الأحد 27 آذار 2022

الأحد 27 آذار 2022

24 آذار 2022

الأحد 27 آذار 2022
 العدد 13
الأحد الثّالث من الصوم
اللَّحن السابع - الإيوثينا السابعة

* 27: السّجود للصليب المقدّس، الشّهيدة مطرونة التّسالونيكيّة، النبيّ حنانيا، * 28: البارّ إيلاريُّون الجديد،
* 29: مرقس أسقُف أريثوسيون، كيرللس الشمّاس والذين معه، * 30: البارّ يوحنّا السُّلميّ، النبيّ يوئيل، آففولي (والدة القدّيس بندلايمون)، * 31: الشّهيد إيباتيوس أسقُف غنغرة، * 1: البارّة مريم المصريّة، الشُّهداء يارونديوس وباسيليوس، المديح الرابع، * 2: البارّ تيطس العجائبيّ. * 

الغاية من الصوم صلب الشهوات 

سجودنا للصليب الكريم، في وسط الصوم الأربعينيّ المقدّس، إنّما هو إعتراف صريح منّا بأنّ المعنى والغاية من مسيرة الصوم، هو في صلب وإماتة شهوات إنساننا العتيق. هو اعتراف بأنّ الغاية في الامتناع عن ما يرغب به جسدنا، هو بحدّ ذاته علاج، ضدّ "الخلايا السرطانيّة الروحيّة" التي تُميت النفس والجسد.

من هنا أهميّة استمرارنا في الصوم بنفس الوتيرة، لكي لا تأخذ هذه الخلايا فرصتها بالنشاط ومعاودة النموّ من جديد. إذْ ما هي المنفعة إنْ تراخَينا وانهارَتْ عزيمتُنا في منتصف الطريق؟ وما هي النتيجة المأمولة؟

تدعونا الكنيسة اليوم لننال قوّةً ونعمةً مِن عود الصليب لنتشدّد في جهادنا وعزيمتنا الروحيّة. نعم، عود الصليب فيه نعمةٌ وقوّةٌ عظيمة غير مرئيّة. فننال هذه القوّة عند مُلامستِنا لهذا العود الكريم.

تسمّي الكنيسة الصليب "بالعود المحيي" وتعلّمنا بأن بواسطة الأكل من العود، في الفردوس، حصل الموت للجنس البشريّ. العود في الفردوس هو شجرة معرفة الخير والشرّ التي تناول منها آدم. فكان هذا العود جالبًا الموت للجنس البشريّ. أمّا بواسطة الصليب، أي "العود المحيي"، فقد نلنا الحياة بواسطته أي بواسطة الثمرة، المسيح الذي صُلِبَ عليه وأعطانا جسده ودمه غذاءً لمغفرة الخطايا ولحياة أبديّة.

يقول لنا المسيح اليوم، ها نحن صاعدون إلى أورشليم حيث سَيُسْلَمُ ابنُ البشر ويُعلّق على الصّليب "فمن أرادَ أن يَتْبَعَني، فَلْيَكْفرْ بِنَفْسِهِ ويَحْمِلْ صَليبَهُ ويَتْبَعني" (متى 24:16). فهلمّوا يا محبي الأعياد، نصعد معه لنعاين النور الذي لا يعروه مساء للمسيح الناهض من بين الأموات.

طروباريّة القيامة باللّحن السابع

حطمت بصليبك الموتَ وفتحتَ للّص الفردوس، وحوّلتَ نوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرتَ رسلكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيح الإله، مانحاً العالم الرحمةَ العظمى.

طروباريّة الصّليب باللحن الأوّل

خلِّصْ يا ربّ شعبكَ وبارك ميراثك، وامنح عبيدَكَ المؤمنين الغلبة على الشرير، واحفظ بقوّةٍ صليبِك جميعَ المختصّين بك.

القنداق باللحن الثامن

إِنِّي أَنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أَكتُبُ لكِ راياتِ الغَلَبَة يا جُنديّة محامِيَة، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكْرَ كَمُنْقِذَةٍ مِنَ الشّدائِد. لكنْ، بما أَنّ لكِ العِزّةَ الّتي لا تُحارَبِ، أَعتقيني من صُنوفِ الشّدِائِد، حتّى أَصرُخَ إِليكِ: إِفرحي يا عروسًا لا عروسَ لها.

الرِّسَالة

عب 4: 14-16، 5: 1-6
خلِّص يا ربُّ شَعبَك وباركْ ميراثك
إليكَ يا ربُّ أصرُخُ إلهي

يا إخوة، إذ لنا رئيسُ كَهَنةٍ عظيمٌ قد اجتازَ السماواتِ، يسوعُ ابنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسّكْ بالاعترافِ. لأنْ ليسَ لنا رئيسُ كهنةٍ غيرُ قادرٍ أن يَرثيَ لأوهانِنا، بل مُجَرّبٌ في كلِّ شيءٍ مِثلَنا ما خَلا الخطيئة. فَلْنُقْبلْ إذاً بثقة إلى عرشِ النعمةِ لنِنالَ رحمةً ونجدَ ثِقةً للإغاثةِ في أوانها. فإنّ كلّ رئيسِ كهنةِ مُتّخَذٍ من الناسِ ومُقامٍ لأجلِ الناس في ما هو لله ليُقرّبَ تَقادِمَ وذبائحَ عن الخطايا، في إمكانِهِ أنْ يُشفِقَ على الذينَ يجهَلونَ ويَضلُّونَ، لِكونِهِ هو أيضاً مُتَلَبِّساً بالضَعْفِ. ولهذا يجب عليهِ أنْ يقرِّبَ عن الخطايا لأجلِ نفسِهِ كما يُقرِّبُ لأجلِ الشعْب. وليس أحدٌ يأخذُ لِنَفسِهِ الكرامةَ بَلْ من دعاه الله كما دعا هارون. كذلكَ المسيحُ لم يُمَجِّدْ نَفْسَهُ ليّصيرَ رئيسَ كهنةٍ، بل الذي قالَ لهُ:  "أنْتَ ابني وأنا اليومَ ولدْتُكَ". كما يقولُ في مَوضِعٍ آخرَ: أنْتَ كاهنٌ إلى الأبَدِ على رُتبَةِ ملكيصادق.

الإنجيل
مر 8: 34-38، 9: 1

قال الرَبُّ: مَنْ أرادَ أنْ يَتبَعَني فَلْيَكْفُرْ بنَفْسِهِ ويَحمِل صَليبَه ويَتبَعْني. لأنّ مَنْ أرادَ أنْ يُخَلِّصَ نفسَه يُهْلِكُها، ومَنْ أهلكَ نفسَهُ مِن أجلي وَمِنْ أجْلِ الإنجيل يُخَلِّصُها. فإنّهُ ماذا يَنْتَفِعُ الإنسانُ لو رَبحَ العالَم كُلَهُ وخَسِرَ نفسَهُ؟ أمْ ماذا يُعطي الإنسانُ فِداءً عن نَفْسِهِ؟ لأنّ مَن يَسْتحي بي وبكلامي في هذا الجيلِ الفاسقِ الخاطئ يَسْتحي بهِ ابْنُ البَشَر متى أتى في مَجْدِ أبيهِ مَع الملائكةِ القِدِّيسين. وقالَ لهُمْ: الحقّ أقولُ لكم إنّ قَوْماً مِنَ القائمين ههنا لا يَذوقونَ الموْتَ حتى يَرَوا مَلكوتَ اللهِ قد أتى بقُوّةٍ.

في الإنجيل

قال الرّبُّ لتلاميذِهِ داعياً إيّاهم من بعده: "مَن أراد أن يتبعني فليكفُر بنفسِهِ ويحمل صليبَهُ ويتبعني". 

أَيُّها الإِخوة الأَحبّاء! نحن أيضاً تلاميذ ربِّنا يسوع المسيح لأنّنا مسيحيّون. نحن أيضاً مُدعوّون أمام حضرة الرّبِّ كي نُنصتَ إلى تعليمه. نحن الآن واقفون أمام حضرة الرّبِّ وأنظارُه موجّهةٌ إلينا.

إنّ نفوسنا معرّاةٌ أمامه وأفكارَنا السرِّيّة وشعورنا الباطني مكشوفةٌ لديهِ. إنّهُ يرى جميع نوايانا، إنّهُ يرى الأعمال الصالحة والخطايا الّتي عملناها منذ حداثتنا ويرى كلّ حياتنا الماضيّة والمستقبليّة والعمل الّذي لم نفعله بعدُ هو مكتوبٌ في سِفرِهِ. إنّهُ يعلم ساعة انتقالنا إلى الأبديّة الّتي لا مِقياسَ لها ويُخبِرُنا من أجل خلاصِنا بوصيته الكليّة القداسة: "مَن أراد أن يتبعني فليكفُر بنفسِهِ ويحمل صليبَهُ ويتبعني". 

لنرفع أعيننا الروحيّة بقوّة إيماننا الحيِّ إلى الرّبِّ وسوف نراه. سنراه هو الإله الأزليّ والحاضر هنا معنا! لنفتحْ قلبنا مزيحين من مدخله حجر القسوة الثقيل، ولنسمعْ
ولْنَرَ وَلْنَقْبَل وَلْنَستوعِبْ تعليم ربّنا من أجل أنفُسِنا.


ما المقصود بالكُفرِ بالنفس؟ 

أن نكفر بأنفسنا يعني أن نترك حياة الخطيئة. لقد صارت الخطيئة الّتي بواسطتها حدث سقوطنا وكأنّها أمرٌ طبيعيٌّ بالنسبة لنا: أصبح التخلّي عن الخطيئة نوعاً ما التخلّي عن طبيعتنا والتخلّي عنها هو التخلّي عن ذاتنا (أي شيء غير عادي). 

لقد تحوّل الموت الأبديّ الّذي ضرب نفسَنا إلى حياةٍ لنا. يصدر الرّبُّ ضدّ هذا الموت الأبديّ والّذي يقدِّم نفسَهُ على أنّهُ حياةٌ: الّذي يريد أن يُخلِّصَ نفسَه منمِّياً فيها حياة السقوط أو الموت الأبديّ سيخسرها، ومن خسر نفسهُ من أجلي ومن أجل الإنجيل مميتاً رغبات الخطيئة في ذاته ومتخليّاً عن لذّات الخطيئة فإنّهُ سيربحها (مرقس 8: 35). يقول الرّبُّ مُشيراً إلى كُلِّ العالم القائم أمامنا والمليء بالروائع والجمال: 

"وماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كُلّهُ وخسر نفسَهُ؟" (مرقس8: 36). ما الفائدة الّتي سيجنيها الإنسان لو كسب كُلّ العالم، لو امتلك ليس شيئاً قاصراً فحسب بل وحتّى كُلّ العالم المنظور؟ إنّ هذا العالم المنظور هو منزلٌ آنيٌّ للإنسان فحسب! ليس هناك أيّة مادةٍ ولا أيّ ميراثٍ يمكننا أن نعترف به بأنّهُ ملكنا.

 يغتصب الموت الحتميُّ وغيرُ الرحيم كُلّ شيءٍ منّا وفي الكثير من الأحيان وقبل موتنا تغتصبه منّا أوضاعٌ غيرُ محسوبةٍ وانقلابات. نحن نتخلّى حتّى عن جسمنا على عتبة عهد الحياة الأبديّة. إنّ نفسَنا هي مُلكُنا وميراثُنا وكنزُنا، هي وحسب. يقول كلمة الله:

”"ماذا يعطي الإنسانُ فداءً عن نفسِهِ؟" لا نستطيع بأيِّ شيءٍ أن نستعيدَ نفسَنا الهالكة عندما يميتُها الموت الأبديّ الّذي يقدِّم نفسهُ بإغراءٍ على أنّهُ حياةٌ.

ما المقصود بأن نحمل الصليب؟ لقد كان الصليب أداةً لعقاب مذلل للناس المحتقَرين والأسرى المحرومين من الحقوق المدنيّة. يحرمُ العالمُ المتكبِّر المُعادي للمسيح تلاميذ المسيح من الحقوق الّتي ينتفع بها أبناء هذا الدّهر. يقول الرّبُّ لأتباعه: "إن كُنتم من العالم لأحبّ العالمُ خاصّتَهُ لكن بما أنّكم لستم من العالم لكنِّي اخترتُكم من العالم لهذا العالم أبغضكم. 

سيطردونكم من المجامع حتّى أنّهُ يأتي زمنٌ عندما يظنُّ كلُّ واحدٍ يقتُلُكم أنّهُ يُقدِّم خدمةً للهِ." (يوحنّا 15: 19، 16: 2 ).

أن نحمل صليبَنا معناه أن نحتمل بنُبْلٍ السُّخريةَ والتجديف الّتي يغمر بها العالم أتباع المسيح، وتلك الأحزان والاضطهادات الّتي بها يلاحقه هذا العالم المُحبّ للخطيئة. يقول القدِّيس بطرس الرّسول: "لأَنّ هذَا فَضْلٌ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَجْلِ ضَمِيرٍ نَحْوَ اللهِ، يَحْتَمِلُ أَحْزَانًا مُتَأَلِّمًا بِالظُّلْمِ". (1بطرس2: 19-21 ). 

ولذلك دعيتم من قبل الرّبِّ الّذي سبق فخبّرَ أحبّاءَهُ: "يكون لكم في العالم حزنٌ ولكن تشجعوا فإنِّي قد غلبت العالم". (يوحنّا 16: 33).

أن نحمل صليبنا معناه أن نحتمل بشجاعةٍ نيرنا الثقيلَ غيرَ المرئيّ، العذابَ والشهادةَ غيرَ المرئيَّين من أجل الإنجيل، أثناء جهادنا ضدّ شهواتنا الخاصّة، وضدّ الخطيئة الساكنة في داخلنا، وضدّ أرواح الشرِّ الّتي ستثور علينا بغضبٍ وستقف ضدّنا بشدّة، عندما سنقرِّرُ إسقاط نير الخطيئة من أنفسِنا والخضوعَ لنير المسيح. قال القدِّيس بولُس الرّسول: 

"إِنّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشّرِّ الرُّوحِيّةِ فِي السّمَاوِيّاتِ". (أفسُس 6: 12).

إنّ أسلحة حربِنا الروحيّة هي جسديّة، لكنْ بِعَونِ اللهِ هي قادرةٌ على تدمير معاقل: فنحن ندمِّر بهم أفكاراً وكُلّ تعالٍ يقف عائقاً أمام معرفة الله ونأسُرُ كُلّ عقلٍ كي يكون مطيعاً للمسيح (2كورنثوس10: 4-5). صاحَ الرّسول بولس مقيماً النصر في هذه الحرب غير المرئيّة والصعبة جدّا: "حاشا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ". (غلاطيّة 6: 14).

أن نحمل صليبنا معناه أن نخضع للمصاعب والمجاعات الآنيّة بكُلِّ تواضُعٍ وطاعةٍ الّتي سمحت العناية الإلهيّة أن نمرّ بها لتطهير خطايانا. عندها يصير الصليب بمثابة سُلَّمٍ تقودُنا من الأرض إلى السموات. 

لقد صعد على هذه السُّلُّم اللصُّ المذكورُ في الإنجيل الّذي صعد من أرض أقبح الجرائم إلى ألمع مساكن الفردوس: فمن صليبه تلفّظ اللصُّ بالكلمات المملوءة بالحكمة والتواضع: فبالحكمة دخل إلى معرفة الله وبالمعرفة الإلهيّة اكتسب السموات.

لقد قال اللصُّ: "لأَنّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ". (لوقا23 : 41-42). ونحن أيضاً أَيُّها الإِخوة الأَحبّاء عندما يحيطوننا بالأحزان لنكرّر كلمات اللصِّ الّتي قيمتها هي قيمة الفردوس! أو لنباركْ على مثال أيُّوب الرّبّ المُعاقِبَ إيّانا، الّذي هو في الوقت نفسهِ إلهٌ عادلٌ.

"أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشّرّ لاَ نَقْبَلُ؟ فَلْيَكُنِ اسْمُ الرّبِّ مُبَارَكًا". (أيُّوب2: 10، 1: 21). فليتحقّق فينا وعدُ الله الغير الكاذب: "طُوبَى لِلرّجُلِ الّذِي يَحْتَمِلُ التّجْرِبَةَ، لأَنّهُ إِذَا تَزَكّى يَنَالُ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ الّذِي وَعَدَ بِهِ الرّبُّ لِلّذِينَ يُحِبُّونَهُ". (يعقوب1: 12)

أَيُّها الإخوة الأحبّاءُ! لِنَسجُدْ بالرُّوحِ للصَّليبِ المكرَّم، مع سجودِ أجسادِنا. لنكرِّمْ صليبَ المسيحِ الكريمَ الّذي هو أداةٌ للنصر ورايةً لمجد المسيح، بعد أن يعترف كُلُّ واحدٍ بصليبهِ الخاصّ به: "لقد نلتُ استحقاق أعمالي! اذكرني يا ربُّ في ملكوتكَ!" لنتخَلَّ بإدراكٍ عن خطايانا وبشكرٍ لله وبخضوعٍ للمشيئة الإلهيّة من صليبنا الّذي هو أداةُ العقاب ورايةُ العار. 

أداةُ النصر ورايةُ المجد، لنجعله على مثال صليب الرّبِّ. إنّنا بصليبِنا نفتح أبواب الفردوس. لكنّ ربّنا يسوع المسيح أراد أن يصعد بجسد على الصليب طوعاً وأن يحتمل الموت حتّى يصالح بصليبه البشريّة مع الله وأن يُخلِّص بموته البشر من الموت الأبدي. لقد كشف الرّبُّ للرُّسل مُهَيِّئًا إيّاهم للمناسبة العظيمة الفداء المقبل للجنس البشريّ عن طريق الآلام والموت المُخزي للإله المتأَنِّس، وفي الوقت المناسب أنّه ينبغي لهُ أن يُسلَم بين أيدي الخطاة وأن يتألّم كثيراً وأن يُقتَلَ ويقوم. 

إنّ نبوءةً كهذه قد بدت لبعضٍ من الرُّسل القدِّيسين غريبةً ولا تُصدّق. عندها نادى الرّبُّ إليهِ تلاميذَهُ وقال لهم: 

” الّذي يريد أن يتبعني فَلْيَكْفُرْ بنفسِهِ ويحمل صليبه ويتبعني.” آمين.

الصليب خلاصنا 

رتّبت الكنيسة السُّجود للصليب في الأحد الثالث من الصوم، في منتصف هذه الفترة المباركة، لتشديد المؤمنين في جهادهم وتذكيرهم أنّ الصليب هو محورُ الجهادِ وطريقُ الخلاص. جهاد ضدّ الشهوات والأهواء، ضدّ الخطيئة الساكنة فينا منذ سقوط الجدّ الأوّل، خطيئة تحاول دائمّا التمسّك بنا لتغرقنا في الظلام بعيدًا عن النور الإلهيّ.

ساعة الصلب فُتح باب الفردوس، هذا الباب، الذي كان قد أُغلق مع سقوط آدم الأول، فُتح مع صلب آدم الثاني، مُعيدًا لنا الوطن القديم ومُرجعًا إيّانا إلى مدينتنا الأمّ، أورشليم العلويّة، فتبدّلت الصورة من صليب يُعلّق عليه الأثمة إلى صليب المجد والخلاص، صليب أدخل اللص إلى الفردوس، أقام الموتى وشفى الامراض بقوّة المصلوب عليه.

الصليب مصدر القوّة، الصليب نبع المحبّة، الصليب علامة المجد في السماء، الصليب خلاص البشر على الارض، منه يستمدّ المؤمنون:

- القوّة التي تمكّنُهم من الغلبة على الشياطين، فأمام علامة الصليب التي ملؤها الإعتراف الإيمانيّ بالثالوث القدّوس، ترتعد الشياطين وينهزم الاعداء.

- المحبّة، فالذي أقام لعازر كان باستطاعته النزول عن الصليب ولكنّه، لشدّة محبّته للبشر، إحتمل البُصاق واللطم وإرتضى أن يُصلب ويُهان، وكلّ ذلك لخلاصنا.

- الغفران والتسامح، فالربّ على الصليب أعطانا درسًا عظيمًا بالغفران والتسامح، "يا أبتاه اغفر لهم لأنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 23: 34).

-الفرح والأمل بالمجيء الثاني، يومَ يدعو ابن الانسان المبارَكين ليرثوا ملكوت أبيه، "وحينئذ تظهر علامة ابن الانسان في السماء" (متى 24: 30) 

- الطريق لنيل الحياة الأبديّة، فعند الصليب ماتت الخطيئة وعند الصلب مات الموت، ومن خلال الصليب أتت القيامة، فبالعود كان السقوط وبالعود حصل الخلاص.

إنّ موت الربّ على الصليب أعطانا إمكانَ الدخول إلى الملكوت، وهذا مرهونٌ بحُسن الاختيار، فإمّا أن نكون صالبين أو مصلوبين، فالعبد ليس أفضل من سيّده (يو 13: 16)، فالصليب يدعونا لصلب الأنانية وإنكار الذات والتحرُّر من الرغبات الدنيئة ليحلّ المسيح فينا ساكنًا في أعماقنا، فنكون من أبناء النور ونُعاين وجه الله.