الأحد 3 شباط 2019

الأحد 3 شباط 2019

03 شباط 2019
 
 
الأحد 3 شباط 2019          
العدد 5
أحد زكّــا (15 من لوقا)
 
 
اللّحن الثّالث الإيوثينا الثّالثة
 
* 3: سمعان الشّيخ، حنَّة النّبيّة، * 4: البارّ إيسيذوروس الفرميّ، * 5: الشّهيدة أغاثي، * 6: الشّهيد إليان الحمصيّ، بوكولوس أسقف أزمير، فوتيوس بطريرك القسطنطينيّة، * 7: برثانيوس أسقف لمبساكا، البارّ لوقا،* 8:  ثاوذوروس قائد الجيش، النّبيّ زخريّا، * 9: وداع عيد الدّخول، الشّهيد نيكيفوروس،. *

 
 
حضـــارة الجسد
 
العالَم اليوم، وبخاصّة الغربيّ منه، يميل، أكثر فأكثر، إلى الحياة الدّهريّة secular world. 
 
هذا يعني أنّه يخرج في حياته عن نطاق الله ويغرق، أكثر فأكثر، في الأمور المادّيّة بعيداً عن الكنيسة والأمور الرّوحيّة، ملتصقاً بظواهر الأشياء، وأهمُّها الجسد. فما أكثر ما هو مألوف من تحيّات "كيف صحّتك" "صحّتك بالدّني"، "المهمّ الصحّة". 
 
 
ولا يكتفي الإنسان بذلك بل يَروح، وبخاصّة المرأة، يركّز على الأناقة الجسديّة مهتمّاً بالأزياء الخارجيّة وبالرّياضة  البدنيّة Gym!
كأنّه صار عابداً للجسد لا لله. 
 
هذا لا يعتق أبناء الكنيسة من ذلك كلّه، وحتّى الكهنة ورؤساء الكهنة أيضًا، وتشييد الكنائس "المهمّ الحجر لا البشر".
 
كلّ هذا ينافي قواعد الدِّين والإيمان الحقيقيّ. عندنا يسعى الإنسان غالباً وراء لذّة الجسد، لذّة الطّعام والشّراب. الحياة صارت مركّزة على الصّحّة والمال وليس على إرضاء الله أوّلاً.
 
القضيّة هي أعمق من الجسد. هي تخصّ الإنسان في مواجهته للحياة والموت. يذكر سفر العبرانيّين: "ها
 أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله. فإذ قد تشارك الأولاد في اللّحم والدّم اشترك هو أيضًا فيهما... لكي يُعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كلّ حياتهم تحت العبوديّة" (عبرانيّين 2: 13-14-15). طبعاً كان الإنسان دوماً، ولم يزل، يسعى إلى الخلود (eternal life). 
 
اليوم، بعد مجيء المسيح القائم من بين الأموات، تخلّدنا نعمة الرّوح القدس، نعمة المسيح الإله الغالب الموت. من هنا أهمّيّة مرافقة المريض المشرف على الموت. 
 
لا يكفي السّعيُ إلى إراحته جسديًّا ونفسيًّا، بل علينا، وبخاصّة على الكاهن، أن يُهيّئه لمواجهة الموت.
 
كيف يتهيّأ الإنسان للموت؟! هل يكفي الكاهنَ أن يصلّي؟ أن يدهن المريض بالزّيت المقدّس ويناوله؟ هذا لا يكفي! 
 
إذ الواجب أن يساعده على الاِعتراف كآخر توبة ورجاء بمغفرة الخطايا ورحمة الرّبّ لكلّ ما اقترفه من عيوب في حياته.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 

طروباريّة القيامة باللّحن الثّالث
 
لتفرحِ السماويّات، ولتبتهج الأرضيّات؛ لأنّ الرّبَّ صنعَ عِزًّا بساعدِه، ووطِئَ الموتَ بالموتِ، وصارَ بكرَ الأموات، وأَنقدنا من جوفِ الجحيم، ومنح العالَمَ الرّحمةَ العُظمى. 
قنداق دخول السّيّد إلى الهيكل باللّحن الأوّل
 
يا مَن بمولدِكَ، أيّها المسيحُ الإلهُ، للمستودع البتوليِّ قدَّسْتَ ولِيَدَيْ سمعانَ كما لاقَ باركتَ، ولنا الآن أدركْتَ وخلَّصتَ، إِحفظ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب، وأيِّدِ المؤمنينَ الذين أحببْتَهم،  بما أنّكَ وحدَكَ محبٌّ للبشر.
 
الرِّسالة
1 تيمو 4: 9-15
الرّبُّ يُعطي قوَّةً لشَعبِه  
قدِّموا للرّبِّ يا أبناءَ الله
 
يا إخوةُ، صادقةٌ هي الكلمةُ وجديرةٌ بكُلِّ قَبُولٍ. فإنَّنا لهذا نتعَبُ ونُعيَّرُ، لأنَّنا ألْقَينا رجاءَنا على اللهِ الحيّ، الذي هو مخلِّصُ النّاسِ أجمعين ، ولا سِيَّما المؤمنين؛ فَوَصِّ بهذا وعلِّم بهِ. لا يَسْتَهِنْ أحَدٌ بِفُتُوَّتِكَ، بل كُنْ مثالاً للمؤمنينَ في الكلامِ والتّصرُّفِ والمحبَّةِ والإيمان ِوالعَفاف. واظِبْ على القراءةِ إلى حينِ قدومي، وعلى الوعظِ والتعليم، ولا تُهمِلِ الموهبَةَ التي فيكَ التي أُوتيتَها بنبوَّةٍ بوضع أيدي الكهنة. تأمَّل في ذلك وكُنْ عليهِ عاكِفاً، ليكونَ تقدُّمُك ظاهراً في كلِّ شيءٍ.
 
الإنجيل
لوقا 19: 1- 10 (لوقا 15)
 
في ذلك الزّمان، فيما يسوع مجتاز في أريحا، إذا برجل اسمُه زكّا كان رئيساً على العشّارين وكان غنيّاً، وكان يلتمِسُ أنْ يرى يسوعَ مَن هو، فَلَم يكن يستطيعُ من الجمع لأنَّهُ كان قصيرَ القامة. فتقدَّم مسرعاً وصعِد إلى جمَّيزةٍ ليَنْظُرَهُ لأنَّهُ كان مُزمِعًا أن يَجْتازَ بها. فلَّما انتهى يسوعُ إلى الموضع رفع طَرْفَهُ فرآهُ فقال لهُ: يا زكَّا أَسرِعِ انزِلْ، فاليومَ ينبغي لي أن أمكُثَ في بيتك، فأسرعَ ونزَلَ وقبِلهُ فرِحًا. فلمَّا رأى الجميعُ ذلك تذمَّروا قائلين إنَّهُ دخل ليحلَّ عند رجلٍ خاطئ. فوقف زكَّا وقال ليسوعَ: هاءَنذا يا ربُّ أُعطي المساكينَ نِصْفَ أمْوالي، وإن كنتُ قد غَبَنْتُ أحداً في شيءٍ أرَدُّ أربعةَ أضعافٍ. فقال لهُ يسوع: اليومَ قد حصل الخلاصُ لهذا البيتِ لأنَّهُ هو أيضاً اِبنُ إبراهيم. لأنَّ ابنَ البشرِ إنَّما أتى لِيَطْلُبَ ويُخَلِّص ما قد هلك.
 
في الإنجيل 
 
إنجيل هذا الأحد المبارك يحدّثنا عن زكّا العشّار. والعشّار هو جابي الضّرائب، الذي يجمع عُشر الأموال من المواطنين اليهود ويعطيها للدّولة الرّومانيّة. 
 
زكّا لم يكن عشّاراً عاديًّا بل كان رئيساً  للعشّارين، وهذا ما جعله مكروهاً ومنبوذاً من الجميع.
 
ولكنّ زكّا هذا كان يتشوّق لرؤية الرّبّ يسوع الذي كان يجتاز في مدينة أريحا. 
 
لم يتمكّن من ذلك بسبب ازدحام النّاس حوله ولأنّه كان قصير القامة. وهذا ما جعله يصعد إلى شجرة الجمّيزة العالية ليشاهد المعلّم الجديد، لعلّه يجد فيه نوراً يطمئنّ إليه. 
 
وبالفعل، تمكّن العشّار زكّا من رؤية الرّبّ يسوع الذي، عندما رآه، قال له توًّا: "يا زكّا أَسرع انزل، فاليوم ينبغي لي أن أمكث في بيتك". وفوراً، وبدون تردّد، نزل وقبله فرِحاً.
 
من هذه الحادثة المبارَكة نتعلّم ما يلي:
 
*زكّا العشّار كان خاطئاً، مثلي ومثلك، وقد قسا الجميعُ عليه، لذلك أقام يائساً في خطاياه. 
 
بعد كلّ تلك الأيّام لم يكن بحاجة لأكثرَ من كلمة قالها له يسوع الطّويل الأناة والكثير الرّحمة والجزيل التحنّن: "يا زكّا أسرع انزل، فاليوم ينبغي لي أن أمكث في بيتك". بيتُ القصيد أنّ يسوع أحبّه بالرّغم من كره الجميع له. لمس قلبه وحرّك وجدانه.
 
*زكا، بإزاء محبّة يسوع الفائقة، شعر في عمق نفسه بالأمان، وهذا ما جعله يجد ضالّته. لم يعد بحاجةٍ إلى غنى هذا الدّهر الحاضر الخدّاع. استغنى بالله. 
 
لذا أبدى أنّه يعطي نصف أمواله للمساكين. كانوا أوّل مَن فكّر فيهم لأنّه عرف، بمحبّة الرّبّ يسوع له، كم كان هو نفسه مسكيناً. كم كان، في أعماق قلبه، فقيراً رغم ما جمع من مال الدّنيا. يغتني الإنسان بالحبّ وبمخافة الله لا بالمال والسّلطة.
 
عندما يدعونا الرّبّ يسوع يجب علينا أن نسرع إلى لقائه، كما فعل زكّا، وألّا نبطئ في مسيرتنا إليه، وأن نفتح له أبواب قلوبنا طاهرةً نقيّةً وليس أبواب بيوتنا فقط، وأن نتذكّر خطايانا كزكّا الذي قال: "أنا رجل خاطئ". 
 
فهل نحن نعترف بخطايانا إلى الرّبّ لكي يهبنا الخلاص ومغفرة خطايانا، فيدخل إلى بيوتنا وقلوبنا ويقول لنا "اليوم قد حصل الخلاص لهذا البيت"؟
 
أخيراً، إنّ الرّبّ يسوع يقرع على أبواب بيوتنا وقلوبنا، فعلينا أن نفتح له، ليقدّس نفوسنا وأجسادنا.
فكلّنا زكّا ونناديك يا يسوع، فهلمَّ بارِكنا واقبل توبتنا وقدّس نفوسنا وأجسادنا، فإنّك المبارك من الآن وإلى دهر الدّاهرين. آمين.
 
عيد دخول ربّّنا وإلهنا يسوعَ المسيحِ إلى الهيكل 
 
يُعرَّف عن العيد بتسميات متعدّدة. نحن والموارنة والأقباط وجماعات أخرى ندعوه "عيد الدّخول"، ويُعرف باليونانيّة بـ "عيد اللّقاء" (أي أبانتيسيس)، ويسمّيه اللّاتين "عيد التطهير" وآخرون "عيد التقدمة". وفيما يصنّفه الشرق عيداً للسّيّد يجعله الغرب عيداً لوالدة الإله.
 
الاِحتفال بالعيد كان معروفاً في أورشليم منذ القرن الرّابع للميلاد. 
 
أمّا ناشره في كلّ العالَم البيزنطيّ فكان الإمبراطور يوستنيانوس الأوّل حوالى العام 542 م. في ذلك الحين، على ما ورد، تفشّى الطّاعون في القسطنطينيّة والجوار وأخذ يحصد، كلّ يوم، ما معدّله خمسة آلاف ضحيّة. كما ضرب زلزال رهيب مدينة أنطاكية.
 
لا نعرف أيَّ زلزال كان. أقرب ما في السّجلّات زلزال السّنة 539 م والذي ذهب ضحيّته أربعة آلاف من السكّان وأحدث خراباً شديدًا في المدينة. 
 
وإذ بدا أنّه لا حول ولا قوّة للعباد إلّا بالله نادى الاِمبراطور والبطريرك القسطنطينيّ بالصّوم والصّلاة في كلّ الإمبراطوريّة. 
 
فلمّا كان الثّاني من شباط خرجت مسيرات في المدن والقرى تسأل عفو الله ورضاه، فانلجم الطّاعون واستكانت الأرض. فشاع العيد، على الأثر، وجرى تبّنيه في كلّ أرجاء الإمبراطوريّة. وكان ليوستنيانوس قيصر الفضل الأكبر في تعميمه.
 
يستند العيد إلى النّصّ الإنجيليّ الذي أورده لوقا البشير في الإصحاح الثّاني، عبر الآيات 22 إلى 38.
 
* ثلاثة عناصر تشكّل العيد:
 
تطهير مريم لوضعها مولوداً ذكراً - تقديم المولود الجديد للرّبّ- لقاء سمعان وحنّة النّبيّين.
 
* تقديم المولود جديداً:
 
تقديم الوالدين بكرهما من الذّكور للرّبّ كان واجباً شرعيًّا. "كلّ فاتح رحم من كلّ جسد من البشر والبهائم، يقدّمونه للرّبّ..." (العدد 18: 15). 
 
هذه الفريضة، في رأي الدارسين، إشارة إلى عادة شاعت بين العبرانيّين، في مرحلة سابقة لمرحلة الكهنوت اللّاويّ، وقضت بأنْ يكون لكلّ عائلة كاهنٌ لدى الرّبّ. 
 
بعد ذلك اختار الرّبّ الإله خدّاماً له، عوض أبكار بني إسرائيل، سبط لاوي. 
 
"قد أخذت اللّاويّين من بين بني إسرائيل بدل كلّ بكر فاتح رحم من بني إسرائيل فيكون اللّاويّون لي لأنّ لي كلّ بكر" (عدد 3: 12-13).
 
 كذلك قضى الرّبّ الإله بفداء أبكار إسرائيل بمال يؤدّى للخدّام الجدد. 
 
"تقبل فداء بكر الإنسان... وفداؤه من ابن شهر تقبله حسب تقويمك فضّة خمسة شواقل على شاق القدس". 
 
من هنا الظنّ بأن أبوَي يسوع أدّيا عنه الفدية كما في ناموس الرّبّ. 
 
أمّا صعود الطفل الجديد إلى هيكل الرّبّ فلم يكن، في ما يبدو، إلزاميًّا. 
 
الأتقياء وحدهم كانوا يفعلون ذلك، لا سيّما الذين يعتبرون، لسبب أو لآخر، أنّ بكرهم للرّبّ الإله كائن. مثل ذلك ما فعلته حنّة أمّ صموئيل النّبيّ حين أصعدته معها إلى بيت الرّبّ بثلاثة ثيران وإيفة دقيق وزقّ خمر "وأتت به إلى الرّبّ في شيلوه والصّبيّ صغير" (1 صم 1: 24). 
 
يومها كان في نيّة حنّة أن تقدّمه لله. لذا قالت "وأنا أيضًا أعرته للرّبّ. جميع أيّام حياته هو عارية للرّبّ" (1 صم 1: 28).
 
على أنّ تقديم الرّبّ يسوع طفلاً إلى الهيكل تخطّى العرف والعادة، ليدشّن زمناً جديداً انتفى معه معنى وجود الكهنوت اللّاويّ. 
 
أوّلاً لأنّه لم يعد للذّبائح الحيوانيّة ما يبرِّرها. 
 
وثانياً لأنّ المسيح الذي أضحى الذّبيحة الأبديّة أضحى هو أيضاً رئيس الكهنة الجديد.
 
قيّ) في من يَقدِر أن يؤذيك؟
للقدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم
 
البشريّةُ، في كُلّ عصورِها، تشكو وتئنّ مِن كوارث طبيعيّة ومشاكل اجتماعيّة من الخارج، ومن آلام نفسيّة ومتاعب روحيّة من الداخل.
 
هذا ما تلاحظه يا عزيزي عندما يستبدّ بك الألم ويساورك القلق في وسط دوّامة هذه الحياة. 
 
ولكنّك غالبًا ما تضعُ اللّومَ على عاملٍ خارجيّ، كظُلم الآخَرين لك أو تعدّيهم عليك أو حرمانك من العطف الأبويّ أو الأُمومِيّ، أو تقصير إخوانك في تقديرك، أو عدم عدالة رؤسائك في العمل... 
 
إلخ؛ وقلّما تدخلُ إلى نفسك لتلتمس التّعليل الحقيقيّ لحالك هذه. ما أصعبَ اهتداءَ النّفسِ إلى حقيقة مصدر ضعفاتها الدّاخليّة! وما أشدَّ مَيلَها إلى التّشكّي والتّذمُّر وإلقاءِ اللّومِ على ما هو خارجٌ عنها!
 
إنّ داء النّفس كامنٌ فيها وليس خارجًا عنها. فالنّفس البشريّة تشبه إناءً خزفيًّا، لا يختلف بين إنسانٍ وآخَر إلّا في محتواه.
 
 فالإناءُ الذي يحتوي مادّةً قابلةً للاِشتعال يختلف عن ذاك الذي يحتوي ماءً: 
 
فالأوّلُ يلتهبُ عند اقترابِ الجمرة منه، وأمّا الثّاني فيُطفِئُها. هكذا، إنْ حلَّتِ الكارثةُ بشخصَين، ازدادَتْ نفسُ أحدِهما شجاعةً وخبرة، فيما تحطّمت نفسُ الثاني من اليأس.
 
وهكذا القلب الممتلئ بالمسيح سلامًا وفرحًا، لا تقوى الكوارثُ والتجاربُ المختلفةُ على نَزعِ سلامِه منه، بل تزيده سلامًا بانتصارِه في جهاده ومقاومتِه لها بإيمانه، فتتحوّل التجربةُ فيه إلى مصدرِ بَرَكةٍ وخبرةٍ روحيّة.
 
أمّا القلب المنصرف عن يسوع فإنّه خالٍ من السّلام والبركات النّابعة من هذا الفيض الإلهيّ. لهذا فإنّه يسقط في ضيق نفسيّ تحت أعباء الخطيّة، لا بسبب مؤثّرٍ خارجيّ، إنّما، بالحقيقة، لأجل التّعب الدّاخليّ.
 
إذًا، فليكن لكَ سلامٌ مع الله وشركةٌ عميقةٌ مع الثّالوث الأقدس، عندئذٍ لا تَخَفْ مِن أَيِّ شيءٍ أو مِن أيِّ إنسانٍ مهما بلغ إجرامُه أو تدابيرُه أوحِيَلُه. 
 
إن لم تؤذِ نفسك بنفسك لا يقدر أحد على أن يؤذيك. أمّا إن انصرَفْتَ عن الله، وأهمَلْتَ دَعوَتَه، واستهترْتَ بقُدرتِهِ على العملِ فيك، فعند ذلك خَفْ واضطرِبْ، ولو لم يوجد مُثيرٌ خارجيّ.
 
هل تستطيع قوّة خارجيّة أن تجبرك على الخطيّة فتؤذيك؟ 
 
لا، بالتأكيد، فإنّه، بالرّغم ممّا لدى العالَم من مغريات جذّابة ولدى الشّيطان من حِيَل وخِدَع، لكن لا تستطيع قوّة خارجيّة أن تنحرف بإنسان بغير إرادته، إلَّا إذا ترك قلبه ينحرف داخليًّا أوّلاً.
 
 فيوسف، إذ كان في سلام مع الله، لم تستطع الشّهوة أن تسيطر عليه مع أنّه كان شابًّا، غريبًا، محرومًا من العطف الأبويّ والأمُومِيّ والأخويّ، ليس لديه كتاب مقدّس، ولا كاهن أو معلّم، والخطيئةُ معروضةٌ أمامه في أقوى صُوَرِ الإغراء، في مكان مغلق، لا يعلم فيه أحد بشيء عنه، تغريه سيّدتُه، بل وتُهدّدُه ممسكة بثيابه. 
 
ومع ذلك لم تضطرب نفسه ولا سقط في الشّهوة، بل قالَ لها بسلامٍ كامل: "كيف أصنع هذا الشرّ العظيم وأخطئ إلى الله؟". 
 
وعلى العكس، داود النّبيّ، الذي أقامه الله من المزبلة إلى المُلك، المتزوّجُ بأكثر من امرأة، صاحبُ المزامير الجميلة المعزّية... في اللّحظة التي نسي فيها الله وخرج يتنعّم على السّطح، سقط في الخطيئة.
 
لذلك، احذَرْ يا أخي لئلّا تقتل نفسك بنفسك، وتردّ السّبب إلى الآخرين أو إلى الظّروف المحيطة بك.