الأحد 22 تشرين الأوّل 2023

الأحد 22 تشرين الأوّل 2023

20 تشرين الأول 2023
الأحد 22 تشرين الأوّل 2023
العدد 43
الأحد 20 بعد العنصرة
اللحن الثالث، الإيوثينا التاسعة


أعياد الأسبوع:

22: أفيركيوس المعادل الرُّسل، الفتية السبعة الذين في أفسس، 23: يعقوب الرسول أخو الربّ وأوّل أساقفة أورشليم، 24: الشهيد أريثا (الحارث) ورفقته، 25: الشّهيدان مركيانوس ومرتيريوس، تابيثا الرحيمة التي أقامها بطرس، 26: العظيم في الشهداء ديمتريوس المفيض الطيب، الزلزلة العظيمة، 27: الشّهيد نسطر، بروكلا امرأة بيلاطس، 28: الشُّهداء ترنتيوس ونيونيلا وأولادهما، استفانوس السابويّ.

القلبُ الحَجَريّ

ألشخص الذي يَبني حائطًا مع مُحيطِه لأنّ البَشَرَ خذلوه وتعلَّمَ دَرسًا قاسِيًا، يَعتبر أنّ الحياة ظَلَمَته فيَنغَلِقُ على ذاتِه آمِلًا ألّا يُجحَف بحَقّهِ مرّة أُخرى. 

ولكن ليس جيّدًا أن يكون الإنسانُ وَحدَه (تكوين 2: 18)، لأنّ الشَرِكة مع الله تتجلّى ضِمن الجماعة، فحيثُما اجتَمَعَ اثنانِ أو ثلاثَة باسمِ الرَبّ فهُناكَ يَكون هُوَ في وسَطِهم (متّى 18: 20)؛ 

وأمّا باب التوبة فلا يَنفَتِح إلّا بالإقرار بأنّ محبّة الآخر ما زالَت ناقِصة، وبالتالي لم يَكتَمل الفَرح (2 يوحنّا 1: 12).

القلب الحجريّ بارد، ينعكِس في عينٍ غابَ فيها بَصيصُ نورٍ أو رجاء، ربّما حتّى إنطَفَأ فيه الرّوح. 

القَلب الحجريّ مَسرحٌ للأهواء، متروكٌ لرياحِ التجارب تَعصِف بِه من كلّ صَوب، فيَطبَع سلوك صاحِبِه بالشَكّ وعدم الثِقة وسوء الظَنّ، لأنّ المحبّة التي "تُصَدِّقُ كُلَّ شَيء، وتَرجو كُلَّ شَيء، وتَصبِر على كُلِّ شَيء" (1 كورنثوس 13: 7) قد غابت عنه. 

القيامةُ حاصِلة بقبول الصَّليب، ومَعَه الرحمَة والمغفرة، أي مَعذرة الذين "لا يَعلَمونَ ماذا يَفعَلون" (لوقا 23: 34)؛ 

هنا يتَخَشَّع المرءُ ويَنعَصِر قَلبُه حَسرةً، لا على حالِه وحَسب، بَل على مَسار الطبيعَة الساقِطَة وهو مَعَها، وكيفَ تَبتعِد في كُلّ مَرَّة عن مُعطي الحَياة. 

في هذه اللَّحظَة وعلى آخِرِ زفر، توضعُ الروحُ بين يَدَي العَلِيّ، وينشَقّ حجاب الهيكَل فتَملأ نِعمة الربّ هذا القلب الخاشع والمتواضع، فيتحوّل من حَجرٍ إلى نَبع حياة.

يَستنير القَلب فَيُنير من حَوله، يَرتَفِع مُتهَلِّلًا لأنّ سُكنى الله فيه جَعَلتهُ عَرشًا لضابِط الكُلّ. يَتحوّل الكِيان ويتقدّس لأنّ القلبَ النابِض صارَ جَديدًا، والخلايا كلّها به تتجدّد، روحيًّا لَمَس أنّ الضيق هو بابُ الحياة، والتجربَة هي لتمحيص الجوهَر، والضيق هو بُرهان الصَبر الذي منه يُقتنى الخلاص. 

فالإيمان والمحبّة رغم كُلّ سوء هما بِشارة عمليّة في عالمٍ مادّيّ يُريد أن يَرى أنّ الله ما زال موجودًا.   

طروباريّة القيامة باللحن الثالث

لتفرحِ السماويّات، ولتبتهجِ الأرضيّات، لأنّ الربَّ صنعَ عِزًّا بساعدِه، ووطِئَ الموتَ بالموتِ، وصارَ بكرَ الأموات، وأنقدنا من جوفِ الجحيم، ومنح العالم الرحمةَ العُظمى.

القنداق باللحن الثاني

يا شفيعَةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المردودة، لا تُعرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحة، نَحْنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ، وأسَرعي في الطلْبَةِ، يا والدةَ الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرسالة:  غلا 1: 11-19
رتِّلوا لإلهنا رتِّلوا
يا جميعَ الأمم صفِّقوا بالأَيادي


يا إخوة، أُعلِمُكم أنَّ الإنجيلَ الذي بشَّرتُ بهِ ليسَ بحسبِ الإنسانِ، لأنّي لم أتسلَّمْه أو أتعلَّمهُ من إنسان بل بإعلان يسوعَ المسيح. فإنَّكم قد سمعْتُم بسيرتي قديمًا في مِلَّةِ اليهود. إنّي كنتُ أضطَهِدُ كنيسةَ اللهِ بإفراطٍ وأدّمرها وأزيدُ تقدُّمًا في ملَّةِ اليهودِ على كثيرين من أترابي في جنسي بكَوْني أوفرَ منهم غيرةً على تقليدات آبائي. فلمَّا ارتضى الله الذي أفرزني من جوفِ أمّي، ودعاني بنعمتِه، أنْ يُعلِن ابنَهُ فيَّ لأُبشّرَ بهِ بينَ الأممِ، لساعتي لم أُصْغِ إلى لحمٍ ودمٍ ولا صَعِدْتُ إلى أورشليمَ إلى الرسلِ الذينَ قبلي، بل انطَلَقْتُ إلى ديار العرب، وبعد ذلك رَجعْتُ إلى دِمشق. ثمَّ إنّي بعدَ ثلاثِ سنين صَعِدتُ إلى أورشليم لأزورَ بطرس، فأقمتُ عندَه خمسةَ عشر يومًا، لم أرَ غيرَهُ من الرسلِ سوى يعقوبَ أخي الربّ.

الإنجيل : لو 8: 27-39 (لوقا 6)

في ذلك الزمان، أتى يسوعُ إلى كورَةِ الجِرجِسييّنَ، فاستقبَلَهُ رجُلٌ منَ المَدينَةِ بِه شياطينُ مُنذُ زَمانٍ طويلٍ، ولم يكن يلبَسُ ثوبًا ولا يأوي إلى بَيتٍ بل إلى القبور. فلمّا رأى يسوعَ صاحَ وخرَّ وقالَ بِصوتٍ عظيمٍ: ما لي ولكَ يا يسوعُ ابْنَ اللهِ العليّ. أطلُبُ إليكَ ألّا تُعَذّبَني. فَإنَّهُ أمَرَ الروحَ النَجِسَ أن يَخرُجَ منَ الإنسانِ لأنَّهُ كانَ قد اختطفَهُ مُنذُ زَمانٍ طويلٍ، وكانَ يُربَطُ بسلاسِلَ ويُحْبَسُ بِقُيودٍ فيقطعُ الرُّبُطَ وتسوقُهُ الشياطين إلى البراري. فسألَهُ يسوعُ قائلًا: ما اسمُك؟ فقالَ: لجيون، لأنَّ شياطينَ كثيرينَ كانوا قد دَخلوا فيهِ وطلبوا إليهِ أن لا يأمُرَهُم بالذهابِ إلى الهاوية.
 وكانَ هُناكَ قَطيعُ خنازيرَ كثيرةٍ ترعَى في الجبلِ، فَطَلَبوا إليهِ أن يأذنَ لهم بالدخولِ فيها فأذِن لهم، فخَرَج الشياطينُ من الإنسانِ ودخَلوا في الخنازيرِ، فوَثبَ القطيعُ عَن الجُرْفِ إلى البُحَيْرةِ فاختنقَ. فلمَّا رأى الرُّعاةُ ما حَدَثَ هَرَبوا فأخبَروا في المدينةِ وفي الحقول، فخرجوا ليَروا ما حَدَث، وأتَوا إلى يسوعَ فوَجدوا الإنسانَ الذي خَرَجَتْ مِنهُ الشياطينُ جَالِسًا عندَ قدَمَي يسوعَ لابِسًا صحيحَ العقل فَخافوا. وأخبَرَهُم الناظِرونَ أيضًا كيْف أُبْرِئَ المجنونُ. فسألَهُ جميعُ جُمهورِ كُورَةِ الجرجسِيّينَ أن ينصَرِفَ عَنهم لأنَّهُ اعْتَراهم خوفٌ عَظيم. فدَخَلَ السفينةَ ورَجَعَ، فسَألَهُ الرجُلُ الذي خرَجَت مِنه الشياطينُ أن يكونَ مَعَهُ. فَصَرَفَهُ يسوعُ قائلًا ارجِعْ إلى بيتِكَ وحَدِّث بما صَنعَ الله إليك. فذهَبَ وهُوَ ينادي في المدينةِ كُلِّها بما صَنعَ إليه يَسوع.

في الإنجيل

الحادثة المذكورة في إنجيل اليوم ترد أيضًا في إنجيلَي متّى ومرقس، وقد سبق أن تُليت في الأحد الخامس بعد العنصرة.

وهي ترد في الأناجيل الثلاثة بعد ذكر تهدئة يسوع للعاصفة التي هبّت في بحيرة طبريّة معيقة وصولهم إلى أرض الأمم في ناحية الجدريّين (حيث مدينة جدرا). 

والمعنى الرمزيّ لهذه الحوادث واضح. فأرض الأمم، حيث الله غير معروف وكلمته لم يُسمع بها، هي عمليًّا تحت سيادة الشيطان "رئيس هذا العالم". 

وإذ أراد الربّ أن يستعيد تلك الأرض إلى سلطانه، توجّه إليها مع تلاميذه. 

وإذ نام يسوع في السفينة حاول الشيطان أن يعيق تقدّمهم مسخِّرًا العاصفة والبحر في محاولته لإغراق السفينة (التي ترمز إلى الكنيسة)، ولكنّ يسوع نهض وأخمد العاصفة. 

وإذ وصل إلى أرض الأمم صادف إنسانًا يخضع لسيادة شياطين عَديدين (الآباءُ في كتاباتهم الروحيّة سمّوا شيطان الشراهة وشيطان الزنى وشيطان الكبرياء...) وهو صورةٌ عن خضوع الأمميّين لسلطان الشياطين. 

ولكنّ الربّ يسوع، الذي أُعْطِيَ له كلّ سلطان في السماء وعلى الأرض، أخرج هذه الشياطين فأضحى الإنسان "سليم العقل" عارفًا الله خالقه ومخلّصه. 

وقد أراد الربّ أيضًا أن يخلّصهم من خنازيرهم، هادمًا كلّ الحواجز العمليّة (من نوعيّة الأطعمة وما شابَهَ، إذ إنّ اليهود لا يأكلون لحم الخنزير) التي قد تمنع مشاركة الأمم مع شعب الله في المائدة الواحدة التي توحدّهم. 

وهكذا فالرب سمح للشياطين أن تدخل في قطيع الخنازير وتهلكه ليبيّن لنا الأذى الذي تريده الشياطين وتعمل على إلحاقه بخليقة الله. 

ولكنّ الربّ يحوّل نتيجة أذاهم إلى خير، ليقول لنا إنّ الوقت حان ليتخلّص الأمميّون ليس من الشياطين التي تسودهم وحسب، بل وأيضًا من خنازيرهم.

ونحن الذين انتقلنا بالمعموديّة من سيادة الشيطان إلى سيادة يسوع، ورفضنا الشيطان وأباطيله وقبلنا يسوع ربًّا وسيّدًا، يدعونا يسوع اليوم كما دعا الرجل الذي شفاه بقوله: "عُدْ إلى بيتك وحدّث بما صنع الله إليك". 

نحن الذين نرتّل في آخر كلّ قدّاس "فلنسجد للثالوث غير المنفصل لأنّه خلّصنا"، هلّا خرجنا من القدّاس لنشهد في العالم للخلاص الذي أتمّه الله فينا، ليؤمن العالم أنّ يسوع هو الربّ والمخلّص، له المجد إلى الأبد، آمين.

نظرةٌ مسيحيّة إلى الأمومة

نحتفل كلّ أسبوع بالعديد من القدّيسين، وغالبًا ما نقرأ عن أمّهاتهم الفاضلات، ودورهنّ في تنشئة أولادهنّ على حياة القداسة والتقوى وحبّ الله.

وأفضل مثال عليهنّ هو القدّيسة حنّة البارّة التي أنجبت والدة الإله الكلّيّة القداسة مريم الدائمة البتوليّة. 

كيف يمكننا أن نفهم دور الأمّهات المسيحيّات اليوم؟ 

وهل دورهنّ يقتصر على التربية الجسديّة والنفسيّة والعاطفيّة فقط؟ كيف يجب أن ينظرن إلى أولادهنّ؟

أخبر كاهن رعية في الكورة هذه القصّة، فقال: 

بعد مراجعة سجلّات المعموديّة من أوائل القرن الماضي، لفتني أنّ اسمًا يتكرّر كعرّابة. 

لماذا أصبحت هذه المرأة عرّابةً لكثيرين؟ 

بعد بحث طويل ظهرت قصّتها. 

اسمها هيلانة، وتعود قصّتها إلى فترة الحرب العالميّة الأولى. 

خلال تلك الفترة أصيب كثيرون بالوباء الذي انتشر، ومات كثيرون من الجوع بسبب الفقر. 

تخبّطت هيلانة في تلك الفترة أيضًا، لأن ابنَيْها أُصيبا بالعدوى، ولم يكن هناك من دواء فتُوفّيا في عام 1918. 

دُفنا في بئرٍ بالقرب من المنزل. 

وبعد هذه الحادثة الأليمة، قرّر زوجها أن يأخذها ويسافر إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة للاستقرار هناك، وبخاصّة أنّ لديهما أقارب يعملون في مناجم بنسلفانيا. 

وبعد شهرَين من السفر بالسفينة، مرض زوج هيلانة ومات. 

وصلت هيلانة أخيرًا الى ميناء مركز الهجرة الأميركيّ. 

وبعد النظر في أوراقها، لم يمنحوها تأشيرة دخول، بل أخبروها بأنّ أوراقها غير مكتملة وأنّ عليها أن تعود إلى بلدها. 

فعادت المرأة المسكينة إلى قريتها في الكورة، وحيدةً بلا زوج، وبلا أطفال، وبلا مال لتأمين معيشتها. 

ولكن كان لديها أكثر من ذلك كلّه. كان لديها إيمان بالمسيح ترعرعت عليه. 

قد ربّتها أمّها على الاتّكال على المسيح وشكره في كلّ شيء، ومن أجل كلّ شيء. 

فركعت في تلك الليلة، وصلّت من قلبها المكسور، وطلبت بدموعٍ سخيّة من الله أن يعينها ويخرجها من ألمها الداخليّ العميق. 

آلامها جعلتها أقرب إلى الله أكثرَ من أيّ وقت مضى. 

وبعد بضعة أيّام، عرض عليها أحد أقاربها إن كانت ترغب بأن تدرس في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، لكي تصبح قابلةً. وافقت، واجتهدت لإكمال دراستها في بيروت. 

وعندما عادت إلى قريتها، كانت القابلة الوحيدة المختصّة في المنطقة بأكملها. 

فأصبحت مرجعًا طبيًّا. لم تقصّر هيلين في القيام بدورها على المساعدة في الإنجاب أو الدعم النفسيّ للنساء الحوامل. 

ولكنّها آمنت أنّ الإنجاب ليس أمرًا بيولوجيًّا ونفسيًّا فحسب، بل هو روحيٌّ أيضًا. 

فرافقت الحوامل بالصلاة والتعزية بكلمات الإنجيل. 

رأى كثيرون تقواها ومحبّتها للمسيح، فطلبوا منها أن تكون عرّابةً لأولادهم. 

لقد فقدت هيلانة ابنَيها، ولكن في نهاية حياتها ولدت روحيًا أكثر من أربعين طفلًا فإنّها صارت عرّابتهم. 

وصلت إلى الجحيم ولكنّها لم تيأس أبدًا. بالإيمان انتقلت من الموت إلى الحياة، فكانت أمومتها قياميّة.

تُظهر هذه الشهادة الرائعة عن حياة هيلانة الكورانيّة أنّ الأمومة لا تقتصر فقط على إنجاب الأطفال جسديًّا وتربيتهم عاطفيًّا. 

يوضح القدّيس صوفروني الرؤية المسيحيّة للأمومة إذ يقول، "إنّ الأمر لا يتعلّق بولادة كائنات من أجل واقع تاريخيّ أرضيّ، بل بولادة أشخاص من أجل واقع يتجاوز التاريخ، لكي يدخلوا الملكوت". 

لقد اعتدنا على رؤية الأمومة كرعاية للجسد وللمشاعر. 

في المسيحيّة، الأمومة تعني رعاية الجسد والروح، كي نكون جَميعًا "أَبنَاء اللهِ بالإِيمانِ بالمسيح يسوع" (غلاطية 3: 26). 

في علم النفس، الأمّ هي مركز التعلّق الآمن في حياة الطفل، وهذا ما ينمّي عند الطفل الثقة والتعاطف، ولكن هناك أيضًا شيء نحتاج إلى أن نتذكّره، وهو أنّ هذا التعلّق الطبيعيّ وضعه الله فينا لكي ينمو الأطفال ليس جسديًّا أو عاطفيًّا فحسب، بل وروحيًّا أيضًا، أي أنّ هذا التعلّق الطبيعيّ يجعلهم ينمون بثقة بالربّ وبكلمته وبمحبّته.

في الواقع، إنّ الأمومة دعوة أساسيّة فريدة من نوعها، فالأمّ كثيرًا ما تحيا كشهيدة، وكناسكة، وكخادمة متألّمة، وكمعلّمة للإيمان، لأنّ حياتها مليئة بالحبّ غير المشروط، وبالرجاء الذي لا يُقهر، وبالإيمان الثابت! الأمّ، بمؤازرة زوجها، تتحمّل هذه المسؤوليّة الرهيبة المتمثّلة في رعاية حياة طفلها وتوجيهها نحو ملكوت الله. 

لكنّ الكثيرين من نساء اليوم فقدن هذا الوعي، وهذه الرؤية للأمومة الروحيّة، للولادة بحسب الروح. 

إنّهنّ يكتفين بأن يولدن بنين وبنات بحسب الجسد بالدرجة الأولى، ويَرَيْن أولادهنّ صورة لهنّ، وليسوا على صورة الله ومثاله. 

إنهنّ ينظرن إلى أطفالهنّ كحاجةٍ لملء فراغهنّ البشريّ العاطفيّ، ولكنّ طفلهنّ هو كائن مدعوّ إلى الاستنارة وإنسان حياته مشروع قداسة. 

نحن نواجه تحدّيًا قاسيًا في عصر النزعة الاستهلاكيّة هذه لإيجاد طرق للشرح للأمّهات وإقناعهنّ بإنجاب الأطفال "لِيَحِلَّ المَسِيحُ بِالإِيمَانِ في قلوبهم" (أفسس 3: 17)؛ 

أن يرَيْنَ أطفالهنّ أيقوناتٍ حقيقيّةً للمسيح، ومساكن الروح، وهياكل التجلّي. 

من خلال مثالهنّ التقيّ والمؤمن والمضحّي، تحتاج الأمّهات اليوم إلى أن يُظهرن لأولادهنّ أن هناك حياة أخرى غير الحياة في الجسد، وهي حياة في الروح، حياة روحيّة، مع إيمان ثابت ورجاء لا يُقهر في المسيح وفي الحياة الأبديّة. 

"يحتاج الطفل إلى أن يكون محاطًا بأشخاص يصلّون ويصلّون بحرارة" (القديس بورفيريوس الرائي). 

"إذا صلّت الأمّ أثناء الحبل والولادة، فإنّها تلد ابنها ميلادًا روحيًّا كما تلده جسديًّا – تلد كائنًا روحيًّا" (القديس صوفروني)

أيّتها الأمّهات الحبيبات، أنتنّ مدعوّاتٌ اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى القيام بخدمتكنّ "المعادلة للرسل"، لتتلمذْنَ أولادكنّ بالمسيح، وتَقُمْنَ بالتربية المسيحيّة لأولادكنّ وأحفادكنّ، وَتُعِدْنَ إنتاج الإيمان المسيحيّ الأرثوذكسيّ في بيوتكنّ من جيل إلى جيل. 

فلتكن والدة الإله نموذجًا لكُنَّ في الأمومة. آمين.