الأحد 10 كانون الأوّل 2023

الأحد 10 كانون الأوّل 2023

07 كانون الأول 2023

الأحد 10 كانون الأوّل 2023
العدد 50
الأحد 27 بعد العنصرة
 اللحن الثاني، الإيوثينا الخامسة


أعياد الأسبوع:

10: مينا الرَّخيم الصَّوت، أرموجانُس وافغرافُس، 11: البارّ دانيال العموديّ، لوقا العموديّ، الشَّهيد برسابا، 12: اسبيريدون العجائبيّ أسقُف تريميثوس، 13: الشُّهداء الخمسة إفستراتيوس ورفقته، الشَّهيدة لوكيّا البتول، 14: الشُّهداء ثيرسس ورفقته، 15: الشّهيد في الكهنة آلافثاريوس وأمُّه أنثيَّا، 16: النبيّ حجّي، ثيوفاني الملكة العجائبيّة.

الإصغاء أمام الميلاد
"تكلّم يا ربّ فإنَّ عبدك يصغي" (1صم 3: 10).


بهذه الكلمات كان صموئيل في العهد القديم يتلقّى كلام الرب. 

فالصلاة ككلِّ عملٍ نقوم به بحاجة لإصغاء وانتباه. 

الكنيسة تدعونا المرة تلو الأُخرى في القدّاس الإلهيّ: "لنصغِ"، "لنقف حسنًا"، "لنستقم ونسمع حكمةَ الإنجيل المقدس" ... رعاة الميلاد في سهرهم وسكون ليلهم، لولا استعدادهم للإصغاء ما سمعوا الملائكة يرتّلون 

"المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة" وما أُخبروا بولادة المخلص. 

أمّا هيرودس فكان صامًّا أذنيه عن السمع فلم ينصت لأخبارِ الكتبة الذين أعلموه عن نبوءةِ ولادة المخلّص، ولا إلى صوت ضميره، ولا إلى كلام الرب المَهيب، فبات كقارورةٍ صمّاء يمتلئُ هيجانًا وغضبًا ليُخمدَ أيّ صوتٍ قد يهدّد عرش شهواته.

أمام شناعة ردةِ فعلِ هيرودس الأصمّ، وعظمةِ الفرح في مسامعِ الرعاة بالبشارة الجديدة، تبرزُ أمام أعيننا فضيلةٌ جليلةٌ وهي: 

الإصغاء. فإلى من نصغي وكيف؟

نصغي أوّلاً إلى ضميرنا، فنعطيه وقتًا ليفحص مسلكنا ويكاشفنا بحضور ملاكنا الحارس وإرشاده حول أهوائنا وسقطاتنا ورغباتنا وتطلعّاتنا. 

هذه العودة إلى لذات أمرٌ لا بدّ منه في كلِّ زمان وبخاصّة في عصرنا هذا، حيث لا تترك لنا اهتماماتُ العالم ومشاغلُه وحيّزًا ولو صغيرًا لنسأل أنفسنا إلى أين نحن ذاهبون؟ 

"نربح العالم كلّه ونخسر أنفسنا: فماذا ينفعنا؟" 

الإصغاء أيضًا إلى لإخوة. كثيرًا ما أتحدّث مع الآخرين دون أن أصغي إليهم، وكأنّني أريد منهم أُذُنًا فقط فأتكلّم وأتكلّم. 

أن أصغي إلى قريبي يعني أن أعرف أنّه مختلفٌ عنّي وأنّ هذا حقُّه. 

فمواهبه تختلف عن مواهبي وحاجاته أيضاً قد تكون مغايرة وإمكانّياته وثقافته وتربيته ... 

هو مختلف عنّي ولكنّنا مشتركون في كوننا مخلوقين على صورة الله ومثاله. 

إذا لم أصغِ إليه فكيف أعرفه؟ 
وإذا لم أعرفه فكيف أحبّه؟ 

وإذا لم أحبّه فكيف أحمله وأساعده؟ 

فنُّ الإصغاء إلى الآخرين نمتلكه بتدريب الصمت وبالصبر والوداعة فينقصُ الأنا فينا ويكبر المسيح، هذا يتكلّمُ فيَّ وفي القريب فيصير حديثنا ولقاؤنا نموًّا لكلينا وفرحًا.

والأهمّ أن نصغيَ إلى الله "تكلّم يا ربّ فإنّ عبدك يصغي". 

ما أجمل هذا الاستعداد للصلاة! 

فلا تغدو هذه مجرّدَ تمتمةِ كلمات، بل انفتاحًا على مشيئة الله في حياتنا، وتصبح كلماتُ الإنجيل رسائلَ روحيّةً نستقبلها من فم الكنيسة وترشد اتّكالَنا وتكمِّلُّ ما فينا من نقص. 

كلُّ هذا بحاجة إلى وقتٍ نكرِّسُه، وقتٍ يقّدسُ الوقت كلّه. 

في البدايةِ قد نشعر بالضجر من هذا التكريس للوقت، ولكن بالمثابرة والإرشاد الروحي، كما يقول القدّيس يوحنّا السلميّ، لا يعود هذا الصمت ضجرًا وغيابًا للكلامِ بل يصيرُ "أُمًّا للصلاة وصيانةً لاضطرام القلب ورقيبًا على الأفكار وراصدًا للأعداء".

لا ننتظرنّ أن نقتنيَ السلام من دولٍ ومنظّماتٍ واتّفاقاتٍ هي كهيرودسَ من طبيعة هذا العالم. 

بل لنبادرنَّ فنصغي إلى ضميرنا بفحص الذات والتوبة، وإلى قريبنا بالرحمةِ والمحبّة، وإلى إلهنا بالصلاة والمطالعة، وهكذا نستقبل "السلام الذي من العلى" مع الرعاة الساهرين والمتقبِّلين للصوت الملائكيّ العذب يبشِّر أنَّ "على الأرض السلام في الناس الذين على قلب الله". آمين.


 + إغناطيوس                                                  
متروبوليت المكسيك، فنزويلا، أميركا الوسطى وجزر الكاريبي


طروباريّة القيامة باللحن الثاني

عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتك وعندما أقمتَ الأموات من تحتِ الثَّرى، صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويِّين: أيُّها المسيحُ الإله معطي الحياةِ، المجدُ لك.

قنداق تقدمة الميلاد باللحن الثالث

أليوم العذراء تأتي إلى المغارة لتلد الكلمة الذي قبل الدهور، ولادة لا تُفسَّر ولا يُنطق بها. فافرحي أيّتها المسكونة إذا سمعت، ومجّدي مع الملائكة والرعاة الذي سيظهر بمشيئته طفلًا جديدًا، الإله الذي قبل الدهور.

الرسالة: أف 6: 10-17
قوَّتي وتسبحتي الربُّ
أدبًا أدّبني الربُّ وإلى الموتِ لم يُسلّمني


يا إخوة، تَقوَّوا في الربّ وفي عزَّةِ قدرتِه، إلبَسُوا سلاحَ اللهِ الكامل لتستطيعوا أن تَقفوا ضِدَّ مكايدِ إبليس. فإنّ مصارَعَتَنا ليست ضِدَّ دمٍ ولحمٍ بل ضدّ الرئاساتِ، ضدَّ السلاطين، ضدَّ ولاة العالم، عالمِ ظُلمةِ هذا الدهر، ضدَّ أجنادِ الشرِّ الروحيَّةِ في السماويَّات. فلذلك احمِلوا سلاحَ الله الكاملَ لتستطيعوا المقاومة في اليوم الشرير، حتّى، إذا تمّمتُم كلّ شيء، تثبُتوا. فاثُبتوا إذنْ ممنطقينَ أحقاءكم بالحقّ ولابسين درعَ البرّ، وأنعِلوا أقدامَكم باستعدادِ إنجيل السلام، واحمِلوا علاوة على كلّ ذلك، تُرسَ الإيمان الذي به تقدرون على أن تُطفِئوا جميعَ سهام الشرّير الملتهبة، واتّخذوا خُوذة الخلاص وسيف الروحِ الذي هو كلمة الله.


الإنجيل: لو 13: 10-17 (لوقا 10)

في ذلك الزمان، كان يسوع يعلّم في أحد المجامع يومَ السبت، وإذا بإمرأةٍ بها روحُ مرضٍ منذ ثماني عَشْرَةَ سنةً، وكانت منحنيةً لا تستطيع أن تنتصبَ البتَّة. فلمَّا رآها يسوع دعاها وقال لها: إنَّك مُطْلَقةٌ من مرضِك. ووضع يدَيه عليها، وفي الحال استقامَتْ ومجَّدتِ الله. فأجاب رئيس المجمع وهو مُغْتاظٌ من إبراءِ يسوعَ في السبتِ وقال للجميع: هي ستَّةُ أيَّام ينبغي العملُ فيها. ففيها تأتون وتَسْتشْفون لا في يوم السبتِ. فأجاب الربُّ وقال: يا مُرائي، أليس كلُّ واحدٍ منكم يَحُلُّ ثورَهُ أو حمارَهُ في السبتِ مِنَ المزودِ وينطلِق بهِ فيسقيه؟ وهذه ابنةُ إبراهيمَ التي رَبَطها الشيطانُ منذ ثماني عَشْرَةَ سنةً، أمَا كان ينبغي أنْ تُطلَقَ مِن هذا الرباط يومَ السبت؟ ولمّا قال هذا خَزِيَ كلُّ مَن كان يُقاومهُ، وفرح الجمْعُ بجميعِ الأمور المجيدةِ التي كانت تَصدُرُ منهُ.

في الإنجيل

نقرأ في نصّ إنجيل اليوم من البشير لوقا شفاءَ امرأة كان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة. 

هذه المرأة التي بقيت طوال هذه الفترة منحنيةً لا تقدر أن تنتصب البتّة إلى حين قدوم الربّ يسوع ومدّ يده إليها وشفائها من ضعفها. هكذا استقامت المرأة ومجّدت الله الخالق. إنَّ الله دائمًا قريب. 

وكلُّ ما كان عليه أن يفعله هو أن يتكلّم بضعَ كلمات فتُشفى المرأة. 

إنَّ حياتنا مليئة بالمعاناة وذلك يجعل ربّنا يحوّل هذه المعاناة إلى خير. ليس الله من خلق المعاناة، ولكنّه سيّدها، فتأتي هذه لإيقاظنا، أو كدعوة إلى الصلاة، أو كدافعٍ للحياة الروحيَّة. تأتي الآلام لتذكّرنا بضعفات روحيّة كانت أم جسديّة فكريّة، لذا يذكّرنا هذا أنَّ هناك عملًا مهمًّا يتعيّن القيام به. 

ربّما يجب أن نعتني بأنفسنا أو نرأف بقريبنا. 

لقد عانت المرأة من هذا المرض، كما يقول الرب نفسه، "هذه المرأة، التي قيّدها الشيطان خلال هذه السنوات الثماني عشرة". 

فَرُبَّمَا كَانَ ٱللهُ قَدْ تَخَلَّى عَنْهَا بِسَبَبِ خَطايا مُعَيَّنَةٍ، فَكانَ ٱلشَّيْطانُ يُعَاقِبُها. 

لأنَّ الشيطان هو جزئيًّا سبب كلّ المشقّات التي تصيب أجسادنا، عندما يسمح له الله بذلك. 

منذ البداية كان الشيطان هو الذي تسبّب في سقوطنا الذي فقدنا به الحريّة التي خلقنا بها؛ 

فالشيطان هو الذي قيّدنا بالأجساد المريضة الميّالة إلى الآلام (تك 3). 

لكنّ الربّ الآن، بصوته الإلهيّ، المليء بالقوّة، يطرد عجز هذه المرأة. 

يضع يديه عليها، كي نتعلّم أن جسده المقدّس أعطى قوّة وطاقة الكلمة. 

إن فتحنا قلوبنا لله، فسنجد أنفسنا أيضًا وقد انطلقنا من شفاء يفوق حدود عقولنا وخيالنا. 

وسنكتشف المعنى الكامن وراء كلّ ذلك ونجد الرَّاحة وسط العاصفة. 

"كلّ ما يحدث هو نعمة" "لقد وضع يديه عليها" يا لها من صورة جميلة! أعلن الربّ أنّها أعظم من يوم السبت. 

كيف يمكن لمن وضع القانون ألّا يلتزم به؟ 

فالذي أعطى الشريعة خالفها من أجل امرأة مريضة. 

لذلك يستخدم الربّ المثال لتوبيخ الرّجل الذي كان غاضبًا من أنّ الشفاء قد حدث يوم السبت. 

فَأَجَابَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: 

«يَا مُرَائِي! أَلاَ يَحُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ثَوْرَهُ أَوْ حِمَارَهُ مِنَ الْمِذْوَدِ وَيَمْضِي بِهِ وَيَسْقِيهِ؟ 

وَهذِهِ، وَهِيَ ابْنَةُ إِبْراهِيمَ، قَدْ رَبَطَهَا الشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَلَّ مِنْ هذَا الرِّبَاطِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟ (لو 13: 16-15). 

فبما أنَّ الله هو المحبّة وأنّ خُلاصة الشريعة كلّها هي المحبّة، فلا شيء يمكن أن يحلَّ محلّها. 

أيّها المسيحيّون الأعزّاء، لقد أحبّ يسوع المسيح، ولا يزال، جميع الخطأة، والمتعبين، والمرضى، والمتواضعين. تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. (مت 11: 28). حتَّى إنّه يحبُّ المرائين، ولكنَّه يبغض رياءَهم! والمرائون يكرهون المسيح، لأنَّ المحبّة والنفاق لا يمكن أن يتعايشا. وهما متعارضان. 

فَلْنحبَّ بعضنا بعضًا، وبذلك نبرهن أنّنا نحبّ الله وأنّنا نكرم السّبت. 

فإذا بَدَا أنّنا نطلب الله فقط، ونحن في الواقع نبغضه ونبغض رفقاءَنا البشر، فبإمكاننا أن نكون مرائين. 

فبالتالي، إنَّه لواجب حقًّا أن نُمجِّد الله حقَّ التّمجيد ونؤمن به، وبهذه الطريقة، نبتعد عن فعل الأشياء التي لا يريدها المسيح. 

لنجاهد بحرارة لإرضاء الله المبارك إلى أبد الدُّهور آمين.

"مجّانًا أخذتم مجّانًا أعطوا" 

"مجّانًا أخذتم مجّانًا أعطوا" (متّى10: 8)، هذه الوصية قالها الربّ لتلاميذه الاثني عشر، بعد أن أرسلهم كي "يشفوا كلَّ مرضٍ وضعفٍ في الشَّعب" (متّى10: 1)، ويكرزوا بملكوت السماوات، وكأنَّ الربّ يربط بين الشفاء والكرازة والتبشير وبين مجَّانية العطاء. 

هذه المجَّانية يطلبها الربُّ منَّا اليوم كما دائمًا، ويطلبها منّا جميعًا علمانيين وإكليريكيين، رغم أنّها لا تعجب كثيرين لأنّها عكس منطق هذا العالم، وعكس منطق المجتمع الاستهلاكيّ الذي نحيا فيه، والذي تغلغل للأسف إلى داخل الكنيسة. 

رغم أنَّ واجبنا كمسيحيّين أن نُمسحن العالم، لا أن نصبح دهريّين كأهل العالم، لأنّ الربّ سبق وقال لنا: 

"لأنّكم لستم من العالم لذلك يبغضكم العالم" (يو15: 19)، وفي مناجاته للآب قبل آلامه قال: 

"العالم أبغضهم لأنّهم ليسوا من العالم، كما أنّي أنا لست من العالم" (يو 17: 14).

اليوم، وسط هذه الظروف الصعبة التي نعبر فيها في لبنان والمنطقة، وعلى المدى الكنسيّ الأنطاكيّ، والعالم، نحن أحوج ما نكون إلى المجَّانيّة في المحبّة والتضحية والعطاء! 

لأنَّ المرضى كثيرون، وواجبنا بل ورسالتنا ككنيسة أن نشفيهم، سيَّما أنّهم مرضى ليس فقط جسديًّا، بل نفسيًّا وروحيًّا، إنّهم مرضى بقلّة الإيمان والثقة بالله، بالقلق وعدم الاطمئنان، بالانشغال الدائم والتعلُّق بالماديّات، هم جياع إلى كلمة الرب، وعِطاش إلى التفاتة محبّة في وقتٍ تجتاحُ الأنانيّة نفوسهم، هم في أعماق نفوسهم يتوقونَ إلى أن يرَوا أمامهم من يكون "القدوةَ والمثالَ"، وقلَّما يجدون! 

ما أجملها من أيّام، هذه الأيّام الصعبة! التي هي فرصة لنا جميعًا لنكون رسلًا للرب، نشفي كلَّ مرضٍ وضعفٍ في الشعب، ونروي كلَّ عطشٍ في النفس! 

هذه مسؤوليةٌ ملقاةٌ علينا جميعًا مؤمنينَ ورعاة، مجّانًا أخذنا من الربّ، ومجّانًا نعطي إخوتنا وأبناءَنا الأحبّاء! 

هذا يكون بأن نحيا بقناعةٍ وبساطة، في عائلاتنا، وكنائسنا، وأديارنا، ومجتمعنا، ونشترك مع بعضنا البعض بالخيرات. 

ويكون بأن يُغدق الأغنياء من أموالهم بسخاء على الجمعيّات الخيريّة الكنسيّة، التي توزِّع المالَ والطعامَ والأدويةَ على المحتاجين والمعوزين، سيَّما أنَّ أكثريّة الناس قد أصبحوا فقراء! 

هذا يكون بأن يقدِّمَ أطبّاؤنا ومهندسونا ومحامونا، خدماتهم بأسعارٍ رمزيّة، لمن لا يستطيع، وأن يكتفي التجّارُ بالرِّبح اليسير، كذلك هذا يكون بأن توجد الرحمة في قلوب أصحاب المشافي، ومدراء المدارس والجامعات، فيخفِّضون الأقساط، ويرضَونَ باليسير والممكن، بل وحتّى بالخسارة، لأنَّ الربَّ يعوِّض.

هذا يكون بأن يسلك الرعاة في الكنيسة، سلوكَ الربّ يسوع الذي عاش في فقرٍ وبساطة، وسلوكَ القدِّيس يوحنَّا الذهبيّ الفم، وسائر القدّيسين، فيبتعدوا عن مظاهر البذخ والأبَّهة، فتصرف الأموال لا على هياكل الحجر، ولا على البدلات المطرَّزة الغالية الثمن، ولا حتّى على رسم الأيقونات، ولا على مؤتمراتٍ لاهوتيّة لا طائل منها، تذهب مقررّاتها أدراج الرياح، وتبقى حبرًا على ورق، بل يجب أن تُصرف الأموال على هياكل الروح القدس الحيّة، والأيقونات الحيّة، التي هي أجساد المؤمنين، وحاجيّاتهم. 

هذا يكون بأن نتخلَّى في كلِّ الأبرشيات والرعايا، عن الخدمات المأجورة، وعن رفع أسعار المحاكم الروحيّة وسائر رسوم المعاملات الكنسيّة، بل بالأحرى نخفّضُها، لأنَّ الربَّ يعوِّض. 

هذا ليس كلامًا نظريًا طوباويًّا أبدًا! لقد آنَ للكنيسة أن تفهمَ تغيُّرات العصر، ونفسيّة الإنسان المعاصر، والمطلوب منها وضع برنامجٍ ماليّ عصريّ جديد، يتفهَّم الإنسان المعاصر، وذهنيَّته، وتحديَّاته، وفي الوقت نفسه يؤمِّن للرُّعاة ولكلِّ من يخدم في الكنيسة، حياةً كريمة، لأنَّ "الفاعل مستحقٌّ أجره" (لو10: 7، 1تيمو5: 18).

أيّها الأحبَّاء، أعرف أنّني كتبتُ هذا "كمختلِّ العقل" (2كور11: 23)، لأنَّ هذا الكلام هو "عكس تيَّار العالم"، لكنِّي أعرفُ أيضًا أن "وحدَهُ السَّمكُ الحيُّ يسبحُ عكسَ التيَّار"، وكلُّنا سنقف يومًا أمام الديَّان!