الأحد 22 أيار 2022

الأحد 22 أيار 2022

19 أيار 2022
الأحد 22 أيار 2022
العدد 21
       أحد السامرية
اللحن الرابع، الإيوثينا السابعة

أعياد الأسبوع:
22: الشّهيد باسيليسكوس، 23: ميخائيل المعترف، مريم التي لكلاوبا حاملة الطيب، سوسنّة، الشّهيدة ماركياني، 24: البارّ سمعان الّذي في الجبل العجيب، 25: وجود هامة السّابق ثالثاً، 26: الرّسول كَرْبُس أحد السّبعين، يعقوب بن حلفى، 27: الشّهيد في الكهنة إلّاذيوس، يوحنّا الروسيّ، 28: إفتيشيوس أسقُف مالطية، أندراوس المتباله.

الرُخامَة البَيضاء
إمرأةٌ صادَفَت رجلًا غريبًا وحاولت ترك انطباع جيّد عنده، سامريّةٌ تكلّمت مع يَهوديّ عن معلوماتٍ لاهوتيّة وَردَت إلى مسامِعها فردّدتها لتُبهِر سامِعَها ... تلك هي حالُ الإنسان الذي يتعَبُ جاهدًا كي يُظهِر صورةً جميلةً عنه، فيضع قناعًا يُخفي خلفه واقعًا مُختلفًا.

القبرُ المُجَصّص (متى 23: 27) هو ما نُريد تَزيينه من الخارِج، بينما الحال في داخله هو نتانة وعظام أموات. الرُخامَة البيضاء توضَع كشاهدٍ عمّن هو مدفونٌ في الداخِل: تاريخ ميلاده ورقاده، مع كلمة تعزية لمَن يزور ويقرأ. حجرٌ يُبقي ذكرًا صالحًا عن هذا الدفين.

وأمّا المسيحُ، هذا الغريب الذي طَلبه يوسف الراميّ من بيلاطُس، ووضَعَه في قبرٍ جديد، ودحرج الحجر ومَضى (متى 27: 58-60)، فلَم يتسنَّ لَه حتى أن يُدفَنَ كما يَليق، لأنّ ذلك السبت كان عظيمًا (يوحنا 19: 31). بقيَ غريبًا كإلَهٍ ولكن مَعروفًا من الجميع كإنسان؛ ”أخلى ذاتَهُ آخِذًا صورةَ عبدٍ“ (فيليبي 2: 7) وعلّمنا أنّ الوداعة وتواضع القلب هما الراحة الحقيقيّة للنفوس (متى 11: 29).

 كَيف دُحرِج الحَجَرُ البارِد وتحوّلَ إلى نبعِ حياة؟ كيف أعطَتِ الصخرةُ الصمّاءُ مشروبًا جديدًا؟ هذه ليست مرّةً أُولى، فموسى ضَرَب الصَخرةَ وأخرج مِنها ماءً ليروي الشعبَ العطشان (عدد 20: 11)، والمسيحُ خاطَب المرأة السامريّة وأظهر لها ذاتَهُ (يوحنا 4: 26) لتَشرَب من الماءِ الحَيّ وتَرتَوي، فلا تعود وتعطش أبدًا.

أن نولَد من جديد ونَخرُج من ذواتنا، خالِعين الأقنِعة ومُفرغين كلّ النَتانة التي بداخلنا، هذا نتاج عمل الربّ الخلاصيّ. أن نُنقّي داخلنا بترك الأنانيّة والعُجب، بعدم الخجل من ضعفنا وكشف باطِننا الخفيّ، هذه هي معموديّة التوبة وسرّ الإعتراف، ما تُبشّرنا به القدّيسة مُنيرة، المرأة السامريّة التي أخلَت ذاتها بالكُلِيّة، مُعتَرِفةً وتاركةً جرّتَها. هي امتلأت من الحياة الأبديّة، ولم تَعُد بحاجة إلى شهادة من الناس، صارت هي الشاهدة، حاملة المسيح، صارخةً من عمق حقارتها بعدما اصطلحت، تعالوا وانظروا رجُلًا قال لي كلّ شيء (يوحنا 4: 29).

كلمة الربّ تفتح القلوب المُغلقة، تخرق كياننا وتملأ فراغنا القاتل، تُدفِئ البارد وتُحيي المائت. بها نُعاين تحوّلًا في حياتنا، شرط أن نقبل بأنّ اللّه هو الكامل ونحن المُكمّلين، هو القُدّوس ونحن المُقَدّسين، هو الراعي الصالح ونحن الذين نُسلّمُه حياتنا فيرفعها ونصير أبناءً للّه.

* * *
طروبارية القيامة باللحن الرابع
إنّ تلميذات الربّ تعلّمن من الملاك الكرزَ بالقيامةِ البَهِج، وطَرَحْنَ القضاءَ الجَدِّيّ، وخاطَبنَ الرُّسُلَ مفتخِراتٍ وقائلات: سُبيَ الموت، وقامَ المسيحُ الإله، ومنح العالَمَ الرّحمةَ العُظمى.

 طروبارية نصف الخمسين باللحن الثامن
في انتصاف العيد أسقِ نفسي العطشى من مياه العبادة الحسنة أيها المخلّص. لأنّك هتفتَ نحو الكلّ قائلاً: من كان عطشانًا فليأتِ إليّ ويشرب. فيا ينبوعَ الحياة، أيُّها المسيح الإله المجد لك.

قنداق الفصح باللحن الثامن
ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبرٍ يا من لا يموت، إلاّ أنّكَ درستَ قوّةَ الجحيم، وقمتَ غالباً أيّها المسيحُ الإله. وللنسوةِ الحاملاتِ الطيبِ قُلتَ: افرحنَ، ووهبتَ رُسُلكَ السلام، يا مانحَ الواقِعين القِيام.

الرسالة:
أع 11: 19-30
ما أعظَمَ أعمالَكَ يا ربّ. كلّها بحكمةٍ صنعت
باركي يا نفسي الربّ


في تلكَ الأيام، لمّا تبدّدَ الرُّسُلُ من أجلِ الضيقِ الذي حصَلَ بسببِ استِفَانُسَ، اجتازُوا إلى فِينيقَيةَ وقُبُرسَ وأنطاكِيَةَ وهمُ لا يكَلِّمونَ أحداً بالكلمِةِ إلاّ اليهودَ فقط. ولكنّ قوماً منهم كانوا قُبُرسِيين وقَيْروانيين. فهؤلاءِ لمّا دخَلُوا أنطاكيَةَ أخذوا يُكلِّمونَ اليونانيينَ مُبشِّرينَ بالربِّ يسوع، وكانت يدُ الربِّ مَعَهم. فآمنَ عددٌ كثيرٌ ورَجَعوا إلى الربّ، فبلغ خبرُ ذلك إلى آذانِ الكنيسةِ التي بأورَشليمَ فأرسَلوا بَرنابا لكي يجتازَ إلى أنطاكية، فلمّا أقبَلَ ورأى نعمَةَ الله فَرِحَ ووعَظَهم كُلّهم بأنْ يثبُتُوا في الربِ بعزيَمةِ القلب، لأنّه كانَ رجلاً صالحاً ممتَلِئاً مِن الروحِ القدُسِ والإيمان. وانضَمّ إلى الربِّ جمعٌ كثيرٌ. ثمّ خرَجَ بَرنابا إلى طَرسُوسَ في طلبِ شاوُل. ولمّا وجَدَهُ أتى بهِ إلى أنطاكية، وتردّدا معًا سنةً كامِلة في هذهِ الكنيسةِ وعلّما جَمعًا كثيراً. ودُعَي التلاميذُ مَسيحيّين في أنطاكِية أولاً. وفي تلكَ الأيام انحدرَ من أورشليمَ أنبياءُ إلى أنطاكية، فقامَ واحدٌ منهم اسمه أغابُوسُ فأنبأ بالروح أن ستكونَ مَجاعَةٌ عَظيمَةٌ على جميعِ المسكونة. وقد وَقَع ذلكَ في أيامِ كُلودُيوسَ قيصرَ، فَحَتّمَ التلاميذُ بحسَبِ ما يتَيسّرُ لكلِّ واحدٍ منهم أن يُرسِلوا خِدمةً إلى الاخوةِ الساكنِينَ في أورَشليم، ففعلوا ذلكَ وبعثوا إلى الشُيوخِ على أيدي بَرنابا وشَاوُلَ.

الإنجيل:
يو 4: 5-42

في ذلك الزمانِ أتى يسوعُ إلى مدينةٍ منَ السامرَةِ  يُقالُ لها سُوخار، بقُربِ الضيعةِ التي أعطاها يعقوبُ ليُوسُفَ ابنهِ. وكانَ هُناك عينُ يعقوب. وكانَ يسوعُ قد تعِبَ مِنَ المَسير، فجلَسَ على العين، وكانَ نحوَ الساعةِ السادسة. فجاءتِ إمرأةٌ منَ السامِرةِ لتستَقي ماءً. فقال لها يسوعُ: أعطيني لأشرَبَ- فإنّ تلاميذَهُ كانوا قد مضَوا إلى المدينةِ ليَبْتاعوا طعاماً- فقالت لهُ المرأةُ السامرية: كيفَ تَطلُبُ أن تشربَ مِنيِّ وأنتَ يهوديٌّ وأنا أمرأةٌ سامريّةٌ، واليهودُ لا يُخالِطونَ السامِريِّين؟ أجابَ يسوعُ وقالَ لها: لو عَرفتِ عَطيّةَ اللهِ ومَن الذي قال لكِ أعطيني لأشربَ، لَطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيّاً. قالت له المرأةُ يا سيِّدُ إنّهُ ليسَ معكَ ما تستقي بهِ والبئْرُ عميقةٌ، فَمِنْ أين لك الماءُ الحيُّ؟ ألعلّكَ أنتَ أعْظَمُ مِنْ أبينا يعقوبَ الذي أعطانا البئرَ، ومنها شَرِبَ هو وبَنوهُ وماشيتُهُ! أجابَ يسوعُ وقالَ لها: كلُّ من يشرَبُ من هذا الماءِ يعطشُ أيضاً، وأمّا مَن يشربُ من الماء الذي أنا أُعطيهِ لهُ فلن يعطشَ إلى الأبد، بَلِ الماءُ الذي أُعطيِه لهُ يصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنبعُ إلى حياةٍ أبدّية. فقالت لهُ المرأةُ: يا سيِّدُ أعطني هذا الماءَ لكي لا أعطشَ ولا أجيءَ إلى ههنا لأستقي. فقالَ لها يسوعُ: إذهبي وادْعِي رجُلكِ وهَلُمِّي إلى ههنا. أجابتِ المرأةُ وقالت: إنّهُ لا رجُلَ لي. فقال لها يسوعُ: قد أحسَنتِ بقولِكَ إنّهُ لا رجُلَ لي. فإنّهُ كان لكِ خمسَةُ رجالٍ والذي معَكِ الآنَ ليسَ رَجُلَكِ. هذا قُلتِهِ بالصِّدق. قالت لهُ المرأة: يا سيِّدُ، أرى أنّكَ نبيٌ. آباؤنا سجدوا في هذا الجَبلِ وأنتم تقولون إنّ المكانَ الذي ينبغي أن يُسجَدَ فيهِ هُوَ في أورشليم. قال لها يسوعُ: يا إمرأةُ، صدِّقيني، إنّها تأتي ساعةٌ لا في هذا الجبلِ ولا في أورّشَليمَ تسجُدونَ فيها للآب. أنتم تسجُدونَ لما لا تعلمون ونَحنُ نسجُدُ لما نعلَم، لأنّ الخلاصَ هُوَ منَ اليهود. ولكن، تأتي ساعة وهيَ الآنَ حاضِرَة، إذ الساجدونَ الحقيقيُّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالروح والحقّ. لأنّ الآبَ إنّما يطلُبُ الساجدينَ لهُ مِثلَ هؤلاء. اللهُ روحٌ والذين يسجُدون لهُ فبالروح والحقّ ينبغي أن يسجُدوا. قالت لهُ المرأةُ: قد عَلِمتُ أنّ مَسيّا، الذي يقالُ لهُ المسيحُ، يأتي. فمَتى جاءَ ذلك فهُوَ يُخبرُنا بكُلِّ شيءٍ. فقال لها يسوعُ: أنا المتكلِّمُ مَعَكِ هُوَ. وعندَ ذلكَ جاءَ تلاميذهُ فتعجّبوا أنّهُ يتكلّمُ مَعَ إمرأةٍ. ولكِنْ لم يَقُلْ أحدٌ ماذا تطلُبُ أو لماذا تتكلّمُ مَعَها. فترَكتِ المرأة جرّتها ومضَتْ إلى المدينةِ وقالت للناس: أنظروا إنساناً قالَ لي كُلّ ما فعلت. ألعلّ هذا هُوَ المسيح! فخرجوا من المدينة وأقبلوا نْحوَهُ. وفي أثناء ذلكَ سألَهُ تلاميذُهُ قائلينَ: يا مُعلِّمُ كُلْ. فقالَ لهم: إنّ لي طعاماً لآكِلَ لستم تعرِفونهُ أنتم. فقالَ التلاميذُ فيما بينهم: ألعلّ أحداً جاءَهُ بما يَأكُل! فقالَ لهم يسوعُ: إنّ طعامي أنْ أعمَلَ مشيئَةَ الذي أرسلَني وأُتِّممَ عملَهُ. ألستم تقولون أنتم إنّهُ يكونُ أربعة أشهر ثمّ يأتي الحصاد؟ وها أنا أقولُ لكم إرفعُوا عيونكم وانظُروا إلى المزارع، إنّها قدِ ابيضّتْ للحَصاد. والذي يحصُدُ يأخذُ أجرةً ويجمَعُ ثمراً لحياةٍ أبدّية، لكي يفرَحَ الزارعُ والحاصدُ معًا.
ففي هذا يَصْدُقُ القولُ إنّ واحداً يزرَعُ وآخرُ يحصُد. إنّي أرسلتُكُم لتحصُدوا ما لم تتعَبوا أنتم فيه. فإنّ آخرينَ تَعِبوا وأنتُم دخلتُم على تَعبِهم. فآمنَ بهِ من تلكَ المدينةِ كثيرونَ مِنَ السامريّينَ من أجلِ كلامِ المرأةِ التي كانت تشهَدُ أن قدْ قالَ لي كلّ ما فعلت. ولمّا أتى إليهِ السامريُّونَ سألوهُ أن يقيمَ عِندهُم، فمكَثَ هناكَ يومين. فآمنَ جَمعٌ أكثرَ من أولئكَ جدّاً من أجل كلامِهِ، وكانوا يقولونَ للمرأةِ: لسنا من أجل كلامِكِ نُؤمنُ الآن، لأنّا نحنُ قد سمعْنا ونَعْلَمُ أنّ هذا هُوَ بالحقيقيةِ المسيحُ مُخلِّصُ العالَم.

في الإنجيل

لقد تعب يسوع من السفر، يسوع الإنسان يتعب ويعطش... فجلس عند حافة البئر وكان الوقت ظهرًا، والحرُّ بالتالي قويًّا لأنّه موسم الحصاد. ولكنّ هذا التّعب لم يمنعه من اصطياد امرأة سامريّة، خاطئة. ألم يقل لتلاميذه:" ما جئت أدعو أبرارًا إلى التوبة بل خطأة". هذه المهمّة (مهمة الصيد) كان قد أوكلها لتلاميذه عند اختيارهم:" اتبعوني فأجعلكم صيّادِي الناس".

الغريب في هذه المرأة عفويّتها وصراحتها. لأنّها أجابت الرّب يسوع عندما طلب منها أن تسقيه ماء ليشرب، متسائلة وقائلة:" كيف تطلب مني وأنت رجلٌ يهوديّ وأنا امرأة سامرية؟" ويفسّر يوحنّا عن العداوة بين الشعبّين. المهمّ أنّ الرّب يسوع الذي يعرف القلوب والكلى لم يُرد أن يتابع الكلام معها عندما أرادت أن تتعمّق بالإلهيّات؛ أرادها تائبة، نقيّة، فالخاطئون لن يفهموا اللاهوت إذ أن قلوبهم قد أظلمتها الخطيئة.

اعترفت أن لا رجل لديها، فما كان من الرّب يسوع إلا أن صدمها بمعرفة حياتها الحاليّة والسابقة؛ عندها أحسّت أنّه نبيّ. ولكن لتحسم الخلاف قالت له: "متى جاء المسيّا يخبرنا مَن منّا على حق". فأجابها يسوع على الفور:" أنا هو".

قد نتفاجأ، كيف أنّ الرّب يسوع كشف لهذه المرأة عن شخصيّته في حين أنّه لم يكشفها لليهود، للشعب الذي أتى منه. ذلك أنّ هذا الشعب كان قد بدأ يغتاظ منه ويخطّط لقتله. هذا هو سبب تركه اليهوديّة وتوجّهه إلى السامرة مع أنّه كان يقول دائمًا:" قد أتيت للخراف الضالة من بيت إسرائيل". هذا الشعب السامريّ، الذي هو يهوديّ الأصل ولكنّه أدخل الوثنيّة إلى عبادته. 

لقد آمنت المرأة بيسوع ونادت أهل مدينتها ليسمعوا يسوع. فمكث عندهم يومين، فآمنوا به. وأمّا المرأة فسمتّها الكنيسةُ "فوتيني" أي "منيرة" لأنّها استنارت أوّلاً وأنارت شعبها وكانت نهايتها الشهادة كما الرّسل. هذه الاِستنارة جعلتها تشرب من هذا الماء الحيّ وتمتلئ من الرّوح القدس الذي جعلها أمينة حتّى النسمة الأخيرة من حياتها. فبشفاعاتها اللهمّ ارحمنا وخلّصنا آمين.

البشارة ووجه المسيح

أكثر ما يعيق بشارة الكنيسة في عالمنا، نحو من يسمّون اليوم مسيحيّين أو نحو من هم غير مسيحيّين، هو تغييب شخص المسيح عن مضامين هذه البشارة. قد يفاجئ هذا القول كثيرين من أبناء الكنيسة والمهتمّين بفعل الكنيسة وبشارتها في هذا العالم. كيف لبشارة مسيحيّة أن يغيب المسيح عنها؟!

المشكلة تكمن في اعتقادنا أنّ حضور المسيح في بشارتنا يُختصر بذكر اسمه وعجائبه وصلبه وقيامته، وفي ترداد عبارات سمعناها وحفظناها دون البلوغ إلى عمق مضامينها ومفاعيلها الخلاصيّة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى أزمة البشارة في عصرنا هي في عدم الإضاءة على شخص يسوع المسيح وسلوكه تجاه أناس عصره، وتحديدًا تجاه كبار متديّنيّ عصره. هذه ثغرة كبرى في سلوكنا التبشيريّ لأنّ يسوع هو آدم الجديد وسلوكه هو المناقبيّة الجديدة التي تُسهم في تقديس الإنسان وخلاصه.

ليس المهمّ الصليب والقيامة والصعود إلى السماوات والعجائب بحدّ ذاتها بل الشخص الذي ُصلب وقام وصعد واجترح العجائب، كيف سلك في دنياه حتّى بلغ هذه المحطّات الخلاصيّة.

كلّ بشارة تقود المبشّرين إلى جماليّاتٍ أنتجها الإيمان المسيحيّ، كترجمات لجماليّة شخص المسيح، وتقيمهم عند هذه الجماليّات ولا تدعوهم إلى ترحالٍ دائمٍ ومُضٍنٍ لبلوغ جماليّة المسيح عينها، هي بشارة بشريّة. للأسف هذا حاصل في كنيستنا الأرثوذكسيّة الغنيّة  بالجماليّات. لأنّ هذه الأخيرة غالبًا ما تغرّبنا عن جماليّة الكتاب المقدّس، عن مطالعته، عن تفسيره بنهج christocentrique مركزه المسيح بغية اكتشاف جمال وجه المسيح.

لقاء المسيح مع السامريّة يفتح لنا آفاقًا رحبة للتعرّف على شخص المسيح ونهجه التبشيريّ.سنضيئ في كلامنا هنا على يسوع المتحاور مع امرأة سامريّة.

السامرة منطقة واسعة تقع بين اليهوديّة جنوبًا والجليل شمالًا. السامريّون شعب مزيج من خمس إثنيّات وثنيّة أجبرهم الأشوريّون، بعد أن احتلّوا هذه المنطقة، على سكناها بدل الإسرائيليّين الذين سبَوهم إلى بابل. قادتْهم ظروفٌ تاريخيّة، وبعد عودة الإسرائيليّين من بابل، إلى إدراج إله إسرائيل ضمن آلهتهم الوثنيّة وقبولهم كتب موسى الخمسة، أي ما يسمّى التوراة، كتبًا مقدّسةً. 

 اعتبر السامريّون أنفسهم إسرائيليّين من نسل أبناء يوسف، أفرام ومنسّى، الذين سكنوا هذا الجزء من أرض فلسطين والتي سميّت فيما بعد السامرة واعتبروا إبراهيم أبًا لهم. اعتبرهم اليهود غرباء (متّى  10 ،5 + لو17 ،16) وتبادلوا الحروب والعداوات. كانت الدعوات الحاخاميّة إلى عدم مخالطتهم أو حتّى عدم لمس واستعمال كلّ ما يلمسونه. عندما طلب يسوع من السامريّة أن تسقيَه قالت:

" كيف وأنت يهوديّ تطلب منّي أن أسقيَك وأنا امراة سامريّة واليهود لا يخالطون السامريّين" (يو 4 ، 7-9). وليس للمسيح ما يستقي به ويطلب أن تسقيَه من جرّتها. هنا نتلمّس وجهًا من أوجه جرأة يسوع التي لن تسمح بأيّ عائق أمام بشارة هذه المرأة ولن تخضع لتعاليم وعادات وتقاليد رجال دينه وبني جلدته.

 "وأقبل تلاميذه، فتعجّبوا عندما رأَوه يحادث امرأة ولكن لم يقل أحد منهم: ماذا تريدين منه؟ أو لماذا تحادثها؟" (الآيتان 27و28).هنا نلحظ وجهًا آخر من أوجه جرأته المذكورة. ذلك أنّه يُخالِطُ لا سامريًّا وحسب، بل امرأةً سامريّة. والمعروفُ أنّ المرأة عند معلّمي الشريعة كانت محتقرة. الحاخام الذي يحادث امراةً لا يستحقّ هذا اللقب.

سنذكر بعض التوصيات الحاخاميّة بهذا الشأن: "لا تحادث امرأة. لا تطل النقاش معها في الطريق حتّى ولا مع زوجتك. الأفضل أن، تُحرَق أوراق التوراة من أن تُسلّم إلى امرأة. النساء غير قابلات للتعليم الدينيّ. إذا تحادث رجل مع امرأة يؤذي ذاته ويبتعد عن الناموس ويستحقّ جهنّم." المسيح هنا رفض عادات وتقاليد وأوامر الشيوخ والمعلّمين. رفضُه ليس هدفًا بل أداة لتحويل هذه المرأة إلى مبشِّرة بقدوم مسّيا المخلّص.

 كلّ العادات والتقاليد والقوانين الكنسيّة تبطل مفاعيلها وتتطلّب إعادة نظر إن غدت عائقًا أمام البشارة، أمام التعرّف إلى وجه المسيح الحقيقيّ. أوَليس ملفتًا أن ينتهي مقطعنا الإنجيليّ بما قاله السامريّون للمرأة: "لا نؤمن تبعًا لكلامِكِ بل لأنّا سمعناه نحن وعلمنا أنّه مخلّص العالم حقًّا" (الآية4)؟

كلّ إيمان يُبنى على ما دون وجه يسوع المسيح سيسقط، وإن لم يسقط ظاهرًا يسقط باطنًا لأنّه وثن.