لماذا الحسد خطير جدًّا؟ وكيف تهزمه؟ لقدس الأب أندريه غافريلنكو
لماذا الحسد خطير جدًّا؟ وكيف تهزمه؟ لقدس الأب أندريه غافريلنكو

كلّ ما تنصّ عليه الوصيّة العاشرة "لا تشتهِ" يصبح موضوعًا للشهوة، والشهوة تلد الحسد. نحن ننظر إلى هذه الرذيلة وكأنّها بعيدة منّا، فيما لا يخلو منها، بالحقيقة، إنسان أو حتّى حيوان. الكلمة الأساس للحسد المتجذّرة في قلب الحسود هي "قليل". أيملك مالًا؟ ولكنّه "قليل" لا يكفي. ألديه مسكن؟ أيضًا إنّه "قليل" لا يتّسع له. أيتمتّع بالأصدقاء؟ ولكنّهم "قلّة" يطلب المزيد. أيشعر بالفرح؟ أيضًا إنّه فرح "قليل" لا يروي، هكذا... يدور المرء في حلقة مفرغة مستمرّة لا نهاية لها بقوله "أريد المزيد".1.jpg

يتفاقم الحسد في عصر الإعلانات المسيطرة إذ يطغينا عندما نتبيّن مقدار ما يملكه معارفنا من وسائل التكنولوجيا وأجهزتها. وأمّا التسويق، فهو ليس محرِّكًا للتجارة، وحسب، وإنّما هو بذرة الحسد، أيضًا، فواجهات المتاجر وما تعرضه تجعل آليّات الدفاع لدى الناس تنهار وقد فقدوا القوّة على مقاومتها.  

يلد الحسدُ الإدانةَ والغرورَ ويصادق اليأسَ والحزن. شهوة الحسد خطيئة خبيثة وقرحة الروح وأُمّ الرذائل. تضرب الازدهار وتشوّش الحياة الهادئة. تفقد الإنسانَ فرحه وتعذّبه وتستنفد قواه النفسيّة بسمّها الفتّاك، فلا يعود يهتمّ بخلاص نفسه، إنّما، فقط، بمضاعفة ثروته، لذا يصبح قول الرسول "وأمّا التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة" (1تيموثاوس 6:6) بعيدًا عن ذاكرته.

كما يأكل الصدأ الحديد هكذا يأكل الحسد أصحابه، فيشلّ همّتهم للقيام بأعمالهم، موجّهًا كلّ انتباههم إلى ما يحقّقه الآخرون. حقًّا، طوبى لمن يحيا وفق الوصايا الإنجيليّة وهو سعيد قانع، إذ من الممكن أن يعيش المرء، ظاهريًا، بما يوصي به قانون الله، فيما يبقى غير راضٍ متذمّرًا. يقوم الجشع وحبّ المال بدور هامّ في جنوح القلب عن طريق الله، فالحسد من نجاح القريب المادّيّ أو الروحيّ لهو أكبر دليل على أن القلب بات يعبد المال وليس الله، وتكون الروح، عنئذ، قد مالت إلى الوثنيّة، ووقع القلب في أحد الأمراض الرهيبة. 

الحسد مصدر للعديد من التجارب والأفكار التجديفيّة المضلِّلة والتدنيسات الليليّة، ويصيب كلّ من يدين بسهولة وبسرور أقوال القريب وأفعاله وفضائله ويذمّها. الحسد يكره الخير، والمهزوم منه يبحث عن مكيدة تؤذي قريبه. يُظلم الحسد الوعي، فيصبح الحسود منافقًا مرائيًا، إذ كيف يمكنه أن يكون صادقًا مُخلصًا وهو يحسد الآخرين؟

لا يمكن للحسود، أبدًا، أن يفرح لنجاح الآخرين، لذلك فالحسد يلغي كرامتنا ويدوس وقارنا ويقلّل من مركزنا الحقيقيّ. يلد الحسد الفتنة والخصومة والشقاق، ويسلب السلام والطمأنينة والراحة والهدوء، ويجعل الحاسد يأتي بأمور حمقاء غبيّة.

جاء في اللافسايكون (Λαυσαική Ιστορία أي حياة القدّيسين) أنّ نفوس المتكبّرين والحسودين تشبه الينابيع التي تعيش فيها الثعابين، لأنّ عقولهم وأذهانهم غالبًا ما تكون راكدة كالماء النتن في المستنقع، لذلك يبتعد عنهم الآخرون لمرارة مزاجهم وسوء خلقهم ورائحة أفعالهم السيّئة. 

يكتب الأب دوروثيوس: "ليس الحسد في حدّ ذاته أمرًا ذا بال. من أسبابه حبُّ المجد: من فمن يسعى وراء المجد يحسد الممجَّد". ويجمع الآباء على القول بأنّ كلّ شهوة تولد من هؤلاء الثلاثة:

من حبّ المجد والمال والشهوانيّة، لذلك، علينا ليس، فقط، قطع دابر الشهوات، وإنّما أسبابها، أيضًا، ثمّ تطعيم أخلاقنا وأمزجتنا بالتوبة والبكاء، ومن ثمّ البدء في زرع البذور الجيّدة، والتي هي جوهر الأعمال الخيّرة، فأرض القلب ليست للأعشاب الضارّة ولكن للبذور الصالحة. هذا، وينصح القدّيسون بمجابهة الحسد بالفضيلة المعاكسة له، فالفرح لنجاح القريب وتقدّمه، مثلًا، يضادّ شهوة الحسد. قوّة الحسد توازي قوّة المحبّة، لذا، فالتغلّب عليه لا يتمّ إلّا عن طريقها. إفرح لفرح أخيك، والربّ لن يتركك. إنّ علل القلب وأمراضَه تُعالَج بالمحبّة، فقسْ، أيُّها المسيحيّ، كم لديك من المحبّة في قلبك.
   
[1] عن الموقع الروسيّ Provoslave. تعريب راهبات الدير عن الروسيّة. مقاطع من المقال.