الطلب المرضيّ للمحبّة للأب سمعان كرايانبوليس [1]
إنّ صاحب هذه الحالة يطلب بشكل ملحّ وبشكل مَرَضيّ الإعجاب، يطلب المحبّة، يطلب الرضى، يطلب الدعم، يطلب الحماية. وهو يطلبها بشكل أنّها إن لم تتوفّر له، فإنّه ليس، فقط، يشعر بالقلق ولا يستطيع أن يهدأ، بل يشعر بأنّه ضائع ويغوص في العدم.
وقد يحاول في بعض المرّات بأنّ يتخلّص من هذا، ولكنّه حالما يشرع بذلك يشعر بأنّ شيئًا ما يختفي تحت قدميه، وإنّه يغرق في الخواء وسيتدمّر. ولكي لا يتدمّر يتمسّك بشكل أقوى وباندفاع أكبر بهذه الحالة المَرَضيّة وغير السويّة. واسمحوا لي القول، بأنّ مثل هذا الإنسان يكون شغله الشاغل وهمّه الأوحد ألّا يفقد إعجاب الآخرين، ألّا يفقد محبّتهم وحمايتهم ورضاهم.
ومن أجل كلّ ذلك يكون مستعدًّا لأن يقوم بأصعب الأعمال وأحقرها، التي تدفع الآخرين إلى إبداء دهشتهم واستغرابهم من قيامه بها. وطبعًا، فإنّه يقوم بكلّ هذا الأعمال لكي يحافظ ويضاعف في داخله أمرًا مَرَضيًّا، شيئًا غير سويّ على الصعيد النفسيّ والروحيّ، شيئًا لا يعجب الله بتاتًا.
وعلينا هنا أن نشير إلى أمر أيضًا: بقدر ما يشعر مثل هذا الإنسان في أعماقه بحاجته إلى المحبّة، للمحبّة المرضيّة، بحاجته لرضى الآخرين عليه، بقدر ما يفكّر في إشباعها، فيركض ليقدّم خدماته، ويقدّم نفسه كعامل خادم ولكن بطريقة مَرَضيّة. ولا تستغربوا أبدًا إن قلت لكم بأنّ مثل هذا الإنسان يكون الأكثر استعدادًا لأن يركض من شخص إلى أخر يكون بحاجة للمساعدة، وقد يفعل ذلك ليس نهارًا، فقط، بل وليلًا أيضًا، وبالتأكيد ليس بدافع محبّة حقيقيّة. والدليل على ذلك أنّ الأعمال التي يقوم بها، والتي تظهر بأنّها تفوح بالقداسة وأنّها أعمال إنسان قدّيس، إلّا أنّ هذا الإنسان الذي يضع نفسه ليلًا ونهارًا في كلّ هذه الخدمات، فإنّه لا يفوح بأيّة قداسة إذ ينقصه شيء أساسيّ. إنّه يفعل كلّ ذلك لكي لا يخسر من أيّ شخص كلمة "برافو"، وهو لا يسعى إلى كلمة "برافو" ككلمة، فقط، بل هدفه أن يبدي الآخر بكلّ ما للكلمة من معنى أنّه مسرور منه ومرتاح نحوه وراضٍ عنه وأن يحبّه ويحميه.
وقد يبدو للناظر إلى أعمال أشخاص كهولاء بأنّهم يعملون، فقط، من أجل مصلحة الآخرين، ناكرين أنفسهم وكلّ مصلحة لهم، مضحّين من أجل راحة الآخر. ولكنّهم في العمق لا يفعلون شيئًا سوى خدمة هذا الميل المَرَضيّ الذي لديهم، أي ألّا يخسروا هذه المحبّة التي يتوقّعونها من جهة ما. إذ بما أنّهم وجدوها، فإنّهم يتمسّكون بها، وانطلاقًا من ذلك يكونون مستعدّين لأن يذوبوا وينحلّوا في خدمتهم لهذا الآخر الذي حصلوا منه على المحبّة، كما أنّهم يكونون متأهّبين ليقضوا على أنفسهم ولكن شرط ألّا يخسروا هذه الراحة والخبرة المَرَضيّتان.
إنّ كلّ ما قلته لكم عن هؤلاء الأشخاص هو حقيقة وأنا أؤمن به وأؤكّده، ليس، فقط، أنّ التحليل النفسيّ ساعدني لكي أفهم ذلك وأصدّقه، ولكن لأنّي لمسته شخصيًّا لمس اليد عند بعض الأشخاص. فقد ترى إنسانًا غارقًا في عَرَقه، ودائمًا جاهز ليعرق في خدمته للآخرين، ولكنّك، من جهة أخرى، لا تستطيع أن تلاحظ لديه ولا حتّى نقطة واحدة من النعمة داخل نفسه، ولا أن تلاحظ ولو قليلًا وجود الله داخله. فهو يغرق في بحر عرقه راكضًا في كلّ اتّجاه، ولكنّك تشعر بأنّ كلّ هذا التعب الذي يبذله وكلّ هذه المحاولات تتمّ، فقط، من أجل الحفاظ على هذه الحالة المَرَضيّة لديه أي عدم خسرانه المحبّة التي يطلب والرفقة التي يبحث عنها. وما يدعم قولي هذا، خبرة آباء الكنيسة من شيوخ وآباء روحيّين ونسّاك وهدوئيّين فإنّهم كلّهم لا يعطون، أبدًا، أدنى أهمّيّة لمثل هذه الأعمال التي يرونها عند أبنائهم الروحيّين. وقد يبدو، للوهلة الأولى، أنّ تصرّفهم هذا يدلّ على قساوتهم وعدم إنسانيّتهم. ولكنّ تصرّفهم هذا في العمق ليس قاسيًا، أبدًا، لأنّهم يجاهدون لكي يحفظوا أبناءهم الروحيّين من هذه الحالات المَرَضيّة غير الروحيّة على الإطلاق، وليس لها أدنى علاقة بالحياة المسيحيّة الأصيلة والحقيقيّة.
وهكذا، انطلاقًا من كلّ ما قلناه، نستطيع أن نفهم، من جهة، لماذا لا نتقدّم روحيًّا رغم كلّ أتعابنا، ونعي، من جهة أخرى، كم من الأتعاب التي نبذلها تذهب هباء. وعليه، علينا ألّا نتردّد، ألّا نستصعب، ألّا نكسل في إلقاء نظرة إلى داخلنا لربّما نجد في العمق أمرًا لا يسير كما يجب. وأعني أن يفحص كلّ واحد منّا أعماله التي ربّما يقوم بها طالبًا "أن يجد نفسه" كما يقول الآباء. ومن المؤكّد أنّه سيجد نفسه وسيكتشف ما يهدّدها، لأنّ الإنسان عندما يطلب هذه المحبّة المَرَضيّة من الآخرين، فإنّه يطلب أن يريح أنانيّته وحبّه لذاته كما يعلّم الآباء، بمعنى أنّنا عندما نقوم بهذا أو بذلك العمل، طالبين ذاتنا في كلّ ما نعمله، فإنّنا لن نجدها، بل نعمل على تدميرها ونسيء، في الوقت نفسه، للآخرين. بينما عندما نقوم بهذا البحث وهذا الغوص داخلنا ونمسك بشيء ممّا قلناه وحاولنا فهمه واجتهدنا في القيام بما يلزم للتخلّص منه، فإنّ الله قادر على أن يحرّرنا من كلّ تعلّق وأن يقودنا إلى سواء السبيل، إلى المحبّة الحقيقيّة، إلى الخلاص.
[1] الأب الروحيّ السابق للدير النسائيّ ميلاد العذراء/بانورما- سالونيك. رقد في العام 2015. من كتاب هل تعرف نفسك: Gnwri.zeij to.n e`auto. sou; $B .%