النفس؟ أين الصوم والصلاة؟ أين قدسيّة الزواج والحفاظ على نقاوته ووقاره؟ أين التوبة والاعتراف؟ أين الالتزام بالكنيسة وتناول القدسات الإلهيّة؟ أين احترام الإكليروس؟ أين..أين..؟ فهل لنا، بعد ذلك، أن نتساءل ونتعجّب لماذا لا يسمع الله لنا؟ هل نستحقّ رحمته وعنايته؟ هل نحن أبناء حقيقيّون له لكي يشفينا من أمراضنا ويبعد عنّا الأوبئة؟ هل نهتمّ بما له من حقوق لكي يمنّ علينا وعلى عالمه بالسلام؟
        نعم، إنّه لا يسمع صلاتنا ولا يصغي لتوسّلاتنا ليس لأنّه غير محبّ ولا رحوم، فمحبّته العظمى أوصلته إلى الصلب من أجلنا، ورحمته لا تقاس ولا حدود لها يفيضها بسخاء على أولاده الأوفياء، بل يشرق شمسه على الأخيار والأشرار، إنّما نحن الذين رسمنا طريقنا بيدنا وها نحن نحصد ما زرعناه، فانطبق علينا قول سليمان الحكيم: "إلى متى أيّها الجهّال تحبّون الجهل والمستهزئون يسرّون بالاستهزاء والحمقى يبغضون العلم. ارجعوا عند توبيخي. هاأنذا أفيض لكم روحي. أعلّمكم كلماتي. لأنّي دعوت فأبيتم ومددت يدي وليس من يبالي. بل رفضتم مشورتي ولم ترضوا توبيخي... إذا جاء خوفكم كعاصفة وأتت بليّتكم كالزوبعة، إذا جاءت عليكم شدّة وضيق حينئذ تدعونني فلا أستجيب. تبكّرون إليّ فلا تجدونني لأنّكم أبغضتم العلم ولم تختاروا مخافة الربّ... رذلتم توبيخي. فلذلك تأكلون من ثمر طريقكم لأنّ ارتداد الحمقى يقتلهم وراحة الجهّال تبيدهم. أمّا المستمع لي فيسكن آمنًا ويستريح من خوف الشرّ (أمثال: 1: 22-33).
 
 
[1] عن اليونانيّة من مجلّة: vOrqo.doxoj Filiqeo.j Marturi.a) Periodikh. :ekdosij pneumatikh/j oivkodomh/j) 1992