الصوم مسيرة مشتركة للمثلَّث الرحمات المطران بولس بندلي

الصوم مسيرة مشتركة للمثلَّث الرحمات المطران بولس بندلي
 في 14/3/2022

    قد ولجنا بنعمة الله فترة الصوم وها نحن "معًا" نتبع المسيرة الخلاصيّة - لسنا منفردين، نحن لا نصوم أحدنا كأنّه يصوم وحده، إنّه يصوم مع الجماعة المتّجهة نحو إلهنا المصلوب من أجلنا، إنّه يصوم وهو يحمل الآخرين في وجدانه – إنّه يسعى إلى السيّد لكي يشاركه في آلامه ويدخل نور قيامته ولكنّه لا يستطيع ذلك إذا نسي إخوته أو أهملهم، فبصليب مشاركة الأخوة آلامهم وبصليب يحمله مع الأخوة وبسبب الأخوة يستطيع أن يتعرّف "حقيقة" على صليب الربّ يسوع الذي يعطيه حينئذ الغلبة الحقيقيّة الثابتة إلى الأبد.

g-copy.jpg    إنّ فيليبس الذي كان يفتّش "مع" صديقه نثنائيل عن المسيح الذي كتبت عنه الكتب المقدّسة، عندما وجده لم يتبعه لوحده منفردًا، فكّر فورًا بمن كان يسعى معه إلى السيّد، نسي لحظة نفسه لكي  يسعى إلى "أخ" له من غير أمّه وأبيه، يسعى إليه ليُعلمه بفرح بالكنز الثمين الذي وجده – قابله صديقه "ببرودة" كانت قادرة أن تثني عزمه، فألحّ عليه لأنّه لم يتصوّر أنّه قادر أن يتبع "لوحده" من كان هدف مسعاهما "المشترك" نحوه عبر الكلمة الإلهيّة – فألحّ عليه وأتى به إلى ذاك الذي كشف لمن كان يشكّك به أنّه يعرفه "قبل" أن يدعوه صديقه الحبيب، فتحقّق حينئذ ما ابتغاه فيليبس بملء جوارحه أنّه "مع" صديقه تبع السيّد.

    قيمة صومنا تتضاعقف بانتصابنا معًا، نصوم معًا، نصلّي معًا. الله سيّد صومنا والاتّحاد به غاية صومنا، فليؤهّلنا أن ننقّي قلوبنا من كلّ أدران الخطيئة، فليؤهّلنا أن نجاهد جهادًا حسنًا لكي نهدم الحواجز التي تفصلنا عن بعضنا البعض. جهادنا هذا جهاد متعب مضني من الناحية البشريّة، كثيرًا ما سنشعر بقوى الشرّ تجرّبنا وتسعى لتفصلنا عن بعضنا البعض، ولكنت ثقتنا كبيرة بمن مات لكي "يجمع أبناء الله المتفرّقين إلى واحد". هو يساعدنا في إماتة أهوائنا ويقوّينا لكي نظهر غالبين لظلمة البغضاء والتفرقة فنصل معًا إلى نور القيامة.

    يلفت الربّ يسوع انتباهنا في إنجيله المقدَّس إلى أمور عديدة تكون أسسًا ثابتة لصومنا الأربعينيّ إذا أردناه صومًا حقيقيًّا، وإذا ابتغنياه مقدَّسًا حقيقة منها: المسامحة. فالربّ لا يخفي علينا صعبة العلاقة مع الآخرين، علاقة تصل، أحيانًا، إلى حدّ المعاناة الدائمة، ومع ذلك يلحّ علينا أن نتأمّل في غفرانه لذنوبنا الكثيرة، فنأخذ من الجراح التي تحمّلها من أجل معاصينا قوّة لكي نترك باسمه لمن جرحنا، ونهتف إلى الآب السماويّ كما علّمنا الابن الإلهيّ: "واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه" ولو اضطررنا لأن نكرّر هذه المسامحة سبعين في سبعة أي باستمرار لا يعرف التواني كما استمرّ هو في عمله الخلاصيّ وشرب كأس آلامه بتمامها. فإذا ما "نظرنا إليه" تأتينا من لدنه قوّة تفوق قوى هذه الأرض وتمكّننا من أن نقوم بالمسامحة التي يعلن العالم أنّها "مستحيلة"، فيجيبنا الإله الصملوب محبّة بنا: "ما هو غير مستطاع عند الناس مستطاع عند الله"، وكأنّه يوجّه لنا كلامه العذب: "لا تخقف، أنا قد غلبت العالم بصليب ظنّه العالم أنّه غاية في الضعف. ولكنّ ضعفي، أنا الله، أقوى من الناس، فثابر في طريقي، واغفر من أجلي أنا الذي أعطيك إكليل ظفر غير مصنوع بأيد وأهبك قوّة الغلبة والانتصار.