الأحد 16 آب 2015

الأحد 16 آب 2015

16 آب 2015
 
الأحد 16 آب 2015
 العدد 33
الأحد الحادي عشر بعد العَنْصَرَة
اللَّحن الثَّاني   الإيوثينا الحادية عشرة
 
* 16: نقل المنديل الشَّريف من الرَّها، الشَّهيد ديوميدوس. * 17: الشَّهيد ميرن. * 18: الشَّهيدان فلورُس ولَفْرُس، أرسانيوس الجديد الَّذي من باروس. * 19: أندراوس قائد الجيش والـ 2593 المستشهدون معه. * 20: النَّبيُّ صموئيل. * 21: الرسول تَدَّاوس، الشُّهداء باسي وأولادها.  * 22: الشَّهيد أغاثونيكُس ورفقته.
 
عيدُ السَّيِّدَة
كلمة مريم تعني السَّيِّدَة.
عيد السيّدة 15 آب هو عيد مريم، عيد كلّ واحدٍ يحبُّها ويريد أن يتشبَّهَ بها، أعني بفضائلها. كانت مريم إنسانًا بتولًا، صورةً عن كلِّ نفسٍ تُمسِكُ عن كلِّ شيءٍ لا يَخُصُّ الله، إنسانٌ مُتَجَرِّدٌ عن الدُّنيويَّات العابِرَات الفاسِدَات. هذا هو معنى البَتُولِيَّة. مريم السَّيِّدَة تقودُنَا إلى السَّيِّد. هي مشروع قداسة لكلّ إنسان يريد أن يَلِدَ المسيح في العالم.
 
*  *     *
مريمُ هي أيضًا عاشِقَة كلمة الله، عاشِقَة الحبّ الإلهيّ، تُدْخِلُنَا إلى السِّرّ الإلهيّ. السِّرُّ mystery أي فيه عملٌ للنِّعمةِ الإلهيَّة في الإنسان. 
 
كانَتْ تَسمعُ كلامَ اللهِ جالسِةً على قدمَي يسوع (لوقا 10: 39). نذكُرُ هنا أنَّ سماعها لكلمة الله يُفيدُ الطَّاعة لهذه الكلمة. في اللُّغة اليونانيَّة أسمع هو ακούω وأُطيع هو υπακούω. مريم إذاً تفيد المعنى "سَمْعًا وطَاعَةً"، ما تسمعُهُ تُطيعُه.
 
أمّا مرتا يقول لها السَّيِّد "مرتا مرتا أنتِ تهتمِّينَ وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحِد فاختارَت مريم النَّصيب الصَّالِح الَّذي لا يُنْزَعُ منها" (لوقا 10: 41-42). وفي موضِع البشارة يقول لوقا البشير عن مريم "وكانَت أمّه تَحْفَظُ جميع الأمور في قلبها" (لوقا 2: 51)، وفـي مـوضِـع آخَـر عـنـد الـولادة "وأمَّا مريم فكانت تَحْفَظُ جميع هذا الكلام مُتَفَكِّرَةً به في قلبها" (لوقا 2: 19). وهي ما كانت تحبُّ الكلام: يصمُتُ اللِّسان ويتحرَّك القلب.
* * *
دَعُونَا أخيرًا في هذا العيد نُصَلِّي من أجلِهَا:
 
أيَّتها السَّيِّدة القدِّيسة أمّ إلهنا الطَّاهِرَة، يا من وَلَدَتْ خالِقَ كلّ البرايا ولادةً لا تُوصَف، تَضَرَّعِي إلى صلاحِه دائمًا مع القدِّيسين الأَطْهَار أن يُنْقِذَنَا من الحروبِ والأهواءِ والآلامِ ويمنحَنَا الشِّفاء والسَّلام مع غفران الخطايا. 
 
وأيضًا إنَّنا لدى وقوفنا في هيكل كنيسة مجدِكِ نحسَبُ أنَّنا في السَّماء واقفون. فيا والدةَ الإله الباب السَّماويّ اِفْتَحِي لنا باب رحمتِكِ.
 
تَعِدُنَا العذراءُ مريم والدة الإله أنَّها تُنْقِذُنَا من الأَزَمَاتِ الكُبْرَى والحروبِ الأهليَّةِ بمناسبة أعيادها السَّيِّديَّة الرَّئيسيَّة. فَلْنُصَلِّ إليها بحرارة لكي تتشَّفَعَ إلى الرَّبّ الإله لكي يخلِّصَ العالم. 
 
                                                                                                                   + أفرام
 
                                                                                                   مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 

 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثَّاني
 
عِنْدَمَا انْحَدَرْتَ إلى الموت، أيُّهَا الحياةُ الَّذي لا يَمُوت، حينئِذٍ أَمَتَّ الْجَحِيمَ ببرقِ لاهوتِك، وعندما أَقَمْتَ الأمواتَ من تَحْتِ الثَّرى، صَرَخَ نَحْوَكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويِّين: أيُّها المسيحُ الإله، مُعْطِي الحياةِ المجدُ لك. 
 
 
طروباريَّة رُقَاد السَّيِّدة  باللَّحن الأوَّل
 
في مِيلادِكِ حَفِظْتِ البَتُولِيَّة وصُنْتِهَا. وفي رُقَادِكِ ما أَهْمَلْتِ العالَم وترَكْتِهِ يا والِدَةَ الإله. لأنَّكِ انْتَقَلْتِ إلى الحَيَاة بما أَنَّكِ أُمُّ الحَيَاة. فبِشَفَاعَاتِكِ أَنْقِذِي من الموتِ نفوسَنَا.
 
 
قنداق رُقاد السَّيِّدَة  باللَّحن الثَّانِي
 
إنَّ وَالِدَةَ الإلهِ الَّتِي لا تَغْفَلُ في الشَّفَاعَات، والرَّجَاءَ غيرَ المردُودِ في النَّجَدَات، لم يَضْبُطْهَا قَبْرٌ ولا مَوْتٌ، لكنْ بما أَنَّها أُمُّ الحَيَاة، نَقَلَهَا إلى الحَيَاة الَّذي حَلَّ في مُسْتَوْدَعِهَا الدَّائِمِ البَتُولِيَّة.
 
 
الرِّسَالَة
1 كو 9: 2-12
قُوَّتِي وتَسْبِحَتِي الرَّبُّ
أَدَبًا أَدَّبَنِي الرَّبُّ وإلى الموتِ لم يُسْلِمْنِي
 
يا إخوةُ، إِنَّ خَاتَمَ رسالَتِي هوَ أنتمُ في الرَّبّ. وهذا هو احْتِجَاجِي عندَ الَّذينَ يَفْحَصُونَنِي. أَلَعَلَّنَا لا سُلْطَانَ لنا أنْ نَأْكُلَ ونَشْرَبَ. أَلَعَلَّنَا لا سُلْطَانَ لنا أنْ نَجُولَ بامرأةٍ أُخْتٍ كسائِرِ الرُّسُلِ وإخوةِ الرَّبِّ وصَفَا. أَمْ أنا وبَرنَابَا وَحْدَنَا لا سُلْطَانَ لنا أن لا نَشْتَغِل. مَن يَتَجَنَّدُ قَطُّ والنَّفَقَةُ على نَفْسِه؟ مَن يَغْرِسُ كَرْمًا ولا يأكُلُ من ثَمَرِهِ؟ أو مَن يَرْعَى قطيعًا ولا يأكُلُ من لَبَنِ القطيع؟ أَلَعَلِّي أَتَكَلَّمُ بهذا بحسبِ البشريَّة، أم ليسَ النَّامُوَس أيضًا يقولُ هذا. فإنَّهُ قد كُتِبَ في ناموسِ موسى: لا تَكُمَّ ثورًا دارِسًا. أَلَعَلَّ اللهَ تَهُمُّهُ الثِّيران، أم قالَ ذلك من أجلِنَا، لا مَحَالَة. بل إنَّما كُتِبَ من أجلِنَا. لأنَّه ينبغي للحَارِثِ أنْ يحرُثَ على الرَّجاءِ، وللدَّارِسِ على الرَّجاءِ أن يكونَ شريكًا في الرَّجاءِ. إنْ كُنَّا نحنُ قد زَرَعْنَا لَكُمُ الرُّوحِيَّاتِ أَفَيَكُونُ عَظيمًا أنْ نَحْصُدَ مِنْكُمُ الجَسَدِيَّات. إنْ كانَ آخَرُونَ يَشْتَرِكُونَ في السُّلْطَانِ عليكم أَفَلَسْنَا نحنُ أَوْلَى. لَكِنَّا أَوْلَى. لَكِنَّا لم نَسْتَعْمِلْ هذا السُّلطان، بل نَحْتَمِلُ كلَّ شيءٍ لِئَلَّا نُسَبِّبَ تَعْوِيقًا ما لِبِشَارَةِ المسيح.

 
الإنجيل
متَّى 18: 23-35 (متَّى 11)
 
قالَ الرَّبُّ هذا المَثَل: يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إنسانًا مَلِكًا أرادَ أن يُحَاسِبَ عبيدَهُ. فلمَّا بدأَ بالمحاسَبَةِ أُحْضِرَ إليهِ واحِدٌ عليهِ عَشَرَةُ آلافِ وَزْنَةٍ. وإذْ لم يَكُنْ لهُ ما يُوفي أَمَرَ سيِّدُهُ أن يُبَاعَ هو وامرأَتُهُ وأولادُهُ وكلُّ ما لهُ ويُوفَى عَنْهُ. فَخَرَّ ذلكَ العبدُ ساجِدًا لهُ قائِلًا: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيكَ كلَّ ما لَكَ. فَرَقَّ سَيِّدُ ذلك العَبْدِ وأَطْلَقَهُ وتَرَكَ لهُ الدَّيْن. وبعدما خرجَ ذلك العبدُ وَجَدَ عَبْدًا من رُفَقَائِهِ مَدْيُونًا لهُ بمئةِ دينارٍ، فَأَمْسَكَهُ وأَخَذَ يَخْنُقُه قائلًا: أَوْفِنِي ما لِي عَلَيْك. فَخَرَّ ذلك العبدُ على قَدَمَيْهِ وطَلَبَ إليهِ قائلًا: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيكَ كلَّ ما لَك. فَأَبَى ومَضَى وطرحَهُ في السِّجْنِ حتَّى يُوفِيَ الدَّيْن. فلمَّا رأى رُفَقَاؤُهُ ما كانَ حَزِنُوا جِدًّا وجَاؤُوا فَأَعْلَمُوا سَيِّدَهُم بكلِّ ما كان. حينَئِذٍ دعَاهُ سَيِّدُهُ وقالَ لهُ: أيُّها العبدُ الشِّرِّيرُ، كلُّ ما كانَ عليكَ تَرَكْتُهُ لكَ لأنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ، أَفَمَا كانَ ينبغِي لكَ أنْ ترحَمَ أنتَ أيضًا رفيقَك كما رَحَمْتُك أنا. وغَضِبَ سَيِّدُهُ ودَفَعَهُ إلى المُعَذِّبِينَ حتَّى يُوفِيَ جميعَ ما لَهُ عَلَيْهِ. فهكذا أبي السَّماوِيُّ يَصْنَعُ بِكُم إنْ لم تَتْرُكُوا من قُلُوبِكُم كلُّ واحِدٍ لأَخِيهِ زَلَّاتِهِ.
 
 
في الإنجيل
 
في هذا المقطع الإنجيليّ يروي لنا البشير متَّى مَثَل العبد غير الشَّكُور الَّذي لم يعرف الغفران والمسامحة رغم أنّه حصل عليهما من سيِّده الَّذي سامحه بالدَّيْن الَّذي كان لَهُ عليه. لذلك ما عرف الشُّكران ولا شعر بقيمة المغفرة الَّتي هي حاجة كلِّ إنسان. إذًا عنوان هذا المَثَل: "المسامحة" الَّتي شدَّد عليها الرّبّ يسوع في تعاليمه فجعلها مَدْخَلًا لملكوته السَّماويّ. فبعد أن علَّمَنا الصَّلاة الرَّبانيَّة: "أبانا الَّذي في السَّماوات..." والَّتي نطلب في بدايتها ملكوت الله "ليأتِ ملكوتُك"، ننتهي بقولنا "واتْرُكْ لنا ما علينا كما نترُكُ نحن لمن لنا عليه". وذلك ليقول لنا إنّنا لن نحصل على الملكوت إذا لم نتعهَّد مسامحة كلّ من أخطأ وأساء إلينا. لذا يعطينا صورة الملك الَّذي يحاسب والعبد الَّذي يجب أن يتيقَّظ وهذه صورة عن التَّعَهُّد. فالعبد يتعهَّد أمام سيِّده أن يلبِّي حاجاته وينفِّذ طلباته ويكون دائمًا مستعدًّا. والإنسان المسيحيّ يتعهَّد أمام الرّبّ أن يكون مُسَامِحًا لإخوته مهما أساؤوا إليه، وإلَّا فما معنى قوله "كما نترك نحن لمن لنا عليه"؟؟. وإن بَقِيَتْ هذه الصَّلاة مجرَّد كلام نردِّده بتواتر دون تنفيذ نكون مثل العبد غير الشَّكُور الَّذي لم يترُكِ الدَّيْنَ لمن له عليه رغم حصوله على المغفرة.
 
وهذا ما تميَّز به السّيّد المسيح إذ قال: شرط دخولك الملكوت هو تعاملك مع الآخَر. لذا يجب على الإنسان المسيحيّ أن لا يجعل تصرُّفه مع النّاس مستقلًّا عن علاقته مع الله. فاستِجَابَتُه للمحبَّة الإلهيَّة تكون بمحبَّته ووداعته أمام النّاس. ومن يتصرّف عكس ذلك فهو يملك مفهومًا خاطئًا لمحبَّة الله، وهو يصبح مُرَائيًا إذ يفعل غير ما يقول ويتعهَّد. وهذا واجب الكنيسة وواجب كلّ عضو فيها أن يحمل رسالة المحبَّة للآخَر ويُظْهِرَ استجابَتَه للمحبَّة الإلهيَّة عن طريق مسامحة الإخوة المُسيئين إليه. المسيح على الصَّليب غَفَرَ للَّذِينَ صلبُوه، ونحن يجب علينا أن نتشبَّه به ونصلِّي إليه كي تكون عندنا القدرة والجرأة على مسامحة المُذْنِبِين إلينا وهم إخوتنا، لأنَّ الإنسان يَلْقَى الإساءة كثيرًا من الَّذين حوله دائمًا، أي إخوته، وليس من البَعِيدِين عنه. لذا قال السّيّد المسيح "أَحْبِبْ قريبَك كنفسِك"، لأنَّه عارِفٌ أنَّ محبَّة القريب أصعب من محبَّة البعيد.
 
أَلَا أعطانا الله قوَّة لنحبَّ أكثر فنغفرَ أكثر ونسامحَ دائمًا، عندها تكون صلاتنا "يا ربُّ ارحم" نابعة من القلب بصدق وليس من اللِّسان فقط. آمين.

 
من وحي التّجلّي والرّقاد
 
ما إن تودّع الكنيسة ذكرى تجلّي المسيح حتّى تتذكّر رقاد والدته. الحدث الأوّل يستحضِر مجدًا، حصل قبل الموت. والحدث الثّاني مجدًا صار بعده. محورُ التّجلّي صليبُ يسوع والآلامُ الَّتي كان مُزْمِعًا أن يتقبَّلَها وموتُه، حبًّا بالبشر. التّجلّي النّورانيّ الوجيز الَّذي حَدَثَ على الجبل، لم يكن إلَّا مُقَدّمة التّجلّي الأبهى الّذي صار إليه يسوع على الصّليب. بهذا التّعبير السّاطِع عن الحبّ،  ولا يفوقه شيء على الأرض بهاء، ارتفع يسوع إلى ما هو أعلى من الجبال. الصَّليب أرفع منها كلّها. وتاج الصّليب القيامة. فمن يحبّ لا يموت. يعجز الموت عن ابتلاعه. شوكة الموت تتحطّم على رقّة الحبّ الصَّلْبَة. 
 
وفي ذكرى رقاد والدة الإله نُعَيِّدُ للحياة الَّتي مُنِحَت لمريم من بعد أن رَقَدَتْ. الرِّسالة الَّتي يحملها هذا العيد هي عينها الَّتي يُظْهِرُهَا عيد التّجلّي: مَنْ أَحَبَّ قَوِيَ على الموت. هذا ما حدث للعذراء مريم. ففي طاعةٍ مطلقَةٍ قَبِلَتْ أن يتجسَّد منها الإله. والطَّاعة إن كانت بلا حبّ، صارت قهرًا. العذراء أطاعت الرّبّ الَّذي أحبَّتْهُ. وأحبَّت الابنَ الَّذي اتَّخَذَ منها جسدًا. هي مُجَسَّمٌ مُصَغَّر للبشريَّة الَّتي تقبل الله يَحُلُّ فيها. ولا يَحُلُّ اللهُ إلَّا في النُّفوس العذراء الَّتي لا تُشْرِكُ في حبِّه أحدًا سواه. كلّ نفس ذائقة الله تُمَاثِل العذراء مريم. من ذاق الله، لا يَسْتَطِيبُ مَنْ دونه. من هنا، نؤمن بعذريَّة مريم الدَّائمة، لا لأنَّ العلاقة الزّوجيّة، إن كانت قد مارستها، بعد ولادتها يسوع، فيها دنس أو تحقير للكائن البشريّ. لا، بل من باب سُمُوِّ الذَّوْق، وتدرُّجِه. فمن اسْتَطَابَ لذَّة، ما عاد يستسِيغ ما دونها. وهل ترضى أيّ سيّدة أو فتاة أن تلبس الخيش، من بعد أن توشَّحَتْ بالحرير؟ وهل يستسيغ شرب الخَلّ، من ذاق الخمر العتيقة؟ هكذا كانت حال العذراء مريم. ذاقت، حتّى الملء، جسدًا ونَفْسًا، حلاوة الله فيها، فأنَّى لها أن يسوغ لها ما دونها؟.
 
المجد الَّذي نؤمن أنّه صار للعذراء، إذ انتقلَتْ بالموت إلى الحياة، ثمرةُ طاعتها الرّبّ، طاعة مطلَقَة. قلت، إنّ الطَّاعة بلا حبّ قهر. والطَّاعة بلا حرّيّة عبوديّة. الطّاعة قرار يأخذه المرء بملء حرِّيَّته وتمام إرادته. وهو قرار قابِل للرَّفع والتّعديل، بحرِّيَّةٍ، في كلّ حين. لا إلغاء للإرادة في الطَّاعة، بل الإرادة تُعَبِّرُ عن ذاتها بعمل الطَّاعة الَّتي هي فعلٌ إِرَادِيّ مَحْض. بِحُرِّيَّة كامِلَة وبملء إرادته أطاع يسوع "حتَّى الموت، موت الصَّليب". وكذلك أطاعت العذراء مشيئة الله، فحَمَلَتْ وهي عذراء. الحياة الَّتي حملتها للعالم لم تفارِقْهَا، فكان رقادها عبورًا من حياة معدودة أيّامها إلى حياة لا تنقضي. 
 
أهمّ ما يبقى من الأيّام المبارَكَة الَّتي عيَّدْنَا فيها أنّ الحبّ طاقة أقوى من الموت. به تجلَّى يسوع. وبه تحوَّل موت أمّه إلى حياة. والحبُّ فِعْلٌ حُرٌّ. وهو ينطق عن ذاته طاعةً للمحبوب. هذه الحركة الثُّلاثِيَّة العناصر محورُ الحياة المسيحيَّة. من حَيَاهَا، لا سلطان للموت عليه.