أيّها الوالدون، هل تفكّرون بأولادكم؟
[1]
قد يبدو هذا السؤال، للوهلة الأولى، غريبًا، فهل من المعقول ألّا يفكّر الأهل بأولادهم؟!!
من المؤكّد أنّ الجميع يعتنون بفلذات أكبادهم ويسهرون عليهم. لذا، فالسؤال كان ينبغي أن يُطرح على الشكل التالي:
كيف يجب أن يهتمّ الأهل بأولادهم؟
هل يعتنون بهم لمجرّد أنّ لهم وجودًا بيولوجيًّا، أو يعتنون، بالإضافة إلى هذا، بكيانهم النفسيّ؟
هل يعتبرونهم أولادهم الأخصّاء، أم إنّهم أولاد الله، أيضًا، أيقونة الله؟
أيّها الآباء، أولادكم هم أولاد الله. إنّهم خاصّته، ثمّ بعد ذلك أولادكم. لقد استأمنكم الله عليهم طيلة العمر الذي يسمح لهم بأن يتمتّعوا به.
هذه الحقيقة تبيّن لنا مدى جسامة المسؤوليّة الملقاة على عاتقكم تجاه أولاد الله، فأنشئوهم، إذًا، بخوف ورعدة، لأنّكم سوف تؤدّون الحساب عنهم أمام عرش العليّ.
يشير الرسول بولس إلى هذه الحقيقة في رسالته إلى أهل أفسس، حيث يقول: "وأنتم أيّها الآباء فلا تحنقوا بنيكم بل ربّوهم بأدب الربّ وموعظته" (أفسس 6: 4). أنشئوهم على معرفة الله وحكمته كما أنشأت القدّيسَ الرسول تيموثاوس أمُّه وجدّتُه: "فإنّك منذ الطفوليّة تعرف الكتب المقدّسة القادرة أن تصيّرك حكيمُا للخلاص بالإيمان بالمسيح يسوع" (2تيموثاوس 3: 15). فقط الكتاب المقدّس يستطيع أن ينقل الحكمة الحقيقيّة للمرء ويقوده إلى الفضيلة والصلاح. فقط كلمة الله ترشده إلى خلاص نفسه.
لا تكونوا ضعفاء أمام بنيكم، وبكلام آخر لا تغالوا بمحبّتهم كمن يفضلهم على محبّة المسيح. فالأب يصبح وثنيًّا عندما يقول: "إن انتقل ولدي عن هذه الحياة سوف أقتل نفسي"؛ أو إن نصح كاهن أحد الآباء بألّا يحبّ ولده أكثر من المسيح، يعترض بطريقة تثير الاستغراب حقًّا، إذ يأخذ أصبع ولده بين يديه ويقول للكاهن: "أترى هذه الإصبع، أيّها الأب، لا ثمن للمسيح أمامه ولا يساوي ما يساويه ظفره".
حقًّا جواب مثير، بل وأحمق، لمن يدّعي المسيحيّة!!
أيّها الآباء، أحبّوا المسيح أوّلًا ثمّ أولادكم، المحبّة العظمى تقدَّم للمسيح ثمّ للبنين، وإن فعلتم العكس لا تكونون أهلًا لأن تدعوا أبناء الله القائل: "من أحبّ ابنًا أو بنتًا أكثر منّي فلن يستحقّني" (متّى 10: 37).
التراخي أمام الأولاد لا يجدي نفعًا لهم ولكم. لقد صار أحد الأولاد ضحيّة حبّ والده الفائق، فكتب له يومًا: "إنّي أشكو منك، يا أبي، فكلّ مرّة أطلب منك مالًا ترسله إليّ للحال".
المحبّة الزائدة للولد تؤدّي، دائمًا، إلى انحرافه، وغالبًا ما يمرمر أمثال هؤلاء والديهم عندما يكبرون بحياتهم الانفلاشيّة المستهترة.
أيّها الوالدون كونوا مثالًا لأولادكم، فركبكم هي المقاعد الأولى التي يرتاحون إليها، وعيونكم هي الألواح الأولى التي يقرأون فيها تعابيركم، فكلّ ما يقرأونه سوف يعيشونه، لأنّ حياتكم مطبوعة في نفوسهم، فكما هي حياتكم ستكون حياتهم كذلك سواء جاءت صالحة أم طالحة.
اسمعوا ما قاله أحد الأولاد لأمّه التي تعلّمه الصلاة: "أمّي، متّى سأكبر وأعود لا أصلّي نظير أبي؟"، فمَثَل الأب السيّئ أثّر في نفس الصبيّ أكثر من صلاة أمّه!!
إذًا، المطلوب المَثَل أوّلًا، ثمّ النصائح؛ والأجدر أن يكون الكلام مطعَّمًا بأقوال الكتاب المقدّس وقصصه ليأتي بفائدة أكبر، لأنّ الكلام الإلهيّ هو وحده الذي يملّح الحياة بطعم السعادة والحلاوة.
تنبّهوا إلى المعلّمين الذين يتلقّى ولدكم العلم عن أيديهم. المعلّم الأوّل هو أنتم، فلقّنوهم العبادة الحسنة كحجر أساس لبناء حياتهم المستقبليّة، ثمّ يأتي بعد ذلك دور المعلّمين في المرتبة الثانية. ليس كلّ المعلّمين صالحين، فهناك الملحدون وغير المؤمنين الذي يسيئون إلى الأولاد بزرعهم النغل والأفكار المضادّة للدين وللعبادة المسيحيّة، أفكار ضدّ الكنيسة وآبائها وكهنتها، أفكار مادّيّة تلغي كلّ ما هو روحيّ سامٍ. يقنعونهم بأنّ الإنسان ليس خليقة الله، إنّما هو من سلالة القردة، أو إنّ الإنسان هو جسد، فقط، ولا اعتبار للروح.
فتداركوا الأمر، أيّها الآباء، قبل فوات الأوان، فقد تتسبّب لامبالاتكم بجرائم قتل تطال أولادكم قبل غيرهم.
هل تساءلتم من يعاشر أولادكم؟
"فالعشرة الرديئة تفسد الأخلاق السليمة" (1كورونثوس 15: 33). فتّشوا وتقصّوا باستمرار من هم رفقاؤهم، مؤكّدين لهم خطر الرفقة السيّئة المحدق بهم. وإن صدف وانجذبوا نحو الخطيئة والحياة اللّاهية، فلا تقسوا عليهم، إنّما احضنوهم بحنان ولطف كما احتضن الآب الابن الشاطر، فمحبّة كهذه تؤثّر بهم أيّما تأثير.
هاكم هذه القصّة: "اعتاد أحد الشباب المراهقين أن يعود إلى المنزل في الساعات الأولى من الصباح بعد أن يقضي ليلته مع أصحابه في هرج ومرج. فماذا كانت تفعل أمّه؟
كانت تجلس تنتظره باكية. وعندما كان الفتى يعود، كان يرى أمّه على هذه الحال صامتة باكية لا توجّه له أيّة ملامة أو نصيحة أو حتّى نظرة عتاب.
ولكنّ هذا البكاء الصامت قام بدور فعّال في عودة الابن إلى أحضانها. ففي أحد الأيّام لم يعد الشابّ يحتمل منظر أمّه، فسقط عند قدميها باكيًا. بكت الأمّ، وبكى الفتى! لقد أزفت ساعة العودة. ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا الفتى شخصًا آخر وتغيّرت حياته جذريًّا.
انتبهوا، أيّها الوالدون، إلى الكتب التي يقرأها أبناؤكم، إلى المشاهد التي يرونها، إلى وسائل الاتّصال الحديثة التي يستعملونها، فمن النافل القول أنّها مليئة بالأزهار الفوّاحة، ولكنّها محشوّة، أيضًا، بالأشواك الحادّة التي تخز نفوسهم الطريئة البريئة وتدميها. على كلّ حال، يبقى الكتاب المقدّس خير كتاب يغرفون منه الحكمة وطريقة الحياة الصحيحة والحرّيّة الحقيقيّة.
احتفلوا معهم بعيد ميلادهم الروحيّ، يوم اعتمادهم، يوم صاروا أعضاء في كنيسة المسيح، بل أبناء الله الأحبّاء. لا يكفي الاحتفال بعيد الميلاد الزمنيّ وهداياه وأغانيه وصخبه، فهذا لا يغنيهم داخليًّا؛ فيما الاحتفال بالميلاد الثاني يغذّي نفوسهم، ويعطي العيد معنى يختلف كلّيًّا يعجز عن إعطائه العيد الأوّل. لا أطلب إلغاء الاحتفال بالميلاد الزمنيّ ولا الابتهاج به، إنّما يجب أن يعي الطفل بأنّ له ميلادًا آخر أهمّ وأسمى، ميلادًا يجعله وارثًا لملكوت السموات؛ ميلادًا يؤهّله للقداسة والحياة مع القدّيسين.
ألا قوّاكم الله وأيّدكم لإتمام مسؤوليّتكم بالطريقة التي ترضي الله وتحمي أولادكم.