الأحد 15 آذار 2015

الأحد 15 آذار 2015

15 آذار 2015
الأحد 15 آذار 2015              
العدد 11
الأحد الثَّالِث من الصَّوم
اللَّحن السَّابِع  الإيوثينا السَّابِعَة
 
* 15: الأحد الثَّالِث من الصَّوم (السُّجود للصَّليب المُقَدَّس)، الشُّهَدَاء أغابيوس والسَّبعة الَّذين معه. * 16: الشَّهيد سابينوس المصريّ، البارّ خريستوذولس. 17: ألكسيوس رجل الله. * 18: كيرلّلس رئيس أساقفة أورشليم. * 19: الشُّهداء خريسنثوس وداريَّا ورفقتهما.    * 20: الآباء الـ 20 المقتولون في دير القدِّيس سابا، المديح الرَّابِع. * 21: الأسقف يعقوب المعترِف، البارّ سِرابيون.
 
 
صليب الفرح
 
طروباريّة الصّليب نرتّلها في بداية كلّ سحر: "خلِّص يا ربُّ شعبكَ وبارِك ميراثك. وامنح المؤمنين الغلبة على الشّرّير. واحفظْ بقوّة صليبِكَ جميع المختصِّين بك". نرتّلها احتفاليًّا في الأعياد المختصّة بالصّليب، كهذا الأحد الثّالث من الصوم، وفي عيد رفع الصّليب في الرّابع عشر من أيلول.
 
لماذا وَضَعَتِ الكنيسةُ إكرامًا للصَّليب، في وسط الورود والرّياحين، في منتصف هذا الصّوم؟!.
 
*    *   *
 
الصّليب يظهر اليوم وكأنّه شجرة الحياة المنصوبة في وسط فردوس النّعيم. هو، أيضًا، شجرة معرفة الخير والشّرّ. هما شجرتان، اللتان كانتا منصوبتان في وسط الجنّة، لكنّهما في الحقيقة شجرتان متمايزتان في الوَحِدة ومتَّحِدتان في التّمايز. شجرة الحياة هي المسيح. شجرة معرفة الخير والشّرّ هي صليب الحرّيّة، هذه الحرّيّة الّتي ارتضى الله أن يمنحها للإنسان مع علمه بنتيجتها مُسبَقًا. لا إنسان على صورة الله دون حرّيّة. الحرّيّة وليدة الحبّ الإلهيّ. الحبُّ الإلهيّ هو كمال تجلّي حقيقة الله للخليقة. "الله محبّة" (1 يو 4: 8 و16)، هكذا أعلن الرّسول الإنجيليّ يوحنّا الحبيب. هذا الحبّ الإلهيّ تَجَسَّدَ في ابن الله الآتي إلى العالم. المسيح هو صليبنا، للخلاص، لأنّه حياتنا، ونحن صليبه لأنّه صار إيّانا،  إتَّخَذَنَا بالكلّيّة،  حين "أخلى ذاته آخذًا صورة عبد، صائرًا على شبه النّاس" (في 2: 7).
 
*     *   *
 
نحن  نتصارع  في   دواخلنا  مع  الرّبّ،  كما  فعل إسرائيل القديم. الإنسان المعاصِر، بشكل عامّ، يجهل حقيقته الإلهيّة الّتي له في المسيح وبه. لكنّه يبحث دائمًا عن "السّعادة". يفتّش عنها في لذائذه، في المال والسُّلْطَة، في الحبّ البشريّ والعلاقات الإنسانيّة، في الجمال والابتكارات، في عمل الرّحمة والخدمة... إلخ. يهرب الإنسان من الإلم... يسعى إلى الرّاحة... لكن...، عبثًا يحاول. لا مهرب من مواجهة مأساة سقوطه، بُعْدهِ عن الله، الّذي هو حياته وفيه يجد معنى كلّ وجوده وفرحه الكامل. لأنّ كمال الحبّ هو في الله، وبالتّالي كمال "السّعادة" الّتي يطلبها الإنسان.
 
*     *   *
 
تأتي ذكرى الصّليب في وسط الصوم لتُذَكِّرَنا بأنّ الصّليب هو في صُلْبِ جهادنا الرّوحيّ، طريق الحزن المُفرِح، وفي جوهر حياتنا، الّتي هي اتّباع للمعلّم في مراقي الوجود الحقّ بالوصيّة الإنجيليّة المُعاشَة بالنّعمة الإلهيّة، حيث يختبر المؤمن أنّه "بالصّليب قد أتى الفرح لكلّ العالم". لا مجال للفرح الأبديّ دون مشقّة حياة في التَّضَيُّق من وطأة حربنا الشّرسة مع أهوائنا، الّتي أمّها ومنبعها ومَصَبّها الأنانيّة. لا نستطيع  أن  نقبل الآخَر ويصير هو فرحنا إن لم نقبل 
 
الله حبيبًا أوحدًا، وسيِّدًا وحيدًا على قلوبنا. معرفة الله صليب للعقل، سبيلها التّسليم للمشيئة الإلهيّة وارتقاء مركبة الصّلاة الحارّة النّقيّة، الّتي يهبنا إيّاها الله متى فتحنا له باب قلبنا: "هَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى        مَعَهُ وَهُوَ مَعِي" (رؤ 3: 20). الخلاص بالصّليب عطيّة الحبّ الإلهيّ للبشر.
 
"فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ (...) مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ" (رؤ 3: 19 و21 – 22). مَنْ قَبِلَ أن يَصلب أناه تمَّم حُرّيّته في الحبّ الإلهيّ ويصيرُ شجرة حياة، على صورة معلّمه يسوع المسيح، يغتذي منها الكثيرون بطعام الدّهر الآتي... أتريد هذه الألوهة؟!... هذا هو صليب الفرح والخلاص الأبديّ والغلبة على الموت، منذ الآن، لِمَنِ استطاع أن يَقْبَل...

 
طروباريَّة القيامة باللَّحن السَّابِع
 
حَطَمْتَ بصليبِكَ الموتَ وفَتَحْتَ لِلِّصِّ الفِرْدَوْس، وحَوَّلْتَ نَوْحَ حَامِلاتِ الطِّيب، وأَمَرْتَ رُسُلَكَ أنْ يكرِزُوا بأنَّكَ قد قُمْتَ أيُّها المسيحُ الإله، مانِحًا العالمَ الرَّحْمَةَ العُظْمَى.
 
 
طروباريَّة الصّليب باللَّحن الأوَّل
 
خلِّصْ يا ربُّ شعبَكَ وبارِكْ ميراثَك، وامنَحْ عبيدَكَ المؤمنينَ الغَلَبَة على الشِّرِّير، واحفَظْ بقوَّةِ صليبِكَ جميعَ المُخْتَصِّينَ بك.
 
 
القنداق باللَّحن الثَّامِن
 
إِنِّي أَنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أَكتُبُ لكِ راياتِ الغَلَبَة يا جُنديَّةً مُحَامِيَة، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكْرَ كَمُنْقِذَةٍ مِنَ الشَّدائِد. لكنْ، بما أَنَّ لكِ العِزَّةَ الَّتي لا تُحَارَبِ، أَعْتِقِينِي من صُنُوفِ الشَّدِائِد، حتَّى أَصْرُخَ إِليكِ: إِفرحي يا عروسًا لا عروسَ لها.
 
 
الرِّسَالَة
عب 4: 14 – 16، 5: 1 - 6
خلِّصْ يا رَبُّ شَعْبَك وبارِكْ ميراثَك
إليكَ يا ربُّ أَصْرُخُ إلهي
 
يا إخوةُ، إذْ لنا رئيسُ كَهَنةٍ عظيمٌ قد اجتازَ السَّماواتِ، يسوعُ ابنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بالاعتِرافِ. لأنَّ ليسَ لنا رئيسُ كهنةٍ غيرُ قادرٍ أن يَرثِيَ لأوهانِنَا، بل مُجَرَّبٌ في كلِّ شيءٍ مِثْلَنَا ما خَلا الخطيئة. فَلْنُقْبِلْ إذًا بثقةٍ إلى عرشِ النِّعْمَةِ لِنَنَالَ رحمةً ونَجِدَ ثِقَةً للإغاثَةِ في أوانِهَا. فإنَّ كلَّ رئيسِ كهنةٍ مُتَّخَذٍ من النَّاسِ يُقَامُ لأجلِ النَّاسِ في ما هو لله ليُقرَّبَ تَقَادِمَ وذبائِحَ عن الخطايا، في إمكانِهِ أنْ يُشفِقَ على الَّذينَ يجهَلُونَ ويَضِلُّونَ لِكونِهِ هو أيضًا مُتَلَبِّسًا بالضَّعْفِ. ولهذا يجبُ عليهِ أنْ يُقَرِّبَ عن الخَطَايا لأجلِ نفسِهِ كما يُقَرِّبُ لأجلِ الشَّعْب. وليس أَحَدٌ يَأْخذُ لِنَفْسِهِ الكرامةَ بَلْ من دَعَاهُ اللهُ كما دَعَا هارون. كذلكَ المسيحُ لم يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رئيسَ كهنةٍ بل الَّذي قالَ لهُ: "أنْتَ ابني وأنا اليومَ وَلَدْتُكَ". كما يقولُ في مَوضِعٍ آخرَ: أنْتَ كاهنٌ إلى الأبَدِ على رُتبَةِ ملكيصَادَق.
 
الإنجيل
مر 8: 34-38، 9: 1
 
قالَ الرَبُّ: مَنْ أرادَ أنْ يَتبَعَنِي فَلْيَكْفُرْ بنَفْسِهِ ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبَعْني. لأنَّ مَنْ أرادَ أنْ يُخَلِّصَ نفسَه يُهْلِكُها، ومَنْ أهلَكَ نفسَهُ مِن أجلي وَمِنْ أجْلِ الإنجيل يُخَلِّصُها. فإنَّهُ ماذا يَنْتَفِعُ الإنسانُ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَهُ وخَسِرَ نفسَهُ؟ أمْ ماذا يُعطي الإنسانُ فِداءً عن نَفْسِهِ؟ لأنَّ مَن يَسْتَحِي بي وبكلامي في هذا الجيلِ الفاسِقِ الخاطِئِ يَسْتَحِي بهِ ابْنُ البَشَرِ مَتَى أَتَى في مَجْدِ أبيهِ مَع الملائكةِ القِدِّيسين. وقالَ لهُمْ: الحقَّ أقولُ لكم إنَّ قَوْمًا مِنَ القائِمِين هَهُنَا لا يَذوقونَ الموْتَ حتَّى يَرَوْا مَلكوتَ اللهِ قد أتى بقُوَّةٍ.
 
في الرِّسَالَة
 
رئيسُ الكهنةِ الّذي يحدِّثُنا عنه هذا المقطع هو الرّبُّ يسوعُ نفسُه. ويُظهِرُ عظَمتَه عن طريقِ التّركيزِ على قدرتِه على اجتيازِ السّماوات. وهذا ما يُعِيدُنا إلى موسى النّبيّ الّذي لم يستطِعْ أن يَعْبُرَ إلى راحةِ أورشليم (أي إلى الخلاص). رئيسُ كهنتِنا هذا (الرّبُّ يسوع) عنده القدرة على اجتياز السّماوات نفسِها، لا الأرض وحسب. إنّه قادرٌ على إدخالِنا إلى أرضِ الميعادِ الحقيقيّة، أورشليم السّماويّة، ملكوت السّماوات، لا مجرّد أرض مادّيّة لا قيمة لها.
 
ولكن، لم يتوقّفِ الكلامُ عند الإشادةِ باجتياز يسوعَ للسّماوات، بل يتابع "فَلْنَتَمَسَّكْ بالاِعتراف". وهذا يعني أنَّ الربَّ يسوعَ يستطيعُ أن يُدخِلَنا إلى السّماوات شرطَ أن نكونَ مُسْتَحِقِّينَ لذلك. فما هو الاعترافُ المطلوبُ منّا؟!. إنّه الاعترافُ بوجودِ الحياةِ الأبديّة، وبوجودِ الدّينونة، وبألُوهةِ الرّبّ يسوع، وبسائرِ مواضيع الإيمان. المسيحُ يُريدُ أن يُخَلِّصَكَ، ولكن، عليكَ أن تقترِبَ... أن تؤمن... أن تعترف...
إنّه رئيسُ كهنةٍ قادرٌ أن يَشعرَ بما نُعانيه من ضَعَفَات فيُشفِق علينا، لأنّه تجسَّدَ، واختَبَرَ كلَّ ما نختبرُه. وهذا الكلامُ لا يعني أنّه خاطئٌ مثلنا، لأنّه رغم مشاركتِه إيّانا في طبيعتِنا، لم يشارِكْنَا في ارتكابِ الخطيئة. صارَ إنسانًا تامًّا، واتّخذَ كُلَّ ما للإنسان، وبقيَ بلا خطيئة. وبهذه الطّريقة جعلَ الطّبيعةَ البشريّةَ تنتصِرُ على ضعفِها. انتصرَ عنّا، ومعنا، لكي يَنصُرَنا. اجتازَ، لكي يعطيَنا القدرةَ على الاجتياز.
لذلك، لِنتقَدَّمْ إليه بقلوبٍ مُطْمئِنَّةٍ وواثقةٍ بقدرتِه ورحمتِه. لنتقدَّمْ إليه لأنّه غيرُ ضعيف، وغيرُ خاضِعٍ لنيرِ الخطيئة، ولأنّه غيرُ مُحْتَاجٍ أن يُقَدِّمَ قرابينَ عن نفسِه، بل عن خطايا النّاس.
 
كهنوتُ المسيحِ ذو مصدرٍ إلهيّ. ولإيضاحِ هذه الفكرة، يُشيرُ إلى كهنوتِ هرون، الّذي لم يُدْعَ مِن قِبَلِ إنسان، بَل مِن قِبَلِ الله، عن طريقِ أخيه موسى. هرونُ هذا أزهرَتْ عصاهُ، وكان ذلك علامةً على شرطونيّتِه كاهنًا، بلا يَدِ إنسانٍ، بَل من اللهِ مباشرةً (عدد 8:17).
ولإيضاحِ كهنوتِ المسيحِ الإلهيّ، يُشيرُ كاتبُ الرّسالةِ إلى ملكيصادق، الّذي لم يُعرَفْ له أبٌ ولا أمّ، ولا بداية أيّام ولا نهاية أيّام، ولم يَنَلِ الكهنوتَ بمسحةٍ مِن إنسان، وقدّم ذبيحةَ خبزٍ وخمر. فإذا كان المسيح على رتبةِ ملكيصادق، إذنْ هُوَ أزَلِيٌّ أبدِيٌّ، بغيرِ أبٍ مِن جهةِ أمّه وبغير أُمٍّ من جهةِ أبيه، ولم يَنَلْ رتبتَه الكهنوتيّةَ مِن بَشَر، وقدّم ذبيحة خبزٍ وخمر.
 
الرّبُّ يسوعُ المسيح هو كاهنٌ "إلى الأبد"، لا إلى فترةٍ محدودة؛ ذلك أنّ ذبيحتَهُ (القدّاس الإلهيّ) تُقامُ كُلَّ يومٍ حتّى نهايةِ العالَم. في كلّ قدّاسٍ إلهيٍّ، المسيحُ هُوَ رئيسُ الكهنةِ المُقَرِّبُ، وهو في الوقتِ نفسِه الذبيحةُ المقَرَّبة. هو الّذي مات، وهو الّذي قامَ أيضًا.
ذبيحةُ الصّليب مستمرّةٌ، ونحنُ مدعوّون للاشتراكِ بمفاعيلِها في كُلِّ قدّاسٍ إلهيّ، آمين.
صومنا المسيح!
 
في حياة الكنيسة عندنا، يبقى الصّوم عربون الدّخول إلى التّعرّف بالمسيح يسوع ربًّا... بل ربّنا، لنمشي وراءه، دالّنا إلى أورشليم العُلْوِيَّة!!.
 
الرّبّ يسوع صام أربعين يومًا قبل اقتباله المعموديّة من لدن العليّ بسماع صوته، ورفيف الرّوح القدس دالًّا عليه بشكل حمامة ويد السّابق تعلو رأسه... "هذا هو ابني الحبيب الّذي به سررت فله اسمعوا"!.
 
كلّ حياة الإنسان على الأرض، تبدأ بسرّ المعموديّة، بالتّغطيس حتّى يختبر المعمَّد جحيميّة الموت والخروج منه على يد كاهن الأَسرار الإلهيّة المقدّسة، ليقيمه كلّ حياته إلى عيش عمره، بالحفاظ على سرّ التّنقية والعمل لكي تنفتح مآقي قلب الإنسان وحسّ عقله، والرّوح لمعرفة الحقّ والاعتراف!.
 
أيّة معرفة لم يدركها الإنسان بالعِلم واستقصاء الكتب؟!... "معموديّة التّوبة"... للغرف أيضًا وأيضًا من سرّ الحياة الّتي يسبقنا إليها ربّنا وإلهنا، أي من كلمة إنجيله وحياة قدّيسيه.
 
مأساة السّقوط هو أَنّ الإنسان فقد روحه وروحانيّة نظرته للحياة البِكرِ الّتي مَلَّكَها الإله له، ليعيش كلّ يوم بوعي الحضرةِ الإلهيَّةِ حتّى يسعى إليها بالإيمان، بالصّلاة وبالتّوبة وبالدّموع لغسل ما علق عليه من أَدران الطّمع وحبّ المال والبخل وحبّ النّميمة والكلام البَطَّال وعدم محبّة الأخ كالنّفس والإدانة والتّعالي والتّفلّت والكبرياء.
 
لماذا لا يحبّ الإنسان أَخاه كنفسه، كما أَوصاه ربّه في وصيّته الثّانية، والأولى الّتي هي أَعظم من الثّانية؟!. "أَحبب قريبك كنفسك"... في أَزمنة التّردّي، الّتي نعيشها اليوم، علينا أن نسائل أَنفسنا... هل نحن نحبّ؟!... بذاك الحبّ الإلهيّ الّذي نفخه المسيح في مِنْخَرَيْنَا يوم جَبَلَنَا من ترابه؟!. وهل إذا أحببنا نقول له: لست أنا أَحيا بعد، بل المسيحي يحيا فيّ؟!.
"المسيح يحيا فيّ"!!.
 
ما معنى هذا الكلام؟! وهل هذا الواقع "الإدّعاء"، هو نبراس حياتنا منه وله لِنَنْصَبَّ فيه بالكلّيّة؟!.
 
"تكلّم يا ربّ إنّ عبدَكَ يسمَع"... هكذا دعا الرّبّ "صموئيل" ثلاث مرّات وكان "عالي" الكاهن الأكبر يجيبه، لا تركن لتخيّلاتك... وفي المرّة الثّالثة صّدق عالي الصّوت وقال لصموئيل أَجب... وإذ أَجاب استخدمه ربّه للنبوّة!!.
 
الحياة في المسيح هي حياة استجابة لصوت الرّبّ يدعونا... مَن يدعو الرّبّ بالحقيقة؟!... إنّه يدعو كلّ مؤمن... لأَنّ كلّ إنسان هو مختار الله وإذ يقول له النَّعَم، فيصير مثل والدة الإله حاضرًا ليصبح إناءً مُخْتَارًا، فيأتي يسوع ويسكن فيه ويقدِّسه ليبشِّر باسمه... 
هذا السّؤال هو الأَوّل والأَخير في حياة كلّ إنسان على وجه الأَرض... وهذا هو صومنا في المسيح...

 
إن أَتينا المسيح سائلين مَن أَنت وماذا تريد، يدخل إلهنا معنا في حوار... يكلّفنا، فإن نجحنا يضيف على الوزنة الّتي أُعْطِينَاهَا وزنات أُخَر حتّى يظهر هو هو الحياة مبرأها ومعطيها لنا...
 
"فإن سمعتم صوت الرّبّ فلا تُقَسُّوا قلوبَكُم"... "قلبًا نقيًّا أُخلق فيَّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدِّد في أَحشائي"... هذا التّجديد يحصل عليه الإنسان بحبّ الإله من كلّ القدرة والنّفس والكيان بالتّنقية... تنقية الجسد والنّفس والعقل والحسِّ والرّوح من أدران السّقوط.
 
هنا يصير الصّوم مسيرة حياة، لا نحياها فقط في مواسمها بل يصبح الصّوم يوميّة حياتنا... حياة الصّوم هي التّنقية من عشق الذّات... من عبادة الأَنا... من السّعي وراء الملذّات والتّفلّت لعيش الحرّيّة الكذوب... من الطّمع وحبّ المال... من النّميمة والحسد... من عدم محبّة الآخر كالنّفس... للنَّصَبِ في حبّ الإله وكلمته والأَخ... هذا هو صومنا... لا الانقطاع عن الأطعمة... بل الانقطاع عن عشق ذواتنا.
الصّوم هو ملازمة المسيح والعيش له ومنه، لنصل إليه مملوئين من بركات رضاه، مع كلّ الّذين أَحبّهم وأَحبّنا فيه وفيهم...