الأحد 4 تشرين الأول 2020

الأحد 4 تشرين الأول 2020

04 تشرين الأول 2020

الأحد 4 تشرين الأول 2020        
العدد 40
الأحد 17 بعد العنصرة
 
اللَّحن الثامن الإيوثينا السادسة
 
* 4: إيروثاوس أسقف أثينا، البارّ عمُّون المصريّ، * 5: الشَّهيدة خاريتيني، البارّة ماثوذيّة، البار ّإفذوكيموس،
* 6: الرّسول توما، * 7: الشَّهيدان سرجيوس وباخوس، الشّهيد بوليخرونيوس، * 8: البارّة بيلاجيا، تائيس التّائبة، سرجيوس رادونيج (25 ايلول ش)، * 9: الرّسول يعقوب بن حلفا، البارّ أندرونيكس وزوجته أثناسيّا، إبراهيم الصدَّيق ولوط، * 10: الشَّهيدان أفلمبيوس وأخته أفلمبية. * 
 
الشخص البشريّ 
 
قُلنا إنّ الشخص personne يفترق عن الفرد individu  (راجع الكرمة عدد 22). هو كائنٌ مصنوعٌ من العالم المادّيّ وغيرِ المادّيّ، مخلوقٌ من التراب، مخلوق على صورة الله.
 
يقول القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ "إنّ الإنسان كائنٌ ثُنائيّ، أرضيٌّ وسماويّ، وقتيٌّ وخالدٌ في آنٍ معاً". 
هو صورةٌ عن العالم  Imago mundi وصورةٌ عن الله Image Dei. 
 
يشترك مع هذا العالم الفاني العابر والفاسد وفي الوقت نفسه مع العالم الروحيّ السماويّ والأبديّ. لذلك يضيف القدّيس غريغوريوس إنّ الكائن البشريَّ مَدْعُوٌّ إلى التألّه. مِن هُنا نقول إنّ الكائن البشريَّ مِن دون الله ليس كائناً أصيلاً، ليس بإمكانه أن يصير خالداً.
 
تُرى أين تتموضع صورةُ الله في الكائن البشريّ؟ أفي العقل، أم في النفس، أم في قوّة الخلق والحريّة والإبداع؟!
بعض الآباء وضعها في نفس الإنسان وبعضهم الآخر في النفس والجسد.
يبقى الكائن البشري في سرّ Mystére من أين له هذه القدرة الخلاّقة سوى من الله؟! 
 
هذا ما يميّزه عن الكومبيوتر Computer هذا الأخير لا يتصرّف إلاّ ضمن ما أُدخل إليه. إنّه لا يصنع شيئاً إضافيًّا. لذلك لا بدّ أن نشدّد على اللقاء المباشر شخصاً إلى شخص، وجهاً إلى وجه ولا نكتفي باللقاء السّمعيّ والصُّوري عبر الإنترنت (on line).
ما ذكرناه قبلاً هو أنّ الشخص البشريّ يجمع بين الضعف والقوّة، بين العابر والدائم، بين الأرض والسماء، وبين المادّيّ والروحيّ. لذلك باستطاعته أن يكون وسيطاً بين الخليقة والخالق: 
 
يقدّم العالم إلى الله ويقدّم الله إلى العالم. هو سُلَّمٌ على مثال العذراء مريم والدة الإله. هو كاهنٌ إفخارستيٌّ يقدّم العالم إلى الله بِشُكر: "التي لك ممّا لك نقدّمها لك على كلّ شيء ومن جهة كلّ شيء ".
 
التقدمةُ بِشُكرٍ هي ذبيحة، و"الذبيحة لله روحٌ منسحق". نقدّم حياتنا البشريّة ذبيحة لله بحبٍّ سخيّ، بإخلاء الذات Kénosis ممّا يقود الى الملء Plerosis هذا ما يُفضي بالشخصيّةَ البشريّة إلى نوعيّة الحبّ.
 
إنَّ المَقولةَ الشَّهيرةَ "أنا أفكّر إذاً أنا موجود" Cogito ergo sum التي أتى بها الفيلسوف العقلانيّ رينه ديكارت René Descartes (القرن السابع عشر) قد صحّحَها الأب المؤمن ديمتري ستانيلوى Dimitri Staniloei بقوله: "أنا أُحبُّ إذاً أنا موجود" Amo ergo Sum.
 
+ أفرام 
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما 
 
طروباريّة القيامة باللّحن الثامن
إنحدَرْتَ من العلوِّ يا متحنِّن، وقبلْتَ الدفنَ ذا الثلاثةِ الأيّام لكي تُعتقنا من الآلام. فيا حياتنا وقيامَتنا، يا ربّ المجد لك. 
 
القنداق باللّحن الرابع
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطة لدى الخالِق غيْرَ المردودة، لا تُعرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائماً بمكرَّميك.
 
الرِّسَالة 
2 كو 6: 16-18، 7: 1
 
صلُّوا وأوفُوا الربَّ الهَنا 
الله معروفٌ في أرضِ يهوذا
 
يا إخوةُ، أنتمُ هيكَلُ الله الحيِ كما قالَ الله إنّي سأسكُنُ فيهم وأسيرُ فيما بينَهم وأكونُ لهم إلهًا وهم يكونونَ لي شعباً. فلذلك اخرُجوا من بينِهم واعتزلوا يقولُ الربُّ ولا تَمَسُّوا نَجِسًا، فأقبَلَكم وأكونَ لكم أبًا وأنتمُ تكونون لي بنينَ وبناتٍ يقولُ الربُّ القدير، وإذ لنا هذه المواعِدُ أيُّها الأحبّاءُ فلنُطهِرْ أنفُسَنا مِن كلّ أدناسِ الجسَدِ والروحِ وَنُكمِّلِ القداسةَ بمخافةِ الله.
 
الإنجيل
لو 6: 31-36 (لوقا 2)
 
قال الربُّ: كما تريدونَ أن يفعلَ الناسُ بكم كذلك افعلوا أنتم بهم. فإنَّكم إنْ أحببتُم الذين يُحبوُّنكم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأةَ أيضًا يُحبُّون الذين يحبُّونهم. وإذا أحْسنتم إلى الذين يُحسِنون إليكم فأيّةُ منَّةٍ لكم، فإنَّ الخطاةَ أيضًا هكذا يصنعون. وإن أقرضْتم الذينَ تَرْجونَ أن تستوفوا منهم فأيّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطاة أيضًا يُقرضونَ الخطأة لكي يستوفُوا منهم المِثلَ. ولكن، أحبُّوا أعداءَكم وأحسِنوا وأقرضوا غيرَ مؤَمِّلين شيئاً فيكونَ أجرُكم كثيراً وتكونوا بني العليّ. فإنَّهُ منعمٌ على غير الشاكرينَ والأشرار. فكونوا رُحماءَ كما أنّ أباكم هو رحيمٌ.
 
في الرسالة والإنجيل
 
منذ البدء، لمّا خلق الله الإنسانَ ميّزه عن باقي الخليقة ونفخ فيه من روحه، وهكذا صار الإنسان مسكناً لله القدوس، وبالتالي خالداً لا يموت. 
 
لكنْ لمّا صارت الخطيئة، لم يَعُدِ الإنسان يدرك تماماً هذا. وها هو الرسول بولس اليوم يذكّر الكنيسة بكلام الله الذي قاله قبلاً لبني اسرائيل، وهو أنّنا هياكلُ لله الحيّ.
 
كلُّ إنسانٍ اعتمد على اسم الآب والاِبن والرّوح القدس أصبح اليوم مهيَّأً لسكنى الله فيه، الذي سيعلّمه من هناك أي من قلب الإنسان كيف يجدِّدُ باستمرار مسكنَه أي داخلَه ليبقى الله ساكناً فيه ولكي يكمل مسيرتَه في طريق القداسة.
الله يسكن في الإنسان. إذاً عليك أنت أن تعمل وتجاهد لتكتسب من صفات الله، لذلك قال الربُّ في الإنجيل كونوا رُحَماء كما أنّ أباكم هو رحيم.
 
والرحمةُ لا تأتي إلّا من القلب الذي يسكنُه الله فيطهِّرُه من أدناس الجسد ويمحِّصُه بالنّارِ حتّى يتجلّى ويصبح قادراً على رحمة الآخرين. 
فكُنْ على يقين يا من تسمع صوتَ الرّبِّ اليومَ أنَّ مَن يَرحَمُ أخاه يَرحَمُه الله.
في المقطع الإنجيليّ يعطينا الربُّ أمثلةً عن الرحمة، أوّلُها المحبّة ثمّ الإحسان.
 
أيُّ إنسان، كائنًا مَن كان، يمكنه أن يُحْسِنَ إلى الآخرينَ إذا أراد، وقد يَفُوقُك. لكنَّ الربَّ يريد منك أنت الذي ستكون مسكناً لله أن لا تكون شخصاً عادياًّ فقط، بل أن تكون على مثاله. لذلك قال أحبّوا أعداءكم لتشابهوني. 
 
أنتَ حملتَ الصليبَ وتبعتني، وأنا على الصليب طلبتُ الغفرانَ للّذين صلبُوني. إذن رحمتُكَ للآخَرين تنبعُ مِن محبّتِكَ لهم. تكلّفُكَ جهداً، لكنّكَ ستنالُ رحمةً وتكونُ مِن بني العلي. آمين.
 
سرُّ الرُّجوع 
 
يقولون إنَّ الحياة تسيرُ قُدُماً؛ فالماضي وَلّى ولا داعي للرجوعِ إليه؛ علينا السَّيْرَ قُدُماً. الحياةُ طبعاً تتجدَّد ولكنَّ الخبرةَ البشريَّةَ علَّمتنا أنَّ حاضِرُنا يرسُمُ لنا مُستقبَلَنا. فالحاضِرُ لا يلبث أن يصيرَ ماضيًا في ثوانٍ، في لَحَظات. 
 
كانَ سميرٌ كُلَّما يريدُ أن يعترِفَ بخطاياهُ يذهَبُ إلى الأب نيقولاوُس كاهِنِ رعيَّته. يتحضَّر في بيتِهِ للاعترافِ طوال الأسبوع، وذاتَ سبتٍ يذهبُ سميرٌ إلى صلاةِ الغروبِ. 
 
وبعد انتهاءِ الخدمةِ يتقدَّمُ ويجلِسُ في المقاعِدِ المواجِهةِ لأيقونةِ يسوع منتظراً الكاهِنَ ليخرُجَ مِن الهيكلِ. 
 
يخرجُ الكاهِنُ لابِساً بطرشيله وفي يده كتابُ الإفخولوجي الصَّغير. يُنادي سميراً ليمثُلَ أمامَ أيقونةِ السَّيِّدِ فيقرأانِ معاً الصَّلاةَ التي تسبِقُ سِرَّ الاعتراف. بعدَ الصَّلاةِ، يقولُ الكاهِنُ لسمير أن يباشِرَ بالاعترافِ بخطاياه. فيقولُ سميرٌ ما قد اقترفه من الخطايا في الماضي. 
 
"إغفر لي يا أبتِ إذ قد أخطأتُ تُجاه اللهِ والناسِ، وها إنّي أُكَرِّرُ الخطايا ذاتها التي سبق أَنِ اقترفتها. فإنّي لا أريدُ الرجوعَ إليها، ولكنّني كلَّما حاوَلتُ الخروجَ مِنها، تلاقيني عند مفترقِ الطُّرُقِ". 
 
فيُجِيبُهُ الكاهِنُ قائِلاً: "عليكَ أن تحاوِلَ أكثر في أن تتَّكِلَ على الله. هذا هو جهادُنا؛ أن نُلقي على الله الأثقال. 
طالما حاولنا أن نُعالِجَ مشاكِلنا بيدِنا وأن نجدَ مخرجاً لخطايانا بمفردنا. فبالأحرى يجدر بنا أن نعيش يومنا، حاضرنا، مع الله".
"ولماذا حتّى الآن يسمح الله في أن أقع في الخطيئةِ؟ رغم أنّني أحاولُ جَهدي أن لا أصنع المعاصي."
 
"المشكلةُ،" يجيبه الأب نيقولاوس، "ليست في اقترافِ الخطيئةِ خارجيّاً. فهذا آخر المطاف. المشكلةُ الحقيقيّةُ هي أنَّ الخطيئةَ تبدأ في فكرك فتبتهجُ بها وتنصاعُ إليها وتحاورُها. فهنا لا بُدَّ من الرُّجوعِ إلى الله.
 
أوليست هذه التوبة؟ عندما تقع في مشكلةٍ في حياتك، أفلا تستنجد بمن هو أَخبَرُ مِنك وأقوى منك أمامَ عواصفِ الحياة؟ هكذا عندما يأتيك فكرٌ خاطِئٌ، فأوَّل من عليك بأن تلتجئ إليه هو ربُّنا يسوع الذي تجسّد.
بالأحرى عليك أن تلتجئ إلى محبّته، وتناجيه قائِلاً: ربّي هَبْني أن أحبَّك بِكُلِّيَّتي كما أنتَ تحبُّني.
 
ربّي، اجعل فكري دوماً معك، كما أنت معي في كلِّ آن. الدّهاءُ هو في أن تخرُجَ مِن ذاتِكَ وتصوِّبَ نظرك إلى فوق، إلى الله الأقوى والأجدر أن ينجِّيَك من نفسك."
 
أن يعيش الإنسانُ الماضي في فكره، هو أن يعيش ذكرى خطاياه وبهذا يبتعد عن الله ويغرقُ في اليأسِ. وعندما يسمح الإنسان لقلبه في حاضِرِهِ أن يستمتع بفكرٍ خاطئٍ، فهو بالأحرى يكونُ أيضاً يهيِّئُ لمستقبلٍ تحكمه الخطيئة، لأنَّ هذه الأخيرةُ تُغذّيهِ بوهمِ المستقبل المتوتّر والمبهم وغير الثابت. 
 
وأمّا إذا عاش الانسانُ حاضره مع الله فهو يبني لمستقبلٍ مع الله. دعونا نتخيّل يا إخوةُ أنّنا الآنَ في الحاضِرِ. 
فإذا أغمضنا أعيننا وتبحَّرنا في ما يَشغَلُنا الآن، نرى أنَّ أمورًا كثيرةً تشتِّتُنا وتُثيرُنا، ونشعر أنّ علينا أن نعملها كلّها. 
نعيشُ توتُّراً يوميّاً. فهذا التوتُّر الذي نعيشه في حاضِرِنا، سننقله إلى مستقبلنا الذي يوماً ما سيكونُ حاضِرَنا الذي سيتكرّر نفسه في المستقبل. 
 
أوَليس هذا كلُّه بطاقةَ دخولٍ إلى دوّامة الجحيم؟ "إهدأ،" يقول الله في العهد القديم. وهنا تأتي التوبة، أي الرجوع إلى الله. 
هنا تكمن قوّةُ حُرّيّة الإنسان؛ في قراره وفي قلبه. أقرّر أن أكون مع الله وأطلب منه النجدة وأسبّحه وألهج به كلَّ الوقت، هنا والآن. وبهذا أكون أُحَضِّرُ لمستقبلٍ في ملكوت السماوات.
 
لماذا؟ وكيف؟
 
لماذا ماتَ ابني؟ لماذا رحلَ عن هذه الدُّنيا باكرًا؟
لماذا أصابني المرضُ والألم؟
لماذا لم أُوَفَّقْ بزواجي؟
لماذا لم أُوَفَّقْ بِعمل؟
لماذا... لماذا... لماذا...
لا جوابَ على مِثلِ هذه التَّساؤلاتِ أفضلُ مِنَ الصَّمت. إذْ كيف يتيسَّرُ للمَرْءِ أن يُفَسِّرَ ما يَفُوقُ طاقتَه؟ وَمَن ذا الّذي يَعرِفُ فِكرَ الله؟ وَمَن ذا الّذي يَجرُؤُ على مُحاكمتِه؟
 
على الإنسانِ أن يتحلّى بِقَدْرٍ كبيرٍ من التّواضُع، لِكي يجعلَ فِكرَهُ خاضعًا خاشِعًا أمامَ أسرارِ الله، فلا يعود يسأل: لماذا؟ وكيف؟
هذه هي القاعدةُ الّتي عليها ينبغي لنا أن نؤسِّسَ إدراكَنا لأسرارِ الله.
 
إنَّ مَنطِقَ الله يـختلفُ عن منطق الإنسان، فكيف يمكنُنا، والحالةُ هذه، أن نُدرِكَ ما لا يُدرَك؟!
يقولُ القدّيسُ باييسيوس الآثوسيّ إنّنا بعدَ موتِنا سنُعاينُ الـمسيحَ وجهًا لِوَجه، وعندئذٍ سنفهم الـ"ماذا" والـ "كيف"، وسيتّضحُ لنا كلُّ ما فاتَنا فهمُه في هذا العالَم. عند ذلك، وَبِكُلِّ ما في كيانِنا مِن قُوّة، سوفَ نقول: أشكرُكَ يا إلهي لأنّكَ سمحتَ بكُلِّ الأُمورِ الّتي حصلَتْ معي.