الأحد 25 أيّار 2025
20 أيار 2025
الأحد 25 أيّار 2025
العدد 21
أحد الأعمى
اللحن الخامس، الإيوثينا الثامنة
أعياد الأسبوع:
25: وجود هامة السَّابق للمرّة الثالثة، 26: الرَّسول كَرْبُس أحد السَّبعين، يعقوب بن حلفى، 27: الشَّهيد في الكهنة ألاذيوس، يوحنَّا الروسيّ، 28: وداع الفصح، افتيشيوس أسقُف مالطية، أندراوس المتباله، 29: خميس الصعود الإلهيّ، الشَّهيدة ثاودوسيَّا، ألكسندروس رئيس أساقفة الإسكندريَّة، 30: البارّ إسحاقيوس رئيس دير الدلماتن، البارّة إيبوموني، 31: الشَّهيد هرميوس.
عَرَفاه عند كَسرِ الخُبز
حوادث كثيرةٌ حَصلت بعد القيامة، لم يَكُن فيها الربّ القائم من بين الأموات مَعروفًا من خاصَّته. مَريم ظنّت أنّه البُستانيّ (يوحنّا 20: 15)، وبطرُس والآخرون لم يَعرفوه عند البُحَيرة (يوحنّا 21: 4)، والرسل خافوا عندما دخل عليهم والأبواب مُغلقة (يوحنّا 20: 20)، واُمسِكَتْ أَعْيُن التِلميذَين عَنْ مَعرِفَتِه حين رافقهما في الطريق إلى عِمواس (لوقا 24: 16).
المسيح قام من بين الأموات بجسدٍ مُمَجَّد، غير خاضع للفساد والموت، ومعايَنته لن تكون بعد اليوم بالحواسّ والعقل، بل بالإيمان والمعرفة الشخصيّة. أليسَت هذه هي الحياة الأبديّة: "أن يَعرِفوك" (يوحنا 17: 3)، والتي تلمس وتُنير المستقيمي النُفوس، الباحثين عن الحقّ في الطريق نحو الحياة.
هؤلاء يَعلَمون ويؤمنون بوجود الله، لكنّهم لا يرون طريقًا عمليًّا للوصول إليه أو مُقاربته، إذ قد غفلت أعينهم عن رؤيته وإدراك أنّهم واقفون أمامه، "قد رَأوهُ والذي يَتكلَّم معهُم هوَ هوَ" (يوحنّا 9: 37)، بالتالي هم لا يسمعون صدى كلمات الكتاب المقدّس في حياتهم اليوميّة وأعمالهم.
"ألعلّكم أنتم أيضًا تُريدون أن تكونوا تلاميذ له؟" (يوحنّا 9: 27)، سؤال الأعمى منذ ولادته ليس موجّهًا فقط إلى الّذين كانوا حينها في المجمع يستفسرون عن كيف شُفي، بل أيضًا إلى إنسان اليوم الذي ضلّ بإيمانه عن الهدف الحقيقيّ، وضاع في رتابة الحياة ومتطلّباتها، واصطدم بمحدوديّته أمام صعوبة الخروج من المسَلّمات الدينيّة والمظاهر الليتورجيّة التي قد يُحوّلها ضعفه إلى صنميّة جميلة، وتُمسي بأهوائه باردة، أُطفِئَ فيها الروح المحيي.
على أبواب العَنصرة نحن مدعوّون لِنُعيد النظر في نوعيّة صِلَتنا بالناهض من بَين الأموات، باختيار كلمات صلاتنا ببساطة وصدق ووضوح، لنَسمَع منه كلمةً حيّةً تُلهِبُ القُلوب وتُعطي نفوسَنا صلابةً روحيّة، فتعرف باريها عند كسر خبز المحبّة.
طروباريَّة القيامة باللَّحن الخَامِس
لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة الـمُساوي للآبِ والرُّوح في الأزليَّة وعدمِ الابتداء، المولودِ من العذراء لخلاصِنا، لأنَّه سُرَّ بالجسد أن يَعْلُوَ على الصَّليبِ ويحتَمِلَ الموت، ويُنْهِضَ الموتى بقيامتِهِ المجيدة.
قنداق الفصح باللَّحن الثَّامِن
وَلَئِنْ كنتَ نزلتَ إلى قبرٍ يا من لا يموت، إلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أيُّها المسيحُ الإله. وللنِّسوةِ حاملاتِ الطِّيب قُلتَ افْرَحْنَ، ووهبتَ رُسُلَكَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعين القِيام.
الرسالة: 2 كو 4: 6-15
يفرح الصدّيق بالربّ
استمع يا الله لصوتي
يا إخوةُ، إنَّ الله الذي أمرَ أن يُشرقَ من ظُلمةٍ نُورٌ هو الذي أشرَقَ في قلوبنا لإنارةِ معرفَةِ مجدِ اللهِ في وجهِ يسوعَ المسيح. ولنا هذا الكنزُ في آنيةٍ خَزَفيَّةٍ ليكونَ فضلُ القوّةِ لله لا منَّا، مُتضايقينَ في كُلِّ شيء ولكن غيرَ مُنحصرين، ومُتحيَّرينَ ولكن غير آئسين، ومُضطهَدين ولكن غيرَ مَخذولين، ومَطروحين ولكن غيرَ هالِكين، حامِلين في الجسد كُلَّ حينٍ إماتةَ الربّ يسوع لتظهرَ حياةُ يسوعَ أيضًا في أجسادنا. لأنَّا نحنُ الأحياءَ نُسلَّمُ دائمًا إلى الموتِ من أجل يسوعَ لتظهرَ حياةُ المسيح أيضًا في أجسادِنا المائِتة. فالموتُ إذَنْ يجري فينا والحياةُ فيكم. فإذ فينا روحُ الإيمان بعيِنهِ على حَسَبِ ما كُتبَ إنّي آمنتُ ولذلك تكلَّمتُ، فنحنُ أيضًا نؤمِنُ ولذلك نتكلَّم، عالمين أنَّ الذي أقام الربَّ يسوعَ سيُقيمُنا نحن أيضًا بيسوع فننتصِبَ مَعَكم، لأنَّ كلَّ شيءٍ هو من أجلِكم لكي تتكاثَرَ النعمةُ بشُكر الأكثرين فتزدادَ لمجدِ الله.
الإنجيل: يو 9: 1-38
في ذلك الزَّمان، فيما يسوعُ مُجْتَازٌ رأى إنسانًا أَعْمى منذ مَوْلِدِه، فسألَهُ تلاميذُه قائِلين: يا رَبُّ، مَن أَخْطَأَ أهذا أَمْ أبواهُ حتَّى وُلِدَ أعمَى؟ أجاب يسوعُ: لا هذا أخطأَ ولا أبواه، لكن لتظهَرَ أعمالُ اللهِ فيه. ينبغي لي أنْ أعملَ أعمالَ الَّذي أرسلَنِي ما دامَ نهارٌ، يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دُمْتُ في العالَمِ فأنا نورُ العالَم. قالَ هذا وتَفَلَ على الأرض وصنع من تَفْلَتِهِ طِينًا وطَلى بالطّين عَيْنَيِ الأعمى وقال له: اذْهَبْ واغْتَسِلْ في بِرْكَةِ سِلْوَام (الَّذي تفسيرُهُ الـمُرْسَلُ)، فمضى واغْتَسَلَ وعَادَ بَصِيرًا. فالجيرانُ والَّذينَ كانوا يَرَوْنَهُ من قَبْلُ أنَّه أعمى قالوا: أليسَ هذا هو الَّذي كان يجلِسُ ويَسْتَعْطي؟ فقالَ بعضُهُم: هذا هو، وآخَرونَ قالوا: إنَّه يُشْبِهُهُ. وأمَّا هو فكان يقول: إِنّي أنا هو. فقالوا له: كيف ٱنْفَتَحَتْ عيناك؟ أجاب ذلك وقال: إنسانٌ يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيَّ وقال لي اذْهَبْ إلى بِرْكَةِ سِلْوامَ واغْتَسِلْ، فمضيتُ واغْتَسَلْتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أعلم. فأتَوا به، أي بالَّذي كان قبلًا أعمى، إلى الفَرِّيسيِّين. وكان حين صنعَ يسوعُ الطّينَ وفتح عينَيْهِ يوم سبت. فسأَلَهُ الفَرِّيسيُّون أيضًا كيف أَبْصَرَ، فقال لهم: جعلَ على عينَـيَّ طينًا ثمَّ اغتسَلْتُ فأنا الآن أُبْصِر. فقال قومٌ من الفَرِّيسيِّين: هذا الإنسانُ ليس من الله لأنَّه لا يحفَظُ السَّبت. آخَرون قالوا: كيف يقدِرُ إنسانٌ خاطِىءٌ أن يعملَ مثلَ هذه الآيات؟ فوقعَ بينهم شِقاقٌ. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنتَ عنه من حيثُ إِنَّه فتحَ عينَيْكَ؟ فقال: إِنَّه نبيٌّ. ولم يصدِّقِ اليهودُ عنه أنَّه كان أعمَى فأبصَرَ حتَّى دَعَوْا أَبَوَيِ الَّذي أبصرَ وسأَلُوهُما قائِلينَ: أهذا هو ابنُكُمَا الَّذي تقولان إنَّه وُلِدَ أَعْمَى، فكيف أبصرَ الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلمُ أنَّ هذا وَلَدُنا وأنَّه وُلِدَ أعمى، وأمَّا كيف أبصرَ الآن فلا نَعْلَمُ، أو مَنْ فتحَ عينَيْه فنحن لا نعلَمُ، هو كامِلُ السِّنِّ فاسْأَلُوهُ فهو يتكلَّمُ عن نفسه. قالَ أبواه هذا لأنَّهُمَا كانا يخافان من اليهود لأنَّ اليهودَ كانوا قد تعاهَدُوا أنَّهُ إِنِ اعتَرَفَ أحَدٌ بأنَّهُ المسيحُ يُخرَجُ من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامِلُ السِّنِّ فاسألوه. فدعَوا ثانِيَةً الإنسانَ الَّذي كان أعمى وقالوا له: أَعْطِ مجدًا لله فإنَّا نعلَمُ أنَّ هذا الانسانَ خاطِئ. فأجابَ ذلك وقال: أَخَاطِئٌ هو لا أعلم، إنَّما أعلم شيئًا واحِدًا، أَنّي كنتُ أعمى والآن أنا أُبْصِرُ. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينَيك؟ أجابهم: قد أَخْبَرْتُكُم فلم تسمَعُوا، فماذا تريدون أن تسمَعُوا أيضًا؟ أَلَعَلَّكُم أنتم أيضًا تريدونَ أن تصيروا له تلاميذَ؟ فَشَتَموهُ وقالوا له: أنتَ تلميذُ ذاك. وأمَّا نحن فإِنَّا تلاميذُ موسى، ونحن نعلم أنَّ اللهَ قد كلَّمَ موسى. فأمَّا هذا فلا نعلم مِن أين هو. أجابَ الرَّجلُ وقال لهم: إنَّ في هذا عَجَبًا أَنَّكُم ما تعلَمُونَ من أين هو وقد فتح عينَيَّ، ونحن نعلمُ أنَّ اللهَ لا يسمَعُ للخَطَأَة، ولكنْ إذا أَحَدٌ اتَّقَى اللهَ وعَمِلَ مشيئَتَهُ فله يستجيب. منذ الدَّهرِ لم يُسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا فتحَ عينَي مولودٍ أعمى. فلو لم يَكُنْ هذا من الله لم يَقْدِرْ أن يفعلَ شيئًا. أجابوه وقالوا له: إِنَّكَ في الخطايا قد وُلِدْتَ بجُملَتِكَ، أَفَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا؟ فأَخْرَجُوهُ خارِجًا. وسَمِعَ يسوعُ أَنَّهُم أَخْرَجوهُ خارِجًا، فَوَجَدَهُ وقال له: أَتُؤْمِنُ أَنْتَ بابْنِ الله؟ فأجابَ ذاك وقالَ: فَمَنْ هو يا سَيِّدُ لأُؤْمِنَ به؟ فقال له يسوعَ: قد رَأَيْتَهُ، والَّذي يتكلَّمُ معكَ هوَ هُو. فقال: قد آمَنْتُ يا رَبُّ وسَجَدَ له.
في الإنجيل
يُعلِنُ الرّبُّ يسوعُ المسيحُ نفسَه أنّه نورُ العالَم. ونرى في هذا النصّ من إنجيلِ يوحنّا أنّه واهِبُ النُّورِ لِلعُميان، عُميانِ البَصَر وَعُميانِ البصيرة.
يُعتَبَرُ فَتحُ عَينَي مَولُودٍ أعمى أُعجوبةً عظيمةً، لَم يَرِدْ ما يُماثِلُها لا في العهدِ القديم ولا الجديد. لذلك اعتبرَها الشُّرّاحُ مِن علاماتِ المسيّا المنتظَر، على حدّ تعبيرِ إشعيا النبيّ: "حينئذٍ تنفتحُ عيونُ العُمْيِ وآذانُ الصُّمِّ تتفتَّح" (إش ٣٥: ٥).
عندما شفى الرّبُّ الأعمى استخدمَ تُرابًا، لِيُشيرَ إلى أنّه الخالقُ الذي جَبَلَ الإنسانَ في البَدء، ثُمَّ طلبَ من الأعمى أن يغتسلَ، لِيُؤَكِّدَ الحاجةَ إلى مياهِ المعموديّة.
قساوةُ قلوبِ الشّعبِ والمسؤولين في ذلك الوقتِ ظهرَتْ في أنّهم لم يكترثوا للمعجزة وصانعِها العظيم، بل أتَوا بالأعمى الّذي شُفِيَ وراحوا يحقّقونَ معه كأنّه مُتَّهَمٌ بجريمة. كَسرُ وصيّةِ السّبتِ عندَهُم أهَمُّ مِن أعجوبةِ خَلْقِ عينَينِ لِمَولُودٍ أعمى. ولكنَّ الرّبَّ يسوعَ كان يصنعُ عجائبَ الشِّفاءِ عَمْدًا في أيّامِ السبوت، لكي يُعلِّمَ الشَّعبَ المفهومَ الحقيقيَّ لِلسَّبت. إنّه يومُ راحةٍ في الرَّبّ، نَعمَلُ فيه أعمالَ المحبّةِ والرّحمة. أمّا التفاسيرُ الحَرفِيّةُ الّتي وضعَها عُلَماءُ اليهود، فقد أَوقَعَتْهُم في فَهمٍ خاطئٍ لِلوَصيّة.
مِنَ الأُمورِ اللافتة في هذا النّصّ أنَّ اليهودَ حكَمُوا على الأعمى أنّه وُلِدَ في الخطيئة، وأنّ العمى هو عقابٌ على خطيئة. أمّا الرّبُّ يسوعُ فكانَ واضحًا في جوابِه على السّؤالِ: لا هذا أخطأَ ولا أَبَواهُ حتّى وُلِدَ أعمى. وحَوّلَّ أنظارَنا إلى تمجيدِ الله بِقَولِه: ولكنْ لِكي تَظهَرَ أعمالُ اللهِ فيه. اليَهودُ دانوهُ كَمَن سيَرِثُ الهَلاك، والرَّبُّ يسوعُ بحثَ عنهُ بعدما طردَهُ اليَهود، كما يَبحَثُ الرّاعي عن الخروفِ الضالّ. ولمّا وجدَهُ وأجرى معَهُ حِوارًا قصيرًا، انفتحَتْ أيضًا عينا بَصِيرَتِه، فآمَن بِيَسوعَ وسجدَ لَه.
نتعلّمُ من هذه الحادثةِ أنّ رَبَّنا المخلِّصَ لم يأتِ إلى هذا العالَمِ لِيَدينَ الإنسانَ بل لِيُخَلِّصَهُ. والّذِينَ لم يَعرِفوهُ عَرَّفَهُم بِنفسِه. إنّه الدَّواءُ والمُداوِي لِكُلِّ أمراضِنا، وبخاصّةٍ مَرَضُ الخطيئةِ المُهلِك. إنّه "المُرسَلُ" العظيمُ الّذي قبلَ أن يأتيَ إلَينا. كُنّا نقول: اللهُ سيقضي علينا لأنّنا عَجِزْنا عن تطبيقِ وصايا النّاموس. وبعدَ أن عَرَفناهُ ولمَسْنا محبَّتَهُ ورغبتَهُ في خلاصِنا، بِتْنا نقول: اللهُ محبّة. آمين.
قيامة المسيح: حدث خلاصيّ لا زمن له!
"المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للّذين في القبور!" بهذه الكلمات تبتدئ الكنيسة الأرثوذكسيّة إعلانها الفصحيّ كلّ عام، في الليلة التي تُفتح فيها أبواب النّور، ويُعلَن انتصار الحياة على الموت. إنّ قيامة الربّ يسوع المسيح ليست مجرّد حدثٍ تاريخيّ، بل هي حقيقة إيمانيّة، وسرّ مُعاش، وقوّة حاضرة في حياة المؤمنين إلى اليوم.
في النظرة الأرثوذكسيّة، لا تُفهم قيامة المسيح كحادثة حصلت فقط في زمان ومكان محددين، بل كحدثٍ خلاصيٍّ يمتدّ عبر التاريخ ويشمل وجود الإنسان كلّه. فالمسيح، بقيامته، لم يُقِم نفسه فحسب، بل أطلق حركة قيامةٍ شاملةٍ تشمل البشريّة كلّها. لقد صار هو "باكورة الراقدين" (1 كورنثوس 15: 20)، أي بدايةً جديدةً لحياةٍ لا موت فيها.
القيامة عند الآباء ليست انتصارًا على الموت الجسديّ فقط، بل على الموت الروحيّ: موت الإنسان بالخطيئة، وبالانفصال عن الله. ففي المسيح القائم، يجد الإنسان الطريق إلى الشِركة مع الله، الذي هو الحياة نفسها.
إنّ إيماننا بقيامة المسيح لا يكتمل إن لم يُترجم إلى حياة معاشة. نحن لا نؤمن فقط أنّ المسيح قام، بل نؤمن أنّنا نقوم معه كلّ يوم، في كلّ مرّةٍ نختار فيها النّور على الظلمة، المحبّة على الحقد، التوبة على الاستسلام للخطيئة.
القدّيس غريغوريوس النيصصيّ يقول: "الذي يقوم مع المسيح هو ذاك الذي يميت أعمال الجسد، ويُحيي نفسه لله". فكلّ توبةٍ هي قيامة، وكلّ غفرانٍ هو عبور من الموت إلى الحياة.
نعيش القيامة أوّلًا في المعموديّة، حيث نُدفَن مع المسيح ونقوم معه لحياة جديدة (رومية 6: 4). ونعيشها في كلّ قدّاسٍ إلهيّ، حيث نحتفل بذبيحة المسيح المنتصر على الموت، ونتناول جسده ودمه "لكي تكون لنا حياة وتكون لنا أفضل" (يوحنّا 10: 10). كما نعيشها في سرّ التوبة، حيث يُقام الإنسان من موت الخطيئة ويُغفَر له، فيعود إلى شركة الحياة الإلهيّة. وحتّى في الجنازات، لا تُعلِن الكنيسة الحزن فقط، بل الرجاء بالقيامة. فالموت لم يعد نهاية، بل عبورًا إلى ملء الحياة مع الله.
في عالمٍ تطغى فيه أخبار الموت واليأس، يُدعى المؤمن الأرثوذكسيّ إلى أن يكون شاهدًا للقيامة. هذا لا يعني التبشير بالكلمات فقط، بل بعيش الفرح، والتواضع، والخدمة والمصالحة. فالمسيح القائم يسكن في قلب كلّ من اختبر غلبة النعمة على الضعف، والنور على الظلمة.
ولعلّ أهمّ شهادة للقيامة في هذا العصر، هو أن نُظهر أنّ هناك حياة أقوى من الموت، وأنّ للمحبّة – لا للكراهيّة – الكلمةَ الأخيرة.
في كلّ قدّاسٍ، في كلّ صلاةٍ، في كلّ عمل محبّةٍ، نعلن أنّ المسيح قام. والقيامة ليست فقط ماضيًا نحتفل به، بل حاضر نعيشه، ومستقبل ننتظره. فلنحيَ إذًا "كأبناء القيامة" (لوقا 20: 36)، شاكرين الربّ على قيامته، ومجاهدين لنقوم معه كلّ يوم، إلى أن نبلغ القيامة الأخيرة في ملكوته الأبديّ. آمين.
أخبارنا
رعية عفصديق: سهرانيّة وداع الفصح
تقام في رعية القدّيس ساسين في عفصديق الكورة، سهرانيّة وداع عيد الفصح العظيم المقدّس بمشاركة جوقة أبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما وذلك مساء الثلاثاء الواقع فيه 27 أيّار 2025 الساعة السادسة مساءً.
المسيح قام، حقاً قام